قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 07 كانون2/يناير 2015 08:18

الإسلام و سؤال الهوية

كتبه  الأستاذ أسامة غاوجي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

عادة ما تُطرح إشكالية الهوية و الفكر الهوياتي في الفضاء الثقافي العربي الإسلامي في أحد سياقين:

الأوّل: هو الهوية و التحديث، حيث يتم التعاطي مع الهوية كأحد جيوب المقاومة للحداثة في العالم العربي الإسلامي، أي إن النزعات الهوياتية قد ظهرت كرد فعل لعمليات التغريب و العلمنة و الحضور الثقافي و الاستعماري للحداثة الأوروبية في الحاضرة الإسلامية (و هذا التشخيص صحيح تاريخياً) إلا أن السياق الذي تُطرح فيه هذه الإشكالية عادةً ما يستتبع في نهاية المطاف ضرورة تجاوز (أوهام الهوية) بتعبير داريوش شايغان[1] و التخلي عن هذا الميكانيزم الدفاعي و التصالح مع الجرح النرجسي (بتعبير طرابيشي) [2] الذي خلفته الحداثة في الشخصية المسلمة و المضي قدماً في هذه الحتمية التاريخية (العروي مثالاً).

أما السياق الثاني (و هو الأكثر حضوراً في الإعلام المعولم): فهو الهوية و العنف[3] ، إذ إن الهويات المغلقة و التمامية هي البيئة المنتجة للحركات الأصولية (و ما بات يُعرف بالإرهاب)، و مهمة المثقف المستنير إذاً هو تفكيك هذه الصلابة الهوياتية، تمهيداً لقبول الآخر و فتح فضاء التعددية الدينية و الطائفية و إحلال السلام العالمي و نبذ العنف و التطرف.

و بما أن هذه الورقة هي محاولة نقدية لتجاوز براديغم الهوية و تخطي مأزق الفكر الهوياتي نحو براديغم الذات و الحركة (وفق فلسفة محمد إقبال) فسأضع بعض الملاحظات التمهيدية لإعادة طرح سؤال “الإسلام و الهوية” خارج السياقين الأيدولوجيين سابقي الذكر:

نشر عالم الإسلاميات الألماني توماس باور كتاباً لم يترجم بعد، عنوانه “ثقافة الإلتباس، تاريخ آخر للإسلام”، و هو في هذا الكتاب يعمد إلى تفكيك المقولات الاستشراقية التي تسم الثقافة الإسلامية بأنها ثقافة أحدية مغلقة على نفسها، غير قابلة جوهرانياً للتعدد و الاختلاف، و موسومة بالثبات و الواحدية، هذه المقدّمات غير المفحوصة و غير العلمية التي يتخذ منها الخطاب الاستشراقي الكلاسيكي مقدّمة للقول بأن محنة التخلف العربي الإسلامي اليوم هي بنت مشكلة ثقافوية في طبيعة الإسلام و هي ناجمة عن تشوه خلقي و أصلي و ليست نتيجة لظرف تاريخي[4]. و أن خلاص الشرق بالتالي لن يمرّ إلا عبر مهمة الرجل الأبيض التحضيرية.

و يرى باور في كتابه أن “التسامح مع الالتباس”، كان روح الثقافة الإسلامية حتى قدوم الاستعمار، الذي أدى فائض عنفه على العالم الإسلامي، إلى حالة من التمترس وراء الهوية في محاولة للدفاع عنها ضد الآخر الغازي، و لنا أن نرى في هذا المشهد البذرة الأولى للنزعات الهوياتية. و يمكن لنا أن نلحظ التغير الذي طرأ على خطاب مفكري عصر النهضة قبل بروز الاستعمار كمعطى مهدد للوجود و الثقافة الإسلامية و بعده، إذ يبدو أن السؤال البريء الذي يطرحه الطهطاوي و خير الدين التونسي هو: كيف نقنع المسلمين أن التنظيمات السياسية و مبادئ الدولة الحديثة و تشكيلاتها الديمقراطية لا تتعارض مع الإسلام؟ إلا أن ضغط الاستشراق و الاستعمار جعل موقف كلّ من الأفغاني و محمد عبده متراجعاً خطوةً من سؤال النهضة إلى سؤال الهوية إذا ما قيس بموقف مفكري عصر النهضة الأوائل، فثمة شعور عام لدى الرجلين بأن الإسلام نفسه قد صار مهدداً، و لذا فإن جهداً كبيراً بُذل من الرجلين في محاولة كلاميّة لرد الشبه و إثبات أن الإسلام ينطوي على إمكانات التحديث الداخلية ، و أنه لا يتعارض مع مبادئ العقلانية و حقوق الإنسان و العلم الطبيعي، و لنا أن نلحظ هنا أن الحداثة بدأت تبرز كمرجعية ثقافية أكيدة، و أن الإسلام تحول من معطى بدهي إلى مُسائل ينبغي عليه الدفاع عن نفسه أمام دعاوى الاستشراق التي تنزع إلى اعتبار الإسلام ذاته هو مكمن التخلف، و لو تقدّمنا بالزمن إلى كتابات المودودي و سيد قطب فسنلمح هذه النزعة في أوجها، فالحداثة هي الغزو الثقافي و هي الجاهلية الحديثة، و الإسلام النقي يرتكز إلى مقولات راسخة و مطلقة و متعالية عن التاريخ لا يعكرها الزمن و لا يغيّرها، و إن كان الاستعمار قد بدأ يغرب في تلك اللحظة التاريخية فإن تبعاته الامبريالية متمثلة بالنخبة السياسية و الثقافية التغريبية قد ضاعفت هذا الشعور بتهديد الذات و الخوف من ذوبان الهوية.

هذه النزعة للدفاع عن الهوية المهددة هي نزعة بشرية عابرة للثقافات ، فلنا أن نلحظها في مدرسة كيوطو اليابانية بعد انفتاح ميجي، و تبيئة المدرسة لوجودية كيركغارد و نيتشة و هايدغر في التراث البوذي و الكونفوشي لنقد مقولات الحداثة التقنية و العقلانية، و لنا أن نلحظ هذا الجهد الدفاعي و الهوياتي في الفكر الإيراني الحديث كذلك، فمفكرون مثل أحمد فرديد و جلال آل أحمد استدخلو من التراث الحداثي كتابات هايدغر (و بالأخص فكرته عن العودة إلى الأصول و الجذور) و كتابات مدرسة فرانكفورت النقدية لنقد سياسات الشاه التغريبية كما يظهر في كتاب جلال آل أحمد الشهير (غرب زدگی أي ضد التغريب) و هي ذات الاستراتيجية التي سيتبعها المسيري و مدرسة إسلامية المعرفة لاحقاً، في حرص لإثبات التمايز الكلي عن الحداثة، و التشبث بنموذج إسلامي نقي، يمكن سحبه على جميع الفروع العلمية و العملية و إسباغ ذات الدرجة من التمايز الجذري عليها.

يرى توماس باور أن التنوير كان باستمرار بحثاً عن الأحدية و نبذاً للإتباس، أي إنّ النزعة الهوياتية هي نزعة حداثية، فإذا كانت الهوياتية تعنى أن الذات الفردية تذوب في الذات الجمعية و تبحث عن مطلق نقي تستند إليه و تعرف نفسها بانتماء أحدي، فإن هذه السمة كانت لصيقة باللاهوت السياسي للحداثة، و هو ما تجلى في النزعات الفاشية و النازية لاحقاً، و لنا أن نرى في السلفية الجهادية اليوم باستنادها إلى منطق “الفرقة الناجية” الوجه المقابل للحداثة الفجّة المتمثل بمقولة “العرق النقي” ، الحداثة التي تحوّلت في لحظاتها الأولى إلى لاهوت مقلوب يتأسس على مقولات يقينية مضادة، أفاض عنفاً على العالم و على نفسه، و هو مصير كل جماعة تُشكل هويتها بانتماء أحدي تتوهم نقائه التام و تعاليه عن عبء التاريخ و حركته و ترى في نفسها الفرقة الناجية من هذا الاختلاف و التنوع البشري الأزلي و الضروري، الذي هو غاية الخلق في الآية القرآنية “و لا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم” [5].

يتتبع ستيوارت هول تحوّلات مفهوم الهوية في السياق الأوروبي في مقاله “حول الهوية الثقافية”[6] مُشيراً إلى أطوارها الثلاث: الهوية التنويرية و تتجلى في فلسفة عصر النهضة و التنوير: و هي ترتكز على مفهوم الإنسان بصفته ذاتاً موحدة، تمتلك نزعة مركزية بالكامل: أي إن الهوية وفق هذا المنظور هي لب داخلي ينشأ مع ولادة الذات و يبقى جوهرياً و متماهياً مع أصله مع النمو، و ينطوي هذا المفهوم عن الهوية، الذي يظهر مع ديكارت، على تغير جذري ألا و هو أن الهوية الذاتية تتأكد بمعزل عن التقاليد و البنى الخارجية عنها، و أن الفرد السيد يمتلك قيمة مركزية لكونه فرداً لا بسبب موقعه في التراتب العظيم للوجود بتعبير هول، و قد ساهمت عدة عوامل في صياغة هذا المفهوم الجديد عن الذات: الإصلاح البروتستانتي (تحرير الضمير من المؤسسة الكنسية)، و النزعة الإنسانوية التي وضعت الإنسان في مركز الوجود، و الثورات العلمية، و التنوير الذي تأسس على مفهوم النقد و الشك المنهجي.

أما الطور الثاني فهو الهوية السوسيولوجية التي برزت مع الوعي بأن التشكل الحديث للمجتمع و البُنى السياسية و الاجتماعية المعقدة فيه، لا يُبقي الذات متماهية مع نفسها، فالهوية الفردية ليست مكتفية بنفسها و ليست ثابتة ، و لكنها تتشكل بالعلاقة مع الآخر، فالهوية وسيط بين الذات و المجتمع الذي يقدّم للفرد هويات عدة و يقوم الفرد بدوره باستبطان هذه الهويات و ترتيب انتماءاته لها، فالهوية أشبه ما تكون بخياطة الذات إلى البنية الخارجية، أما الطور الثالث فهو: الهوية ما بعد الحداثية، و إن كانت هوية ما بعد الحداثة (الحداثية المتأخرة بتعبير غيدنز) قد نزعت هذا التمركز حول الذات، بجهود كلّ من ماركس (الذي نفى أن نكون كتبة للتاريخ) و فرويد (الذي نفى أن نكون كتبة لهويتنا الشخصية) و سوسير (الذي نفى أن نكون كتبة للبيانات والخطابات) و فوكو (و الذي نفى أن نكون كتبة لوعينا بأجسادنا و ممارساتنا الحياتية) و الحركات النسوية و الاتجاهات الثورية الاجتماعية الجديدة التي تبنت استراتيجية الاحتجاج على أساس الهوية بعد غياب الطبقة كأرضية للنضال و الاحتجاج، فإن هذه الهوية ما بعد الحداثية تُبقي الذات في حالة من عدم الاستقرار و السيرورة و التفتت و الانقطاع المستمر .

فإذا كانت الذات التنويرية تؤمن أن الهوية مغلقة و مكتفية بذاتها، فإن الذات السيوسولوجية تؤمن أن الهوية هي وسيط بين الذات و المجتمع و هي إذا مفتوحة على تفاعلات المجتمع، فإن الذات ما بعد الحداثية تجعل الهوية مفتوحة تماماً على احتمالات التاريخ (و الفوضى أحيانا).

و لكن هذه الذات ما بعد الحداثية ما زالت جزرا ثقافية و فنية تعوم على بحر الحداثة ، أي إن العلاقة السياسية بين العالم العربي و الغرب بقيت أسيرة الذاكرة التاريخية المتأزمة، و يمكن أن نكون أكثر قسوة بأنها ما زالت في الأفق السياسي البدائي لعلاقات العدو و الصديق، إذ إن سياسات الإدماج و التعددية و الاعتراف لا تنطبق على العالم العربي الإسلامي، و لنا أن نلحظ أن أحد أهم منظري التعددية الثقافية، أعني ويل كيميلكا الذي يقسم الأقليات في كتابه “أوديسا التعددية الثقافية” إلى أقلية أصلية و أقلية ثانوية و أقلية مهاجرة، ثم نراه يحصر الأقليات الأصلية في الهنود الحمر و السكان الأصليين في استراليا و كندا متناسياً عن تعمد أو عن غفلة الأقلية الأصلية الفلسطينية داخل حدود “إسرائيل” التي يجري التمييز على أساس الهوية بشكل دائم عليها[7] ، و إذا كان سارتر قد قال على أثر السجال الأوروبي حول معاداة السامية “بأن اليهودي إنسان، ينظر إليه الآخرون على أنه يهودي، إن المعادي للسامية هو الذي يصنع اليهودي”  فإن هذا الصوت بحق المسلم يبدو غائباً في الفضاء الغربي إلا من بقية ينهون عن الفساد في الأرض.

إذا كانت هذه المقدّمة الطويلة تتوخى تجنّب مزالق الوقوع في شَرَك الاستشراق و الاستشراق المعكوس ، و إذا كان لنا أن نُسلّم بأن من حق المسلم اليوم التفكير و التقدّم إلى حداثة بديلة تستند إلى “روح الحداثة” و تكمّل النقص في واقع الحداثة، و أن نسلّم بأن الإسلام بقي جسماً ثقافياً ناتئاً و عصياً على الاندياح في سطح العولمة الأملس، فإن التفكير في الهوية سيصبح جدلاً ذاتياً يتعلق بالإسلام و يتجه إلى الإسلام، و إذا أردنا القفز من الوعي الأنثربولوجي و اللاهوتي بأنفسنا (و هما وجهان للعملة ذاتها و كلاهما يتعاطيان مع الإسلام كهوية مغلقة و نسق تام لا مكان فيه للفعل الإنساني سوى التكرار و الاستنساخ لا الإجتهاد) إلى وعي سيسولوجي يرى في الهوية وسيطاً رمزياً تفاعياً بين الذات و الوجود و الآخر، و هي وسيط يتشكل باستمرار، أي يرى في الذات ورشة مفتوحاً و مشروعاً لم يُنجز بعد، فإن الخطوة اللازمة الأولى هي الثقة، و الشجاعة لأن نوجد بالإسلام و في التاريخ.

نصل إلى المتن الآن، و سأحاول أن أتقرى و استقرئ باختصار جهد فيلسوف مهمل في الفكر الإسلامي الحديث، ألا و هو محمد إقبال، فيما يتعلق بالسؤال الذي نحن بصدده.

تقع الذاتية في قلب فكر إقبال، فوجود الذات و فرادتها هي الحقيقة الأكثر بداهة و رسوخاً في وعي الإنسان بنفسه، هذه الذات التي يشبِّهها إقبال بالموجة، التي لا توجد إلا في حركة و توثّب، فالسكون و الثبات هما قرينا الموت، و هو ما يدفع إقبال للنقد الحاد لأثر الفكر اليوناني الذي يقوم في عمقه و جوهره على عنصري الثبات و الواحدية كما يُبين شبنغلر[8]، و هو ما يدفع إقبال كذلك لصبّ جهد فلسفي كبير في نقد النزعات الفنائية الصوفية، و لي أن أنوه هنا أن كل نزعة هوياتيه هي نزعة فنائية، أي إنها نزعة تتجاهل الذات المفردة و تدمجها في وجود كلي أعلى (العرق، القومية، تطبيق الشريعة) ، فكما ينزلق الصوفي قطرة في محيط الوجود الإلهي ينزلق السلفي قطرة ذائبة في الشريعة التي تنحصر في كونها قوانين برانية على المسلم أن ينصاع و يخضع لها دون أي فعالية ذاتية أو تأمليّة من قبله، و لكن الإنسان في حقيقته كما يرى إقبال قطرة باقية أبد الدهر[9]، و هو موجود وجوداً حقيقياً حتى أمام الحضرة الإلهية[10]، أي إن التعدد حقيقة أنطلوجية [11] و ليس وجود الذوات و تعددها اعتبارياً أو مؤقتاً، و مُبتغى الذات ليس الفناء في ذات الله، إنما مبتغاها أن تتخلق بصفات الله، حتي تحوي اللامتناهي في تناهيهها، أي إن المبدأ الذي يقوم عليه الوجود الإنساني، هو أن وضع الإنسان ليس وضعاً نهائياً في الوجود، و ذاته ليست ساكنة ، بل هي حركة مستمرة، و كل فلسفة أو نظام يسعى لضبط الوجود الإنساني في ماهية أو نموذج فهو يحدّ من قدرة الإنسان و قدَره و قدْره.

بل إن مبدأ الذاتية في فلسفة إقبال يشمل الله و الوجود، فالحياة ذات، و الله ذات، أي إنه ذات نشطة و خلاقة، لا مبدأ أو قناعة ذهنية أو فكرة علوية ساكنة أو محكمة قانونية، الأمر الذي يجعل من الوجود كله كيانا متحركاً و حيّاً[12]. فالذات لا توجد في السكون، بل مبدؤها هو الحركة في الزمن، هذا ما يجعل الفعل هو المقوّم للذات[13] فالذات لا تكتشف نفسها إلا عن طريق الفعل الذي يعرّف الذات بدوره[14]، و ينبغي هنا أن أنوّه بأن الهوية هي مبدأ قولي، يتحقق بانتماء ساكن، فالإنتماء الهوياتي إلى الإسلام هو مجموعة من القناعات الذهنية التي يُسلّم المسلم بصحتها، و الانتماء إلى القومية هو انتماء يجد في الدم مطلقه و مرجعيته الساكنة، بينما وجود الذات وتحققها هو مكابدة وجودية مستمرة [15]، و حركة استيعابية باستمرار[16]، و جهد لا يتحقق في مطلق إلا من جهة غايته، و هي الله. و كل ما سوى ذلك أصنام ينبغي تحطيمها كما يقول إقبال.

إذا كانت ماهية الحقيقة، و ماهية الإسلام ماهية روحية، فإنّ هذه الطبيعة الروحية لا تجد في المادة أو التاريخ خصما لها، فالدنيا ليس مدنّسة، بل هي مقدّسة و طهور و مسجد كما في الحديث[17]، أي إن هذه الفلسفة التي تتأسس على الذات و الحركة و الفعل و الإخلاص للغاية و الوفاء للأصل، لا تجد في التاريخ ضرورة تُفقد المبدأ مثاليته و نقاءه و صفاءه (و هو جوهر النزعات السلفية) إنما ترى فيه إمكان التحقق الوحيد، و ترى فيه المعبر الذي تتجلى هذه الروح من خلاله.

هذا المعنى الذي يتضح بفكرة ختم النبوة التي يرى إقبال أنها بترافقها مع إلغاء الرهبانية و وراثة الملك تعني إعلاناً لأهلية الإنسان للاجتهاد، و تعني أن الله منح الإنسان الثقة ليكون خليفته [18]، و ليحمل قيم الإسلام إلى مداها و غايتها، فالمهمة إذا ليست الحفاظ على الإسلام، إنما مدّه في التاريخ و الاستطراد بقيمه إلى أقصاها، و هو ما يظهر في آراء إقبال الجريئة و المبكرة في قضايا المجالس التشريعية و الحدود و مساواة الرجل و المرأة.

ليس محرك الوجدان إذا هو الحنين إلى الماضي النقي، إنما توجّه الذات المفتوحة إلى المستقبل و إلى الإنسانية جمعاء نحو الحداثة الروحية [19]، متمثّلة بخطاب “يا أيها الناس” و هو الخطاب الذي غاب كلية في أفق الدفاع عن الهوية. و هذه الفلسفة كامنة في لفظ الشهادة كما يفهمها إقبال، و كما يستطرد الحبابي على هذا الشرح بأن الشهادة تقرّ أولاً بأحقية الذات بالوجود، و التي تشهد أمام العالم و تنتهي في تأكيد وجودها و اكتماله إلى غاية الوجود : الله[20].


[1] داريوش شايغان، أوهام الهوية ، دار الساقي، سلسلة بحوث اجتماعية ، 1993.

[2] انظر : جورج طرابيشي ، من النهضة إلى الردة: تمزقات الثقافة العربية في عصر العولمة، دار الساقي، 2000، ص9.

[3] انظر امارتيا صن ، الهوية والهنف وهم المصير الحتمي ، عالم المعرفة ، 2008.

[4] ورقة رشيد بوطيب (توماس باور، ثقافة الالتباس تاريخ آخر للإسلام ) ، فلسفة الدين مقول المقدس بين الايدولوجيا واليوتوبيا وسؤال التعددية ، منشورات الاختلاف ،الجزائر 2012، ص447.

[5] سورة هود ، آية 118 -119.

[6] ستيورات هول، مجلة إضافات ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، العدد الثاني ، 2008 ، ص143 وما بعدها.

[7] ويل كيمليكا، أوديسا التعددية الثقافية، ترجمة : إمام عبد الفتاح إمام، عالم المعرفة، الكويت ، 2011 ، ج1 ، ص90.

[8] عبد الرحمن بدوي، ربيع الفكر اليوناني، مكتبة النهضة المصرية، 1943، ص37 .

[9] محمد إقبال ، تجديد التفكير الديني في الإسلام ، ترجمة عباس محمود، دار الهداية ، ص114.

[10] المرجع السابق، ص140.

[11] سليمان بشير ديان، الإسلام والمجتمع المفتوح: الإخلاص والحركة في فكر محمد إقبال ،ترجمة : عبد الله السيد ولد أباه، دار جداول، 2011 ، ص34.

[12] محمد إقبال ، تجديد التفكير الديني ، ص85.

[13] المرجع نفسه، ص123.

[14] عبد العزيز العيادي، فلسفة الفعل، مكتبة علاء الدين ، صفاقس، 2007، ص25.

[15] فتحي المسكيني، الهوية والحرية نحو أنوار جديدة، جداول، 2011، ص13.

[16] سليمان بشير ديان، ص70.

[17] محمد إقبال ، ص183.

[18] محمد إقبال ،ص 149-150.

[19] محمد إقبال ، ص212.

[20] محمد عزيز الحبابي، الشخصانية الإسلامية ، دار المعارف ، ط2 ، ص42 .

الرابط:
 
قراءة 1378 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 11 آب/أغسطس 2015 18:54
المزيد في هذه الفئة : « مصطلحات آثمة صرخة أنثى »

أضف تعليق


كود امني
تحديث