أحرَزَتْ تفوُّقا ملحوظا على جمْع من الدُّول، يكفي أن نذكر أنها حصلت على المرتبة الأولى في حين حصلت فرنسا على المرتبة الرابع عشرة!
ليست المنافسة رياضية و لا هي فنيَّة، بل هي منافسة تربوية جمعت دول منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية[1] في مقارنة جادَّة لبحث أفضل السُّبل الموصلة لتحسين طريقة الأداء التربوي، و كانت (فنلندا) متصدِّرة للقائمة[2]، إذ لوحظ التفوُّق الواضح لتلاميذ هذا البلد في المواد العلمية و الأدبية، بُحث الأمر، فوجدوا أن السرَّ تلخِّصه وسيلة تربوية جديدة عنوانها (الخريطة الذهنية).
لنتعرَّف سويا على هذا الابتكار التربوي...
أولا: ماهية الخريطة الذهنية:
1 - لفظا:
هي صورة تحتوي على رسومات و معلومات توضِّح المناطق الجغرافية على سطح الكرة الأرضية، باستخدام مقياس رسم مناسب و رموز معتمَدة، مع وجود مفتاح موضِّح لها.
و للخرائط أنواع مختلفة مثل الخرائط الطبيعية على شاكلة التضاريس أو المناخ، و قد تكون خرائط بشرية مثل خرائط توزيع السكان و كثافتهم.
2 - اصطلاحا:
انسحبت كلمة (خريطة) من معناها اللغوي المتعارف عليه إلى معنى آخر في السنوات القليلة الماضية، كترجمة حرفية لها من الإنجليزية (Mind map) أو الفرنسية (Carte heuristique/carte mentale) لذلك نجد الاختلاف في الترجمة للعربية بين (الخريطة الذهنية) و (الخريطة العقلية)، و حتى (الخريطة المفاهيمية).
و الخريطة الذهنية هي وسيلة حديثة و أسلوب مبتكر نعبِّر فيها عن أفكارنا عبر مخطَّط نقوم برسمه باستخدام الكتابة و الصور و الرموز و الألوان عوض الاقتصار على الكلمات فقط، فنربط معاني الكلمات بالصور، و نربط المعاني المختلفة بعضها ببعض.
إذن: كونها خريطة فلأنها تشبه الخريطة في التوضيح العام، و كونها ذهنية لأنها تشبه في طريقة عملها عمل الذهن.
ثانيا: مبتكر الخريطة الذهنية:
نتوقَّف عند أهم محطات حياة أستاذ الذاكرة توني بوزان (Tony Buzan) مبتكر الخريطة الذهنية:
• من مواليد عام (1942م) بلندن.
• تخرَّج من (University of British Columbia) في تخصُّصات هي: علم النفس و الإنجليزية و الرياضات سنة 1964م.
• ألّف أكثر من مائة كتاب حول الذاكرة و العقل و الدماغ و التعلُّم، و من أشهر كتبه التي لها علاقة بموضوع بحثنا كتاب خريطة العقل أو (The Mind Map Book: How to Use Radiant Thinking to Maximize Your Brain's Untapped Potential) و كتاب كيف ترسم خريطة العقل (how to mind map).
• مستشار على أكثر من صعيد و محاضر عالمي، اختير عام 1994م من طرف مجلة فوربس (Forbes) كواحد من أفضل خمسة محاضرين على مستوى العالم.
• مؤسِّس بطولة الذاكرة العالمية.
• مؤسِّس بطولة القراءة السريعة العالمية.
• رئيس تحرير سابق للمجلة الدولية (MENSA).
• كانت له برامج على (BBC) تحدَّث فيها عن ابتكاره الجديد (الخريطة الذهنية) سنة 1970م.
• له موقع رسمي على الشبكة: http://www.thinkbuzan.com
ثالثا: فوائد استخدام الخريطة الذهنية:
• الخريطة الذهنية تمكِّننا من قراءة المعلومة بكامل الدماغ، بفصَّيه الأيمن و الأيسر، فترفع بذلك من كفاءة التعلُّم و الاستيعاب[3]، و من ثمة يتمُّ تخزين المعلومات في الدماغ لأطول مُدَّة ممكنة، لأنها جمعت بين الصور و الكلمات، و ربطت المعاني المختلفة بعضها ببعض عن طريق الفروع المستخدمة في رسمها.
و لهذا السبب نجد تشابها كبيرا بين شكل خلية عصبية و شكل الخريطة الذهنية مثلما هو موضَّح في (الشكل:1) الذي يمثِّل عصبونا و (الشكل:2) الذي يمثِّل خريطة ذهنية فارغة.
• سهولة الوصول للمعلومة، و سرعة مراجعتها بشكل أسهل عن طريق الرجوع للخريطة الذهنية بدلا من الرجوع لمعلومات مكدَّسة في عشرات الأوراق.
• تعطينا صورة شاملة عن الموضوع الذي نريد دراسته أو التحدُّث عنه، فمستخدم الخريطة الذهنية يكون محيطا بالموضوع من جميع جوانبه، و يضمن بذلك تغطية جميع نقاط الموضوع بشكل منظم.
• تمكِّننا من وضع كل أفكارنا و ما يدور في أذهاننا و أكبر قدر ممكن من المعلومات عن الموضوع في ورقة واحدة.
• تساعدنا على ترتيب المعلومات و تصنيف المفاهيم.
• تسهِّل لنا معرفة النقطة التي وصلنا إليها سواء في الحفظ أو البحث أو التخطيط دون نسيانها.
• تمكِّننا من ربط المعرفة الجديدة بالمعارف السابقة، بطريقة تمكننا من الاطِّلاع عليها دفعة واحدة و بشمولية.
• توالي الأفكار في ذهنك بعد قيامك بأول خطوات رسم الخريطة الذهنية، أفكار قد لا تظهر لك لو اعتمدت على الكتابة المباشرة، و السبب أنك قمت تعمل بنفس طريقة عمل دماغك!
• القدرة على إضافة المعلومات أو حذفها.
• و أخيرا: الخريطة الذهنية تنمِّي فيك النشاط الإبداعي و مهاراتك العقلية.
رابعا: تطبيقات الخرائط الذهنية:
كل واحد منا بإمكانه الإفادة من الخريطة الذهنية و توظيفها لصالح تنمية مكتسباته القبلية، و استخدامها لا يقتصر على الدراسة فحسب، و إنما نستطيع توظيفها في كل أمور حياتنا باختلاف توجُّهاتنا و أعمارنا و اهتماماتنا، و نلخِّص ذلك فيما يلي:
• تلخيص الكتب و المستندات و المحاضرات المكتوبة.
• حوصلة نتائج المحاضرات السمعية.
• التخطيط للمشاريع العلمية و الاجتماعات العملية و المقابلات الصحفية.
• الإلمام بنقاط الحوار عن بعد في المكالمات الهاتفية أو الدردشات.
• التفاوض مع الطرف الآخر بغية إقناعه و التأثير فيه.
• التخطيط للمناسبات الاجتماعية و الرحلات السياحية و الأسفار.
خامسا: الخريطة الذهنية وسيلة تربوية فعَّالة:
كثيرة هي الوسائل المساعدة على الفهم و الاستيعاب و الحفظ، أحيانا تتعلَّق بالمعلِّم بغية إيصال الفكرة للمتعلِّم، و أحيانا يستخدمها المتعلِّم للحفظ و المراجعة و التلخيص.
فيمكن للمعلِّم أن يضرب مثلا أو أن يسرد قصة أو يحكي موقفا، أو يستخدم حركة أو عرضا سمعيا أو بصريا، أو يدعو طلبته لزيارة ميدانية، أو يدرِّبهم عمليا، و يمكنه أيضا أن يستخدم رسما توضيحيا.
بالمقابل يمكن للمتعلِّم أن يعزِّز الدروس التي تلقَّاها بالاستماع إلى مقاطع صوتية أو مرئية، و يمكنه أن يستعين بمراجعة جماعية، و يمكنه أيضا أن يلخِّص الدرس الذي تلقاه في شكل رسم توضيحي.
و الرسم التوضيحي هو من القواسم المشتركة بين المعلِّم و المتعلِّم، و إن لم نكن من المعلِّمين فنحن متعلِّمون!
و ليس الأمر جديدا، إذ يشدُّ انتباهي و أنا أتحدَّث عن الخريطة الذهنية موقف تربوي نبوي يتقاطع بشكل ما مع الأهداف المتوخاة من العمل بها، و كيف أن الرسول صلى الله عليه و سلم حرص على حاسة البصر علاوة على السمع في توصيل الفكرة.
و معلوم أيضا أن زيادة عدد حواس الإنسان المشتركة في التعلُّم تساعد على زيادة الإدراك و الفهم و استيعاب المعلومة لمدة أطول.
أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: « خطَّ النبي صلى الله عليه و سلم خطا مربعا، و خطَّ خطًّا في الوسط خارجا منه، و خطَّ خُططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، و قال: «هَذَا الإِنْسَانُ، وَ هَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ - أَوْ: قَدْ أَحَاطَ بِهِ - وَ هَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَ هَذِهِ الخُطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَ إِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا»[4].
و الرسم الموسوم بـ (الشكل: 3) حاولتُ أن أوضِّح به ما ورد في الحديث النبوي على شكل مخطَّط، أو لنقل خريطة ذهنية مصغَّرة للمفهوم الوارد في الحديث النبوي.
سادسا: طريقة رسم الخريطة الذهنية:
1 – الوسائل:
يعتمد رسم الخريطة الذهنية على طريقتين، هما: الطريقة اليدوية، و الطريقة الحاسوبية، و في ما يلي تفصيل للطريقتين:
اليدوية:
• ورقة بيضاء - أو أي لون آخر إن رغبت في ذلك - من نوع (A4) غير مسطّرة و لا مؤطّرة، نستخدمها بشكل أفقي (عرضي).
• أقلام متعدِّدة الأحجام و الألوان و الأنواع.
• قلم رصاص.
• أقلام ملوَّنة من اختيارنا.