المتأمل في أوضاع أوطاننا سينتبه إلي عامل هام جدا و المتمثل في إضمحلال الشعور بالمسؤولية الرسالية، المسلم يعيش يوم بيوم لا يعمل لآخرته و إذن لا يعمل كذلك لدنياه.
في هذه الفترة الأخيرة خمنت طويلا في رغبة التغيير الأكيدة التي نلمسها لدي جميع الفئات خاصة في شبابنا و كهولنا هذا و قد علمتنا السنين و التجربة و المعايشة أن وجود الدساتير لم يكن ذات تأثير كبير علي سلوكات المسؤولين و المواطنين علي السواء. فالأنانية المفرطة مسيطرة علي رؤية الفرد منا، إنه يطمع في رفاهية مادية تحقق له إثبات نفسه ماديا لا اكثر و لا أقل و بأقل جهد ممكن و الذي يفيد هذه الحقيقة التعيسة : ما نرنو إليه من تطور بمثابة تطور أعرج لأن محركه ليس من صنع عقولنا بل عقولنا تكلست من جراء هيمنة العنصر الفاسد في منصب القرار و ذلك الذي يمارس مواطنته بالتهاون في القيام بواجباته كإنسان مسلم و كمواطن. فنمط معيشتنا يثبت بأن الفرد مفعول به أكثر منه فاعل و أما أن يرتقي وعيه لمرتبة إنجاز صيرورته الحضارية فهذا بكل بساطة لن يحمل نفسه عناء تحقيقه لأنه مجهد للغاية و مكلف يتطلب منه تضحيات و مناعة أخلاقية.
نحن إلي حد الساعة لم نفهم بعد أن مسلم هذا الزمان فاقد لفاعليته الحضارية، و كونه كذلك فهو غير قادر عمليا علي الخروج من الحلقة المفرغة التي يدور فيها منذ أكثر من خمسة قرون. نراه يشتكي سوء الحال و تدهور ظروفه المعيشية و لكنه في كل مرة ينسب كل هذا الإنهيار إلي عوامل خارجية و لا ينظر إلي نفسه علي انه السبب الأول في ذلك !! فالخلل أول ما طرأ، بدأ بإنصراف الإنسان عن اسباب الهداية و الإستقامة الأخلاقية، فهو حينما تتأزم حياته و تكثر مشاكله يهرع إلي راق نصاب عوض أن يفحص علاقته بالله و يتدبر مليا في نواياه و سلوكه و لماذا أسكت ضميره ليعيش بلا بوصلة أخلاقية تحدد له الصحيح و الخطأ، و الملاحظ انه لا يختلف كثيرا عن الفاسدين في السلطة فهو مثلهم يحيا بلا رسالة و لا وازع أخلاقي ؟
فالمنظومة الذهنية التي تتحكم في السلوك الفردي و الجماعي للمسلمين جامدة تتخللها الكثير من العيوب و تنزع لتكريس أنانية الأنا بعيدا عن الوعي الرسالي. كأن المسلم ينتظر أن تحل كل مشاكله دفعة واحدة بفعل فوقي و نراه ملهوف ليعيش الجنة الأرضية و لا يبذل أي جهد ليستحق هذه الجنة ببعدها المحدود.
فالحال علي ما هو عليه لا بد لنا لإصلاحه من إقرار هذا المعطي البالغ الأهمية :"ليس في وسعنا تطليق اللافاعلية و الهوان و التخلف الحضاري الذي نحن عليه اليوم إن لم نعتمد خطة تغيير ما بالنفس وفق المنهج الرباني و إعادة بناء ذات الفرد و الجماعة و تحريرها من فلسفة التواكل."