قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 28 أيلول/سبتمبر 2016 05:39

الإقتصاد اللغوي موقعه من المقاصد اللغوية و أثره في إعراب و تفسير القرآن الكريم 1

كتبه  الأستاذة حميدة راشدي
قيم الموضوع
(1 تصويت)

مدخل :

يميل الإنسان في حياته اليومية إلى كل ما هو سهل   سريع غير مكلف لجهد أو لمال حتى تتسنى له الحياة في أيسر شكل ممكن، فيسعى إلى ذلك في كل مـــا يحتـــاج إليــه مـــن أدوات و وسائل يتداولها و من بينها اللغة التي تعدّ وسيلة تواصل و تبليغ لا غنى له عنها، باعتبارها وعاء للفكر فكان لابد له من شحذها و صقلها، حتى تتناسب و طبعه المائل للســلاسة و نـــــفوره من كل ما هو مستعص. فاللّغة بصفتها خاصية إنسانية بحتة وجدت مع الإنســان و تطــورت بتطوره -و إن اختلف اللغويون قديما و حديثا في نشأتـــها - إلاّ أنهــا خضــعت للتنميــة و الإغنــاء ســـواء كانــت توقــيفيــة أو اصــطــلاحيــة، و يرى فخــر الدين قبــاوة «أن هذه التنـــمية قــد تميّــزت بتوجهين متناقضـــين : فانتهجــت التوســع في إنتــاج و استــحداث المفردات لتغطية الحاجة بغية التعبير عما استجد و استحدث من أشياء و الاختصار الذي يتطلبه طبع الإنسان». و فــي هــذا يقول : « و قد تميزت هذه التنميـــات المتطاولة المتفاوتــة بـــــــتوجهيـــن متناقضيـــن : أحدهــمــــا هــو الاختصــار في الأصــوات المكوّنة للّفظ الواحد، تحققه كثرة الاستعمال مع الميل للاقتصاد في الجهد العلاجيّ، للوصول إلى أقصى حدّ الاستخفاف. و الآخر هو التّوسّع في توليـد المفـردات و التراكيب المستجدة بما تقتضيه المواضع بعد استقرار النظام اللّغوي المخصوص، لتحقيق ما لا نهاية له من التعبير.1»،  أي أن اللّغة كانت خاضعة للنزعة الاقتصادية منذ نشأتها الأولى.  و تتم عمليـة الاتصــال علــى بساطتــها الظاهــرة بطريقــة معقدة تـتـحكـم فيهــا قوانيــن نابعة مـن الطبيعة الفطرية  للبشر، فالإنسان بطبعه عجول، فكــان لابـد للمتكلــم من مراعــاة هذا الطبــع فلجأ للاختصار و الإيجاز، فمن المتطلبات الحضارية مراعاة ذوق المستمع و الابتعاد عن كلّ ما يجهد جهاز النطق لديه.

1- الاقتصاد اللغوي في صياغة المفرد، قخر الدين قباوة، ش ع ن لونجمان، القاهرة

2001،ط1، ص21.

فأخذ الإنسـان يميل إلى كـل مـا يجـعل كــــلامـه سهــلا خفيـفا لا يشـكــل عبـئا عليـه و لا انـزعاجـا لمتلقيه فلا يستـثقل مـن الطرفيـن، فكـان النــزوع إلـى الخـفــــة و السهـولة و السرعـة في التبليــــغ مـــن القوانيـن العامـــة التـي تـــحكمـت فـي إنتــاج الكـلام.

إلا أنّ عملية الشحذ و الصقل و الميل إلى السرعة تجاوزت عملية النطق لتطول الكلام في مستواه الأفقي (التأليفي)، فاستحب الإنسان حذف كل ما كان يراه زائدا مع مراعاة أمن اللبس و عدم المس بالمعنى المراد تبليغه.

و هذا ما قصده «عبد الرحمن حاج صالح» في حديثه عن اللسان بقولــــه : « و مــــا يسمّــــى بالقياس هو المعقول من هذا الوضع أي ما يثبّته العقل من انسجام و تناسب بين العناصر اللّغوية و العلاقات التي تربطها، و من جهة أخرى ما يثبته من تناسب بين العمليّات المحدثة لتلك العناصر على شكل تفريعي أو توليدي ( من الأصول إلى الفروع) أمّا الاستعمال فهو كيفية إجراء الناطقين لهذا الوضع في واقع الخطاب، و ليس كلّ ما هو موجود في الوضع يخرج إلى الوجود في الاستعمال كما أنه ليس كل ما يقتضيه القياس يحصل في الكلام فالقياس كعمليّة عقلية قد يؤدي إلى ما لا يقبله الاستعمال لأنّ هناك مقتضيات أخرى غير ما يحتمله الوضع و الحدّ اللّغوي»1.

فاللّغة في استعمالها تختلف عن الوضع الذي كانت عليه، فعن الأصول اندرجت الفروع التي تتحكّم فيها الظواهر الهامشية للغة غير الخاضعة للقوانين اللغوية بقدر خضوعها للذوق اللّغوي عند الجماعة الناطقة. و تتميز اللغة العربية عن غيرها  باعتمادها علــــى أبنية متشعبة عن جذور محدودة معبرة عن معان لا حصر لها عن طريق الاشتقـــــــــــاق.

 

1- بحوث و دراسات في علوم اللسان، عبد الرحمن حاج صالح، موفم للنّشر،الجزائر ، 2007، د ط ،ص 195.

 و يشرح «تمام حسان» هذه الفكرة بقوله : « في اللغة العربية ثمانيـــــة و عشــرون حرفا للهجاء و عدد أقل من ذلك من الضمائر و عدد قليل من حروف الجر و عدد محدود مــــن الإشارات و الموصولات و حروف المعاني أما الأسماء و الأفعال فمهما كثر عددها فإنها لا تتعدى أن تحصرها جلدتا معجم فإذا وضعنا هذه الكلمات المحدودة من المباني إزاء ما يريد الإنسان أن يعبر عنه من المعاني، ظهر البون شاسعـــــا لأن المعانـــي غيـــر متناهيـــة و لا محدودة1» و كل ما سبق ذكره يمكننا إدراجه تحت مسمى واحد و هو الاقتصاد اللّغوي، الذي يعد من خصائص اللغة العربية المتميزة بالمرونة و قابلية القولبة حسب ما يتطلبه وضع الخطاب من مراعاة لقوانين تخضع للذوق المعتمد أساسا على الابتعاد عن الثقل الذي يعتبر أصلا من أصول النحو.

و قد مسّت هذه الخاصية اللـّغة العربية في كل مستوياتها، و بالتالي القرآن الكريم الذي انصبت عليه الدراسات اللّغوية التي وجدت أصلا و وضعت من أجل فهمه و الحفاظ عليه من اللـّحن، و قد أنزل القرآن بلغة التخاطب عند العرب، و قداتسمت بالإدراج، أي أنّها كانت عفوية يسودها التخفيف، و قد أخذها جمـّاع اللّغة عن الفصحاء ممّن يحتج بكلامهم كما تخاطبوا بها، فقد كانت كلّ اللّهجات العربية فصيحة، لذا فقد اعتبرت كل القراءات صحيحة. و قد أخرج البخاري و مسلم و أبو داوود و النسائي و الترمذي و مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : « سمعت هشام بن الحكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان، في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه و سلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتربصت حتى سلم، فلبيته بردائه، فقلت :« مــن أقــرأك هــذه الســـورة التـي سمــعتــك تقــرؤها ؟» فقــال : « أقرأنيـها رسـول الله صلى الله عليه و سلم».

  1- مقالات في اللغة و الأدب، تمام حسان، عالم الكتب، القاهرة، 2006، ط1، ج2،ص32.

فـقــلــت :« كذبت لأنّ رســــول الله صلى الله عليه و سلم أقــرانــيــها علــى غيـــرمـا قـــرأت »، فانـــطلقــــت بــه أقــــوده إلـــى رســول الله صلى الله عليه و سلم، فقلت : « يا رسول الله؛ إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها » فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « أرسله، اقرأ يا هشام » فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « هكذا أنزلت»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:« اقرأ يا عمر» فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « هكذا أنزلت إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه »1. فالأحرف السبعة  تعبير مجازي علاقته الجزئية لأنّ الكلمــة تتكون مـــن حــــــروف و اللغة من كلمات فالمقصود بالحرف اللغة لأنّ ألفاظها تتكون من حروف أو على  وجه من وجوه اللغة للاختلاف في طريقة النطق و كيفيته2. و قد اختلف في تفسير معناها، فقيل إنّها القراءات السّبعة المعروفة، فكلّ قراءة جـــاءت بلهجــــة قبيلــــة و كلّها مقبـــولة، و لكــــلّ لهجـــة خصائص صوتية، صرفية، تركيبية، معجميّة و دلاليّة. و يظهر هذا التنوع جليا في الاختلاف في أحكام القراءات. فقراءة ورش المعتمدة عند أهل المغرب جاءت بلغة الحجازيين3 التي تميزت عن غيرهــــــا بعــــدة خصائص أهمها ما تعلق بالتفخيم و الفتح و إهمال الهمز.

 

1-  المرجع نفسه، ص 24  .

2- نزول القرآن على سبعة أحرف، منّاع القطّان، مكتبة وهبة 1991، ط1، ص 32.

3- الثمر اليانع في رواية قالون عن نافع، محمد نبهان بن حسين المصري، جامعة أم القرى، دت، دط، ص15

يمكننا إدراجها هذه الخصائص  ضمن مظاهر الاقتصاد اللّغوي.

فاللّغة العربية بصورتها الاقتصادية  التي وصلت إلينا خضعت لعوامل عديدة جعلت منها مكيفة لاستيعاب القرآن الكريم و مقاصده، فالإيجاز من أسرار بلاغته و بيانه و إعجازه، و يقول فخر الدين قباوة في هذا السياق : "و قد ظهر هذا البيان الفذ في القرآن الكريم إعجازا إلهيا فهزّ قلوب العرب و حقق لديهم صدق النبوّة و الرّسالة و من ذلك مثلا قوله تعالى :

(أفلا ينظرون إلي الإبل كيف خلقت، و إلي السماء كيف رفعت، و إلي الجبال كيف نصبت، و إلي الأرض كيف سطحت )الغاشية17-20.ففي كلّ آية حشد لعالم ضخم عظيم، مفعم  بالعناصر المتكاثفة المتساوقة للقدرة الرّبّانية : عالم الحيوان...ثم النقلة السريعة إلى عالم السماء العلوي...ثم رجعة إلى عالم قريب...إنّه الجبال السامقة...ثمّ النّزول إلى السهول الممتدة في الأرض، كلّ هذا التنقل السريع مع الحشد الهائل للكثرة الكاثرة من المشاهد في عبارة موجزة تستغرق سطرا و نيفا.1» و يقول في حديثه عن الإعجاز في الآيات الأولى لسورة التكوير:« إنّ قراءتها لا تستغرق دقيقة واحدة، في حين أنّها تملأ من الزّمان و المكان ما لا يعلمه إلاّ الله، عزّ و جلّ.» 2 و هذا ما ينطبق على كلّ السّور القرآنية و خاصّة المكيّة منها، و التي تشترك في عدّة خصائص منها : الإيجاز، فسورة قرآنية مثل سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن لما تحمله من تكثيف للمعاني و سورة إبراهيم على سبيل المثال لا الحصر، خير مثال يمكن أن نبيّن من خلاله هذه الخاصّية.

 

1- الاقتصاد اللّغوي في صياغة المفرد، فخر الدّين قباوة، ص24-25       

 2- المرجع نفسه ص26 

 ـ التعريف بسورة إبراهيم :  هي سورة مكية إلاّ آيتين : الآية الثامنة و العشرون و التاسعة و العشرون 1و عدد آياتها اثنان و خمسون آية. و عن موضوعها يقول سيد قطب : « هذه السّورة مكّيّة، موضوعها الأساسي هو موضوع السّور المكّيّة الغالب : العقيدة في أصولها الكبيرة : الوحي و الرّسالة و التّوحيد و البعث و الحساب و الجزاء.2 » لكنّه يرى أنّها تتميّز عن بقيّة السور المكّية بتفرّدها في طريقة عرض هذه الحقائق قائلا:« لكنّ السّياق في السّورة يسلك نهجا خاصّا بها في عرض هذا الموضوع و حقائقه الأصيلة نهجا مفردا يميّزها ...عن السّور غيرها...كما تختلف مساحتها في رقعة السّورة وجوها، فتزيد أطرافا و تنقص أطرافا فيحسبها القارئ جديدة .3 »

-مضمونها4: تضمنت السورة الأغراض التالية :

- التنويه بعظمة شأن القرآن الكريم و أنّه أنزل بلسان عربيّ مبين.

- وعيد الكفّار و تنبيههم إلى أن محمدا صلى الله عليه و سلم ما هو إلاّ بشر أرسل إليهم، و ضرب له مثلا برسالة موسى عليه السلام إلى فرعون، لإصلاح حال بني إسرائيل.

- و تذكيره قومه بنعم الله، و موعظته إياهم بما حل بقوم نوح و عاد، و من بعدهم و ما لاقته رسلهم، من التكذيب، و كيف كانت عاقبة المكذبين.

- و إقامة الحجة على تفرد الله تعالى بالإلهية  بدلائل مصنوعاته.

1- البرهان في علوم القرآن، بدر الدين محمد الزركشي تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التّراث، القاهرة 1984، ط3 ،ج1 ،ص200

2- في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشّروق، القاهرة، 2003 ،ط32، المجلد الرابع، ص207-

3- المصدر السابق الصفحة نفسها

4- أغراض السور في تفسير التحرير و التنوير، ابن عاشور، تحقيق محمد بن إبراهيم الحمد، دار ابن خزيمة، دت، دط، ص 36ــ37

 - تحذير الكفار من تغرير قادتهم و كبرائهم بهم من كيد الشيطان، و كيف يتبرؤون منهم يوم الحشر، و وصف حالهم و حال المؤمنين، يومئذ..

- التعجب من حال الكفّار و هم في دار البوار و مقابلتهم بحال المؤمن.

- تذكير الفريقين معا بحال إبراهيم عليه السلام ليعلم الفريقان و عد نعم الله و تحذيرهم من كفرانها و إلاّ حلّ بهم ما حلّ بالذين ظلموا من قبل.

- تثبيت النبي صلى الله عليه و سلم  بوعد النصر، و ختمت بكلمات جامعة في قوله:﴿ A\^q#<ӌ·Zlö]:iöÓYöFPwBMöóEöi²çj﴾.

و الملاحظ أنّ كلّ هذا الكمّ من الأخبار عن الأنبياء و قصصهم  مع أقوامهم و عن أهل الجنة و أهل النّار و أحوالهم و عن مشهد يوم القيامة و الحوار القائم بين أهل الجنّة و أهل النّار و خطاب إبليس لأتباعه و التنوّع في الزّمان و المكان بين الماضي و الحاضر و المستقبل و كل هذه الصور التي يمرّ عليها قارئ السورة، فتتراءى له حيّة متحرّكة في مدّة زمنية وجيزة، محققة بذلك خاصية  الإيجاز الّتي تتميّز بها سور القرآن الكريم عامّة و السور المكّية خاصة المتّصفة سورها و آياتها بالقصر، فقد جاءت عباراتها وجيزة مع بلاغة القول1، و هذا ما يتناسب مع عناد و استكبار أهل مكّة الذّين يرفضون الاستماع لما يقوله الرسول صلى الله عليه و سلّم.

 

1- الزّيادة والإحسان في علوم القرآن ، ابن عقيلة المكّي، مركز البحوث و الدراسات، جامعة الشّارقة 2006، ط1، ج1،ص222

الفـصـــــــــــــــــــــــل الأول

الاقتصاد اللـّغوي مفهومه و موقعه من المقاصد اللـّغوية

               المبحث الأول: الاقتصاد اللغوي ؛ المفهوم النشأة و التطور

              المبحث الثاني: مظاهر الاقتصاد اللغوي في المستويات اللغوية

              المبحث الثالث: موقع الاقتصاد اللغوي من المقاصد اللغوية

 

المبحث الأول : الاقتصاداللغوي ؛ المفهوم النشأة و التطور

أولا: تعريفه لغة و اصطلاحا

1-الاقتصاد لغة : هو استقامة الطـــريـــق...و طريــــق قاصــد أي سـهل مستــقيـــم...و القصــدالعدل...و في الحديث: «القصد القصد تبلغوا1» أيعليكم بالقصد فيالأمور ؛ في القول و الفعل و هو الوسط بين الطرفينو في الحديث: « عليكم هديا قاصدا«أي طريقـــا معـــتدلا. و القصدالاعتماد و الأمّ.و إتيان الشيء.و القصد في الشيء خلاف الإفراط و هو بين الإسراف و التقتير.... و رجل قصد و مقتصد و المعروف مقصّدليس بالجسيم و لا الضئيل3 و من المجازقصد في معيشته و اقتصد، و قصد في الأمر إذا لم يتجاوز فيه الحدّ و رضي بالتوسّط، لأنّه في ذلك يقصد الأسدّ4، فالقصد لغة لا يخرج عن كونه استقامة و اعتدالا و توسطا.

-2 الاقتصاد اصطلاحا: أما اصطلاحا فهو عند»أندري مارتيني»AndréMartinet»» :«ذلك البحث الدائم عن التوازن بين  الحاجات المتناقضة التي ينبغي تلبيتها؛ حاجات التبليغ من جهة و خمول الذاكرة و النطق من جهة أخرى و بين الحاجات و الخمول صراع دائم و إنّ قيام كل هذه العوامل بدورها تحدها المحظورات المختلفة التي تنحو إلى تجميد اللّسان بإبعاد كل تجديد صارخ»5 .

1- رواه البخاري عن أبي هريرة  رضي الله عنه

2- اسناده صحيح رجاله كلهم ثقاة عن  أبي بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون و أبو داوود بن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه عن بريدة الأسلمي

3- لسان العرب، ابن منظور، دارصادر، بيروت،د ت، د ط ا،لمجلد الثالث، ص-303ـ304

4- أساس البلاغة، ابو القاسم جار الله الزمخشري، دار الكتب العلمية، بيروت1998، ط1، ص81-82

5- مبادئ في اللسانيات العامة، اندري مارتيني، ترجمة زبير سعدي، دار الافاق، الجزائر، د:ت، د:ط ،ص154 عن المصدر الاصلي  ELEMENT .DE.LINGUISTIQUEGENERALE- André Martinet- Librairie- Ar mand Colin-Paris-1980-P178

 و بهذا يكون مارتيني قد أوجد تصورا للاقتصاد اللّغوي فجعله ناتجا عن صراع بين أمرين؛ التبليغ و النزعة الإنسانية نحو الاختصار، فالإنسان ملزم بتبليغ أفكاره و التعبير عن احتياجاته و رغباته، فاصطدام هذه  الرغبة بميله الفطري للاختصار الناجم حسب مارتيني إلى خمول ذاكرته و نطقه، يوصله إلى العمل الدائم و المستمر من أجل التوصل إلى خلق التوازن المنشود، الناتج عن تطبيق ما عرف بمبدأ الجهد الأقلكما ربط هذه الخاصية  بالتمفصل المزدوج الذي يسمح للغة ما بأن تكون قادرة على تبليغ أكبر قدر من الأفكار بنقل أكبر كم من المعلومات بأقل جهد ممكن قائلا» : لا شيء غير الاقتصاد الناجم عن التقطيعيين يمكن من الحصول على أداة للتبليغ، أداة ذات استعمال عام و قادرة على إيصال المعلومات بمقدار مهول و بجهد زهيد.1». و يوضح «جورج مونان» «Georges.Mounin» هذه الفكرة في قاموس اللّسانياتDictionnaire.de.linguistque))مستندا على ما قاله مارتيني بأنّ الاقتصاد في لغة ما هو حاصل تطبيق مبدأ الجهد الأقلّ على وظيفة التّواصل و هذه الخاصّية متوفرة في كلّ اللّغات المتميّزة بالتّمفصل المزدوج، فهو أي (الاقتصاد) يحصل نتيجة لتطبيق المبدأ السابق على الاحتياجات غير المتناهية للتواصل، فمن خلال عدد محدود من الوحدات غير الدالة الموجودة في المستوى الثاني من التمفصل، أي الفونيمات(phonemes) نحصل على عدد غير محدود من الوحدات الدالة في المستوى الأول منه أي المونيمات Monemes)التي تدخل ضمن تركيبات لغوية متنوعة أثناء التواصل مكونة عددا غير محدود من الجمل و هذه الحركية اللغوية-حسب تعبيره – تؤدي إلى خلق التوازن بين النزوع إلى الاقتصاد في الجهد و ضمان التفاهم المتبادل2.

1- ـالمرجع السابق ،النسخة الأصلية ،ص17 -النسخة المترجمة ،ص21     

2- أنظر معجم اللسانيات، بإشراف جورج مونان، ترجمة د.جمال الحضري، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع،  بيروت، 2012، ط1، ص77.

أما بالنسبة للّغويين العرب المحدثين فنجدهم يعبرون عن قيمة قديمة بمصطلحات حديثة، فالاقتصاد لم يعرف بهذا المصطلح في تراثنا  اللّغوي و إنّما تناوله اللغويون القدامى  بألفاظ مختلفة تحت أبواب شتي في مؤلفاتهم، فقد عرفه تمام حسان ملخّصا كل ما قيل في عبارة وجيزة قائلا: « و هو أن يعبّر بالقليل المتناهي عن الكثير غير المتناهي.1». فتتناهى الألفاظ و الأنماط التركيبية و لا تتناهى المعاني، فيكون بهذا قد تجاوز المعنى البسيط للاقتصاد إلى تعدد المعاني للفظة الواحدة و الصيغة الواحدة و العلامة الإعرابية الواحدة موسعا بذلك من مجالات الاقتصاد في اللغة العربية و الذي يعتبر أحد خصائصها. بينما يعبر فخر الدين قباوة عن  المفهوم  نفسه بقوله : « أن يبلغ المتكلم أكبر عدد من الفوائد بأقل كمية من الجهود الذهنية و العلاجية لآلة الخطاب2»  جاعلا من عملية الاقتصاد عملية معقدة تتطلب جهودا ذهنية و علاجية تتم على مستويين اثنين ؛ الدماغ٬ و جهــاز النطــق. أمــا فــي المعــاجـــم الحديثة، فنجد له تعريفات تتفق في المعنى و إن اختلفت لفظا فنجدها عند بعلبكي بأنه : « تجنب التكرار و التطويل في  الأسلوب و تعمد الحذف حيث لا يلتبس الكلام.3»  فيقربه بذلك من المصطلح البلاغي ؛ الإيجاز. و نجده عند أحمد مطلوب  بأنه4: «نزعة عامة في اللغات إلى الاقتصار على أقل قدر ممكن من القواعد مع الاحتفاظ بسلامة الوظيفة التواصلية للغة...»4 ممثلا لذلك بعدم ورود علامة التأنيث في الألفاظ الخاصة بالإناث في العربية نحو : حائض, طالق, كاعب، و مرضع. موضحا بأن هذه الظاهرة يمكن تفسيرها بالاقتصاد فالعلامة ليست ضرورية للتواصل السليم.

1- مقالات في اللغة و الأدب، تمام حسان، عالم الكتب، القاهرة، 2006،ط1،  ص 292

2- الاقتصاد اللغوي في صياغة المفرد، فخر الدين قباوة، ص31

3- معجم المصطلحات اللغوية انجليزي عربي، رمزي منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت 1998، ط1، ص 166

4- معجم المصطلحات البلاغية و تطورها، أحمد مطلوب، مطبعة المجمع العلمي، العراق، 1983، د ط،ج1، ص278.

ثانيا : مصطلح الاقتصاد :نشأته و تطوره عند الغربيين

يستعير علم اللّغة بعض مصطلحاته من مجال الاقتصاد و المعاملات التجارية فيقال: الثروة اللغوية، الرصيد اللغوي، الاحتياجات اللغوية، الاقتراض و القيمة، و لطالما شبهت الكلمات بالنقود لقيمتها في عملية التواصل. و في هذا يقول الفيلسوف الألماني «يوهان جورج هامان» «J.G.Haman»( 1730-1788) في إحدى مقالاته سنة 1761م :« النقود و اللغة موضوعان يتسم البحث فيهما بدرجة من العمق و التجريد توازي عمومية استعمالها، و هما مرتبطان أحدهما بالأخر بشكل أقوى مما هو متصور، و نظرية أحدهما تفسر نظرية الأخر و يبدو أنهما يقومان على أسس مشتركة، فثروة المعرفة الإنسانية كلها تقوم على تبادل الكلمات و من ناحية أخرى فان كنوز الحياة المدنية و الاجتماعية ترتبط بالنقود بوصفها معيارها العام1» ثم يشرح كلامه قائلا: « إن الفصاحة في العصور القديمة كانت مهمة لأمور الدولة مثلما كانت الأمور المالية في عصره.2» و من هنا نفهم كيف انتقل مصطلح القيمة من النقود إلى العلامة اللغوية، فعرف «دي سوسور»de.saussure»Ferdinand..» اللغة بأنها: « نظام كل عناصره متماسكة أي يقتضي كل عنصر فيه الآخر بشكل متبادل بحيث تتحدد قيمة كل عنصر فيه من خلال موقعه في الشبكة الكلية.3» للعلاقات و أكثر من ذلك تحصل كل علامة مفردة على قيمتها من خلال هذه الشبكة. بمعنى أن كل عنصر لغوي يكسب وظائفه فقط من خلال العلاقات  التــي يــدخــل فيــهــا مـع الــعناصـر الأخـرى.

1 اللغة و الاقتصاد فلوريان كولماس ترجمة أحمد عوضي. عالم المعرفة. الكويت يناير78 رقم63 ص 9 نقلا عن hamann J.G, shrifen Zur spachek, Edited by Josef-simon-Frankfort/M:suhrkamp1967,95-104

2- المرجع نفسه، الصفحة نفسها

3-Cours de linguistique generale Ferdinand De Saussure edition Talantikit Bedjaia2002p171

و قـد عـــرف عالــم اللغـة الــروسـي «تروبسكي» Troubetzkoy»» (1890-1938 ) الفونولوجيا باعتبارها نظرية «القيمة المجردة1» و قد سعى إلى تحديد القيم الفونيمية للأصوات اللغوية في اللغات، مؤكدا على ضرورة وصفها من خلال ملامح صوتية عامة. و تطرق الفيلسوف و اللغوي الألماني «كارل بوهلر»  «Karl.Buhler»(1879-1963)  في كتابه (النظرية اللغوية) ( sprach.théorie ) إلى عمل العلامة اللغوية و كيفيتها، فتحدّث عن معان اقتصادية بحتة كالإنجاز و الأداء و الطاقة و الكفاءة2.

أما اللغوي الألماني «بول هيرمن» paul.Hermann»»(1946-1921) الذي خصص فصلا كاملا من كتابه (مبادئ التاريخ اللغوي)(prinzipien.sparchgeschichte) لاقتصاد التعبير، فيقول: « سواء استخدمت الوسائل اللغوية باقتصاد أو بإفراط فإن هذا يعتمد على الاحتياجات ...و لكن كلامنا-على العموم- يحمل ملامح اقتصاد معين.3 » و في هذا إشارة مباشرة لهذا المبدأ الذي كان معروفا لدى اللّغويين و إن لم يخصوه بالاهتمام. فالبليغ هو من يوجز إذا استوجب المقام الإيجاز. و ركّز النحوي الألماني «موسر هيجو»«Moser.hugo»على مبدأ التقليل من الجهد الفيــزيـــائي و الــذهــنـــي الـــلاّزميــن لإنــتـــــــاج الكـــــــــلام، بــطــــــريــقــــة اقتـصــاديـة مضبـوطـة4.

 

1- المرجع السّابق، ص270

2- المرجع نفسه، ص274  نقلا عن

Karl Buhler,1934 , sprachteorie, transtated by Donald Frazer Goodwin ,Amesterdam :John Benjamin 1990

3- المرجع نفسه، ص277 نقلا عن

Paul Hermann, 1909, prinzipien sparchgeschichte, fourth edition, Halle a S:Max Niemeyer,313

4- انظرالمرجع السابق، ص 278 نقلا عن

( 92 Deutschokonomie im heuirgen,Higo,1971, Typen spachlichermoser)

و اعـتمـد «تشومسكي» shomsky»» على معيار البساطة في المناهج اللغوية، و الذي ينص على الاقتصاد في صياغة النظرية، و ذلك باتباع جهاز الاكتساب عند المتعلم لأبسط الطرق و أكثرها اقتصادا من أجل إعادة بناء المفاهيم1. و قد حاول عالم اللسان و الفيلسوف الأمريكي  «جورج زيفzipf.george»(1902-1950)«» في كتابه :

(السّلوك الإنساني و مبدأ الجهد الأقل) (human.behavior.and.the.principle.of.least.effort)أن يقدم دليلا مقنعا بأن كل سلوك صحيح للفرد يحكمه مبدأ الجهد الاقل2. أما مارتيني فقدحدد المعنى الدقيق للاقتصاد في مؤلفـــــه( اقتصــــــاد التغيــــــرات الصوتيـــــة) (economie deschangements phonetiques) ،  فقال: « لايمكن أن نحصر معنى الاقتصاد في معنى التقتير (parmonie)، بل إن الاقتصاد يشمل كل شئ: تقليص كل تميز غير مفيد و إظهار تمييزات جديدة و الإبقاء على الوضع الراهن (statiquo). فالاقتصاد اللغوي هو التأليف من كل هذه القوى المتواجدة3 .». فاللغة تبدو بوصفها نظاما ذات تحكم ذاتي تخضع لقانونين متعارضين، القوة الأولى هي ميل المتحدثين إلى رفع كفاءة النظام إلى الحد الأعلى أي: تحقيق الاتصال بأقل إنفــــاق للطاقـــة، و القوة الثانية هي الرغبة في الفهم4 .

 

1-انظر المرجع السابق،ص 279 نقلا عن

(chomsky noam, 1965, Aspect of the Teorie of Syntax Cambirdge, Mass:the MIT press                                                                                

2- المرجع نفسه، ص281 نقلا عن

,1949, Humen Behavior and the Principale Of least effort, zipf george  

3- لسانيات النشأة و التطور، أحمد مومن ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2007 ط3، ص 155 نقلا عن economie de changements phonetique p97

4- االمرجع نقسه ص 292

و حسب مارتيني أيضا فان الخاصية البنوية للغة  تحركها أيضا عوامل الاقتصـــاد اللغــوي، فخضوع اللغة إلى مبدأ التمقصل المزدوج الذي يجزء الكلام من خلاله إلى جمل و الجمل إلى كلمات و الكلمات إلى حروف يسمح للاقتصاد أن يتم على كل مستوى من هذه المستويات. و هذا المفهوم  الذي بادر مارتيني إلــى شـــرحــــه و وضــــع لـــه مصــــطلحــــا جديدا، يعبر عن قيمة قديمة عالجها اللّغوييون العرب في دراستهم لعدة ظــــــواهـــــر لــــغويــــة، تحت مسميات شتى، فالمتصفح لأمهات الكتب اللغوية بإمكانه أن يجدها في أبواب متفرقة منها.

ثالثا : الاقتصاد عند اللغويين العرب و المصطلحات المتعلقة به

 يجد المتصفح لمؤلفات السلف ألفاظا  للتعبير عن الاقتصاد اللغوي كالإيجاز و الاختصار و الحذف و التخفيف و الاستغناء و غيرها، إلا أنّ المصطلح الأقرب إلى الاقتصاد بمفهومه الحديث هو المصـطلح البلاغــي: الإيجـاز.

  1- الإيجازABREGEMENT

 فالإيجاز ظاهرة لغوية عامة تشترك فيهما اللّغات الإنسانية كافّة، حيث يميل الناطقون لأية لغة إلى حذف بعض العناصر المكررة في كلامهم، أو إلى حذف ما يمكن للسامع فهمه اعتمادا على القرائن المصاحبة  له، حالية كانت أو عقلية أو لفظية، و هــــذا ما يقربــه مـن المعنــى الحديث للاقتصاد اللغوي الذي يقرر مصيـر تطـور اللغـات المتميزة بنزوعها نحو  الخفة1. فالإيجاز الذي يعتبر من ركائز البلاغـة في العربيــة يعتمـد على العلاقة القائمة بين اللفظ و المعنى2، إذ لا يُتوصّل إلى المعاني الكثيرة مـن خـلال الكلمـات القليلة إلا بواسطة معادلة لا يتأتّى تحقيقها إلاّ  لبليغ.

1ـ بلاغة الإيجاز في الشعرية العربية (مذكرة ماجستير)، يوسف بيدة، إشراف  د محمد منصوري، جامعة الحاج لخضر باتنة،  2008/2009 ص 17 نقلا عن الإيجاز بحذف الاسم و شواهده من القرآن الكريم، محمد الأمين، جويلية ص 89

2- المرجع نفسه، ص 21 ،نقلا عن :قضية اللفظ و المعنى و نظرية الشعر عند العرب، دار الغرب الإسلامي، بيروت 2004، ص 127

   فالإيجاز لغة: من وجز الكلام و جازه و وجزا و أوجز قل في بلاغته و أوجزه اختصره... و كلام وجز خفيف و أمر وجز و واجز و وجيز و موجز و موجِز... يقال أوجز فلان إيجازا في كل أمر و أمر وجيز و كلام وجيز أي خفيف مختصر1 .

أمّا في اصطلاح البلاغين فهو « تهذيب الكلام بما يحسن به البيـان» أو « تصفيــة الألفــاظ مـن الكدر و تخليصها من الدرن » كما جاء «عند الرماني»(ت296 - 384 هـ )2.

و قد كان «أبو الهلال العسكري»(ت 395هـ)في كتابه (الصناعتين)  أكثر دقة من الرماني في تعريفه لإيجاز القصر فركّز على  النسبة بين الألفاظ و المعاني في الكلام جاعلا الموجز منه ما كانت معانيه كثيرة و ألفاظه قليلة قائلا: «أن يكون اللّفظ القليل على المعاني الكثيرة .3 »  و يوافقه في ذلك «ابن سنان الخفاحي» (423ـ466هـ ) إلا أنه يشترط في الكلام الموجز الإفادة و الوضوح لأنـه لـو خـرج عن هاذيـن الشرطين لأصبح عيبا و نقصا، قائـلا: «و هو أن يكون اللفـظ القليـل يـدل على المعنـى الكثيــر دلالة واضحة ظاهرة لا أن تكون الألفاظ لفرط إيجازها قد ألبسـت المعنـى و أغمضتـه، حيـث يحتاج في استنباطه إلى طرق من التأمل، و دقيق الفكر فإن هذا عيب في الكلام و نقص.» .

 

1-لسان العرب، ابن منظور، تحقيق مجموعة من الاساتذة، دار صادر، بيروت، دت ،د ط ،المجلد الخامس، ص427

2-الإيجاز في كلام العرب و نص الإعجاز، مختار عطية، دار المعرفة الجامعية، السّويس 1990، د ط،  ص 17 نقلا عن :ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، دار المعارف،  1568 ص 80

3- الصّناعتين الكتابة و الشّعر، أبو الهلال بن عبد الله العسكري، تحقيق علي محمد البجاوي و محمد  الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، بيروت، 1959، ط1، ص 157

4- سر الفصاحة، أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان اخفاجي، دار اكتب العملية، بيروت، 1982، ط1 ،ص90

و يرى «أسامة بن منقذ »(488  -584هـ) في البديع  أن إيجاز القصر هو أن:« يضيق اللّفظ عن المعنــى بكون المعنى أكثر من اللفظ1.» و هو نفس ما ذهب إليه الفخر الرازي(543-606هـ ) قائلا بأنه: «العبارة عن الغرض بأقل ما يمكن من الحروف من غير إخلال.2».و يقيس  السكاكي(555 - 626هـ)، الإيجاز بما تعارف عليه الناس فهو حسب رأيه نسبي فقد جاء في مفتاح العلوم: «أما الإيجاز و الإطناب و لكونها نسبيين لا يتيسر الكلام فيهما إلا بترك التحقيق و البناء على شيء عرفي مثل جعل كلام الأوساط على معنى متعارفهم في التأدية للمعاني فيما بينهم، و لا بد من الاعتراف بذلك مقياسا عليه و نسميه متعارف الأوساط، و أنه في باب البلاغة لا يحمد منهم و لا يذم، فالإيجاز هو أداء المقصود من الكلام بأقل من متعارف الأوساط3.»، و يعرّفه السّيـوطـي(849-911) بأنّـه : « آداء المقصـود بأقـل مـن العبـارة المتـعـارفة4 »، و بالتّـالي فـإنّ الإيجـاز أو الإطناب يتحدّد من خلال ما تعارفت عليه الجماعة النّاطقة. و يعـرفه أحمـد عبد المطلب بأنّـه : «تقليـل الألفـاظ و تكثيـر المعاني5» أو هو« أن يكون اللّفـظ ناقصـا عن أصـل المـراد مع الوفـاء بـه و إلاّ كـان إخـلالا لا إيجازا6». أي على تبليغ أقصى ما يمكن تبليغه من معلومات بأدنى ما يمكن من الألفاظ دون المساس بالمعنى المراد تبليغه، و لم يختلف المحدثون  فيما وضعه القدماء من شروط للإيجاز من حسن دلالة و عدم الإخلال بالمعنى، مع الإفادة.

 

1-  البديع في نقد الشعر، أسامة بن منقذ، تحقيق د أحمد بدوي، وزارة الثقافة، مصر ،دت، دط ، ص 155

2- نهاية الإيجازفي دراية الإعجاز، فخر الدين محمد بن عمر الرازي ،دار صادر، بيروت ،2004، ط1 ، ص 21

3-  مفتاح العلوم، أبو يعقوب يوسف السكاكي، تحقيق أكرم يوسف، مطبعة دار الرسالة،بغداد، 1982، ط1، ص502 

4- كتاب التعريفات، علي بن محمد الشّريف الجرجاني، مكتبة لبنان، بيروت، 1959، طبعة جديدة، ص42

5- معجم مصطلحات البلاغة، أحمد مطلوب، ص425    

6- المرجع نفسه، الصفحة نفسها

-الاستغناء

يرد هذا المصطلح في النّحو العربي بمعنى استخدام صيغة بدل أخرى، أو لفظ بدل أخر و للاستغناء صـور كثيـرة في اللّغة العربيّة و قد جـاء في الخصائـص أنّ العرب تستغني عن الشـيء بالشّيء حتّى يصير المستغنـى عنه مسقطا من كلامهم البتّة1.

و يقول السّيوطي  في (الأشباه و النّظائر) : « هو باب واسع فكثيرا ما استغنت العرب عن لفظ بلفظ، من ذلك استغناؤهم عن تثنية سواء بتثنية سي فقالوا سيّان و لم يقولوا سواءان2» .

3-الحذف(SUPPRESSION):

يعرّفه الشيخ عبد القاهر الجرجاني(400-471هـ) تعريفا بلاغيا بحتا قائلا : «هو باب دقيق المسلك، ضيّق المأخذ عجيب الأمر، شبيه بالسّحر، فإنّك ترى به ترك الذّكر أفصح من الذّكر، و الصّمت عن الإفـادة أزيـد للإفـادة، و تجـدك أنطـق مـا تـكـون إذ لـم تنـطـق، و أتمّ مـا تـكـون بـيـانا إذ لـم تبـن«3فأهمل بذلك الوجه النّحوي للحذف. و قد ربطه صاحب معجم المصطلحات النحوية بظاهرة التخفيف قائلا: « هو ظاهرة تشيع في لغة العرب و تهدف في كل مواقعها إلـى التخفيف4». و يعرّفـه علـي أبـو المكـارم بأنّـه : « إسقـاط لصيـغ داخـل النّـص التركيبي في بعـض المـواقـف اللّغوية، و هـذه الصيـغ يفتـرض وجودها نحويا لسلامة التركيب تطبيـقا للقواعـد، ثـم هـي موجـودة أو يمكـن أن تـوجــد فـي مواقـف لغـويّـة مختـلفـة.5 ».

 1-الخصائص أبو الفتح عثمان بن جني تحقيق محمد النّجار دار الكتب المصريّة القاهرة دت ط ج1 ص 266

2- الأشباه و النّظائر في النّحو، جلال الدّين السّيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، د ت ط،  ص60  

3- الحذف البلاغي في القران الكريم، مصطفى عبد السلام، مكتبة القران، القاهرة، ص16

4- معجم المصطلحات النحوية والصرفية محمد نجيب اللّبدي، مؤسسة الرسالة، الأردن، 1985،ط1، ص62

5- الحذف و التقدير في النحو العربي، د.علي أبو المكارم. دار غريب ،القاهرة.،2008،ط1، ص201.

فالحذف هو إسقاط لعنصر من الكلام في مختلف مستويات اللّغة ؛ فيحذف الجزء من الكلمة كحذف الحروف و الكلمة كحذف الفعل و الفاعل و الأدوات، كما تحذف الجمل. و قد نقل جــورج مونـان  تعـريفـا للحـذف (suppression) عن تشومسكي قائلا : « تحويل يحذف عقدة لا تهيمن على أيّ متتالية نهائيّة1» ثم يضيف «و بالنّتيجة يحذف أيضا كلّ المكوّنات التي تهيمن عليها هذه العقدة و كلّ تلك التي لا تهيمن إلاّ عليها » و يمثّلها بالصيغة التالية :( X2-X1-3X2-X1). و هنا يتّضح الاختلاف في مفهوم الحذف بينه بين النّحويين العرب فهو عنده إسقاط لعنصر و كل ما يعمل فيه بينما قد يحذف العنصر في اللّغة العربيّة و يبقى معموله على حاله و هذا ما قصده أبو المكارم في تعريفه السابق.

4-الاتساع

هو نوع من الحذف لا يأخذ فيه أي عنصر لغوي آخر مقام العنصر المحذوف، و هذا ما يشرحه السّيوطي  في (الأشباه و النظائر) نقلا عن ابن سراج فيقول : « إنّ الاتساع ضرب من الحذف إلا أن الفرق بينهما أنك لا تقيم المتوسع فيه مقام المحذوف و تعربه بإعرابه، و في الحذف تحذف العامل فيه و تدع ما عمل فيه على حاله في الإعراب...و منه فإنّ الاتساع حذف يأخذ فيه المعمول فيه حكما جديدا يغني المستمع عن تقديره و في الاتساع يقوم   المضاف إليه مقام المضاف أو الظرف مقام الاسم، فالأول نحو "و اسأل القرية" و المعنى أهل القرية، ... و الثاني نحو صيد يومان، و المعنى صيد عليه الوحش في يومين، ولد له ستون عاما و المعنى، ولد له الولد لستين عاما...قال و هذا الاتساع في كلامهم أكثر من أن يحاط به2».  

1- معجم اللّسانيّات، جورج مونان ،ترجمة جمال الحضري ،المؤسّسة الجامعيّة للدّراسات والنّشر والتّوزيع ،بيروت ،2012،ط1 ،ص199

2- الأشباه والنظائرفي النحو ،الشيخ العلامة جلال الدين السيوطي، دار الكتب العلمية ،بيروت ،د ت، د ط ،ج1 ،ص18-19

فالقرية في المثال السابق تعرب مفعولا به ولا حاجة لتقدير الجملة الأصلية من أجل إعرابها فالكلمة منصوبة ولم ترد مجرورة ،فلو جاءت مجرورة ، لوجب تقدير العامل في جرها.

 

 
   
قراءة 11025 مرات آخر تعديل على الإثنين, 10 نيسان/أبريل 2017 10:37

أضف تعليق


كود امني
تحديث