قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأحد, 29 كانون1/ديسمبر 2013 10:50

الأسرة و التغيير السياسي و رؤية إسلامية 2/2

كتبه  الدكتورة هبة رؤوف عزت
قيم الموضوع
(0 أصوات)

و الحق إن الباحث في الأصول الإسلامية التأسيسية، قرآنا وسنة، يستوقفه ذلك الربط الواضح والمتين بين “السياسي” و “الاجتماعي” في الرؤية الإسلامية، و من ثم ذلك البروز اللافت للنظر للطبيعة السياسية التي تميز الجماعة المؤمنة بكل مستوياتها. و تختلف الرؤية الإسلامية، في النظر إلى الأسرة، اختلافاً جوهرياً عن الرؤية الغربية، حيث تعد في الرؤية الإسلامية وحدة أساسية من وحدات المعمار الكوني، و بناء أساسيا من أبنية المجتمع الإسلامي يتظافر مع الأبنية الأخرى في تحقيق مقاصد الاستخلاف. و إذا كانت الرابطة الإيمانية هي التي تجمع المرأة و الرجل على مستوى الأمة في إطار الاستخلاف، فإن الأسرة تمثل الوحدة الأساسية التي تجمعها على مستوى الجماعة، و ساء في إطار علاقات القرابة أو الزواج، تحكمها قيم التراحم و المودة و السكن. و يرتبط تأسيس الأسرة بفطرة الله التي فطر الناس عليها من نزوع كل من الجنسين نحو الآخر، و هو ما يجعلها إحدى السنن الاجتماعي الثانية. و مهمة التشريع هي المحافظة على صلات المودة و الرحمة والسكن التي هي في الوقت نفسه صفات من صميم خلقه الإنسان و فطرته التي فطره الله عليها، و الني لا تتبدل. فمهمة التشريع إذن لا تنفصل عن التكوين بل هي حفظ له من الضياع أو الانحراف. فالأسرة في الرؤية الإسلامية إذن فطرة كونية و سنة اجتماعية يؤدي الإعراض عن الالتزام بأحكامها الشرعية و آدابها الخلقية على انفراط عقد المجتمع و انهياره.

فهي لذلك مؤسسة طبيعية تراحمية تحكمها قيم العفو و الفضل و التقوى، و ليست مؤسسة اصطناعية نشأت مع تطور الرأسمالية لتحقيق تراكم الثروة من خلال الإرث كما يذهب إلى ذلك الماركسيون، و لا هي ذات طبيعة صراعية تنافسية تخضع لعلاقات توازن القوى كما يرى التحليل الاجتماعي الليبرالي. كذلك استخدمت بعض الكتابات الغربية في تحليل الأسرة و مفاهيم التبادل و المنفعة بوصفها أساسا للعلاقة بين الزوجين، أنظر على سبيل المثال: و يمثل مفهوم التوحيد دعامة أساسية في فلسفة الأسرة في الرؤية الإسلامية، إذ إن التشريع الإسلامي لا ينظم العلاقة بين الرجل و المرأة داخل الأسرة. بل يجعل الصلة بينهما صلة توحد و تمالك، مؤكدا انسجام هذه الصلة مع الفطرة السوية، آخذاً موقفاً حاسماً من الصراع بين الجنسين، و محرما أي شكل من أشكال استغناء طرف منهما عن الطرف الآخر، و مشددا على النهي عن الزنا و الشذوذ إذ هما تعد على تلك الفطرة. و قد ذهبت أكثر الكتابات الفقهية إلى أن المقصد الشرعي من النكاح هو “حفظ النسل”، بوصفه أحد المقاصد الشرعية الأساسية. و أضاف آخرون مقاصد طلب السكن و المدة، و الانتفاع بمال المرأة و قيامها على شؤون الزوج، و تعاون الزوجين على المصالح الدنيوية و الأخروية . إلا أن هذه الكتابات لم تلتفت إلى أهمية الأسرة في “حفظ الدين” باعتباره مقصداً من مقاصد الشريعة يأتي في الترتيب قبل حفظ النسل و يفوقه أهمية.

فالناظر في الواقع الاجتماعي في بلاد العروبة و الإسلام يدرك بوضوح درجة التضخم التي آل إليها المجال السياسي على حساب المجالين الاجتماعي و الثقافي، إذ غدت الدولة القطرية العلمانية جهازاً ضخماً ذا سلطة ممتدة و تقلصت بالتالي وظائف الأسرة و المسجد و الجماعة في تكوين الوعي الفردي و الجماعي و صياغة العلاقات الاجتماعية باستقلال عن توجيه الدولة و عن سلطانها. و قد أدى تجميع الوظائف الثقافية و الاجتماعية و الإدارة على هذا النحو في يد الدولة القطرية إلى إضفاء مظهر القوة عليها، كما أدت في الوقت ذاته إلى تزايد مسئوليتها و تورطها في الانفراد وحدها بأعباء التنمية و التسيير اليومي لشؤون المجتمع، مما أضعف أداءها و أدى بالتالي قضايا التنمية لتحقيق الاستقرار الداخلي و الاستقلال الخارجي، زاد تسلطها و تضاعف استبدادها. و قد نتج عن ذلك أزمة حادة في الشرعية إلى جانب الأزمة الجاثمة في الفاعلية. فإذا أدركنا تبني الدولة القطرية في العالم الإسلامي لآليات الدولة القومية في الغرب و تحويلها الوظائف المجتمعية المختلفة إلى النظام السياسي، و اختراقها لمؤسسات المجتمع المختلفة بما فيها الأسرة، معد عدم أدائها للوظائف المنوطة بالدولة الإسلامية في إطار مهمتها الأساسية، أي حماية العقيدة و تطبيق الشريعة ، فإن النتيجة تكون وقوع فروض الكفاية التي هي جوهر السياسة في الرؤية الإسلامية على كاهل مؤسسات الأمة، كالمسجد و العلماء و مؤسسة الحسبة و مؤسسة الوقف و غيرها، و هي أمور لا ينظر إليها في الرؤية الإسلامية بوصفها مؤسسات تقليدية بل بوصفها تكوينات أصلية و أساسية تمارس حركتها مندمجة في نسيج الأمة لتحقيق مقاصد الشرع، و بوصفها كذلك محاضن طبيعية تواجه تضخم سلطة الدولة مجسدة بذلك خطوط دفاع للأمة و الأفراد يجب استثمارها و توظيفها لحفظ الشريعة، أي حفظ الدين. و نظراً لأن الدولة قد بسطت سيطرتها على مؤسسات الأمة، فأوقفت نشاطها أو قننته بشكل يفقدها استقلالها و يحجم تأثيرها، و نظراً كذلك لأن الرؤية الإسلامية لا تعرف ثنائية “العام” و “الخاص”، تلك الثنائية التي لا تظهر في المجتمع الإسلامي إلا مع تزايد درجة العلمنة، فان الأسرة تغدو، في ظل هذه الأوضاع، الوحدة الاجتماعية السياسية المنوط بها تحمل الوظائف الحضارية المعطلة، ممثلة بذلك خط الدفاع الأخير. و قد أقام الإسلام علاقة وثيقة بين قواعد تشريعه السياسي و فطرة التكوين الإنساني، و ضمنت شريعة الإسلام آليات لتأهيل الأسرة للقيام بوظائف سياسية إلى جانب وظيفتها الاجتماعية الإنسانية.

و قد كان تأسيسها على الفطرة ضمانة لاستمرار وجودها في المجتمع من ناحية، كما أن الأحكام الشرعية التي تضبطها، بنية و قيما، قد أهلتها لتحمل هذه المسؤولية من ناحية أخرى. و هكذا فإن فلسفة الأسرة في الرؤية الإسلامية ترتبط بطبيعتها السياسية و لا تتحقق إلا بها. إن المجتمع الإسلامي الذي ينشد تحكيم الشريعة في علاقاته و أوجه نشاطه كافة و استعادة قيمه السياسية و نظام حكمه الشورى، عليه أن يدرك أن هذا يستلزم بالضرورة تأسيس قواعد للممارسة الداخلية لتلك القيم في بنيته بمستوياتها كافة تستعصي على الفساد و الانحراف و الاستبداد، إذ إن فساد التكوينات الاجتماعية الأساسية هو الذي يؤدي إلى ضعفها و اختراقها، و لا معنى للمطالبة بهذه المطالب إذا كانت كل هذه القيم تنتهك داخل المؤسسات المجتمعية ذاتها، و من بينها الأسرة. إن الأسرة في الرؤية الإسلامية نموذج مصغر للأمة و الدولة، تقابل القوامة فيها الإمامة أو الخلافة على مستوى الدولةـ، وتحكمها الشريعة و تدار بالشورى. و يشبه عقد الزواج فيها عقد البيعة، و يتم اللجوء فيها عند النزاع إلى الآليات نفسها التي يلجأ إليها في حل النزاع على مستوى الأمة، أي الصلح و التشاور و التحكيم، و إن ظلت هناك خلافات بحكم الطبيعة الشخصية و الفردية للعلاقات على مستوى الأسرة و بحكم طبيعتها المتميزة. الأسرة و التغيير السياسي تعد عملية التغيير و التحول التي يشهدها أي مجتمع عملية مركبة تشمل الجوانب الثقافية و الاجتماعية و السياسية. و يصعب تحليل ظاهرة التغيير و فهمها دون الإحاطة بهذه الجوانب المتشابكة. و نظرا للمرجعية التي تحكم تصنيف العلوم الاجتماعية الغربية، فقد جرى تناول هذه الظاهرة في سياق مختلف كذلك.

فدراسة التغيير السياسي هي واحد من المجالات التقليدية لعلم السياسة، و أحد محاور اهتمام الفكر السياسي و النظرية السياسية. و قد شهدت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية اهتماما متزايدا بدراسة التغيير السياسي، حيث أضيف للمفردات التقليدية لهذه الظاهرة ( كالثورة و الحروب الأهلية و التمرد)، مفردات جديدة خاصة بالتغيير في دول العالم الثالث قبل الاستقلال و بعده. فزاد الاهتمام في ظل مدرسة التحديث بدراسة دور المؤسسة العسكرية في التغيير السياسي، و حازت المؤسسات السياسية الناشئة و فكرة المشاركة السياسية على اهتمام الباحثين، و تم رصد ظهور التشكيلات الاجتماعية و الطبقات و تحليلها و دراسة علاقات التبعية و الاقتصاد السياسي، هذا فضلاً عن الاهتمام منذ أواخر الستينيات، بدراسة الحركات الاجتماعية و أثراها في التغيير. أما دراسة التغيير الثقافي فقد تناولتها الاتجاهات الأنثروبولوجية، و تعرضت لها بعض الدراسات السياسية في سياق دراسة التنمية في العالم الثالث، واثر التطورات السياسية على البينة الثقافية للمجتمع أما علم الاجتماع فقد ركز على دراسة التغيير الاجتماعي، و خاصة التطورات التي يتعرض لها النظام الاجتماعي و العلاقات بين القوى الاجتماعية المختلفة و اللافت للنظر أن معظم الدراسات في العلوم الاجتماعية المختلفة تناولت ظاهرة التغيير فيما يسمى في الدراسات الغربية بالمجال “العام”، أي المجتمع المدني، في تفاعله مع الدولة و مؤسساتها المختلفة، في حين بقيت دراسة الأسرة في هذا الإطار منصبة بالأساس على بحث أثر التغيير على هيكل الأسرة و بنيتها، و التغييرات التي تحدث داخلها انعكاسا للتحول العام في المجتمع و تبدل الأدوار فيه، و وظيفتها أداة لتحقيق الاستقرار و نقل القيم الجديدة للفرد من خلال عملية التنشئة و إضفاء الشرعية على النظام الجديد، من دون أدنى التفات إلى إمكانيات الأسرة في إحداث التغيير و صياغة التحول الثقافي الاجتماعي والسياسي.

و في تناولها لظاهرة التغيير في المجتمع، تطرح الرؤية الإسلامية الأمور طرحا مركبا، إذ لا يمكن فهم الظاهرة إلا في شموليتها و تشابكها و ترابط عناصرها الثقافية و الاجتماعية و السياسية جميعا. و في هذا السياق، تتظافر جهود الوحدات الاجتماعية المختلفة على تحقيق المثل و القيم الإسلامية من خلال التحول و التغيير، سعياً إلى النموذج الاجتماعي و السياسي الإسلامي المنشود، و تبرز وظيفة المرأة و مكانتها في إطار الأسرة بما هي وحدة أساسية للمجتمع الإسلامي، تمثل البينة التحتية للنظام الإسلامي. و إذا كانت الأسرة مسئولة عن التنشئة السياسية خاصة في ظل تقصير الدولة و المؤسسات الوسيطة، فإن هذه المسؤولية هي مفتاح التغيير الثقافي باتجاه الثقافة السياسية الإسلامية، و هو التغيير الذي يدعم التغيير الاجتماعي الواسع و يفرزه، و يحقق في النهاية التغيير السياسي: أولاً: في التغيير الثقافي. الثقافة في اصطلاح العلوم الاجتماعية هي “نظام للإدارك الجماعي يحدد عناصر المثالية السلوكية للفرد”، فهي إدراك، و هي ظاهرة جماعية، ثم هي تنتهي بالسلوك. و هي أيضا مجموع القيم و العادات و المعتقدات التي يتعلمها الفرد من خلال التنشئة في مراحل عمره المختلفة و و التي تحقق دمج الفرد في مجتمعه. و”الثقافة السياسية” هي “المعتقدات و القيم و الرموز المرتبطة بإدارك الظواهر السياسية و فهمها، و التي تحدد توقعات الفرد من العملية السياسية، و تعد أساس الشرعية و المشاركة في أي نظام سياسي. و بعد استخدام مفهوم “الثقافة السياسية” أحد مداخل التحليل السياسي، يتم بواسطته الربط بين الرؤية الكلية و النظام السياسي من ناحية، و دراسة علم النفس على مستوى الفرد من ناحية أخرى.

و قد ارتبطت دراسة الثقافة السياسية في المدارس الاجتماعية الغربية بدراسة الاستقرار و الاستمرارية في النظام الثقافي، و من ثم النظام السياسي، و هذا ما جعل بعض الدراسات الغربية النقدية ترى في المؤسسات المرتبطة بالتنشئة السياسية المنوط بها نقل الثقافة السياسية من جيل إلى آخر مؤسسات دعم لشرعية الأنظمة الحاكمة و تأييد النظم السياسية، ارتباطا بمفهومالأبوية”، كما عدت بنية الدولة الأبوية امتدادا لبنية الأسرة الأبوية، بينما عدت الأسرة الأبوية دعامة اجتماعية للأولى. أما الثقافة السياسية فنظر إليها على أساس أنها أداة للسيطرة و حفظ استقرار النظام. و في المقابل ارتبطت دراسة الثقافة السياسية في كتابات التنمية و مدرسة التحديث بمفهوم التغيير، إذ رأى الباحثون و المنظرون الغربيون في هذا المجال أن تقدم دول العالم الثالث مرهون بإعادة تشكيل الثقافة السياسية من خلال جهاز الدولة في المجتمعات حديثو الاستقلال، و تولي المؤسسات الجديدة في المجتمع هذه المسؤولية من أجل دعم شرعية النظم السياسية. و في هذا الإطار ينظر إلى الأسرة بوصفها إحدى أدوات الدولة في تحقيق هذه الأهداف، مع تأكيد هذه التنظيرات على أهمية بناء مؤسسات تتولى هذه المهمة كاملة حتى يتم تجنب التأثير “التقليدي للأسرة”. إذن فالهدف من دراسة الثقافة في الدول المتقدمة ليس هو الهدف نفسه من دراستها في دول العالم الثالث ثقافة المشاركة (participation) كما تسميها الكتابات الغربية، هي النموذج الذي يجب الحفاظ على استمراريته، في حين أن الثقافة السياسية في بلدان العالم الثالث هي تجسيد لثقافة المجتمعات التقليدية ما قبل الصناعية التي يجب تغييرها، و لا بأس أثناء ذلك من القبول بمرحلة انتقالية تسود فيها ثقافة تقوم على هياكل حكومية مركزية متخصصة تدفع بهذا لتغيير في اتجاه الثقافة المنشودة، أي الثقافة المدنية التي تخضع فيها الأبنية و الوظائف و السياسات الثقافية للضبط الكامل، و تسود فيها الديمقراطية” و “العقلانية” و”التنكولوجيا”. و تتم عملية التغيير الثقافي في أي مجتمع، عادة، من خلال آليتين: التجديد الذاتي الداخلي، أو التأثر بالثقافات ألأخرى و الاستفادة من الاحتكاك بها، سواء تم ذلك اختيارياً من خلال تفاعل حضاري حر، أو بالقوة التي قد تأخذ شكل الغزو العسكري المباشر أو الاستعمار الهيكلي غير المباشر.

و الأصل أن يكون هناك توازن بين التجديد الثقافي الذاتي و النقل الحر عن الثقافات الأخرى. أما إذا تم تقييد التجديد الذاتي و مصادرته، و تعرضت الثقافة الذاتية لعملية غزو ثقافي مكثفة أو استعمار ثقافي، فإن السياسة الثقافية المؤسسية تنفصل حينئذ عن ثقافة الأمة و عن إطارها الحضاري، فتصبح الحاجة ماسة إلى أن تتحول ثقافة الأمة إلى ثقافة مقاومة، أو ثقافة مواجهة، يشارك فيها المواطن العادي على المستويات كافة، و تأخذ كل أشكال توكيد الهوية من أجل تحقيق “أمن ثقافي” للأمة. و قد ذهب بعضهم إلى أن أدوات المواجهة الثقافية هي الجامعات و المؤسسات الثقافية، غير ملتفين إلى خضوع هذه المؤسسات للدولة و صعوبة حمايتها من الاختراق من لدن السلطة و توظيفها في إيجاد المساندة و الشرعية للنظام القائم. و إذا كانت معرضة كذلك لأن تكون إحدى أدوات التنشئة من جانب السلطة، فإنها ما زالت الوحدة الاجتماعية الوحيدة التي بقيت، من حيث آلياتها الداخلية، خارج السيطرة المباشرة، و ذلك ما يرشحها لأن تكون أقوى جبهات التنشئة الحضارية و ثقافة المقاومة”. و تنهض الأسرة بهذه المسؤولية من خلال اللغة و الحفاظ على المفاهيم الحضارية، حيث تقوم اللغة في السياق بوظيفة مزدوجة: الأولى اتصالية إدراكية ، و الثانية رمزية.

و من ناحية أخرى، تمثل الأسرة إطاراً لرموز المواجهة المادية و السلوكية الأخرى ، تلك التي تمثل درعا دفاعية في مواجهة الرموز التي تستخدمها السلطة بشكل مستمر و متجدد بهدف إلى توجيه الوعي الجماهيري و امتصت المعارضة. و تؤدي هذه الأدوات المختلفة، جنبا إلى جنب مع أثر هيكل الأسرة ذاته على وعي الفرد، إلى بلورة منظمة القيم السياسية للفرد المعبرة عن الخصائص الحضارية للأمة الإسلامية، و هي القيم التي لا تمثل مجرد مفاهيم نظرية في الذهن تغرسها التنشئة، بل تتجسد في السلوك السياسي للفرد. فالإطار الحضاري هو، أولا، نماذج للسلوك و التصرف على المستوى الجماعي و الفردي، و هو، ثانيا، مجموعة وظائف لتلك النماذج السلوكية، ثم هو قيم تتحقق بالارتقاء إليها عبر علاقة تجانس بين النماذج السلوكية و الوظائف الاجتماعية. و كلما كانت منظمة القيم داخل الأسرة متماسكة، تنشئة و ممارسة، استطاعت هذه المنظمة أن تثمر سلوكا منضبطاً من ناحية، و أن تواجه محاولات اختراقها من ناحية أخرى. و محاولات الاختراق هذه قد تأخذ شكل غرس قيم غربية داخل المنظمة أو إعادة ترتيب قيمها ذاتها ترتيبا يخل بمقاصد الشرع و غاياته و بالتالي يشوه السلوك و الممارسة جميعا. فإذا ما تمكنت الأسرة، بما تتسم به من امتداد، من حفظ اللغة و الرموز و القيم، و تمثلت في بنيتها و هيكل علاقاتها الممارسة الإسلامية، فإن هذا يشكل لدى الجماعة شعورا بالتضامن و يمثل القاعدة الثقافية و المعنوية للرابطة الإنمائية. و لا تقصر مهمة الأسرة على التنشئة في مرحلة الطفولة فحسب، بل تمتد عبر مراحل العمر المختلفة، إذ تستمر الأسرة تنهض بوظيفتها ضمانا لاستمرارية اثر التنشئة الأولى و حفظا لمنظومة القيم، ذلك أن القيم التي ينشأ عليها الطفل قد تطغى عليها قيم أخرى بفعل مؤسسات التنشئة الرسمية. و إذا كانت الدراسات الغربية تتحدث عن “إعادة التنشئة” أي قيام المؤسسات بنقل فكرة المواطنة كقيمة إلى الفرد و التخلص من أثر تنشئة الأسرة المرتبط بالعلاقات الإنسانية الحميمة داخلها، فإن الرؤية الإسلامية تطرح هذا المفهوم في المقابل بما هو عملية متصلة تعمل الأسرة من خلالها على إزالة الآثار السالبة لمؤسسات التنشئة الرسمية المخترقة تحصينا للفرد من اختراقاتها الانحرافية. يبد أن التنشئة المستمرة و الحفاظ على الثقافة السياسية الإسلامية داخل الأسرة لا يكفيان وحدهما لإحداث التغيير بالمعنى الواسع الشامل. صحيح أن بناء الاعتقاد و صياغة الإدراك و العقل لدى الفرد، أي تغيير الأنفس”، هو الشرط الأول لتحقيق سنة التغيير كما ذكر القرآن في قوله تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد:11)، إلا أنَّ هذه السنة سنة جماعية تستلزم تغييراُ في أوضاع القوم و علاقاتهم.

لذا فإن احتضان الأسرة للثقافة الإسلامية لا يفي بالغرض، بل هو مجرد قاعدة انطلاق لتغيير ثقافي أوسع من خلال ما يمكن أن نطلق عليه اصطلاح “الانتشار الثقافي المجتمعي. فمن خلال سلوك الفرد القائم على التنشئة الإسلامية، و بواسطة اختلاطه بمجتمعه و دعوته لهذا السلوك و تلك القيم بشكل مباشر و غير مباشر، يتحقق للمنظومة الثقافية إسلامية الانتشار وسط الجماهير العريضة التي يتفاوت الوعي لديها بالاختراق الحضاري. و بذلك يمكن للنموذج الإسلامي الصمود، و يتحقق تغيير ما بالقوم. إن الثقافة لا تتمثل في الأفكار وحدها، بل تتمثل أيضاً في السلوك والفعالية. فالوحدة الأول للثقافة هو وظيفتها، إيجابا أو سلبا، في حياة الأفراد و الجماعات، من حيث كونها تحدد منطق التعامل مع الواقع. أما الوجه الآخر لها فهو كونها تشخصا للهوية، هوية الفرد و هوية الجماعية التي ينتمي إليها. و هذه الدلالة المزدوجة للثقافة تمكنها من إنجاز وظائف حيوية و معقدة في حياة المجتمعات الإنسانية. لذا كان الحرص على تنميتها و إثرائها و تعميق مقوماتها لدى الأمة في قاعدتها العريضة أساس ليس لتحقيق الهوية الحضارية و حسب، بل لتحصينها و الدفاع عنها كذلك، فالأسرة ليست مجرد نتاج للواقع، بل هي في أحيان كثيرة أساس لفاعلية المجتمع في تغيير هذا الواقع و تقويمه. لقد ارتبط تناول التنشئة السياسية و في معظم الدراسات بتحليل مؤسسات الدولة. يبد أن الدولة ذاتها قد تكون نتيجة لعملية متصلة من التنشئة السياسية التي تبني ثقافة سياسية فاعلة تؤسس الدولة. و لا يرتبط ذلك، ضرورة، بغياب الدولة، بل قد يحدث في وجود “دولة”، لكنها ليست “الدولة ” التي تنسق مع الإطار الحضاري و الثقافي لأمة ما. و ليس من المحتم أن يكون ذلك بشكل عنيف، بل قد يكون بشكل تدريجي تقوم فيه الوحدات الاجتماعية بحفظ ثقافة الأمة و نشرها و إحداث تحول اجتماعي على أساسها يفرز في النهاية تغييرا سياسيا. و إذا كانت الثقافة عنصراً جوهرياً في التغيير، فإنها تتضافر مع العوامل الاجتماعية و تمهد القاعدة التي يقوم على التغيير الاجتماعي. ثالثاً: التغيير الاجتماعي تُعَرِّف الدراسات الغربية للتغيير الاجتماعي بأنه التغيير في الأبنية الاجتماعية لأي مجتمع كالتغيير في التكوين الطبقي، أو تبدل مواقع فئات اجتماعية معينة، كالمرأة أو الأقليات. و تشترط بعض الدراسات أن يكون التغيير ناتجا عن عوامل خارجية، إما إذ كان من داخل الأبنية ذاتها، أو الفئات الاجتماعية، فإنه يسمى تطوراً. و تميز الدراسات الاجتماعية الغربية بين مفهومين للتغيير الاجتماعي: المفهوم الفلسفي الاجتماعي المقتبس عن فلسفة التقدم، و هو الحركة داخل النظام للحفاظ عليه، و المفهوم المادي الذي يرى أن التغيير الاقتصادي الجوهري هو أساس التغيير في البناء الاجتماعي، حيث أن التحول التاريخي ليس إلا نتاجا لصراع الطبقات الذي هدفه النظام برمته. و تذهب الكتابات الليبرالية إلى أن أدوات التغيير هو التطور الاقتصادي و النظام التعليمي و أجهزة الإعلام، حيث تؤثر هذه الأدوات في اختيارات الأفراد و بالتالي في سلوكهم الاجتماعي. و هكذا يصعب الفصل بين التغيير الثقافي و التغيير الاجتماعي، و يعد كل منهما سببا للآخر. أما الرؤية الإسلامية فترتبط، كما أسلفنا، التغيير الثقافي، أو تغيير الإدراك بالسلوك، حيث إن تغيير النفس مقدمة و قاعدة لتغيير المجتمع من خلال انتشار الأفكار و أنماط السلوك وفق النموذج الإسلامي بما يحقق فاعليته السياسية. ومن ثم فإن الرؤية الإسلامية تركز علـى وظيفة الإنسان الفرد و شبكة العلاقات الاجتماعية التي ينتظم فيها، عل عكس الرؤية الغربية التي ترتكز على مكانة المؤسسات الوسيطة كالأحزاب و جماعات الضغط و الحركات الاجتماعية.

و لذلك كان اهتمام الرؤية الإسلامية بمحيط التغيير بدءا من الأسرة مرورا بالجماعة و انتهاء بالأمة، من أجل إحداث التقدم نحو الإسلام. إن الفرد لا يستطيع إحداث التغيير بمفرده، بل تنظيم الأفراد في إطار جماعي تحقيقا للتغيير، و تمثل الأسرة الممتدة القاعدة الاجتماعية الأولى لأي تغيير. أما الأسرة النووية فهي لا تستطيع أن تشكل في حد ذاتها مجتمعا مستقلا عن المجتمع الأوسع، بل هي دوما تابعة. و على العكس من ذلك، تمتلك الأسرة الممتدة القدرة على بناء نمط ثقافي و اجتماعي اقرب للاستقلال، بل التمايز، عن الثقافة المهيمنة بدرجة أكبر من وحدة اجتماعية أخرى. و يُلاحِظُ أن الغياب الحضاري للدولة على الرغم من وجودها المؤسسي يفرض على المجتمع أن يقوم بالوظائف المعطلة. إلا أن هذا لا يعني إمكانية استمرار المجتمع بدون حاجة إلى الدولة، إذ تبقى هدفاً يسعى له من خلال التغيير الثقافي و الاجتماعي و السياسي.

قراءة 2304 مرات آخر تعديل على السبت, 04 تموز/يوليو 2015 21:08

أضف تعليق


كود امني
تحديث