الحياة كما نعرفها، و كما عرفها أجدادنا من قبلنا، هي دار شدائد، و كرب، و ابتلاءات، لذلك تزداد حاجة المؤمن إلى الدعاء؛ لقوله صلى الله عليه و سلم: (من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد و الكرب؛ فليكثر الدعاء في الرخاء) رواه الترمذي و حسنه الألباني، و لقوله صلى الله عليه و سلم: (تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) صححه الألباني في الجامع الصغير .
و قد بين العلماء أن هناك دعاء عبادة و دعاء مسألة، و هذا من لطفه بعباده، و نعمته العظيمة، حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم و دنياهم، و أمرهم بدعائه، دعاء العبادة، و دعاء المسألة، و وعدهم أن يستجيب لهم، و توعد من استكبر عنه فقال: ((إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)) أي: ذليلين حقيرين، يجتمع عليهم العذاب و الإهانة، جزاء على استكبارهم. ((انظر تفسير العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله)).
و الدعاء هو التجارة الرابحة التي يستوي فيها الفقير و الغني، لكن عظم الربح يكون على قدر حضور القلب و انطراحه بين يدي الله.
و الدعاء طريق الفوز و الفلاح في الآخرة و هو السبب الرئيسي للسعادة في الدنيا و الآخرة بل هو الطريق لانشراح الصدر و سلامته و طهره و بعده عن الشوائب.
و قد جاء الأمر بالدعاء صريحاً في الكتاب و السنة بل جاء تسمية الدعاء عبادة قال تعالى: ((وَ قَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين))، و قال صلى الله عليه و سلم: (الدعاء هو العبادة).
و الدعاء صفة الرسل عليهم الصلاة و السلام جميعاً فقد دعا آدم ربه أن يغفر ذنبه فغفر له و دعا نوح عليه الصلاة و السلام أن ينصره الله فقال: ((إنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ))، فنصره الله على قومه و أهلكهم بالطوفان و دعا إبراهيم عليه الصلاة و السلام حين أضرمت عليه النيران فقال: (حسبي الله و نعم الوكيل) فقال الله للنار: ((كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ)).
و دعا يونس عليه الصلاة و السلام ربه لما ابتلعه الحوت فقال: ((لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ))، فاستجاب الله دعاه و نجاه من الغم و كذلك ينجي المؤمنين.
و دعا سليمان عليه الصلاة و السلام فقال:((رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ من بعدي))، فأتاه الله ما طلب.
فماذا لو كان هذا الدعاء قد عطره طيب خُلوفك و أنت صائم، أو أضاءته قناديل قلبك الساجد بين يدي الكريم الجَوَاد الودود في الثلث الأخير من الليل و هو يتودَّدُ لعباده ليستغفروه؟! لم لا نستغل كرم الكريم، و ننكسر بين يديه، و نقبل على عطائه و قد فتح لنا أبوابه و هيأ لنا خزائنَ جوده في كل آنٍ و حين، و لم يجعل للدعاء تاريخ صلاحية و لا وقتًا معينًا للوفود عليه؟!
فلا بد للمرء أن يكون كيسا فطنا يحسن تصيد فرص الخير فيغتنمها و لا يدعها تفوته، و قد ثبت من السنة النبوية المطهرة أن الدعاء المستجاب رهن بأوضاع و مناسبات و أماكن و مواقيت، و هل هناك وقتا أنسب للدعاء من شهر رمضان، و هو الشهر الفضيل الذي أنزل فيه القرآن، فلنحرص إذن على اغتنام هذا الشهر المبارك، لنتوجه إلى الله بالدعاء لنا و لذوينا لكافة المسلمين عسى تنكشف الغمة و تزول الظلمة و ينصلح أمر الأمة، فينقشع الظلام و يعود الأمن و السلام و يعم بلاد الإسلام و ما ذلك على الله بعزيز...