أروقة المدينة المنورة يهزها فرحاً ذلك الخبر الذي أذِّن به في الناس، "أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حاجّ هذا العام"، و تتسابق القلوب[ ] بالنيات، و تسري حركة دائبة بين الصحابة[ ] رضوان الله عليهم، يتأهبون لصحبة الحبيب في رحلته المباركة إلى البيت العتيق، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه و سلم، و يعمل مثل عمله، و تغص ساحات المسجد النبوي و ما حولها بالمؤمنين، ينتظرون انطلاقة الركب الطيب إلى الرحاب الطيبة، في رحلة حجة الوداع، و تمضي الجموع خلف نبيها الكريم حتى تنتهي إلى موضع الإحرام، عند ذي الحليفة، فاحرموا لربهم، و انطلقت الحناجر الطاهرة بالإهلال لرب العالمين، ((لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك)).
تلبية تحمل كل معاني التوحيد[ ] و الرضى و الشكر، على نعمة التوحيد و الانقياد التام لأمره سبحانه، و ها هي مكة المباركة تأتلق فرحا بهذه الليالي البهية، و ها هو البيت العتيق منارة توحيد شامخة تغمر الكون بنورها، و ها هي القلوب الوافدة على بيت الله تهتف بكل مشاعرها الفياضة، ((اللهم زده شرفاً و تعظيماً و مهابة)) تصطف خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم لتأخذ عنه مناسك الحج[ ] المبرور، و يستلم النبي[ ] الحجر، ثم يطوف بالبيت سبعاً، ثم يأتي المقام و يقف فيه قائلاً: «و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى»، و يصلي ركعتين يقرأ فيهما (قل هو الله أحد)، و في الثانية: (قل يا أيها الكافرون)، كلمات توحيد أبدية غرست في قلوب المسلمين، لا يقبلون غيرها و لا يقبل منهم غيرها، كلمات أمرت أمة الإسلام أن تقاتل الناس عليها، حتى يقولوها، فمن قالها فقد عصم نفسه و دمه، و من خالفها، فبيننا و بينه شرع الله نحكم فيه بما أمر سبحانه، لا نزيد على ذلك و لا ننقص شيئاً.
و تتابع الصفوف المؤمنة خلف نبيها صلى الله عليه و سلم إلى المسعى، و يبدأ الحبيب من الصفا قائلاً: «نبدأ بما بدأ به الله، إن الصفا و المروة من شعائر الله»، و يرنو النبي إلى البيت من الصفا، ثم يكبر و يحمد الله بما قدر عليه، في تأكيد للأمة إلى آخر الزمان، أن هذه الشريعة[ ] بأدق تفاصيلها هي شريعة الله، و أنه صلى الله عليه و سلم قد اتبعها، و أننا لن نكون مسلمين بحق إلا باتباعها، سبعة أشواط على امتداد المساحة بين الصفا و المروة، يغدو فيها و يروح من اختار الله لهم الحج، و هم يملؤون جنبات الكون تكبيراً و تحميداً و تنزيهاً و تمجيداً لربهم سبحانه، و قد امتن عليهم بأقرب القرب، و أطيب الأحوال، و أقامهم هذا المقام بين يديه، و تمضي الشعائر البهيجة و يقف النبي صلى الله عليه و سلم في عرفات، و يتمّ الله نعمته على رسوله و على المؤمنين و يتنزّل الوحي بقوله سبحانه و تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة من الآية:3]، و يرضى محمد صلى الله عليه و سلم و ترضى أمته بالإسلام الذي ارتضاه ربّ العالمين لهم دينا إلى يوم القيامة[ ] ، و يفيض النّاس من عرفات و يمرّون بالمشعر الحرام، و تنطلق تكبيرات العيد، و يهلّ يوم النّحر، و يتردد صّوت الرّسول الصّادق المشفق: «يا أيّها النّاس أي ّ يوم هذا؟ قالوا يوم حرام، قال: فأيّ بلد هذا قالوا: بلد حرام، قال: فأيّ شهر هذا قالوا: شهر حرام قال: فإن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، فأعادها مرارا ثمّ رفع رأسه فقال: اللهم هل بلّغت؟ اللهمّ قد بلّغت، فليبلّغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض».
اللهم احقن دماء المسلمين، و اجمع قلوبهم على دينك، و اجعل ثأرهم على من استباح دماءهم يا رب العالمين.
الرابط:
http://ar.islamway.net/article/17951/%D8%AD%D8%AC%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AF%D8%A7%D8%B9?ref=s-pop