كل ما يحصل للعبد مما يكرهه لا بدّ له فيه من الصبر حتى يحصل له الأجر ، يؤجر على الصبر لأن الصبر مأمور به و يِؤجر أيضا على المصيبة و الألم فيكفر الله سيئاته، لقد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن الذي يموت مبطونا فهو شهيد ، و المبطون كل من أصابه داء باطني و فتك به كالطاعون و غيره، و تجلّد و صبر فله أجر شهيد المعركة الذي يواجه السيوف، و هذا فضل من الله عزّ و جل.
عن ّأنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:( إنّ الله عزّ و جل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنّة) يريد عينيه. رواه البخاري.
من فقد البصر فصبر فله الجنّة، و كذلك من أصابه ضعف في النظر أو في السمع أو في جسده فصبر و احتسب فله أجر، فالمصيبة من حيث هي لا يحصل بها الأجر إنما يحصل بالصبر. قال تعالى عوضته منهما الجنّة، فيه فضيلة لمن ابتلي بفقد البصر، و هناك نصوص كثيرة جاءت فيها تسلية و بشارة لكل أهل البلاء، لذا تجد المؤمن الصابر منشرح الصدر محتسبا الأجر عند الله عزّ و جل.
عن عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه قال لي ابن عباس رضي الله عنهما :" ألا أريك امرأة من أهل الجنّة ؟" فقلت بلى، قال:" هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت :" إنّي أصرع و إنّي أتكشف فادعوا الله تعالى لي" قال:( إن شئت صبرت و لك الجنةّ و إن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك) فقالت :"أصبر" فقالت:" إنّي أتكشف فادعوا الله تعالى أن لا أتكشف"، فدعا لها. متفق عليه.
قول ابن عباس رضي الله عنهما لعطاء رضي الله عنه " ألا أريك امرأة من أهل الجنّة؟" دليل على حرص الصحابة على معرفة أهل الفضل من الصالحين و التعريف بهم، فابن عباس عرّف بهذه المرأة، و أراد أن يعرف فضلها، ففي هذا التعريف حرص على الخير و معرفة الصالحين و الاحسان إليهم.
خيّر النبي صلى الله عليه و سلم المرأة بين أن يدعوا الله تعالى لها أو أن تصبر و تكون لها الجنّة، فكانت هذه المرأة فقيهة حريصة على الخير فقالت" أصبر" فاختارت الصبر و أن تبقى على مرضها، محتسبة صابرة ليتحقق لها ذلك الوعد و هو دخول الجنّة.
لكن طلبت من النبي صلى الله عليه و سلم أن يدعوا الله عزّ و جل أن لا تتكشّف، و هي معذورة حين يصيبها الصرع، يرفع عنها القلم و مع ذلك و بسبب فقهها و إيمانها طلبت أن يحفظها الله تعالى من التكشف، هذه موعظة بليغة لنساء المؤمنين، فكيف لمن خرجت مختارة من نساء المسلمين اليوم تكشف عورتها و تظهر محاسنها للناس من غير عذر، فهذا فيه عبرة لكل مؤمنة، فهذه المرأة العظيمة مع شدّة ما أصابها و مع شدّة المرض تأتي للنبي صلى الله عليه و سلم و تسأل أن يدعوا الله عزّ و جل أن لا تتكشّف، و معلوم أنّ الرجال إذا انكشفت لا ينظرون إليها، بل ينظرون إليها نظرة شفقة و رحمة، لكن من غيرتها سألت هذا حتى لا يرى الرجال منها شيء، و هذا دليل على قوة الإيمان و على فقه المرأة من أكثر من وجه، الأول: أنّها اختارت الصبر، و الأمر الثاني : أنّها سألت أن لا تنكشف، ما أعظمها من امرأة، أعرضت عن الدعاء الذي فيه العافية في الدنيا و نقص الأجر في الآخرة فاختارت أجر الآخرة مع صون عرضها عن نظر الرجال.
علينا أن نتعلم الأسباب الحقيقية لنيل العظمة و ندع البهرجة الزائفة و الخداع العريض حول ما يوصل إلى العظمة، لأننا في زمن فشا فيه الكذب و الدجل، فأجيالنا اليوم تتهافت إلى نيل العظمة الزائفة من هنا و هناك، كم انخدعت بأسباب النصر الكاذبة، و أعرضت عن الأسباب الحقيقية و هي أن نتّقي الله عز و جل في أنفسنا ( إن تنصروا الله ينصركم)، أما أن نعكف على الذنوب و المعاصي و نستعين بأعداء الإسلام و ننسى ربنا عزّ و جل فهذا من الأسباب التي تؤخّر النصر، إنّ أعظم سبب للعظمة هو الصبر قال صلى الله عليه و سلم: ( و اعلم أنّ النصر مع الصبر ) لا ينال الطالب النجاح إلا مع الصبر، كذلك الطاعة و العبادة لا تنال إلا مع الصبر، و لا يكون النصر على الأعداء إلا بعد الصبر، الصبر هو سر العظمة و من حرم الصبر، حرم الأجر العظيم.