قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 11 أيار 2016 17:15

الرؤية القرآنية للعالم ومفهوم الحياة الطيبة من خلال سورة النحل

كتبه  الأستاذ محمد بن جماعة
قيم الموضوع
(0 أصوات)

يندر أن تجد أحدا منا، نحن المسلمين، لا يعاني من اضطراب في العلاقات سواء في الأسرة أو في دائرة الأصدقاء أو في العمل.. و يندر أن يعيش أحدنا بدون خلافات و نزاعات و خصومات يصل بعضها لدرجات مدمّرة نفسيا و اجتماعيا..
و في المقابل، يقول الله عز و جل في سورة النحل (آية 97): “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”. فلماذا نعاني في حياتنا اليومية من كثرة المشاكل و الخلافات و القلق، رغم إيماننا و عملنا الصالح؟ و هل نحتاج لإعادة نظر و إعادة ترتيب في رؤيتنا للحياة لتحقيق معنى “الحياة الطيبة” المشار إليه؟
سورة النحل، قرأتها سابقا عشرات المرات.. إلا أنني شعرت في الأيام الفارطة كأنني أقرأها للمرة الأولى.. وجدت أن السورة ملخص كامل للقرآن الكريم.. و قارنت محتواها بما قرأته سابقا عن مفهوم “رؤية العالم” الذي يعتمده الفلاسفة و علماء الاجتماع و السياسة منذ أواخر القرن التاسع عشر.. و قارنت محتواها بخلاصة علم النفس الفردي، فوجدت أن توجيهات السورة تلتقي كثيرا مع ما تدعو له هذه المعارف الجديدة..
هذا الأمر ينبّه إلى الحاجة لتجديد فهمنا للقرآن و تنويع زوايا النظر على ضوء المعارف الجديدة:
1. فتطور المعارف حول الطبيعة و النفس البشرية، و اكتساب معرفة إضافية، يدعونا لمراجعة بعض القضايا بما يتفق و هذا الجديد من العلم. و القضايا الدينية عموما لا تخرج عن هذه القاعدة. فنحن بحاجة أحيانا لإعادة قراءة القرآن من زوايا جديدة اعتمادا على تطور معارفنا.
2. أضف لذلك، أن مهمتنا كأجيال أتت بعد الجيل الأول للإسلام لا يمكن قصرها على مجرد جمع أقوال الجيل الأول و حفظها و شرحها و شرح الشروح عليها..  و إنما نحن مكلفون أيضا بخدمة (الحق و الدعوة إلى الله) بالمعارف الجديدة التي نكتسبها، خصوصا و أن الكفر و الإلحاد و التشكيك في حقائق الدين أمر قائم و دائم، و يجدد وسائله و مقولاته و يبتكر أدوات معرفية جديدة، يتحدى بها الإيمان، و هذا يفرض علينا التعامل معه وفق المستجدات و المتغيرات، و تحديه بأدوات معرفية جديدة..
1. ما المقصود برؤية العالم؟
هو اصطلاح يستعمل لعرض وجهة نظر شمولية لفرد مّا أو لمفكر أو جماعة، حول الكون و العالم و الحياة، و حول المشكلات و القضايا التي تتعرض لها الإنسانية في واقعها.. و يعرّفها الفلاسفة بأنها مجموعة متجانسة من المفاهيم تسمح “بصياغة تصور عام للعالم و الحياة، و صياغة فهم لأكبر عدد ممكن من عناصر الخبرة و التجربة الحياتية”.
و يشترط الفلاسفة لكي تكون الرؤية كاملة، أن تجيب عن ستة أسئلة جوهرية لتشكيل “رؤية للعالم”:
1. سؤال الواقع، و يمكن التعبير عنه بسؤال “ماذا؟”: ما هي طبيعة عالمنا الذي نعيش فيه الآن؟ ما هي تركيبته؟ و كيف يتم توظيفه؟ ما هي علة وجود شيء، و علة انتفاءه ؟ إلخ.
2. سؤال الماضي و الأحداث السابقة و البدايات: كيف نشأ العالم؟ و من أين؟ و لماذا أصبحت وضعية العالم على ما هي عليه الآن، و لم تتخذ شكلا مختلفا؟ و ما هي المبادئ التفسيرية العامة التي يمكن تطويرها حول نشأة الكون و العالم و الحياة على الأرض؟
3. سؤال المستقبل: إلى أين؟ ما هو مصير الحياة في هذا الكون في المستقبل؟ و ما هي السيناريوهات المتاحة للبشرية؟ و كيف نرجّح بينها، و ندفع باتجاه معين و نتحاشى غيره؟
4. سؤال القيم و الأخلاق: ما هو الخير و ما هو الشر؟ و ما هي غاية الحياة؟ ما الذي ينبغي أن نناضل من أجله؟ و بأي وسائل نناضل؟ و ما هي الوسائل التي نتجنبها؟
5. سؤال الفعل و السلوك الإنساني: كيف ينبغي أن نتصرف؟ و على أي مبادئ نؤسس فعلنا و سلوكنا؟
6. سؤال المعرفة: كيف نكتسب المعرفة، و نصوغ تصوراتنا؟ و كيف نتأكد من صوابية معرفتنا و نبرهن عليها؟ و بأي لغة و أدوات نصوغ هذه المعرفة ؟
7. ثم يقترحون سؤالا كليا شاملا  و هو: من أين نبدأ، للإجابة عن كل الأسئلة السابقة؟ و ما هي المنهجية؟
2. أنواع رؤى العالم
يمكن أن نجد رؤية دينية (منطلقة من أسس دينية، مثل الرؤية الإسلامية، الرؤية المسيحية، الرؤية البوذية)، أو رؤية إيديولوجية و فلسفية (مثل الرؤية القومية، الشيوعية، النازية، الليبرالية، الاشتراكية). و توجد رؤى فرعية من كل الرؤى الكبرى (مثل الشيعة و السنة، و السلفية و الصوفية، و الكاثوليك و البروتستانت، و القومية البعثية، و الشيوعية التروتسكية و اللينينية، و الليبرالية، و الاشتراكية المسيحية، و الاشتراكية الديموقراطية).
و كما نلاحظ، فمفهوم رؤية العالم قريب جدا لعلم الفرق و الملل و النحل، الذي كتب فيه بعض العلماء (عبد القاهر البغدادي، و ابن حزم، الشهرستاني، النوبختي).. و لكن كتابتهم لم تكن ممنهجة بل تجميع للفروقات البسيطة و المركبة.
3. هل هناك ضرورة لامتلاك رؤية للعالم؟
صياغة “رؤية للعالم” تلبي احتياجات نفسية و اجتماعية حقيقية.. و من يملك رؤية دينية أو فلسفية واضحة للعالم، يكون أقل شعورا بالقلق الوجودي و اليأس و ضعف الثقة بالنفس.
و الإيمان و العقائد الدينية من أهم العوامل في تحصيل السعادة لأنها تضفي معنى على الحياة و الوجود، و تملأ النفس بالأمل و الثقة، و تعطي تفسيرا عميقا للآلام و المعاناة، و إحساسا بالانتماء إلى كيان أكبر.
و على هذا، فنحن جميعا بحاجة ماسة إلى رؤية ما للعالم، و لو لم تكن كاملة الوضوح، و بحاجة أيضا لأن يكون لدينا بعض عناصر الإجابة لكافة التساؤلات المتعلقة بالكون و الحياة.
4. الرؤية القرآنية للعالم من خلال سورة النحل
آياتها: 128.. سورة مكية ماعدا الآيات 126-128 فمدنية. نزلت بعد سورة الكهف و قبل سورة نوح.
1) السورة خلاصة شبه كاملة للرؤية القرآنية للعالم، و تجيب عن الأسئلة الستة. و تدعو الإنسان للنظر و التأمل في كل ما يحيط به في الحياة، و إدراك ما وفره الله للإنسان لبناء “الحياة الطيبة” على الأرض بشكل عام.. و تعطيه إجابات سريعة و مركّزة عن كل ما يحتاجه لبناء رؤيته للكون و العالم و الحياة.
2) تبدأ السورة بالحديث عن المدخل لامتلاك الإجابة السليمة عن التساؤلات الكبرى للحياة حتى لا يبقى الإنسان حائرا ضعيفا أمامها: كيف وجدتُ في هذه الأرض و لماذا؟ و ماذا عليّ أن أفعل؟ و ما هو مآلي بعد الموت؟ و كيف أتعامل مع الخير و الشر؟ إلخ.. فتذكر أن المدخل الوحيد هو الوحي و النبوة، و لا يمكن لأي مدخل معرفي آخر أن يوفر الإجابة السليمة عن هذه الأسئلة: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ.. يُنَزّلُ ٱلْمَلَلائِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُواْ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ فَٱتَّقُونِ). و بالتالي فسؤال وجود الله و صفاته لا يمكن الإجابة عنه لا بالعلم التجريبي و لا بالفلسفة و إنما بالوحي و النبوة.
3) ثم تنطلق في بيان الرؤية، منذ بدايات الخلق (سؤال الماضي و البدايات): فالسماوات و الأرض خلقتا بِالْحَقِّ (في غير عبث).. تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ.. و الإنسان خلق من نطفة (من قطرة ماء صغيرة). و لكنه سيصبح تدريجيا خصيما مبينا، مجادلا بعقل و لسان، قادرا من خلالهما على التفكير و البيان و التواصل مع الآخرين.
4) ثم تتحدث السورة عن أدوات الحياة التي وفرها لله للإنسان (سؤال الواقع): الحيوانات (الأنعام، الخيل البغال، الحمير)، و وظيفتها المباشرة (الغذاء و الملبس و التنقل و حمل الأشياء التي يصعب على الإنسان حملها بنفسه) و وظيفتها غير المباشرة (كأداة للتأمل في طريقة حياتها و حركتها، لاختراع الأشياء على شاكلتها، إلخ).. ثم الماء و الزرع، و مظاهر التنوع و الجمال في الطبيعة و الحياة، (وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ، وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ.. وَ النُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).. و تسخير البحر للطعام و استخراج حلي الزينة، و أهمية الجبال و الأنهار و المسالك و الطرقات، و علم الفلك للاهتداء بالنجوم. (وَ أَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَ أَنْهَارًا وَ سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.. وَ عَلامَاتٍ.. وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)
5) ثم تتحدث السورة عن أدوات الفعل الإنساني التي وفرها الله للإنسان: السمع و البصر و العقل، و المعرفة. و تبشّر مَنْ أحسن استخدامها (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ طَيّبِينَ..)، و تحذّر من يسيء استخدامها (ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ).
6) ثم تتحدث عن دور الرسل في الهداية، و تصحيح الانحرافات عبر التاريخ البشري، و إعادة تصحيح البوصلة نحو الله، و الدعوة لاجتناب الطغيان المادي و السياسي و الاجتماعي و الإفساد في الأرض: “وَ لَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱلله وَ ٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ”.. “وَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ”
7) و تذكّر بنعم الله.. و حق الشّكر له و الاعتراف بفضله و ضرورة عبادته: “وَ مَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ ٱلله”. “و إن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها”.. و تذكّر بأهمية حفظ مقام الألوهية و الاعتراف بوجودها و الإذعان لها: (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)..
ثم تعطي نماذج للمستكبرين و شرك الكفار و إنكارهم للنبوة، و تحذّر من نموذجهم.. و تجمع في السياق بين الإيمان بوحدانية الله و الإيمان بالآخرة. بل تجعل أحدهما دالا على الآخر فلا يمكن الإيمان بوجود الله دون الإيمان باليوم الآخر و البعث و الجزاء: (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ. فَالذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)..
ثم تتحدث عن المشيئة الإلهية و مفهوم القضاء و القدر.. و تنفي مفهوم الإجبار، و تقرّر أن الله يأمر عباده بالخير و ينهاهم عن الشر.. ثم يترك لهم حرية الاختيار.
ثم تتحدث عن موقع المرأة في المجتمع، و تصحّح المفاهيم الخاطئة حولها، و تدفع الظلم الذي كانت تعاني منه في المجتمعات البشرية المنحرفة: (وَ إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيم). و تنبه على قيمة مؤسسة الأسرة و الزواج كإطار سليم للحياة.
و تنبه على أهمية تكريس التعاون في إطارين:
1. إطار المجتمع بما يوفر للجميع الرزق و أسباب العيش الكريم تضرب الأمثال لشرح سبب الاختلاف في الرزق (وَ اللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْق فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)
2. إطار الزواج، و إنجاب الأبناء لضمان استمرار الحياة البشرية و عمران الأرض: (وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَ حَفَدَةً)
ثم تشير لأهمية البيت و المسكن و الملبس كضرورات للعيش الكريم، و تسخير الأدوات لذلك من الطبيعة التي وفرها الله في الأرض، مثل صناعة الملابس من جلود و صوف الحيوانات، و استعمال حجارة الجبال في البناء..
ثم تتحدث السورة عن سؤال الفعل و السلوك (السؤال الخامس)، و أهمية الأخلاق و النهي عن نقض الوعود. و الأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى، و النهي عن الفحشاء و المنكر و البغي.
و تختم السورة هذه الرؤية القرآنية بست إشارات هامة:
1. الإشارة إلى أن هذا الإطار العام لرؤية العالم هو الكفيل بتحقيق الحياة الطيبة في الأرض.. و أن البشرية مأمورة باتباع هذه الرؤية لتحقيق وظيفة “عمران الأرض” التي خُلِق الإنسان من أجلها.. “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”
2. أن الرافضين للالتزام بهذه الرؤية الربانية للعالم مآلهم الخسران في الدنيا و العقاب في الآخرة، باعتبار أن أي رؤية مخالفة ستنحرف جزئيا أو كليا عن المهمة الأساسية للإنسانية في الأرض.. (وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ.. وَ لَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَ هُمْ ظَالِمُونَ).. و تذكر السورة أنّ أهمّ مثال بشري على الانحراف عن هذه الرؤية القرآنية هو نموذج بني إسرائيل ( وَ مَا ظَلَمْنَاهُمْ وَ لَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
3. أن المخالفين للرؤية القرآنية للعالم نوعان: مخالف مُعرِض جاحد تماما.. و مخالِف مُكْرَهٌ على ذلك، بشكل من الأشكال.. و تبيّن الفرق بينهما: “مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَ لَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.. ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَ أَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ.. أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصَارِهِمْ وَ أُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ”.
4. أن هذه الرؤية القرآنية للعالم ليست حكرا على أتباع الإسلام، بل هي في الأصل إعادة إحياء لنفس الرؤية التي أوحى بها الله للأنبياء السابقين.. و تذكر إبراهيم (ع) كنموذج أمثل للإنسان الذي عاش حياة طيبة، متمثلا الرؤية القرآنية كاملة، و تطلب من محمد (ص) و أتباعه اتّباع نموذج إبراهيم (ع): (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.. شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ.. اجْتَبَاهُ وَ هَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ.. وَ آتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَ إِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ.. ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَ مَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)
5. أن البشرية ستشهد اختلافا كثيرا حول رؤية العالم، و نزاعا بين الملتزمين بالرؤية القرآنية، و الرافضين لها.. و أن الحل في ذلك بالحوار و ليس بالحرب و الصراع: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).. و تبيّن أن هذا الاختلاف ستشوبه كثير من الانفعالات و المشاحنات النفسية التي قد تؤدي لتبادل العنف و العدوان.. و أن من المنطقي أن نعامل المعتدي بالمثل.. و لكن الصبر أفضل، لأهمية ضبط المشاعر و مقاومة الانفعالات، و كبح النزعة نحو العنف: (وَ لَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ).
6. تدعو المؤمن للالتزام باستحضار القرآن الكريم في حياته اليومية، لأنه الكتاب الذي يلخص له الرؤية السليمة للكون و العالم و الحياة، و يساعده على تحسس الحلول الحقيقية لمشاكله وقضاياه، و يحميه من الانحرافات المحتملة عن الطريق.. و تخبره بأنه سيتعرض للوساوس التي تشككه في صدقية و وثاقة القرآن، و تشككه في صلاحيته للزمن و متغيرات الواقع، و توهمه بعجز القرآن عن الإجابة عن التعقيدات الجديدة للحياة في كل عصر و كل بلد كل مجتمع: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ.. إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَ عَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
السورة إذن تشكّل خلاصة كاملة لرؤية العالم الإسلامية.. بل و خلاصة أيضا للقرآن الكريم ذاته. و قد أتت في أسلوب فني بليغ و عميق في غير تعقيد، يفهمه الإنسان أيا كان عصره و زمانه و بيئته و معرفته..
5. الحياة الطيبة في سورة النحل
نتوقف عند مفهوم “الحياة الطيبة”.. يقول الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).. هذه الآية تقرر جملة من القواعد:
1. أولها: أن البشرية تتكون من جنسين (ذكر و أنثى)،
2. أن هذين الجنسين متساويان في قاعدة العمل و الجزاء، و في صلتهما بالله، و في جزائهما عند الله.
3. و بالتالي فإن هذه المساواة في قاعدة العمل و الأجر تقتضي التعاون بين الرجل و المرأة.. و لا يمكنها أن تؤدي لمجتمع أبوي/ذكوري.
4. و أن المطلوب في الحياة هو أداء الدور و الوظيفة بالشكل السليم (العمل الصالح)، من أجل البناء و الإصلاح، و ليس من أجل التدمير و الإفساد..
5. و أن هذا العمل الصالح و أداء الدور في الحياة يكفل، لمن يقوم به و للمجتمع، حياةً طيبة في هذه الأرض
6. و أن الحياة الطيبة في الدنيا لا تنقص من الأجر الحسن في الآخرة.
6. ماذا يقول علم النفس؟
علم النفس يهدف لتفسير آليات الطبيعة الإنسانية، و تشكّل الشخصية، و دراسة السلوك الإنساني، و العوامل التي تجعله يختار طريقةً دون غيرها في مواجهة مشاكله الاجتماعية و الثقافية. و يوجد اتجاهان رئيسيان في التحليل النفسي:
1. المدرسة الكلاسيكية (فرويد)، و التي تفسّر السلوك البشري بمفاهيم الغرائز، و اللاشعور، و العُقَد الجنسية، و الحتمية البيولوجية. و تعتبر أن الإنسان كائن بيولوجي. و يؤكد على أهمية الحاجات البيولوجية. و أهمية الغرائز، و الأهمية القصوى للجنس. و أن الإنفعالات لا يسيطر الفرد عليها. و أن الشخصية مكونة من الأنا الأعلى و الأنا و الهوَ و الغرائز. و أن العُقَد الجنسية أمر مشترك بين جميع الأطفال.
2. المدرسة الحديثة (يونج، آدلر، إيريك فروم)، و التي تفسر السلوك البشري بالعوامل الثقافية و الاجتماعية و التعليم، و تطوير الذات، و أنماط الشخصية. و تعتبر أن الإنسان كائن اجتماعي. و تؤكد على أهمية الحاجات الاجتماعية. و أهمية الميل إلى الانتماء إلى جماعة. و إمكانية ضبط الانفعالات و السيطرة عليها، و الشخصية تخضع لأنماط أساسية.. و الجنس أقل أهمية مما يتصوره فرويد، و العقد الجنسية استثناء و ليس ظاهرة عامة..
و سنركّز على مدرسة آدلر باعتبارها الأكثر انتشارا و تأثيرا في الخمسين سنة الأخيرة.. و تمثّل الأساس النظري لكل النظريات المعاصرة حول القيادة، و التنمية البشرية و تحسين الأداء الفردي، و إدارة التغيير، و الإدارة بالأهداف، و حل المشكلات في العلاقات الاجتماعية و الزوجية، و البرمجة العصبية، إلخ.. و نعرض في البداية لـ”معنى الحياة” عند آدلر:
يرى آدلر أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش إلا إذا عرف أن لحياته معنى.. و هذا المعنى محصّلة جهد معقّد و متراكم، و هضم عقلي و نفسي و ثقافي، تبدأ منذ الرضاعة. و كثيرا ما يتغير المعنى الذي نحمله عن بعض الحقائق من فرد لآخر، و حتى لدى الفرد نفسه من فترة عمرية لأخرى، نتيجةً لتغير الخبرات وتطورها وتنوعها، ونتيجة المراجعة الذاتية وتصويب الرؤية الذاتية وإصلاح السلوك الذاتي.
و يرى أن سؤال “ما معنى الحياة؟” سؤال قديم قِدَم الإنسان نفسه.. و كثيرون يتهربون من طرحه و لا يصدّعون رؤوسهم بسبب الاستغراق في هموم الحياة اليومية.. و ينتبهون إليه فقط حين يمرون بأزمة أو بمكروه أو إحباطات و تجارب فاشلة، أو يعيشون موت أحد الأهل و الأقارب و الأصدقاء.
و يرى أن الحياة وضع اضطراري لا نختاره.. فنحن نولد دون اختيار فنجد أنفسنا في هذه الحياة.. ثم نجد أنفسنا نعيش تحت ثلاثة ظروف اضطرارية تشكّل معنى الحياة و تتسبب في كل المشاكل التي تواجهنا:
1. الظرف الأول: أننا نعيش على سطح كوكب صغير جدا، و مجبرون أن نعيش في حدود ما يوفره من موارد طبيعية محدودة، و أن نحاول تطوير هذه الموارد و استخدامها أحسن استخدام في حدود معارفنا، و أن نقوم بتطوير أجسامنا و عقولنا للاستمرار في الحياة على الأرض.
2. الظرف الثاني: أن الضعف المميز للفرد و محدودية قدراته تجعل من المستحيل تحقيق أهدافه في الحياة بمفرده أو بمعزل عن الآخرين.. و لذلك فكل فرد عضو في جماعة البشر المحيطين به، و وجوده مرتبط بوجودهم.. و بالتالي فأعظم منحة يقدمها الإنسان لأخيه الإنسان هي منحة “الزمالة” (أو الأخوة). و الحاجة لوجود الآخرين ليس فقط لإشباع الحاجات المادية و إنما أيضا لإشباع الحاجات المعنوية اللازمة لاستمرار الحياة..
3. الظرف الثالث: إن الجنس البشري يتكون من رجل و امرأة، و بقاء الجنس البشري و استمراره يعتمد على كليهما، و لا يمكن للرجل و لا للأنثى الاستمرار في الحياة دون الآخر.
من هنا، يستنتج آدلر أن المشكلات الثلاث في حياة الفرد هي: العمل (الوظيفة/الدور)، العلاقة مع باقي أفراد المجتمع، و الزواج.. و أن الحل المشترك لهذه المشكلات هو “التعاون” و ليس الصراع.. و كل فرد يحقق “الحياة الطيبة” بمقدار نجاحه في “التعاون”، و يبتعد عنها بمقدار فشله و قصوره في “التعاون”.
و يرى أن الخبرة و المهارة الأساسية في التعاون تتشكل حسب الأدوات و الظروف و الخبرات المتاحة في 3 مراحل عمرية: الطفولة الأولى و المدرسة و المراهقة. و يمكن تهذيبها فقط بالتدريب..
أما المفاهيم الأساسية لنظرية لآدلر فتتلخص في ما يلي:
1. يرى آدلر أنه لا توجد حتميات بيولوجية، و إنما توجد غائية في حياة الفرد، تجعله يسعى بفاعلية لتحقيق غايات و أهداف لبلوغ التميز و الكمال.
2. و يرى أن الفرد كائن اجتماعي بالفطرة.. و شخصيته و طبيعته الداخلية تتشكلان من خلال المعايير الأخلاقية و الثقافية، بتأثير من من الروابط و العلاقات الاجتماعية. و أن طريقة تفكير الفرد و دوافعه السلوكية تتشكل بتأثير من ظروفه الاجتماعية و الاقتصادية و معتقدات الدينية و العلاقات الإنسانية التي تشكل مشاعر انتماءه للجماعة.
3. الإنسان لا يحتاج للاستقرار و الهدوء، بقدر ما يحتاج للكفاح و التوتر الإيجابي و إنفاق الجهد و الطاقة من أجل الأفضل.. و الدافع الأساسي للتفوق و التنافس و الكمال ليس الجنس (كما يقول فرويد)، و إنما مشاعر النقص و العجز هي التي تمثل الدافع في كل تقدُّمٍ وصلت بشري. و بالتالي، فأغلب المشاكل التي يتعرض لها الإنسان حين يبحث لنفسه دورا في المجتمع أو وظيفة أو عملا، فجذورها تعود بالأساس لكيفية إدارة مشاعر الضعف و النقص و تحويلها إلى حافز، و هذا يتحقق أساسا بتأثيرات الأسرة و المدرسة و الميول الأولى.
4. الفرد يحتاج للحب و العاطفة. و لذلك فهو يكافح من أجلهما. وأغلب مشكلات الأسرة و الزواج تعود إما للأخطاء في تعريف الحب و مقتضياته، أو الأخطاء في الربط بين مفاهيم الحب و التعاون و الاهتمام الاجتماعي، أو نتيجة ما نستخلصه من تجربة آبائنا و تقييم علاقتهم الزوجية، أو لأخطاء فهم الدور الاجتماعي و النفسي للزواج، أو لقصورنا في امتلاك المهارات لحل المشاكل.
5. و الفرد يحتاج أيضا للاهتمام الاجتماعي. و لا يستطيع الانفصال عن الالتزامات الاجتماعية.. و الميولُ الاجتماعية تعويضٌ حقيقي يقوم به الفرد تجاه الآخرين بسبب ما يعانيه من ضعف ذاتي طبيعي. و لذلك فلديه استعداد للتضحية بطموحه الشخصي و أنانيته، و للعمل من أجل الصالح العام و المثل العليا تعويضا عن ضعفه.. و هذه النزعة الفطرية لا تظهر تلقائيا بل تحتاج للتوجيه و التدريب.
6. يوجد لكل لفرد مبدأ أساسي يحدّد أسلوب حياته و يفسّر خصوصيته و تميّزه عن بقية البشر.. و هذا المبدأ يتحدد في مرحلة الطفولة المبكّرة لأن مركز الفرد في الأسرة و ترتيبه في الولادة يطبع نفسيته و أسلوب حياته. و كل المصاعب التي تعوق نموه تنشأ من شدة المنافسة و قلة التعاون في الأسرة..
و كما نرى، فإن أدوات علم النفس الفردي تلتقي كثيرا مع الإطار العام لمفهوم “الحياة الطيبة” في سورة النحل.
7. خاتمة: سبب تسمية سورة النحل
يقول تعالى “وَ أَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِى مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتًا وَ مِنَ ٱلشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ.. ثُمَّ كُلِى مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ.. فَٱسْلُكِى سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً.. يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ.. فِيهِ شِفَآء لِلنَّاسِ”.
ربما هي دعوة للانتباه لنمط حياة النحل و تنظيم مملكته القائم على التعاون و التكامل و عدم النظاع و الخصومة من إخراج أفضل ما فيه، أي العسل.
و ربما هي إشارة أيضا بقوله تعالى “وَ أَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ”، إلى أن الغائية في الحياة هي نوع آخر من الوحي، مثلما نرى الغائية في حياة النحل. فهي تشير إلى اتباع النحل لإرشادات إلهية فطرية لتنفيذ ما كلفت به بدقة “ٱتَّخِذِي.. كُلِي.. فَٱسْلُكِي.”

الرابط:http://tariqramadan.com/arabic/2015/03/20/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%88%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9/

 

قراءة 1770 مرات آخر تعديل على الجمعة, 13 أيار 2016 12:42

أضف تعليق


كود امني
تحديث