قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 18 شباط/فبراير 2015 09:43

من القدس إلى مانيلا.. مع التحية

كتبه  الأستاذ عزيز العصا
قيم الموضوع
(0 أصوات)

تعلمنا منذ طفولتنا المبكرة أن نقسم العالم إلى قسمين لا ثالث لهما. فأما الأول: فهو ذلك العالم المتقدم الذي نرى فيه "بعبع" الحضارة، و التقدم، و الرقي، و العمران، و عزة الفرد و كرامته...الخ. انه عالم الغرب الذي نرى فيه جنة الله على الأرض! رغم قناعتنا بأنه عالم استعماري؛ استغل ثرواتنا و أهلك حرثنا و نسلنا و استباح أرضنا و سماءنا... الخ. و أما الثاني: فهو عالم الفقر، و التشرد، و التخلف و استباحة حرية الفرد و كرامته. حتى أننا، و بالرغم من اننا من ضمن هذا العالم، نرى فيه العدمية من وجوده على سطح هذا الكوكب!

و الفلبين واحدة من مكونات القسم الثاني التي كنا نعتقد، شبه متيقنين، أنها مجرد بلد فقير، لا تسهم في الحضارة الإنسانية بشيء سوى مجموعة من الخادمات اللاتي ينتشرن في محيط الغنى الذي أصيبت أيدي نساءه بشلل، جزئي أو كلي، عن القيام بواجباتهن اتجاه أزواجهن و أولادهن و حتى اتجاه أنفسهن.

بقي الأمر كذلك؛ إلى أن التقيت بالسيد دانيلو أ. سونجكو/ الخبير الفلبيني الذي ساعدنا في مركز تطوير المؤسسات الأهلية الفلسطينية (NDC) على بناء الإطار الاستراتيجي لتمتين القطاع الأهلي الفلسطيني للسنوات الخمس القادمة: 2013-2017.

لأن مخزوننا الثقافي مشحون باتجاه الغرب، و الغرب فقط، قلنا: لماذا لم نحضر خبيرا أبيض البشرة، ازرق العينين يتحدث الانجليزية بأصلها و فصلها صافية خالية من أي "لكنة" آسيوية أو افريقية؟! و لكن عندما أكملت الاستراتيجية مهابتها و استقرت في مكانها الصحيح قلنا: إن في الأمر خيرا؛ فهذا الرجل القادم من مسافة تزيد عن الـ (10) آلاف كيلو متراً لديه ما يقوله من تجربة حية يعيشها في بلده الأصلي. الأمر الذي جعلنا نتوق لرؤية هذا البلد و التعلم من تجربته، بما لها و ما عليها.

دعانا السيد " دانيلو" إلى هناك؛ إلى حيث التربة التي نشأت فيها مبادرات أهلية مُلهمة، فاستجبنا لدعوته، و استجاب هو لمتطلبات راحتنا و متعتنا الفكرية و المعرفية؛ بأبعاده المتعلقة بانتهال ما هو جديد و التعرف على بلد لم ندخله من قبل.

في أوائل كانون أول من العام 2012، تم تنظيم زيارة تعليمية لسبعة من أعضاء الهيئات الإدارية المنتخبة لأربع شبكات من المؤسسات الأهلية الفلسطينية، و لثلاثة من العقول التي تدير الـ (NDC)، استغرقت مدة مائة و ثمانين ساعة، تركز أكثر من نصفها على العمل الميداني المباشر بين الشعب الفلبيني؛ بمختلف شرائحه و مسؤوليه، من مختلف المستويات، و المؤسسات التي توجهنا إليها لنستقي منها تجارب للدراسة و التحليل و التطبيق.

لكل شعب طريقته بالاحتفاء بالضيف؛ و للفلبينيين صفاتهم و خصائصهم المتميزة، التي لا اعتقد ان هناك من يتطابق معهم فيها، فقد وجدنا في رحلتنا ما هو أجمل بكثير مما يتوقعه المرء في هكذا زيارة، منها:

أولاً: يعتز الفلبينيون بتاريخهم بقدر ما يحرصون على مستقبل أجيالهم: 

لقد احترم مضيفونا عقولنا؛ فلم يهتموا بإقناعنا بما تمتلك الفلبين من معالم الحضارة؛ من عمران، و جسور عملاقة، و شوارع، و عمارات شاهقة (تتجاوز الأربعين طابقاً)، و ساحات نظيفة، و مناطق خضراء يانعة-جميلة تسر الناظرين... الخ، و إنما ذهبوا بنا إلى أعمق من ذلك بكثير؛ فغاصوا بنا إلى عمق تاريخِهم العريق، عبر العصور المختلفة، و ما وقع على أجدادهم من ظلم و جور واجهه أبطالهم الذين يعتبرونهم صانعي حضارتهم المعاصرة الموصوفة أعلاه. و في ذلك نمط جميل من نكران الذات أمام عظمة الأبطال و تضحياتهم.

منذ اللحظة الأولى؛ اتجهت بنا شابة فلبينية إلى المتحف الوطني للفلبين، حيث استقبلنا شاب يافع؛ لم يصل الخامسة و العشرين من عمره بعد، حدثنا عن تاريخ بلاده، بزهو و فخر، مركزاً على كل من صاغ سطرا فيما يعتبره السفر الخالد للفلبين. حدثنا عن رموز وطنية قاتلت الاستعمار بالحجر، و بالبندقية، و بالقلم، و عن شعب تحدى الجبال الجرداء-الشديدة الانحدار، ليحيلها إلى قطع أراضٍ أفقية أراضٍ خصبة توفر لأبنائه الغذاء و الكساء..

توقف الشاب "الراوي"،مطولا، عند أكثر من بطلٍ من أبطال بلاده الذين أشعل ثورات حقيقية، عبر المراحل المختلفة لتحرر الفلبين من ربق العبودية الاستعمارية، و كان من بينهم روائيٍ-شاعر-ثائر، إنه العبقري المتعدد المواهب "جوس ريزال" الذي تمكن، من خلال روايتين ألفهما، و من خلال كتبه و أشعاره، أن يلهب مشاعر كل من قرأها و/أو سمع عنها، فوفرت وقوداً، لا ينضب، أدام الثورة و ضمن استمرار شعلتها حتى التحرر من قبضة الاستعمار و البدء ببناء الصرح الوطني الفلبيني الحر.. 

لكي لا تنسى الأجيال الفلبينية المتعاقبة، و كواحد من أشكال التأريخ لمراحل التطور المختلفة للفلبين، و كواحد من المعالم السياحية التعريفية للفلبين، فإن المتحف الوطني في الفلبين هو الاستهلال الأول لزوار الفلبين و ضيوفها و سُيّاحها، و هو "شبه مِحَجٍ" لأبناء البلد ليذكرهم بأن حاضرهم هذا لم يأتِ عبثاً و لا مصادفةً؛ بل هو حاضر مجيد لماض تليد أسس له أبطال و بطلات ضحوا براحتهم و استقرارهم، بل و حياتهم.. و قد خلدوا ذكرياتهم بحفظ كل ما طالته أيديهم من مقتنياتهم و موجوداتهم التي تركوها خلفهم؛ فوثقوها في أجواء من المهابة و الاحترام، و أقيم هذا المتحف بجهد عائلة عريقة من مانيلا استثمرت فيه كنوع من مساهمتها في ثقافة البلد.

لا شك في أن في هذا كله ما يحفز الأجيال و يشجعها على مواجهة الظلم و الطغيان بشجاعة و إقدام. و لا يمكننا أن ننسى تلك اللوحة التي تضم مجسمات لجنود فلبينيين و أمريكان تخاذلوا في مواجهة اليابانيين، في العام 1942، فاستسلموا، و لأنهم لم يموتوا دفاعاً عن بلدهم فقد احتقرهم اليابانيون؛ عندما عاقبوهم بأن أجبروهم على المشي على الأقدام حتى يموتوا جوعاً و عطشاً و تعباً.

ثانياً: المؤسسات الفلبينية تتناغم في عملها في سيمفونية جميلة الإيقاعات و الألحان: 

كان الهدف الرئيسي لزيارتنا التعرف على تجربة الفلبين في كيفية تنظيم العلاقات المتبادلة بين مؤسسات المجتمع المدني و الحكومة و مؤسسات المجتمع المحلي. فتم تنظيم عدد من اللقاءات، و الندوات، و المحاضرات، من القاعدة المتمثلة بشبكة المنظمات الأهلية الفلبينية التي تضم (1600) مؤسسة حتى مكتب الرئيس لشئون الحد من الفقر، مرورا بوزارتي الشئون الاجتماعية و الداخلية و البلديات. فلاحظنا، مما رأينا و سمعنا، أنه قد تحقق الكثير مما يحتاج إليه المجتمع الفلبيني، مثل:

1.إن ما يجري في الفلبين، في هذا المجال، هو انتقال حقيقي من النصوص الجامدة على الورق إلى واقع ملموس، وفق مشهد أقرب ما يكون إلى لوحة فنية متناسقة الألوان؛ لكل لون خصائصه و مهامه و موظف للأهداف التي وضع من أجلها. لينتهي الأمر بمنظومة، مضبطة الإيقاع، تؤدي إلى لحن جميل يتغنى به أهل الفلبين، من مختلف الأعمار و المستويات الفكرية السياسية و الاجتماعية. فتجمع البلديات، و مؤسسات المجتمع المدني، و الحكومة على برنامج وطني يخدم الاستقرار و الأمن المجتمعيان، وفق معايير معدة مسبقا بدقة و إحكام، ثم ينطلق الجميع نحو التنفيذ، كل بالقدر المطلوب منه و بالدور المناط به دون تباطؤ، أو تلكؤ، و دون أن تتداخل تلك الأدوار أو تتعارض أو تتناقص.

2.لأن المياه الراكدة تتعفن و تصبح آسنة كريهة الرائحة، و لكي لا تتوقف مياه العمل الخيري و المجتمعي في الفلبين عن الجريان، فإنهم يقومون، باستمرار، بعرض نتائج أعمالهم و إبداعاتهم، و تجاربهم الناجحة، و خططهم المستقبلية المبنية على قاعدة التعلم من الأخطاء و تصحيح المعوج من الأمر. و قد تم هذا كله بحضورنا، و قمنا بمناقشتهم فيما قدموا من تجارب لكي نتعلم و لكي ندلي بدلونا الملئ بتجارب النجاح التي خضناها على أرض الوطن في أصعب الظروف. و كان من بين تلك التجارب ما يلي:

• قدمت مجموعة من الفتيات الفلبينيات، بحضور وكيلة وزارة الشئون الاجتماعية، عروضاً تتعلق بالبرامج و التجارب المختلفة التي نجح الفلبينيون في اتّباعِها من أجل تحقيق التأمين الاجتماعي، و الحد من الفقر، و مواجهة حالات الطوارئ. انتهت بنتيجة هامة و هي أن التعاون و التعاضد و تكامل الأدوار بين مؤسسات المجتمع المحلي و مؤسسات المجتمع المدني، و إيمان الفرد بالدور المناط به... الخ. حتى أن هناك برنامجاً يوفر حماية للفلبينيين و مصالحهم في الدول التي يتواجدون فيها.

و قد أدى كل ذلك إلى نجاحات يعتزون بها كإنجازات وطنية تميزوا بها، أبرزها أنهم نجحوا في التخلص من أطفال الشوارع، و يعتبرونها تجارب نجاح تقود للمزيد من النجاحات للصعود بالمجتمع الفلبيني نحو العلا.

• تابعنا تجربة التدريب على مواجهة الكوارث الطبيعية قدمها لنا مهندس فلبيني بكل وضوح؛ دون أن يعظم دوره الشخصي أو دور البلدية التي يعمل بها و دون أن يلغي ادوار الآخرين غير المتواجدين أثناء العرض.. و أما النتيجة فهي أن المبتدئين، و هم من مختلف الأعمار و الشرائح المجتمعة كالمعلمين و الأطباء و المهندسين... الخ، تطوعوا للتدريب، حتى أنهم اتقنوا الأدوار المطلوبة منهم و واجهوا الطوارئ دون أن يتعرض أي منهم لأذى.

• كما حظينا باستضافة البرلمان الفلبيني، حيث عرّفنا موظفو المجلس و أعضاؤه أنه مؤسسة وطنية فلبينية بامتياز؛ فهو يمثل الكل الفلبيني بشرائحه المختلفة، حينما يشارك المجتمع الفلبيني، بمؤسساته و جمعياته التي يسعى كل منها، وفق نظام دقيق، إلى إيصال مرشح واحد أو أكثر إلى مجلس النواب و/أو مجلس الأعيان للدفاع عن حقوقها و حماية مصالحها.

و اختتمت زيارتنا للبرلمان باستقبالنا كضيوف حظينا بالرعاية و التكريم. و كان استقبالنا هذا في إحدى جلسات البرلمان التي انعقدت لمناقشة قانون "الصحة الإنجابية" الذي أثير حوله جدل واسع على الساحتين السياسية و الاجتماعية. و افتتحت الجلسة بالترحيب بنا و التصفيق الحار، تحية لنا، كقادمين من دولة فلسطين التي صوتت الفلبين لصالحها في الأمم المتحدة.

3.وجدنا أنفسنا أمام الجيل الشاب، غالبيته العظمى من الفتيات في العشرينات و الثلاثينات من أعمارهن، يمسكن بزمام الأمور في جميع المؤسسات التي توجهنا إليها و يتمتعن بقدرات فائقة على فهم ما يجري، و عرضه، و الدفاع عنه بما ينم عن خبرة عالية في مجال تخصصاتهن.. و لا يمكننا أن ننسى كيف كن يتناوبن على العرض، و الشرح، و التفسير، و الإجابة على تساؤلاتنا و أسئلتنا بما جعلنا نعترف أننا أمام خبيرات صغيرات السن لا يسعنا إلا أن ننزع قبعاتنا لهن احتراما و تقديراً. كما تعبر هذه الصورة، بما لا يدع مجالا للشك، عن المسار الذي تسير فيه الفلبين من خلال هذا الجيل الفتي المتدفق حماسا و حيوية نحو بناء البلد و النهوض به نحو الأفضل، بل أفضل الأفضل.

4.يقول المثل: "إذا كان رب البيت للدف ناقرا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص".. أما في الفلبين فان رب البيت، أو الرئيس، ينقر على دف التطور و الرقي ببلده و معالجة قضاياه بمتابعات شخصية منه؛ فهو قائد اوركسترا عظيم يستنهض طاقات بلاده، و يوظف أفضل الطاقات دون واسطة أو محسوبية، ديوانه خلية نحل لا بؤرة فساد كما هو حال دواوين و مكاتب الرؤساء. تتمثل مبادراته في تلك المؤسسات و الهيئات المرتبطة بمكتبه مباشرة، ذات الصلة بالحد من الفقر، و تحقيق السلم المجتمعي، و الاستقرار، في بلد أنهكته عوامل الفرقة و التشرذم و تناوبت عليه قوى استعمارية مختلفة، عبر العصور.

5.هناك ملامح الطيبة و الكرم الطبيعي؛ غير المتصنع الذي يتحمله أهل الفلبين اتجاه ضيوفهم. ففي كل زيارة قمنا بها كانوا يحتفون بنا و يكرمون ضيافتنا بما يتوفر لديهم من مشروبات و مأكولات يقدمونها في جو من المحبة و الاحترام، و لعل أجمل ما في ضيافتهم تقديم الماء بالدرجة الأولى، كدليل على صفاء العلاقة و طيب الضيافة و براءتها و شفافيتها.

6.أما مضيفنا الأساسي " دانيلو أ. سونجكو" فقد كان على قدر عال من المسؤولية بما تمتع به من الحنكة و الحكمة في إدارة الأمور الخاصة بالزيارة، من حيث: التنظيم، و ضبط الوقت، و توفير الخدمات الكافية لإشاعة جو من الراحة و الطمأنينة لنا.

و لا اعتقد أن أحدا من الفريق يمكن أن ينسى "مدام دانيلو"؛ تلك السيدة الرائعة التي أحاطتنا بالرعاية و الاهتمام و المحبة و الاحترام الذي جعل الواحد منا يشعر أنه في بيته؛ لحرصها الواضح على إسعادنا، فرداً فرداً، و تقديم أفضل ما لديها في جو من الابتسامات الرقيقة – الودودة و إدارة حوارات معنا تنم عن المستوى العالي الذي تتمتع به من المعرفة، و الثقافة، و الخبرة في إدارة أمور الحياة.

7.و أما جمال الفلبين و نظافتها فان اقل ما يمكن قوله إن هذا البلد يتمتع بجمالية عالية تسلب اللب، من كثافة تلك الأشجار الباسقة و دقة  تناسقها في مشهد طبيعي مهيب امتد لمئات الكيلومترات التي قطعناها بين المدن المختلفة في الفلبين.

8.كما أن هذه الطبيعة الخلابة قد حظيت بشعب يمتع بخلق رفيع و قدرة عالية على الانضباط استجابة للوائح و القوانين و التعليمات. فبالرغم من خلو الساحات العامة و الشوارع و الأزقة من الوجود الكثيف و الظاهر للشرطة و العسكر الذين يشهرون أسلحتهم، كما هو الحال في دول العالم الأخرى، إلا أننا لمسنا المحافظة على البيئة، سواء الأفراد أو الجماعات؛ فلم نلحظ خلال تجولنا في الأسواق و الحانات و مراكز التسوق أن هناك مدخناً يدخن في مكان غير مخصص للتدخين. كما أن الشوارع، و مهما امتدت أطوالها، إلا أنها تحافظ على تكرار رونقها الجميل و تواصله دون انقطاع كالأشجار الباسقة التي تحيط به من الجانبين، و الأرصفة، المتواصلة دون انقطاع، المصممة وفق انساق هندسية تراعي حاجة المركبات و المارة و الجمهور.

بقي القول: إن في الفلبين شعباً يرنو إلى الأمام؛ و لا مجال لديه للتراجع. فقد تمكن، من خلال تماسك مؤسساته و تكاملها في العمل و حسن الأداء، من تذوق سكانه نكهة البيئة الجميل، و متعة النجاح و التقدم و الصعود نحو العلا. و أن في الفلبين ثروات طبيعية، تتصدرها مياهها الوفيرة و تربتها الخصبة. كما أنها تحظى بقيادة وطنية منتخبة تسعى إلى تحقيق نهضة على المستويات كافة؛ علمياً، و تكنولوجياً، و حضارياً لتصيغ، في نهاية المطاف، إنساناً منتمياً إلى وطنه و ملتقياً مع ذاته. و لعل تلك الجحافل من الفلبينيات اللواتي ينتشرن في مؤسسات الفلبين، و بنسب تتجاوز الـ 60% على المستويات القيادية، و بأعلى من ذلك على المستويات الوظيفية، خير دليل على ذلك. أما النتيجة المتوقعة، من هذا كله، فهي أن الفلبين، و إن بقيت على هذا المنوال، فإنها في طريقها للقفز من مجموعة العالم النامي إلى مجموعة العالم الصاعد؛ التي تضم حتى الآن روسيا، و البرازيل، و الهند، و الصين و إندونيسيا و جنوب أفريقيا.

    ختاماً؛ نتوجه إلى صانعي القرار، على المستويين الفلسطيني و العربي، مذكرين بأن الفلبين بلد يشهد نهضة حقيقية، و أمناً و أماناً، و ثروات طبيعية و خصوبة أرض و وفرة مياه تجعلنا نحلم بتوجه رأس المال العربي إلى هناك ليستثمر فيه، بدلاً من تكديس أموال الأمة و ثروات أبنائها في بنوك أوروبا التي تنقسم بين منكرٍ لحقوق شعبنا الفلسطيني و بين ساكتٍ عن قول كلمة حقٍ لصالحه.

أما على المستوى الفلسطيني؛ فإنه لا بد من تعميق العلاقات الدبلوماسية و السياسية و الاقتصادية، و التبادل التجاري، مع هذا البلد الذي صوت إلى جانب فلسطين الدولة غير العضو في الأمم المتحدة بالرغم من حساسية علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية التي ضغطت للتصويت ضد هذا القرار. و لا بد من السعي الجاد و الحثيث من أجل فتح سفارة فلسطينية في مانيلا يرفرف عليها علم دولة فلسطين الحرة الأبية بعاصمتها القدس.

كما لا يفوتنا أن نقول: لقد انتهت زيارتنا و جولاتنا، لمدة أسبوع كاملٍ، كان معظمها في مانيلا الكبرى التي تضم سبع مدن و يقطنها (20) مليون إنسان. و لعل أبرز ما لمسناه: لم نشهد مشاجرة واحدة.. لم نسمع "زامور" سيارة يزعج الغير.. لفت انتباهنا التقيد الصارم بقوانين السير من السيارات و المشاة.. لا يسيرون كقطيع غنم؛ بل وفق نظام، إذ لا أحد يقطع شارعا إن لم تكن إشارة المشاة خضراء.. يتمتع أهل الفلبين بأدب رفيع؛ يستحيل أن يحييك أحدهم بتحية إلا و يُتبِعها بــ "السيد أو السيدة".. لا يلقون باللوم على الدول العظمى أو الصغرى؛ فلم نسمع منهم من يلقي اللوم على الاستعمار، و لم يعزِ أحدهم أي توتر للفقر و الضغوط يقول أحد أن الفقر و الضغوط؛ فهناك فقر و ازدحام و ضغوط حياة لم تستخدم مبررات لممارسة قلة الذوق و انعدام الحياء. و كل ذلك أسباب تدعونا للنظر في المرآة.

و عليه؛ فإننا نتوجه من قلب القدس، عاصمة دولة فلسطين، إلى مانيلا، عاصمة دولة الفلبين بالتحية و التقدير العاليين على مواقفها السياسية و نظرتها الإيجابية، حكومة و شعباً، اتجاه شعبنا و قضاياه و حقه في إقامة دولته المستقلة و عاصمتها القدس، و على حسن الاستضافة التي حظينا بها على أرض الفلبين، و بين شعبها و مؤسساتها.

http://www.odabasham.net/show.php?sid=76327

قراءة 1235 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 12 آب/أغسطس 2015 18:37

أضف تعليق


كود امني
تحديث