" بذرة الشرّ تهيج، ولكنّ بذرة الخير تثمر " سيّد قطب .
شتّان حقاً بين البذرة المرّة المنبثقة عبر الغبار و الوحل شاقّة بأذرعها الواهية الفارغة عنان الفضاء، و بين البذرة الحلوة المتمهّلة بانطلاقتها تحمل الأوراق المخضرّة ثم الزهور الأرجة، و من بعدها ينعقد ثمرها النافع فيصير قطافها موسم خير و بركة و عطاء رزق و يسر و رخاء.
هنا مثال يعيش فينا و يحذّرنا أن نكون في الحياة كتلك البذرة الخواء التي انطلقت دون نظام و لا هدف محدد، فإذا مصيرها اليباس و الاصفرار، و التطاير جذاذاً من حطام، و يدعونا أن نكون بذرة خير نبتت لتحيي القلوب، و توسّع على الخلق و تعيش لسنين و هي تمد الكون بكل إيجابيات وجودها و خيرات عطاءها.
بذرة الشرّ تهيج؛ لأنّ الشرّ يتطاير ذرّات حارقة كالشرر المنفلت من النار اللاهبة فيحطّ أينما اتفق دون تمييز، فيحرق و يدع العمران خراباً، و يلقي بلهيبه المستعر على براعم الحياة المورقة المتفتحة بالوعود المشرقة فيحيلها إلى أشياء متفحّمة بعد أن كانت تنطق بالحياة و هي تهيج و تكبر و تعمى حتى ما تعود ترى إلا السواد و الخراب و الأذى.
إذ ينفخ فيها الشيطان و يوهمها بأنّها أكبر من كل شيء و أقدر من كلّ قدرة، و أعظم شأناُ من كل من يقف في وجهها فتنهال على الأعداء المفترضين قتلاً و افناء و تحبيطا و إذلالا، تزرع الشؤم و البلاء ، و كيف لا تفعل و هي وليدة الشيطان و النفس و الهوى و الضلال؟.
و على ضفة الحياة المقابلة بذور زرعتها أيد طاهرة و تعهّدتها قلوب مؤمنة، و حفظتها صدور رحبة حانية و سقتها عيون مخبتة منيبة الى ربّها، فصبرت على بذرة الشرّ و هي تحاول اقتلاعها، و تقف في وجه نموّها، و تتربّص بها لحظة بلحظة، و قد ظنّت أنّها قادرة على ذلك و لكنّ الخير الكامن في تلافيف الجذور المندفع عبر اخضرار الوريقات الندية و الواعد بالعطاء الماثل في نور الزهر، و عطره و حلاوة الثمر و فيضه.
كلّ هذا يقف هازئاً بتلك المحاولات الشرّيرة لطمس الحق و الخير و القسط و التوفيق الربّاني، و كلّ هذا يقف صابرا منتظرا الوعد الصادق بزوال البذرة الخبيثة و الغصون الشائكة المتوعّدة و الشرر المتطاير الذي تتلاعب به ريح الفساد و الطغيان لتجعل منه سيفاً مسلّطاً على رقاب الخيّرين الأطهار و لا يفزع الشرّ الخير أبداً فالقلوب المليئة ذكراً و شكراً و طمأنينة و رضى تركن إلى ربّها القويّ العزيز، فتسري فيها روح العزة و الكرامة و القوة و الاستبسال.
و تمضي غير هيّابة باتجاه الهدف الذي وضعته نصب عينيها و هو رض الرب المعبود المرتجى المقصود، و تسلك إلى هذا الهدف طريق الطّاعة المتمثلة في قول ربّها (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ))[الحج:77].
فهو الفلاح إذن غاية المأمول و منية الطالب، فأنّى للشرّ الزائف الهائج المماري أن ينال من بذرة غرست لتبقى و تمتد و تتناقلها الأجيال المتعاقبة على هذه الأرض في رحلة تسري عبر الزمان برعاية الله سبحانه الذي يزن الخير و الشرّ بالمثقال الصغير كي لا تضيع منه ذرّة مهما صغرت أو كبرت.
فيا من تسعون إلى الجنة و الرضوان و الجوار الكريم عليكم بتلك البذرة الخيّرة المودعة في قلوبكم تعاهدوها بالنّماء و التقويم و الثبات و الامتداد حتى تلقوا ربّكم و قد رضيتم عنه و رضي عنكم {فمن يعمل (( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه ))[الزلزلة:7] (( وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ))[الزلزلة:8] .
http://www.denana.com/main/articles.aspx?selected_article_no=12981