قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
السبت, 28 تموز/يوليو 2018 15:46

كيف نفهم الفتوحات الإسلامية : لماذا فتوحات إسلامية 2/2

كتبه  الأستاذ أنس سلامة من فلسطين الشقيقة
قيم الموضوع
(0 أصوات)

إن القوة لم تكن عاملاً في أنتشار القرآن ما تَرك العربُ المغلوبين أحراراً في أديانهم، فإذا حدث أن أعتنق بعضُ الأقوام النصرانية الإسلام، و اتخذوا العربية لغة لهم، فذلك لما رأوه من عدل العرب الغالبين مما لم يروا مثله من سادتهم السابقين، و لما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم يعرفوها من قبل، فلم يعرف العالم فاتحين أعدل و لا أرحم من العرب. ( غوستاف لوبون ، حضارة العرب/ص 16)

كلمة لا بد منها : في زمن يعيد في المستعمِرون الأعتبار لتاريخهم الإستعماري زاعمين أنه تاريخ إيجابي حتى لمن كان ضحيته، من الأولى أن يكف فيه الضحايا عن تشرح ذواتهم و لوم تاريخهم القديم و الحديث الذي لم يدخر وسعاً للدفاع عن وجودهم و بقائهم ضد قوى عظمة قضى الله أن تكون في مرحلة الفتوة التي تجاوزناها منذ زمن فكان لها بذلك ميزة في حلبة المنافسة و لم يكن بإمكاننا وقتها إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بلمح البصر أو إنجاز القفزة المطلوبة في لحظات في وقت أقتضى إنجازها قروناً عند أصحابها بعيداً عن القوة الخارجية المعرقلة التي حفل بها تاريخنا الحديث، و من الأجدى اليوم الإنشغال بهموم اللحظة الحاضرة بدلاً من استمرار البكاء على ما فات و الإنشغال بتشويه مراحل تاريخية اتسمت بإنجازات كبرى عجزت عنها المراحل التالية و بصمود عز نظيره آنذاك بين الأمم، كما لا يمكن لنا الأنطلاق بثقة لبناء المستقبل ما دامت لدينا قناعات سلبية عن ماضينا الذي يستحق منا تقديراً أكبر يدعم قدراتنا التي يشلها اليوم انعدام الثقة بالذات المؤدي للأنبهار بما عند الأعداء و من ثم الوقوع في فخ الأستلاب، في الوقت الذي تؤكد فيه الدراسات التاريخية الأجنبية المحايدة أكثر من العربية، مع الأسف، وجوب فخرنا بهذا التاريخ الذي لطالما استقيناه كله من مصادر معادية.

العالم العربي بين الفتح الإسلامي و الإستعمار الغربي:-

إذا ما توسعنا في الحديث عن عموم الفتوحات الإسلامية لنرى مدى صحة القول الذي يشبهها بالإستعمار و هو قول يجد صدى لدى من لا يقرأ التاريخ و يقتصر علمه على رؤية المعارك و جيوش الفتح فيظن أن الحالات متشابهة، ففي البداية مصطلح " إستعمار " في النظرية السياسية مصطلح حديث النشأة بدأ مع موجة الإستعمار الأوروبي و التي ظهرت ملامحها في كل من القرنين الخامس و السادس عشر و معنى ذلك أنه لا يمكن أن نطلق على أي شيء قديم وصف حداثي، فالحملات الصليبية التي جاءت على المشرق لم يأتي من يقول أنها كانت إستعمار و لا يجوز أن نفكر في ذلك لأن كلمة " إستعمار" عبارة عن وصف حداثة لحالة جديدة لها شروط معينة، فمع تشكل الكيان القومي للدول الغربية و الإتجاه نحو البحث عن الموارد و الخيرات الطبييعة و مواد الخام و الأسواق كان هذا ملخص نظرة الإنسان الغربي في ذلك الوقت لكل ما هو حوله، فتكون البداية بعصر الإستعمار القديم و الذي مثله كل من إسبانيا و البرتغال بأساليب بدائية سرعان ما طورت هذه الأساليب لتتحول لرحلات إستكشافية و التي تبعتها نهب و قتل شعوب الدول المستعمرة، و عليه نلاحظ هنا أول سمة من سمات الإستعمار إلا و هي " نهب الخيرات الإقتصادية " للبلاد و سرقة الموارد الطبيعية و مقدرات الدولة و جلبها لمناطق أخرى من إلى البلاد المستعمِرة، ثم بروز السمة الثانية و التي تتمثل بعدم الإعتراف بالإنسان الذي يعيش على الأرض التي تم إستعمارها فسرعان ما كان يتحول إلى " عبيد " أو تمت أبادته و قتله و هذا ما تميز به الإستعمار القديم و الحديث، و مع صعود الثورة الصناعية ظهر شكل آخر للإستعمار و خاصة مع بروز البريطانيين على الساحة، فهذا أضاف سمة ثالثة فمن ربط الإقتصاد البلد المستعمَر بأقتصاد البلاد المستعمِرة حيث مصر لم تكن تزرع القطن إلا من أجل تحويله للمصانع البريطانية لتقوم بتصنيعه هي بدورها و تصديره دون قدرة الدول المستعمَرة على الإستفادة من مصادرها الطبيعية، إلى ميزة الربط الثقافي بالدولة المستعمِرة بحيث تسيطر الدولة المستعمِرة على البلد و تعمل على نشر ثقافتها بالكامل مقابل طمس هوية هذا الآخر و نجد هذا في إستعمار الفرنسا للجزائر، ثم يعمل الإستعمار على أيجاد قوات عسكرية نظامية في تلك الدول المسيطر عليها و هذا ما فعله الإنجليز في الهند بجمع مرتزقة بصفتها جيش نظامي يمارس الحماية و يخدم الجهة المستعمِرة، و بهذه الشروط الثلاثة مجتمعة يمكن لنا أن نسمي حالة ما إستعمارية و هذا ما أنطبق تماماً على كل من الفرنسيين  و البريطانيين و الإيطاليين كذلك، فلماذا لم يذهب أحد إلى القول بأن الحالة الصليبية ليست إستعمار ؟ فالفارق تماماً بأن الحالة الصليبية أستهدفت التدمير بلا شك و لكنها لم تقم بربط الإنتاج الإقتصادي بالعاصمة فسقطت السمة الإستعمارية الإمبريالية الحديثة عن وصفها بهذه الصفة، فأين مثقفينا من هذه المقاييس على مسألة الفتوحات ؟ فأين تم ربط إقتصاد بلد من البلدان المفتوحة بالعاصمة بغداد و دمشق ؟ و كيف سمح العرب " المستعمرون " بتفوق الأندلس درة التاج الحضاري" و ليس هذا فقط فقد رأينا أن التفاعلات الثقافية التي صنعت من البلاد المفتوحة أدت إلى ظهور عواصم للحضارة الإسلامية أمتدت فيها من المشرق إلى المغرب فمن سمرقند إلى بخارى و نيسابور و أصفهان و قرطبة و القاهرة و أسطنبول و فاس و القيروان و كلها كانت خارح المهد العربي في جزيرة العرب فأين نجد هذا في تاريخ الحضارة الأوروبية ؟ و متى نمى الأوروبي الأطراف على حساب المركز ؟ و حينما أفل المركز و الذي يحلوا للبعض بوصفه بالإستعمار وجدنا أن المناطق المفتوحة كانت في أوج حضارتها فالهند كانت مهد الحضارة في فترة سقوط دولة الغزناوية و كذلك العواصم التي تعرضت للغزو المغولي فكانت بغداد في إنهيار و لم نجد أن تراجعت الأطراف على حساب صمود المركز بل تفوقت غرناطة و قرطبة و كانت متألقة أيما تألق فأين الإستعمار من هذا ؟

ثم نلاحظ أن أعلام الامة الاسلامية هم من الشعوب الذي يُفترض أنهم تعرضوا للإستعمار من أقوام مثل الفرس و الترك و اللغات التي كان يتكلم بها أصحاب البلاد في ذلك الوقت " السكان الاصليين " ألفوا بها بلغاتهم و احتفظوا بها و مثال عليها حينما دخل المسلمون بلاد فارس (فالثقافة الفارسية لم تمت و بقيت موجودة و الفرس كتبوا في لغتهم و في مرحلة من المراحل هم من سادوا على الامة الاسلامية)، و كتابهم أعادوا إحياء تراثهم القديم و الذي تمثل بتراث أبن المقفع مثلاُ، و بعضهم الاخر كان من الزنادقة و مع ذلك أستمر وجودهم و حافظوا على آثارهم، و على هذا الربط الثقافي الكامل الذي ينهجه المستعمر لم نجده بهذا الشكل الذي جرى عليه الإستعمار الفرنسي للجزائر، و من الطبيعي أن يكون هناك جزء من الربط و ليس ربطاً كاملاً في الثقافة العربية بسبب الدين الإسلامي و لأن المسلمين كانوا فاتحين و حاملين لرسالة دين و القرآن نزل باللغة العربية، فكان و لا بد من تآثر هذه الثقافات باللغة و الحضارة العربية دون طمس هويتها، فالأقوام الفارسية بقيت تتحدث بلغتها و كذلك الأتراك اليوم يتحدثون التركية، إلا الأندلس و وضعها يختلف تقريباً لانهم لم يكونوا بنفس الشريحة التي كانت لدى الفرس و الاتراك و لم يكونوا حاملين لثقافة معينة محددة في ذلك الوقت فتأثروا بالعربية بشكل كبير و انحلوا بالثقافة الاسلامية بشكل أسرع لإنهم لم يكونوا بالأعداد الغفيرة في ذلك الوقت.

و نلاحظ أنه لم تكن في تلك المناطق المفتوحة جيوش منتظمة تخدم مصلحة المستعمر، مع أن الحكم الأموي يسمى بالامبراطورية، فلم يكن هناك جيوش تابعة لبغداد في تلك الدول، و كل دولة من الدول المفتوحة كان لديها جيش خاص بها و ليس جيش منتظم تابع لدولة واحدة فقط و تخدم المركز، فكل هذه الأمور تسقط نظرية " الإستعمار " فالمسلمين قاموا بنشر حضارة عريقة أستوعبوا فيها إي أنسان و الدليل على ذلك أن 90 بالمئة من الشعوب التي فتحها الإسلام بقي فيها الإسلام و أن الذين كتبوا عن هذه الحضارة هم ذاتهم الشعوب المغلوبة، و الذين أضافوا لهذه الحضارة كانوا من جميع هذه الأمم، و العديد من كتاب الغرب اليوم يشهد لهذه الحضارة بما أضافته لهم و قدمته، حيث مزجت الحضارة الإسلامية بين الأقوام و الأعراق و كانت قادرة على إستيعاب أي جنس بشري. فتصوير حياة المسلمين في العصر الأموي بحياة الخلفاء الأمويين فقط، هذا فيه من الظلم الكبير لهذه الأمة، في النهاية هناك أمة خرج من رحمها علماء في ذلك العصر و أهم علماء ذلك العصر عاشوا فيها، طبعا كان هناك تسلط سياسي نعم كان كذلك، لكن هذا لا يعني أن الأمة عاشت عصر ظلام و تاريخ أسود، بالعكس كانت أمة في عصر صعود و أهم علماء الأمة ظهروا في العصر الأموي، فدراسة حالة المجتمع الإسلامي بدراسة الطبقة السياسة في مرحلة لم يكن للسلطة السياسة تأثير بعيد عن السياسة بحيث السلطة السياسة لم تكن تملك القدرة بالتحكم بعقول العباد و أفعالهم و تصرفاتهم و تراقب عليهم جميعاً بالطريقة التي تمتلكها الدولة الحديثة بهذا العصر، فلم يكن هناك تلفاز و لا وسائل مراقبة و لا تسجيل و لا جرائد و لا صحف، تستطيع من خلالها التحكم بصورة واحدة تبثها للأمة، فلم يملك السياسي هذه الأدوات التسلطية التي فيما بعد ظهرت بعد القرن التاسع عشر، فهذا الظلم الشديد و الإختزال للأمة الإسلامية هو أما مغرض أو قناعة خاطئة، فعلماء المسلمين في الغالب تواجهوا مع هذه السلطات، الأمام أبو حنيفة سجن من قبل أبو جعفر المنصور، الأمام مالك حصل معه نفس الأمر لوقوفهم ضد الظلم، وجود مثل هؤلاء الناس في ذلك المجتمع دليل أن هذه الأمة حية أم ميتة ؟ بل هي أمة حية، فأن ضل بعض الناس فالباقي لم يتبعهم في هذا الضلال أو كانوا خانعين له راضين عنه، فجموع المسلمين لم يكونوا كذلك. و ما تعلمناه في حقل العلوم السياسية هي مادة الأنظمة السياسة المقارنة و التي ظهرت في العصر الحديث، و طبعا علم أنظمة السياسة المقارنة علم أمريكي ظهر في القرن العشرين و بدأ بدراسة الأنظمة السياسة بعضها البعض بهدف الى نصل لفهم الظاهرة، في أساسات هذا العلم أجابوا على سؤال لماذا نريد أن نقارن فكان الجواب نحن نريد أن نقارن من أجل المقارنة للتحكم بحيث أقارن لأحدد عامل محدد، مثل أن نقول لماذا معدل الجريمة عالي في أمريكا، فهنا نذهب للمقارنة مع عدة أمثلة فيها معدل الجريمة عالي فلا نستطيع بناءا على المبدأ هذا أن نقول أن امريكا فيها معدل جريمة عالي و جنوب أفريقيا فيها معدل جريمة عالي، و نخرج بسبب شامل للظاهرتين في الدولتين أو بعدة دول و نعممها على سبب واحد، لماذا؟ لأن الظروف تختلف بين الدولتين، ففي الوقت الذي أريد به عمل المقارنة من أجل التحكم يجب ضبط جميع العوامل المقارنة فيما عدا ظرف واحد و هو موضوع المقارنة، فمثلاً جنوب إفريقيا دولة عالم ثالث و أمريكا دول عالم أول فهنا لا استطيع القول انها بمثل تلك الظروف و متشابهه فيما بينها، في أمريكا السلاح متوفر بسهولة و تستطيع الحصول عليه، في جنوب إفريقيا يوجد عصابات لكن أمريكا تختلف تماماً فلاحظ أختلاف الظروف و تعددها لكل دولة، و عليه يكمل العلماء بالإجابة لماذا نقارن و يكون الجواب بأن : نحن نقارن لأجل التفسير أو التوضيح، حيث تقوم هذه الظاهرة بتفسير ظاهرة نفسها في عدة مجتمعات مختلفة، و هنا نسحب هذا النموذج في الحقل السياسي المقارن على التاريخ، فنحن هنا نقارن لأجل هذين السببين المذكورين آنفا، الأول يعتمد على أسلوب أخذ مجتمعين متشابهين في كل شيء إلا الظاهرة التي نريد دراستها، الثاني نذهب الى البحث عن الدول المشتركة في الظاهرة و نقارن فيما بينها أي مختلفة الظروف لكن مشتركة في الظاهرة، فنقوم بعكس هذا الأمر على التاريخ، ففي التاريخ نفس المبدأ، لا نستطيع مقارنة ظروف عصر حديث بظروف عصر قديم، أو ظروف عصر لاحق بظروف عصر أخر سابق له، فالعوامل المؤثرة على الأحداث في هذا العصر تختلف عن العوامل المؤثرة في العصر الآخر، مستوى التعليم يختلف، توفر المعلومة مختلف، تفكير الناس مختلف، قيمه مختلف، فنحن اليوم نتكلم عن الفتوحات الإسلامية، في العصور السابقة عصر رسول الله صلى الله عليه و سلم فهل كان هناك طريقة أخرى لتبليغ الإسلام بغير هذه الطريقة " الفتوحات " ؟ و هل خرج المسلمون وحدهم بهذه الطريقة بين الأمم قاطبة و مارسوها وحدهم؟

الفتوحات العسكرية كانت منطق ذلك الزمن و أمراً طبيعياً فيها، فالزعم بتخطئة كل البشر حلم دونكيخوتي أبله و يتافقم بلهه عندما يردد كلام مجرم معاصر يمارس الفتوحات الإستئصالية في عصر العلم و يريد من الضحية أن تساعده في جلد نفسها على أخطاء مزعومة في الماضي مخدرة عما تعانيه في يومها لكل يسهل عليه نهبها نتيجة شعورها بالضآلة المخفية تحت ستار الموضوعية و الإنصاف المزيفين مع أن أولى شروط الحكم بالعدل أن يكون المرء قوياً قادراً متمكناً لا ضحية يطلب إليها أن تنسى ما يحيق بها الآن لتدفع ثمن ماض مزور، فهناك فرق كبير بين قراءتين للتاريخ: قراءة موضوعية تبرز الحوادث بما فيها من محاسن و مساوئ لتطوير الأولى و الاعتبار بالثانية، و قراءة أخرى غير متوازنة تركز على المساوئ لأهداف غير علمية و غالباً ما تكون إيديولوجية أو سياسية، فمثلاً عندما يحدثنا كاتب عن كون الفتوحات الإسلامية احتلالاً، فهذا ضرب من جلد الذات و ليس التأريخ، لأن من صفات المؤرخ الرئيسة وضع الحوادث و الظواهر التاريخية في أطر أزمانها، و أي قارئ متوسع في تاريخ الفتوحات يعلم أن الفتح في حد ذاته كان منطق تلك العصور عند كل الأمم، فليس من المعقول مطالبة المسلمين وحدهم بالخروج عن منطق عصرهم، و دع عنك أن مخرجات هذه الفتوحات لم تؤد ما أدته فتوحات أخرى من كوارث بشرية و طبيعية، و المشكلة الأكبر أن من يلفت أنظارنا إلى فتوحات الماضي كونها احتلالاً يعيش في واقعه تحت احتلال أيضاً و لكنه يصمت عنه صمت القبور و كأنه يريد إلهاء الجيل بجلد ذواتهم من بقضية صارت في عداد الماضي كي يبرر جريمة قائمة و يثبط الهمم عن مقاومتها، و قد قال الكاتب المعروف محمد حسنين هيكل إن الشجاعة أمام القصور و  ليست أمام القبور، نحن مستعدون للاعتراف بأخطاء تاريخنا بشرط أن تكون أخطاء في سياقها بالفعل و ألا تستخدم لتخدير الواقع عن أخطاء غيرنا، فعندما نقرأ أن الدولة العثمانية جمعت فتياناً من أجل تدريبهم على خدمة الدولة، فإننا نرفض هذه الممارسة من منطلق شرعي و هو حرمة فرض الإسلام على غير المسلم، و لا يمنعنا الإعجاب بالتاريخ العثماني من بسط أخطائه الموجودة مثل كل تواريخ البشر، و ذلك رغم المزايا المادية التي كان يتمتع بها منتسب الإنكشارية، و التي قد تصعد به إلى مراكز عليا جداً في الدولة، و استمرار صلته بأسرته و مجتمعه الأصلي، نذكر الخطأ و نعترف به كي نعتبر به و لكن لا لتجييره لحساب أمم أخرى اضطهدت أطفالها و أطفال غيرها بطرق شنيعة ما زلنا نعاينها كل يوم في عصر النور و الحرية، ثم يراد لنا الانبهار بمثل هذه الأمم تحت شعارات التقدم و الحرية و الإنسانية الزائفة، فالاعتراف بالخطأ لا يعني بأي حال تجييره لحساب العدو و لا يعني ضرورة تخدير الناس بماض لحساب القبول بجرائم حالية أكبر، كما تفعل شريحة من المثقفين، و عدم تبرير أخطائنا بخطايا الغير لا يعني ضرورة الانبطاح أمام تواريخهم المزيفة بالعدسات الوردية لنترك واقع اضطهادنا اليوم و ننشغل بلعن أسلافنا عن مقاومة عدونا بل لنقبل اضطهاد الآخرين لنا اليوم بذرائع كاذبة تحرف التاريخ و تخرجه من سياق عصره

و يبقى السؤال محيراً لماذا أختلفت النتائج فعلاً إذا كان الوصف واحد ؟

الأهالي بين الحكم الإسلامي و الأستعمار الغربي

العجب أنه بعد كل الفتوحات الإستعمارية الغربية التي شملت في زمنها ذروة العالم بما يشكل ثقله 85% من شعوب العالم، فيقوم الغرب و أنصاره بلوم التاريخ الإسلامي بسبب الفتوحات الإسلامية التي مهما قيل بحقها فإنها منطق العصر الذي وجدت به بعكس الفتوحات الغربية و التي كانت و لا زالت شذوذاً في علاقتها بالآخر!

فلو أردنا تحديد العلاقة بالآخرين في كل من الحضارة الإسلامية و الحضارة الغربية بإستخدام ( القبول و الرفض ) نجد أن الحضارة الإسلامية رفضت معتقدات غيرها و لكنها جعلت الجانب الأكبر من هذا الرفض ( نظري ) و الذي يتمثل بالحكم بالكفر و لم يترتب عليه أي رفض ( عملي ) لأنها كما ثبت بالتجربة قبلت التعايش مع الآخرين و الإندماج معهم و تركت أمر حسابهم على الله، فتاريخ التعددية في الحضارة الإسلامية خير شاهد على ذلك إلى درجة أن أصبح الغرب يعير علينا بأن بلادنا لا تملك هوية محددة لكونها فسيفساء من الهويات المتعددة، و هو لا يدري بأنه مديح من حيث لم يقصد ! فبعكس الحضارة الغربية التي قبلت بالآخرين ( نظرياً) بحيث تجد كتبها مليئة بالحديث عن التسامح و التعايش في حين أننا وجدنا أنها ما لبثت أن رفضت ( عملياً) عملية الجوار مع الآخرين ! فلم يشهد التاريخ إبادات جماعية كالتي شهدتها القارات الثلاث (أمريكا الشمالية والجنوبية و أستراليا ) فضلاً عن إبادات قضت على تعددية النماذج الحضارية الإجتماعية و الإقتصادية المختلفة عن الحضارة الغربية الرأسمالية حيثما حل الإستعمار الأوروبي، و ما زال الغرب حتى يومنا هذا يتعامل بإزدواجية االقبول النظري بالآخر و الحديث المسهب عن النسبية الأخلاقية في الوقت الذي يرفض عملياً كل من يختلف معه فضلاً عن أن يقف في طريق أطماعه و يعامله بالقطيعة التامة التي تدعي أمتلاك الحقيقة المطلقة التي ينكرها على غيره دائماً !

فالخلاصة أننا نجد أن الفتح الإسلامي لم يقم بطرد أو إبادة أي من السكان الأصليين الذين دخل بلادهم، فضلاً عن إبادة البشر بسبب وجودهم و ليس بسبب أفعالهم، و ذلك " كالإبادات الوجودية " التي أرتكبتها الإمبريالية الإستعمارية الأوروبية، و رغم كل الأحاديث عن الغنائم و السبي و الرق فقد ظلت هذه المجتمعات سليمة لم تتفكك، و ضم المسلمون الآخرون إلى دائرتهم الحضارية سواء أسلموا أم لم يسلموا، و كتب التاريخ طافحة بالثناء على المجتمعات الإسلامية التعددية التي أوجدتها الحضارة الإسلامية في كل من الأندلس و الهند  و الدولة العثمانية و منها كتاب ( أخوة يهود و مسلمون و مسيحيون في العصر العثماني) و لم تكن هذه الظواهر فردية أوشاذة في الحضارة الإسلامية و لم تكن معزولة تماماً بلكانت مراكز كبرى مفتوحة لكل من يلجأ لها، ثم وجدنا بالإستقراء التاريخي أن الإنضمام إلى المجتمع الإسلامي كان حلماً في كثير من الأحيان للمظلومين و المسحوقين و المضطهدين في أوروبا و قد حصلوا هؤلاء على مزايا من هجرتهم إلى بلاد المسلمين، و على مدى ألف عام من الحكم الإسلامي تحولت بلاد الشعوب المغلوبة إلى الإسلام دونما أجبار في معظم الأحيان، و لم نجد أن المسلمون الحاكمون نازعوا السكان الأصليين على أرزاقهم بل أستمرت الإنماط الإقتصادية السابقة على حضورهم و لم يفعلوا ما فعله الأمريكان بالقضاء على مصادر رزقهم الأساسية مثلما قضى على مصدر الرزق الهندية كإبادة ثور البيسون لفرض الإستسلام عليهم و أجبارهم للإزاحة عن طريق الحضارة أو ما فعلته بريطانيا في الهند حينما دمرت صناعات النسيج و قطعت الأيادي لتزدهر الصناعات النسيجية الإنجليزية على حساب الهند، و لهذا نجد هذه الحجة الدامغة و التي تتمثل بأن البلاد التي دخلها المسلمون ما زالت منذ أكثر من الف سنة تحتفل بأعيادهم رغم زوال قوتهم و جيوشهم، أما البلاد التي دخلها الغربيون أقل من هذه المدة بكثير فإنها تحتفل بأعياد فراقهم و إستقلالها عنهم و جلائهم عنها رغم قوتهم و جبروتهم و رغم رغبة هذه الشعوب بالإنضمام إلى مستوى معيشة عالم النخبة الحصرية الغربية التي صدت كل من وقف على بابها، فأين هذا من المجتمعات التي دخلتها الوحشية الإسلامية ؟ و لماذا بقيت هذه المجتمعات قائمة حية إلى اليوم رغم كل العذابات التي ينشرها هؤلاء المنقبون ؟ و لماذا نفضت شعوب الإتحاد السوفيتتي الشيوعية بعد سبعين سنة في حين تمسكت بلادنا المفتوحة بهويتنا و دافعت عنها و حلت مكانها !! فكيف أكذب الواقع و أصدق كلاماً على عواهنه ؟ فمن يقرأ اليوم في كتابات هؤلاء المثقفين يظنهم مربي عصافير و حمام زاجل يغمى عليهم من نقطة دم ! و سرعان ما تسأل هذا المنتقد مو هو مثلك الأعلى فتجد أنه يطبل لإبليس نفسه لكن حينما يتكلم تجده كالملائكة فقط.

و في الختام سمح المجتمع الإسلامي بتعدد العقائد رغم كونه مجتمعاً يقوم على عقيدة واحدة ، و لم يسمح المجتمع الرأسمالي الديمقراطي بوجود نظام إقتصادي داخله يختلف عنه و هذا الامر كان سارياً فيما سبق القرن العشرين حين لم يكن المجتمع الامريكي يقبل التعددية أو بعد حين أدعوا تطور القيم و القبول بالآخر و هو أمر يقتصر على قبول ما لا أثر عملياً له كاللغات و القوميات و الأديان و المطابخ و الأزياء و المناسبات الفولكلورية بعيداً عن تعدد الأنظمة الإقتصادية، و بينما أتاح النظام الإسلامي للآخر الدخول في منظومته مؤمناً أو مستأمناً و كانت الحرب هي الخيار الأخير فإن الديمقراطية الغربية الرأسمالية وضعت الآخر بين خيارين نظرياً هما الإمتثال أو الفناء و لم تفسح المجال لمن يريد الإمتثال و لم تعطه الفرصة الكافية لذلك بل دمرت كل محاولاته مما جعل الخيار الوحيد المتوفر عملياً هو الفناء و هذا ما حدث في ثلاث قارات و فيما بقي بقية العالم خارج جنة المستعمرين، فمن يريد أن يكون منصفاً بمطالبته المسلمين بجلد ذواتهم من أجل حادثة هنا أو هناك فليبيين لنا هل جلد الغربيون المتطورون الإنسانيون الديمقراطيون الأحرار ذواتهم من أجل أي جريمة كبرى في تاريخهم ؟ أم هل جلدوا أنفسهم من أجل الجرائم الكبرى التي ما زالوا يرتكبونها يومياً في عالمنا العربي إلى هذا اليوم ؟ لماذا يراد لي أن أجلد ذاتي و تاريخي من أجل حادث معين ؟ و هل جلد الأمريكيون أنفسهم بعدما أبادوا ملايين السكان الأصليين ؟ أم هل جلدوا أنفسهم بعد أي جريمة من جرائمهم الكبرى في الفلبين و فيتنام و العراق و ليبيا و أفغانستان و فلسطين و و و ... ألخ ؟ هل جلد الفرنسيون أصحاب شعارات الحرية و الإخاء و المساواة أنفسهم لأجل جرائمهم منذ حروب الفرنجة إلى حروب غرب إفريقيا اليوم مروراُ بعهد الإستعمار في الجزائر و سوريا و شرق آسيا ؟ و هل جلد الإنجليز أنفسهم من أجل جرائمهم في أستراليا و الهند و مصر و فلسطين و العراق و الصين ؟ و هل نرى الصهاينة فعلوا ذلك مثلاً ؟ فلماذا لا يتعلم المبهورون كيف يعاملون تاريخهم من أسيادهم ؟ و لماذا يقلدونهم و يشعرون بوجوب تقليدهم في كل شيء إلا في تعاملهم مع ذواتهم حيث يزايدون على كراهية أنفسهم ؟

فعلى التغريب أن يراجع دروس أسياده جيداً و يحفظها قبل أن يتحدث حتى يتمكن من تسميع النص جيداً و ما دمنا في طور التبعية فطلبي الوحيد أن يقرأ مدعوا الثقافة و التحضر ما كتبه المثقفون المتحضرون في الغرب عن المجتمعات الإسلامية التعددية و حينها لن يكون لي كلمة بعدها

و يبقى السؤال محيراً لأصحاب فكرة الإستعمار الإسلامي و أترك لهم التعقيب بعد هذه الحجة الأخيرة : لماذا أختلفت نتائج الإستعمار الكولونيالي العربي عن الأمثلة النموذجية للإستعمار الكولونيالي الأوروبي ؟ ففي الأول وجدنا أن الشعوب المفتوحة تبنت حضارة الفاتحين و صارت مراكزها الحضارية في البلاد المفتوحة و ليس في المهد العربي و هذا كله يختلف عن الكولونيالية، ثم حمل تلك الشعوب مسؤولية و واجب نشر حضارة و دين المسلمين بعدما تنحى العرب أو تمت تنحية الأمويين بنفس المنطق الإسلامي الذي نشروه و لكنهم أنحرفوا عنه فقومهم الموالي بطريقة إنقلابية عجز عنها ضحايا الغرب الذين حاولوا كثيراً مقاومته بأسلحته الفكرية دون نتيجة من جانبه لأنه أصر على تفوقه على الملونين، و لماذا نجد أن صارت أعياد الشعوب التي فتحها المسلمون هي أعياد الفاتحين ؟ خلافاً للإستعمار الغربي الذي ناضلت كل شعوب الأرض للتخلص منه و صارت أعيادها هي أعياد جلاءه و الإستقلال عنه، فكيف حصل هذا الإندماج غير المعهود في أشكال الإستعمار الكولونيالي العربي الإحلالي النهبي كما يحلوا للبعض تسميته ؟

المهم لا يقل لي أحد بعد ذلك أن شراذم العرب في العصور الوسطى كانت وسائل تحكمهم البدائية أكثر فعالية من تكنولوجيا الأوروبين اليوم !

و لإصحاب فكرة الإستعمار الإسلامي : فأنتم تضعون أنفسكم في معضلة كبرى لا بد من حل لها و هي طول فترة الحكم الإسلامي للبلاد العربية اليوم، فكيف سكتت الشعوب الأصلية طوال هذه الأعوام، فسكوتها عن حكم العثمانين مثلاً أربعمائة عام مدعاة لإحراج أصحاب هذه الفكرة ! فيبقى الخيار بين رفض هذا الواقع و من ثم تخيل البديل في " قرون من المقاومة العربية " و الذي لا يوجد ألا في مخيلة هؤلاء الذي حور بعض الطموحات الشخصية لبعض الزعماء المحليين و كثير منهم كانوا من غير العرب لتصبح هبات ثورية قومية !

و عليه فليجيبوا لنا على هذا التساؤل كيف أمكن لدولة ضعيفة معزولة راكدة كما يحلوا للبعض وصف فترات الحكم الإسلامي بها التغلب على مقاومة الجماهير الكاسحة في وقت لم تستطع أقوى الإمبراطوريات الحديثة الإستمرار في حكم قطر من الأقطار الثائرة لهذه الدولة الشاسعة و هو الجزائر مثلاً – أكثر من 132 سنة و هي أطول مدة إستعمارية لقطر عربي من المستعمرين الفرنسيين ؟ و لماذا مكثنا نحن و لم يمكث الفرنسييون في بقعة محدودة من العالم العربي كالجزائر أكثر من قرن واحد أستخدمت فيها كل وسائل البطش و القوة و القمع و الإبادة و الأضطهاد التعسفي و كذلك كل المستعمرون الكبار كانت مدة بقاءهم أقل من ذلك !

و على هذا نبقي لهم هذا الخيار الثاني أمام أنصار فكرة الإستعمار الإسلامي فهو القبول بإستكانة الجماهير العربية لعبودية هذا الإستعمار و وصم أمتهم بالخضوع الذليل كل هذه المدة الطويلة فمن يروج لهذه المقولة " الإحتلال الإسلامي " لا يدري أنه يذم العرب من حيث هو يريد أن يمدحهم و ينصرهم، فأمة تستكين أربعة قرون في المثال العثماني فهذا يعني أن العثمانيين حكموا أمة جبانة ضعيفة مستكينة ذليلة يمكن تشبيهها بأمة من الأرانب و هذا هو في الحقيقة مضمون مقولة "الإحتلال الإسلامي " أو الإستعمار الإسلامي " و على مروجي هذه المقولة أن يعوا ذلك جيداً قبل الإسترسال في نشرها و أن الأقرب للحقيقة و الواقعية و الذي يؤيده المؤرخون المحايدون هو أن الحكم الإسلامي لم يكن إحتلالاً و لا إستعماراً على الأقل من وجهة نظر من عايشوه و إن أرغم ذلك أنوفاً حاولت تعديل مسار التاريخ بالإنجليز و الفرنسيين و الطليان ... بل و الصهاينة أيضاً.

قراءة 3309 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 08 آب/أغسطس 2018 15:01

أضف تعليق


كود امني
تحديث