قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الإثنين, 12 تشرين1/أكتوير 2020 17:08

حماية البيئة في الإسلام 1

كتبه  د‭. ‬كوثر‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬الأبجي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

على الرغم من أن الاهتمام بشئون البيئة أمر حديث لا يجاوز عمره قرناً من الزمان؛ إذ بدأ منذ انتهاء الحرب العالمية و حصد آثارها المدمرة على البشرية، إلا أننا نجد أن التشريع الإسلامي قد تناول جوانب المحافظة على البيئة بكل أبعادها المعاصرة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً.

فالباحث في الفكر الإسلامي يجد بغيته في هذا الموضوع الذي وضع أسسه القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة، كذلك تناول المنهج الإسلامي كل ما يتعلق بمعالجة مسئولية الفرد و المجتمع عن الأضرار التي تحدث للبيئة باعتبارها من أهم الموارد التي مَنّ الله تعالى بها علينا، و هو ما يؤكد صلاحية هذا الدين القيم لتلبية احتياجات المجتمع البشري في كل زمان و مكان، و يعتبر وجهاً من أوجه الإعجاز التشريعي الذي يجب أن يكشف عنه للعالم المتقدم ليعرفوا قدر هذا الدين و عظمته.

و قد اهتمت التشريعات الوضعية المعاصرة بأمر البيئة مؤخراً على المستوى المحلي و الدولي، و تناولته المنظمات الدولية حتى أصبحت الآن شاغل المجتمع المتقدم بسبب حدوث تجاوزات هائلة من ناحيتين: التلوث البيئي الذي يهدد الإنسان و يسبب الأمراض و يؤدي إلى تدمير البيئة المحيطة، و الإسراف في استخدام الموارد الطبيعية المتاحة مما يهددها بالنفاد.

و في هذا البحث نتناول دور التشريع الإسلامي في حماية البيئة في ضوء القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة، مع إجراء دراسة تطبيقية على مسئولية الوظيفة المحاسبية تجاه حماية البيئة.

[divide]

مسئولية‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬الأخطار‭ ‬المعاصرة‭ ‬في‭ ‬التشريع‭ ‬المصري‭ ‬و الدولي

أولاً – طبيعة الأخطار المعاصرة التي تهدد البيئة:

يتهدد البيئة المعاصرة في جميع أنحاء العالم عدة أخطار هي:

1- التلوث الذي يشمل: الهواء، و الماء، و النبات، و الطيور، و التربة، و طبقات الجو العليا، و الأنهار و البحار.

2- استنزاف الموارد الطبيعية و خاصة النادرة منها: و يعني استنزاف الموارد الطبيعية بالاستغلال غير الرشيد لها بغية تحقيق تنمية سريعة دون الاهتمام بمصالح الأجيال القادمة، و ذلك من خلال استخدام الموارد الطبيعية و البيئية المتاحة مثل: الماء، و الغابات، و الثروات المعدنية الكامنة في الأرض، مما يعرضها للنضوب، حيث يزيد معدل استهلاكها عن تنميتها بما يؤدي إلى استنفاذها إذا كانت قابلة للنفاذ و سوء تخصيصها إذا كانت متجددة مع اعتبار أن كثيراً منها يتميز بالندرة النسبية مما ينعكس سلباً على التنمية المستدامة(1).

3- تغيير طبيعة بعض الكائنات الحية بما يخالف فطرتها و ما يؤدي إليه ذلك من أمراض خطيرة على الإنسان و الحيوان و النبات و من أمثلتها: إطعام الطيور و الأنعام بالدم و المخلفات الحيوانية، و تطبيق الهندسة الوراثية لإنتاج سلالات نباتية لبعض المنتجات النباتية.

كما أن من أعظم جرائم التلوث المعاصرة جريمتان تهددان الأجيال الحالية و المستقبلية لأجل غير محدود و هما:

4- جريمة دفن النفايات النووية الخطرة التي يعظم تأثيرها المدمر على الإنسان و الحيوان و النبات و المكونات الطبيعية البيئية كلها.

5- جريمة زرع الألغام في الأرض.

و الجريمتان الأخيرتان تحدثان في الدول الفقيرة النامية و التي غالباً ما تكون دولاً إسلامية، و قد قدرت الرواسب المدفونة في باطن الأرض بنحو عشرة آلاف طن، مما يفسد المياه الجوفية، و بالتالي الزرع و الحيوان، و يهدد حياة الإنسان لأحقاب زمنية طويلة، بالإضافة إلى الإشعاعات النووية المنبعثة منها و المتسربة من التجارب النووية التي تجريها الدول المتقدمة و التي قدرت بنحو 1952 تجربة حتى عام 2005 و نتج عنها تسرب أكثر من 450 طن بلوتونيوم(2)، و بذلك يتبين لنا عظم جرائم التلوث و هو ما أدى إلى الاهتمام الإقليمي و العالمي بهذه القضية و مناقشتها على المستوى المحلي و الدولي بعمل الندوات و المؤتمرات و إصدار التشريعات الهادفة لحماية البيئة و المحافظة قدر الإمكان على صلاحيتها و استمراريتها بما يكفل الحياة الآمنة للبشر على الأرض.

ثانياً – مسئولية حماية البيئة في ظل التشريع المصري:

اهتم التشريع المصري مؤخراً بالبيئة نتيجة لتركيز الاهتمام في التنمية بالصناعات الثقيلة مثل: الحديد و الصلب و الألومنيوم و الإسمنت و الصناعات البتروكيماوية.. و غيرها من الصناعات التي تتسم بسرعة تأثيرها على البيئة بالتلوث لا سيما و الموارد المالية محدودة، إلى جانب غياب الوعي البيئي. و كان من نتيجة ذلك صدور قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 تجاوباً مع الاتجاه العالمي للحفاظ على البيئة. و قد جاء هذا التشريع استجابة لحاجات ملحة ترتبط بالمصالح  السياسية و الاقتصادية للمجتمع المصري مثل التأثير على قبول المنتجات الوطنية للتصدير في الدول الأجنبية و التأثير على الطلب على السياحة… الخ.

فقد تعرضت الصادرات الزراعية و بعض المنتجات الزراعية المصنعة المصرية لرفض شحناتها لأسباب بيئية، و ليس ذلك فحسب، بل ازداد الاتجاه نحو استيراد سلع أجنبية مماثلة لسلع محلية ربما لا تتوفر فيها الشروط البيئية نظراً لضعف أجهزة الرقابة، ليصبح الأمر أكثر خطورة بالنسبة للسلع الغذائية. و يرجع الاهتمام بذلك لطبيعة تلوث البيئة الذي قد ينتشر إلى خارج الحدود إلى دولة أخرى دون مراعاة للحدود الجغرافية و السياسية، مما ينجم عنه ظواهر خطيرة مثل الأمطار الحمضية التي تدمر الثروات الزراعية و السمكية، كما أنشئت أول وزارة لشئون البيئة، و من مهامها وضع الاشتراطات الواجبة على أصحاب المشروعات و المنشآت عند الإنشاء و أثناء التشغيل.

ثالثاً – مسئولية حماية البيئة في ظل التشريع الدولي:

تم إعلان المبادئ التي تتعلق بالبيئة في -مؤتمر الأرض- في ريو دي جانيرو سنة 2000 و صدر عنه برنامج عمل يتناول الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية سمي -أجندة القرن الـ21-، كذلك عقدت اتفاقية التنوع البيولوجي الدولية، ودعت المجموعة المشاركة إلى دمج البعد البيئي ضمن استراتيجيات اقتصادية و اجتماعية مع العمل في نفس الوقت على حفظ قاعدة الموارد البيئية لصالح أجيال المستقبل و ضمان أوسع مشاركة جماهيرية في المبادرات و اتخاذ القرار، كما تشمل الأجندة أيضاً تحديد السياسات و خطط العمل و تنفيذها و رصدها و تقييمها بصورة منظمة(3).

كما اتخذت قمة الأرض الثانية التي عقدت في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا سنة 2002 شعار التنمية المستدامة، حيث اجتمع زعماء و مشاركون من المنظمات الحكومية و رجال الأعمال من 191 دولة تحت رعاية الأمم المتحدة بهدف إيجاد سبل الحياة الكريمة لسكان الأرض و العمل على تنظير و تطبيق مبادئ التنمية التي تتوافق مع متطلبات استمرار الأمان و الصحة لسكان الأرض. و بذلك يتضح مدى أهمية المحافظة على البيئة، فما دور التشريع الإسلامي في مواجهة الأخطار التي تتعرض لها و تهدد أمن البشرية؟.. هذا ما ستتناوله الصفحات التالية من هذا البحث.

و بذلك يتأكد أن الاهتمام بحماية البيئة أمر حديث جداً بدأ في نهاية القرن الماضي و صدرت التشريعات الملزمة بهذا الخصوص مؤخراً، و بذلك لم يسبق لتشريع وضعي أن تناول مشكلة التلوث و معالجتها قبل التشريع الإسلامي، و هو ما يثبت و سبقاً و ريادة للتشريع الإسلامي في هذا المضمار و يعتبر بحق إعجازاً تشريعياً.

مسئولية‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬في‭ ‬التشريع‭ ‬الإسلامي‭ ‬

تناول التشريع الإسلامي أحكاماً أساسية في المحافظة على البيئة لم تعرف قبله على مر عصور التاريخ، و هو ما يعتبر ريادة مطلقة للتشريع الاسلامي، كما تناول التشريع مسئولية أبناء المجتمع المسلم في المحافظة على البيئة بكل مكوناتها على الرغم من أنه لم يثبت تاريخياً وجود مشكلة التلوث زمن البعثة النبوية أو قبلها، بل إن هذه المشكلة لم تعرف في العالم كله قبل الحرب العالمية في ثلاثينيات القرن الماضي، و هو ما يثبت أنه تشريع من لدن حكيم عليم، و مع ذلك تناول التشريع الإسلامي المحافظة على البيئة، و هو ما يثبت سبق التشريع الإسلامي في هذا الخصوص و الريادة المطلقة له في هذا المضمار.

و سوف نتناول مسئولية حماية البيئة في الإسلام من خلال الآتي:

أولاً – الاستخلاف أساس تشريع حماية البيئة في الإسلام:

يعتبر استخلاف الإنسان في الأرض أساس تكليفه بحمايتها و عمارتها مصداقاً لقوله تعالى (هو أنشأكم من الأرض و استعمركم فيها) هود 61، و يقول تعالى (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه و إليه النشور) الملك 15، و بذلك فقد تناول الشرع الحنيف دون سائر الشرائع الأخرى أمر حماية البيئة التي خلقها الله تعالى و سخرها للإنسان كي تقدم له وسائل الحياة التي تمكنه من التعرف على خالق هذا الكون بالتدبر و الشكر و الطاعة، و بذلك نجد أن القرآن الكريم قد تناول نعم الله تعالى على الإنسان في خلق الأرض و تسخيرها و ما عليها للإنسان و أمره بعمارتها و حمايتها من الفساد منذ أكثر من أربعة عشر قرنا دون سائر التشريعات الوضعية الخاصة بالبيئة التي بدأ التفكير فيها منذ قرن مضى – على أكثر تقدير – نتيجة للحرب العالمية التي اجتاحت العالم.

و التشريع الإسلامي تشريع مطلق من حيث التنظير و التطبيق، فهو من حيث التنظير يضع القواعد الفكرية التي تشمل كل جوانب الحفاظ على البيئة من منهج عقدي يخترق الضمير الإنساني ليصبح جزءاً أصيلاً من تعامله اليومي مع البيئة المحيطة به، و من حيث التطبيق تصلح المنهجية التي طبقها الرسول صلى الله عليه و سلم و الخلفاء الراشدون من بعده دوماً على اختلاف الزمان و المكان في المجتمعات المعاصرة و القديمة، النامية و المتقدمة، حتى تقوم الساعة، و ذلك ما يميز كافة تشريعات الإسلام و التي تعتبر إعجازاً بحق.

و بذلك تستمد مسئولية الفرد و المجتمع عن البيئة في التشريع الإسلامي قوتها من  فكرة استخلاف  الإنسان في الأرض التي سخرها الله لخدمته بكل ما عليها.

ثانياً – مفهوم و طبيعة المسئولية في الشرع الإسلامي:

1- تعريف المسئولية لغةً و اصطلاحاً:

المسئولية لغةً هي: مصدر مأخوذ من مادة سأل مكون من ثلاثة حروف (س أ ل) و تدل الكلمة على استدعاء المعرفة أو المال، و السؤال للمعرفة إما للاستعلام مثل -سألته عن كذا..- أو للتبكيت مثل قوله تعالى (و إذا الموءودة سُئلت بأي ذنب قُتلت) التكوير9، و أما السؤال للمال مثل (و اسألوا الله من فضله) النساء 32، و لفظ المسئولية من الألفاظ المعاصرة و يراد بها التبعة و هو ما يكون الإنسان مطالباً به(4).

و اصطلاحاً تعني: تكليف الفرد ببعض المهام التي يقدم عنها حساباً أو تقريراً لغيره، و بذلك فالمسئولية علاقة مزدوجة بين طرفين: الفرد المسئول عن العمل، و من يقوم بالحكم على هذا العمل، و هي أساساً استعداد فطري – كما يرى أستاذنا الدكتور دراز – فهي المقدرة على أن يلزم الإنسان نفسه أولاً ثم القدرة على أن يفي بعد ذلك بالتزامه بجهوده الخاصة(5).

2- المسئولية أمانة:

المسئولية في القرآن الكريم تعدل معنى الأمانة، يقول الله تعالى (إنا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان) الأحزاب 72، و يقول المفسرون: إن الأمانة هي مسئولية الإنسان أمام الله تعالى و استعداده لتحمل نتائجها. و تبدأ المسئولية عن البيئة في الإسلام من الآية الكريمة (من يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره) الزلزلة 7-8، و هي تعلن بذلك حقيقة يجب أن يعيها الإنسان و هي رؤية ما يعمله في الدنيا و الآخرة سواء أكان خيراً أم شراً، و الآية الكريمة (و كل  إنسان ألزمناه طائره في عنقه و نُخرِج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً) الإسراء 13-14.

3- خصائص المسئولية في القرآن الكريم:

(أ) شمولية وقوع المسئولية على كل البشر (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون) الحجر92-93، (فلنسألن الذين أُرسِل إليهم و لنسألن المرسلين) الأعراف 6.

(ب) شمولية المسئولية عن جميع الأعمال: يُسأل الإنسان عن أعمال الخير و الشر جميعاً مصداقاً لقوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره) الزلزلة 7-8.

(ج) شمولية المسئولية عن الكلام : يسئل الإنسان عن كل قول كما في الآية الكريمة (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) ق 18.

(د) شمولية المسئولية عن الملَكات و هي السمع و البصر و الفؤاد: تشمل المسئولية جميع ملكات الإنسان و ذلك في قوله تعالى (و لا تَقْفُ ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه  مسئولاً) الإسراء ٣6.

(هـ) شمولية المسئولية عن المال: يقول الله تعالى (ثم لتُسألُن يومئذ عن النعيم) التكاثر 8، و يقصد المال بكلمة النعيم، أي أن الإنسان يسأل عن أمواله من أين اكتسبها و فيم أنفقها.

(و) المسئولية الشخصية: أقر الإسلام قصر المسئولية على المسئول وحده في الآية الكريمة (تلك أُمة قد خَلَت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تُسئلُن عما كانوا يعملون) البقرة 141، و الآية الكريمة (قل لا تُسألون عما أجرمنا و لا نُسأل عما تعملون) سبأ 25.

4 – مسئولية الفرد و الجماعة:

يوجد نوعان من المسئولية هما: مسئولية الواجب الذي يُسأل عنه كل مسلم و هو فرض عين، و مسئولية المجتمع و هو فرض كفاية و بيانهما كما يلي:

(أ) المسئولية الفردية للمسلم: أوجب التشريع الإسلامي واجبات على كل مسلم  تعتبر فرض عين يسأل عنها مثل الصلاة و الصيام و الزكاة و الجهاد في حالة تعرض المجتمع لاعتداء خارجي مع إعلان الإمام الحرب و الجهاد..  الخ، و فرض العين يختص بكل مسلم إلا من منعته قوة قاهرة يقدرها الإمام بقدرها، و المسئولية هنا تعني وجوب المساءلة عليها و ما قد ينتج عنها من عقوبة و من أمثلتها عقوبة الصحابة الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم و عن الجهاد معه، فكانت العقوبة هي العزل الكامل عن المجتمع حتى قُبلت توبتهم.

(ب) المسئولية الجماعية للمجتمع المسلم: أما المسئولية الجماعية فهي تعني وجوب قيام أفراد المجتمع بما تستلزمه الضروريات و الحاجيات من مهام و وظائف و أنشطة حتى تستقيم أمور الحياة الاجتماعية و الاقتصادية.. و غيرها، و هو ما يعتبر فرض كفاية إذا قامت به فئة سقط عن الآخرين و إذا لم يقم به أحد يأثم الجميع بذلك.

و يتناول الدكتور علي أبو العينين(6) جوانب مسئولية الفرد عن المجتمع فيما يلي:

– الالتزام بقانون الجماعة.

– التعاون مع الجماعة في سبيل الخير العام تطبيقاً للآية الكريمة (و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان) المائدة 2.

– تقديم العمل الصالح و التنافس فيه تطبيقاً للآية الكريمة (…ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) هود 7.

– نشر العلم الذي يسهم إسهاماً إيجابياً في بناء و تطوير المجتمع (فلولا نَفَرَ من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) التوبة 122. كذلك يؤكد الدكتور عبدالكريم زيدان مسئولية الفرد عن إصلاح المجتمع و إزالة الفساد منه على قدر طاقته ووسعه(7).

5- مسئولية المحافظة على البيئة في التشريع الإسلامي:

بالنظر لكل من مبدأ الاستخلاف و طبيعة المسئولية في التشريع الاسلامي، و باعتبار أن المحافظة على البيئة و حمايتها من التلوث يندرج تحت هذا الاستخلاف، و باعتبار انتشار أسباب التلوث بسبب الصناعات الحديثة و غيرها من الأسباب، و أن التغاضي عنها يهلك الحرث و النسل؛ أصبحت بذلك مسئولية حماية البيئة أمراً يندرج تحت الضروريات الملحة التي يحتاجها المجتمع المعاصر حتى تستمر الحياة الإنسانية و تكتمل قاعدة الاستخلاف التي خلق الإنسان من أجلها، و بذلك تصبح مسئولية الفرد و المجتمع عن المحافظة على البيئة في التشريع الإسلامي مسئولية عظيمة تندرج تحت كل من فرض العين على كل مسلم و فرض الكفاية على الجميع كما يلي:

(أ) المسئولية الفردية لكل مسلم:

تقع مسئولية شخصية بالمحافظة على البيئة المحيطة على كل مسلم  من خلال تصرفاته و تصرفات من يسأل عنهم من أهله، إذ إن التلوث قد يحدث في البيئة من تصرفات الأفراد عمداً أو غير ذلك، و هي أيضاً مسئولية مرتبطة بسلطة الفرد، فكلما امتدت سلطاته و صلاحياته امتدت معها مسئولياته تجاه البيئة.

(ب) المسئولية الجماعية للمجتمع:

كما أن الفرد مسئول مسئولية جماعية عن صلاح البيئة التي يعيش فيها، تقع على المجتمع كله مسئولية تضامنية لحماية البيئة من التلوث، لأن هناك من أمور التلوث ما يحتاج لتصرف أفراد المجتمع كله، مثل سَن التشريعات التي تحرم دفن النفايات الضارة في التربة أو في موارد المياه، و سن تشريعات العقوبة الملائمة على المخالفين، و بذلك فالمسئولية شخصية و جماعية معاً.

و بذلك يثبت تناول التشريع الإسلامي لكافة جوانب مسئولية الفرد و المجتمع مسئولية فردية و جماعية تضامنية عن حفظ البيئة باعتبارها أمانة يُسأل عنها.

ثالثاً – تشريع تحريم تلويث البيئة تشريعاً شاملاً يتضمن ما يلي:

– اعتبار تلويث البيئة ضرباً من الفساد في الأرض.

– تحريم تلويث مياه الشرب و موارد المياه.

– تحريم الاعتداء على التربة و النبات.

– تحريم الإضرار بالنفس و بالغير.

– تحريم تغيير قوانين الحياة الطبيعية التي فطر الله المخلوقات عليها.

و نتناول كل منها كما يلي:

1- تلويث البيئة ضرب من الفساد في الأرض:

يعتبر تلويث البيئة ضمن الفساد المحرم بالمعنى الشامل الذي يصيب الإنسان و الحيوان و النبات بالضرر البالغ، و يمس سنن الله في مخلوقاته و يخل بالتوازن الذي وضعه سبحانه و تعالى للحياة على الأرض، فقد حرم الإسلام تلويث البيئة باعتباره ضرباً من الفساد في الأرض الذي ذكره القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة، و يقع على الفرد و المجتمع المسلم مسئولية عظيمة في مواجهة التلوث بما يستلزم تعريف الفساد و علاقته بالتلوث:

 مفهوم الفساد في التشريع الإسلامي:

الفساد ضد الصلاح و هو- خروج الشيء عن الاعتدال قليلاً أو كثيراً و يستعمل في النفس و البدن و الأشياء-(8)، و هو أيضاً جعل الشيء خارجاً عما ينبغي أن يكون عليه و عن كونه منتفعاً به، و هو في الحقيقة: إخراج الشيء عن حالة محمودة لا لغرض صحيح(9). و قد ذكر الفساد في آيات كثيرة.. فهل يندرج تلويث البيئة ضمن أنواع الفساد؟

باستعراض آيات القرآن الكريم نجد أن الفساد ظهر بمعان متعددة و هي:

– العصيان، مثل ما ورد بالآية الكريمة (و من الناس من يقول آمَنّا بالله و باليوم الآخر و ما هم بمؤمنين) إلى قوله تعالى (و إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون) البقرة 8-12 وغيرها الكثير.

– الهلاك، مثل ما ورد بالآية الكريمة (و لو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات و الأرض و من فيهن..) المؤمنون 71.

– القتل، مثل ما ورد في قوله تعالى (و كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض و لا يصلحون) النمل 48.

– التخريب و التدمير و القحط: مثل قوله تعالى (و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد) البقرة 205، و يؤكد القرطبي(10) أن هذه الآية تعم كل فساد و منها إفساد البيئة بالتلف و التلوث …الخ.

و عن بني إسرائيل (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله و يسعون في الأرض فساداً و الله لا يحب المفسدين) المائدة 64، و قال تعالى (ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس) الروم 41. و يتوافق معنى التخريب و التدمير للنفس و البيئة مع آثار التلوث الوارد في التفسير الرابع و بذلك يندرج التلوث ضمن الفساد الذي يهلك النسل و الزرع و الهواء و الماء.. الخ، فالفساد معنى شامل يندرج التلوث تحته و يشمل أشياء أخرى، و التلوث هو بعض الفساد بما يستحق فاعله تطبيق جزاء المفسدين.

كذلك يذكر الإمام الشوكاني أنه من جملة ما يصدق على الفساد في الأرض -.. هدم البنيان  و قطع الأشجار و تغوير الأنهار-، و هو ما يؤكده الباحث الدكتور الدريوش(11) من اعتبار التلوث أحد أهم أنواع الفساد المعاصر في الأرض و يدلنا على مكانة نقاء البيئة مادياً و معنوياً من كل ما يلوثها و يفسد على المجتمع سبل الاستفادة منها، شارحاً ما أنفقته اليابان بما يعادل 1.2% من إنتاجها لمكافحة التلوث، حاجة بحيرة ميتشجان لـ500 عام لتعود لها عافيتها من جراء صب النفايات فيها.. و غيرها الكثير، و هو ما يبرر تشريع العقوبة المغلظة الشرعية على المفسدين التي تناولها المشرع الحكيم.

كما يربط القرآن الكريم بين الفساد في الأرض و فعل الناس، ففي القرآن الكريم (ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) الروم 41، و تشير هذه الآية للآتي:

– أن ظهور الفساد في الأرض براً و بحراً هو نتيجة حتمية لفساد المجتمع البشري.

– أن تبعة ذلك تقع على الإنسان بمسئوليته عن حماية البيئة الطبيعية التي خلقها الله تعالى لنا تمتد براً و بحراً أي تشمل جميع ما على الكرة الأرضية من أراض وجبال و وديان و ما عليها من مخلوقات تشمل الحيوان و الطير و النبات… الخ، كذلك البحار و الأنهار و ما يعيش بأعماقها من مخلوقات حية و نبات، و كذلك تشير إلى نفس المعنى الآية الكريمة (ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) القصص 77، و كل ذلك يؤكد مسئولية الإنسان عن حدوث التلوث.

و نستنتج مما سبق أن تلويث البيئة يقع ضمن الفساد المحرم الذي يصيب الإنسان بالضرر البالغ، و هو ما ذكره القرآن الكريم في موضعين؛ الأول فساد ولي الأمر، و الثاني فساد أفراد المجتمع، و ذلك كما يلي:

– فساد ولي الأمر: يقول الله تعالى (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض) محمد 22، و يقول سبحانه (و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلكَ الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد) البقرة 205.

– فساد أفراد المجتمع: يقول الله تعالى (ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) الروم 41، و هي تشير إلى أن انتشار الفساد نتيجة حتمية لفساد أبناء المجتمع، و يقول عز شأنه (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه و يقطعون ما أمر الله به أن يوصَل و يفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون) البقرة  27. و قوله تعالى لقوم موسى (كلوا و اشربوا من رزق الله و لا تعثَوْا في الأرض مفسدين) البقرة 60.

لذلك حمل التشريع الإسلامي المجتمع مسئولية حماية البيئة الطبيعية براً و بحراً و كل ما عليها من مخلوقات تشمل الحيوان و الطير و النبات و البحار و الأنهار.

2-  تحريم تلويث مياه الشرب و موارد الماء:

قد تتلوث المياه نتيجة للفعل الآدمي المتعمد مثل التبول و التبرز في المياه، و إلقاء النفايات البشرية فيها، و صرف المواد الكيماوية الضارة و نفايات المصانع فيها، التلوث غير المتعمد مثل جنوح ناقلات النفط و المعادن و المواد المشعة و الخطيرة في البحار.

تتمة البحث القيم تنشر غدا إن شاء الله

الرابط : https://www.aliqtisadalislami.net/%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A6%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85/

قراءة 1004 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 13 تشرين1/أكتوير 2020 19:39

أضف تعليق


كود امني
تحديث