مقدمة: آراء في السعادة الزوجية
السعادة الزوجية مفهوم نسبي لا يسهل قياسه و تعميمه .. و هو يعني فيما يعني رضا الزوجين عن حياتهما الزوجية بشكل عام و بدرجة عالية..
و تقييم العلاقات الزوجية بأنها سعيدة أو غير ذلك لابد له أن يرتبط بمرحلة زمنية معينة تمر فيها هذه العلاقة .. و بعض العلاقات تكون في قمة السعادة الزوجية في فترة معينة .. ثم تتغير الأمور و الأحوال .. و هناك لحظات سعيدة جداً .. أو ساعات، أو أيام، أو أسابيع، أو سنوات .. أو العمر كله .. و بالطبع كلما طالت المدة السعيدة كلما كان ذلك أفضل .
و ترتبط السعادة الزوجية بنجاح العلاقة الزوجية في وظائفها و مهماتها و التي تتمثل في الجوانب التالية :
تأمين العيش المشترك ، و السكن و الحب ، و تلبية الرغبات النفسية و العاطفية و الجنسية للطرفين، و في إنجاب الأطفال و تربيتهم، و في تلبية متطلبات المنزل و المعيشة، و في تحقيق المتطلبات و الأدوار الاجتماعية المتنوعة، و غير ذلك .
و تتأثر السعادة الزوجية بالنجاح أو الفشل (النسبي) في تحقيق الوظائف السابقة بالنسبة للزوج أو الزوجة أو كليهما و بشكل مرض و مقنع .. و بعض العلاقات تنجح في تحقيق عدد من الوظائف الزوجية، و لكنها تفشل في بعضها الآخر .. و لا بد من القول بأن العلاقة الزوجية هي مشروع طويل الأمد يتطلب الإعداد و الجهد و الجد و فيه مسؤوليات متنوعة، و كلما أنجزت مهمات معينة ظهرت مهمات و مسؤوليات أخرى يجب إنجازها..
و تتأثر السعادة الزوجية بعدد من المشكلات الحياتية مثل عدم الإنجاب، و الضعف الجنسي عند الرجل أو البرود الجنسي عند المرأة، و يمكن لكل ذلك أن يخلق زواجاً تعيساً مضطرباً.
و أيضاً فإن الشخصية النكدية، أو الشخصية الأنانية، أو الشخصية العدوانية المضطربة، أو الشخصية ضعيفة المهارات.. يمكن لها إذا كانت تنطبق على أحد الزوجين، أن تحول الحياة الزوجية إلى جحيم و إلى مشكلات لا تنتهي .
و يلعب الملل الزوجي أو الفتور الزوجي دوراً كبيراً سلبياً في التعاسة الزوجية .. و أسبابه متنوعة، و بعض أسبابه ترتبط بالمجتمع و ثقافته، و تكوين الزوجين و ثقافتهما و عقدهما النفسية و تاريخهما الأسري ..
و في حالات الملل الزوجي تزداد المشكلات الزوجية و يزداد الخصام و الصراخ و السلبية و ابتعاد كل طرف عن الآخر في نشاطاته و أهدافه اليومية .. و يلجأ البعض إلى الاستغراق في العمل أو في هوايات أو نشاطات خاصة يهدف من خلالها أن يثبت نفسه و أن يخفف من إحباطاته و أن يعطي نفسه شيئاً من التوازن و المتعة و التجديد، و لكنه يضيف بذلك مزيداً من الضغوط على علاقته الزوجية و يساهم بزيادة تسميم أجوائها. و من الممكن أن يتورط أحد الزوجين في علاقة عاطفية فاشلة أو مزيفة أو متسرعة .. يمكنها أن تضيف إلى مشكلات العلاقة الأصلية المضطربة، و ربما تؤدي إلى مرحلة اللا عودة أو الطلاق.
و من الممكن بالطبع حدوث الترميم أو الإصلاح أو التجدد خلال مرحلة الملل الزوجي .. و ربما يكون الملل و الروتين و الجمود دافعاً طبيعياً إلى تجدد العلاقة و إلى اقتراب الزوجين من بعضهما في كثير من الحالات ..
و أخيراً .. لا بد من التأكيد على أن السعادة الزوجية و العلاقة الزوجية الناجحة ترتبط مفاتيحها بعدد من الأمور و الصفات و السلوكيات ، و منها : المسؤولية، و التفاعل، و التعاون، و المشاركة، و الحوار، و الصداقة، و الحب، و الحساسية للطرف الآخر، و عين الرضا، و التكيف، و التوافق، و التكامل، و المرونة، و الواقعية ..
و أيضاً فإن العلاقة الزوجية تبدأ و تكبر و تنضج و تشيخ و تموت .. و لابد من التنبه لهذه الدورة الطبيعية و التدخل المستمر لرعايتها و تصحيح أخطائها و مشكلاتها و ضمان حياتها لسنوات طويلة ..
و الكلمة الطيبة لها دورها دائماً .. و كذلك الحوار و التفاهم و رفع الظلم و تعديله و أخذ كل ذي حق حقه .. و تبقى السعادة الزوجية مطلباً و حلماً يسعى الجميع نحوه.
ما أسباب توتر العلاقة الزوجية؟
◄ لطغيان الصمت في العلاقة الزوجية دور مهم في بناء الفشل المفضي إلى الطلاق، فالصمتالسائد بين الزوجين يفتح المجال لحوارات مونولوجية داخلية في رأس كل من الزوجين، و لا يعتقد أحد أن الزوجين اللذين يشطبان الحوار العلني من يومياتهما هما على تفاهمتام بنسبة مئة بالمائة، بل قد يكون العكس هو الصحيح، و عندما يتعالى الاستياء و المآخذ من دون أن يتم توفير مخارج لتلك المشاعر السلبية، تتراكم أحاسيس الإحباط و يتعالى الصوت الداخلي في انتقاد الآخر، فيبدو الظاهر من العلاقة منافياً تماماً لواقع الحال في العمق، و بناء على قواعد الكيمياء، فإن كل تطور كمي يقود إلى انفجار نوعي، بمعنى أن الكيل سيطفح لا محالة، و عندئذ لن يكون هناك هدوء و لا عقلانية، بل قصف متبادل و انفعالات مشحونة بأعلى درجات الغضب[1]، و يندرج تحت هذا العنصر إخفاء الغضب، و عدم السؤال، و عدم الإفصاح عن المشاعر، و عدم التحدث بالتفكير الداخلي.
◄ التهاون بالذنوب و المعاصي : لأن المعاصي تزيل النعم و تشتت القلب و تدمر المبادئ و القيم ، يقول أحد السلف: " إني لا أعصي الله فأرى سلوك ذلك في زوجتي و دابتي"
فالزوج عندما يكون قائما بحدود الله مستمسكا بعروة الله و كذلك الزوجة، متأدبين بآداب الشرع فمن أين تأتي المشاكل، فلو حصل أي نقص بسبب بشرية الزوجين فسرعان مايقضى عليه بالرجوع إلى كتاب الله و سنة نبيه. فمن أعظم أسباب الطاعة أن يدومالوئام و أن يحصل الوفاق بين الزوجين.
◄ إهمال الحقوق : حيث لا يقوم كلطرف بالحقوق الواجبة للطرف الآخر.
◄ تدخل الأقارب و الجيران في المشاكل و تكبيرها، و يأتي التدخل بخلل من الزوج أو الزوجة، هو يشتكي أو هي تشتكي للأقارب، فلا يجوز للرجل أو المرأة أن يكشفا سرهما للأقارب .
◄ عدم النظر إلى المحاسن و الايجابيات: و التركيز على الأخطاء و السلبيات، قال صلى الله عليه و سلم :"لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي آخر".
◄ سوء الظن من قِبَل الزوج أو من قبل الزوجة: حتى تفقد الثقة، و فقدان الثقة تدمير للأسرة، ما ينبغي للزوجة أن تخفي عن زوجها شيء، يجب عليهما أن يولدا الثقة بينهما، قال تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم...}
◄ عدم معرفة الوسائل الشرعية: في علاج الخلافات الطفيفة التي تحصل في الأسرة، إذ لا يتبادر إلى الزوجين عند أي مشكلة سوى الطلاق، و هذا خطأ فالطلاق آخر علاج، فهناك وسائل شرعية منها : الوعظ، و الهجر في المضاجع، و الضرب غير المبرح، إرسال حكما من أهله و آخر من أهلها حتى يصلحوا، فإنه لم تنفع هذه الأساليب كلها طلقها طلقة واحدة في طهر لم يمسها فيه .
و هنا وجب التأكيد على وجوب الرجوع لفكرة " الجماعة" التي يحتكم إليها الأزواج عند حدوث أي نزاع أو خلاف.
أنواع المشاكل و آثارها:
لكي نستطيع أن نحل الخلافات الزوجية، علينا أن نبدأ بمعرفة مفهوم الخلافات الزوجية، و هو موضوع بالغ الأهمية لأنه يحدد ما إذا كان لدينا مشكلة أو خلاف من عدمه، و من ثم تحديد الحاجة للتدخل من عدمه.
و من هنا نعتقد بأن ليس كل خلاف في الرأي بين زوجين يعني وجود مشكلة تتطلب التدخل.
و المقصود بالخلافات الزوجية وجود تباين في أفكار و مشاعر و اتجاهات الزوجين حول أمر من الأمور، ينتج عنه ردود الأفعال غير المرغوب فيها، فيختل التفاعل الزواجي، و يسوء التوافق الزواجي، و تضعف العلاقة الزوجية[2].
فالمشكلة هي: أفكار متباينة---- مشاعر نفور---- سلوكيات غير مرغوب فيها.
و من المشاكل ما تكون عابرة كالاستهزاء، و ظاهرة كالضرب، و منها الخفية كالغضب، و الدائمة كالبخل.
المشكلة الأولى: العنف الزوجي
في العلاقة الزوجية بين الرجل و المرأة ملامح متنوعة من السلوك العدواني و من العنف تختلف في درجتها و شدتها و تكرارها .. و أيضاً في آثارها من علاقة لأخرى و وفقاً للظروف و البيئة و المحيط و الثقافة التي تعيش فيها هذه العلاقة.
من مظاهر المشكلة:
تتعدد أشكال العنف و درجاته بين الزوجين .. و أخف هذه الأشكال:
◄ تقطيب الحاجبين، و عدم الاستحسان لكلمة أو فعل من الزوج أو الزوجة تجاه شريكته أو شريكها ..
◄ و المخالفة في الرأي حول موضوع معين..
◄ و التهكم و الممازحة الثقيلة ..
◄ و التأجيل و التسويف و المماطلة لفعل ما يطلبه الشريك الزوجي أو يرغب فيه.. و أيضاً النسيان و عدم الانتباه لما يرضي الشريك ..
و كل ذلك من السلوكيات اليومية المقبولة عموما،ً و التي تزعج الطرف الآخر و تثير غضبه أو انزعاجه .. و يجري تدارك نتائج ذلك بشكل أو بآخر مثل الاعتذار أو اعتبار ما حدث من قبيل سوء التفاهم أو المزاح و الدعابة، و غيره مما يمكن له أن يعدل من نتائج السلوك العدواني مثل تقديم هدية أو تحضير عشاء لذيذ و غير ذلك ..
◄ و الدرجات الأعلى من العنف تشمل الصمت و عدم النظر للشريك و الغياب المتكرر عن المنزل و الهجر الجنسي و غير ذلك ..
◄ و أشكال العنف الزوجي الأكثر شدة تتضمن رفع الصوت و اشتداد حدته .. ثم السخرية و التعيير و السباب و الشتائم .. و هي جميعها أشكال من السلوك العدواني و الأذى يقوم به أحد الطرفين و يستدعي الدفاع أو الهجوم المعاكس من الطرف الآخر ..
◄ و العنف الجسدي يعتبر أشد درجات العنف .. و هو خطر و يشمل البصق و القرص و العض و غرز الأظافر في جسد الآخر، و الصفع و الدفع و توجيه الضربات و اللكمات بالأيدي و الأرجل، و رمي و قذف أشياء مختلفة تجاه الآخر، و التهديد باستعمال الأدوات الحادة و غير الحادة أو استعمالها، و محاولات الخنق و القتل و غير ذلك [3].
المشكلة الثانية / العصبية ...(الغضب)
التعريف بالمشكلة :
الغضب السريع و الانفعال الشديد عند وقوع الخطأ أو عند سماع (الزوج / أو الزوجة ) أو رؤية ما لا يتوافق مع ما يحبه أو يظنه.
من مظاهر المشكلة :
◄ الغضب الشديد عند وقوع الخطأ.
◄ إيقاع العقوبات العظيمة على الأخطاء التافهة.
◄ كثرة السب و الشتم و اللعن.
◄ الضرب المبرح.
◄ كسر الأشياء و إتلاف الممتلكات.
◄ الهجر لمدة طويلة مع عدم قبول الاعتذار.
◄ إخراج الزوجة من بيتها أو خروجها من بيتها.
الأسباب:
طبيعة نفسية، و آفة خلقية منذ الصغر.
◄ كثرة المشكلات اليومية ( في العمل / في البيت)
◄ سوء الخلق، و ضعف الإيمان.
◄ عدم الانسجام في الطباع و الآراء.
◄ ضعف الحب بين الزوجين.
◄ تكرار الخطأ و استمرار الطرف الآخر على أخطاءه.
◄ الغيرة المذمومة[4].
المشكلة الثالثة : الغيرة المذمومة ( مفتاح الطلاق )
الرابط: http://fiqh.islammessage.com/NewsDetails.aspx?id=5086