قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأحد, 20 أيلول/سبتمبر 2020 19:03

بين عقوق الآباء و عقوق الأبناء.. تأملات تربوية في واقعنا المعاصر

كتبه  الأستاذ معتصم علي
قيم الموضوع
(0 أصوات)

هل يمكن لعقوق الآباء لأبنائهم أن تجعل منهم في حكم الأموات معنىً، و تجعل أبنائهم في حكم الأيتام قصدًا و مضمونًا؟!

يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في إحدى أشهر قصائده:

ليـسَ اليتيمُ من انتهى أبواهُ من *** هـمِّ الحـياةِ، و خلّفاهُ ذليـلًا

فأصـابَ بالدنيـا الحكيمـة منهما *** و بحُسْنِ تربيـةِ الزمـانِ بديـلًا

إنَّ اليتيمَ هـوَ الذي تلقـى لَـهُ *** أمّاً تخلّـتْ أو أبَاً مشغـولًا

إنَّ ظاهرة عقوق الآباء للأبناء، من أكثر الظواهر ضررًا على المجتمع، و خطورةً عليه، و إفسادًا لقيمه، و هدمًا لأركانه، و هو ما يغفل عنه الكثيرون من الدعاة و الواعظين و التربويين، على عكس تركيزهم الشديد على جانب عقوق الأبناء لآبائهم، مع أنها مسألة واضحة وضوح الشمس في كبد النهار، و النصوص القرآنية فيها لا تحتاج إلى كثير من الجُهد للفهم و التفسير، و وعيد الله و تحذيره لمن يرتكب تلك الكبيرة، بَيّن لا يحتاج لاجتهاد أو برهان.

و حتى نضع الأمور في نصابها، دعنا أولًا نُعرّف ماذا نعني بمصطلح عقوق الآباء للأبناء؟

إنَّ لفظ العقوق لغةً مشتق من العق، و هو القطع أو الشق، يُقال: عق الولد أباه أو رحمه، أي قطعهما، و عقَّ الرجل ثوبه، أي شقّهُ. أمّا في الاصطلاح فقد عرّف العلماء العقوق تعريفات عدة، جميعها اقترنت بعقوق الوالدين لارتباطه بهما، و يُفيد كل ما ورد من تعريفات، بأنَّ عقوق الوالدين يعني إيذائهما، و عدم الرحمة بهما، و الإحسان إليهما، و معصيتهما، و كل ما كان على نقيض البر بهما.

و على نحوٍ متوازي فإنه يمكننا تعريف عقوق الآباء للأبناء على أنّها: “كل تقصير في حقٍ من حقوقهم المقررة شرعًا، بإهمال رعايتهم و تربيتهم، أو إيذائهم، أو القسوة عليهم، و عدم إبداء الرحمة لهم، و كل ما كان على نقيض البر بهم، و الإحسان إليهم”.

أسباب تفشي ظاهرة عقوق الآباء للأبناء

عند ذكرنا كلمة آباء فإننا نقصد بها كلا الوالدين، فهما أساس و جوهرحدوث تلك الظاهرة و انتشارها، و عندهما مربط الفرس للحد منها و علاجها أو زيادة تفاقمها، إذ أنهما هما الطرف الأول و الأساسي المعني بمشكلة العقوق، و قد تتباين الأسباب التي تؤول بهما إلى تلك العقوق، و التي من بينها:

انتقاص الوعي بحقوق الأبناء الشرعية

إنَّ للأبناء حقوق واجبة، أقرّها الشرع الحنيف، فإذا كان ولي الأمر أبًا أو أمًّا على غير بصيرة بها، و علم بتفاصيلها، و إدراك حدودها، فكيف يمكن له أن يبر بها و يوفيها؟!

سوء فهم و خلل في التطبيق

لا يقتصر بر الآباء لأبنائهم، و تأدية واجبات الأبوة و الأمومة نحوهم، على معرفة حقوق الأبناء الشرعية الواجبة لهم فحسب، بل تقتضي الفهم الجيد لها، و الخبرة بآليات و طرق تنفيذها الصحيحة المنضبطة، إذ أنَّ سوء الفهم لتلك الحقوق و الواجبات، يؤدي بالضرورة إلى خلل في التطبيق، مما ينتج عنه تحقيق واقع مخالفًا لما أراده الشارع، و قطعًا لما أراده أن يصل، فيصبح بذلك عقوقًا.

التخلي عن الدور التربوي

إنَّ تربية الأبناء هي الهدف الأسمى لقرار إنجابهم، و تأتي على رأس الحقوق الواجبة لهم، و هي مقصد أساسي من مقاصد الزواج، و إنشاء أسرة مسلمة، بل بها يُعمّر المجتمع، و ينصلح حال الأمة، فتؤدي وظيفتها من خيرية على أحسن وجه كما أرادها الله لها.

وعند التخلي، عن هذا الدور التربوي عمدًا أو جهلًا، سواء من أحد الوالدين أو كلاهما، يؤدي حتمًا إلى العقوق بأبنائهما، و تعرضهم جميعًا لمورد الهلاك، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ).

العولمة و الانفتاح غير المنضبط

لقد حققت العولمة و الرأسمالية فينا كثيرًا من مبتغاها، فالانفتاح الواسع على العالم الذي نشهده اليوم، حتى بتنا نحقق بالفعل مقولة: “إنَّ العالم أصبح قرية صغيرة”، كان له العديد من الآثار السلبية التي انعكست على العديد من جوانب الحياة، أبرزها جانب التربية و الّلحمة الاجتماعية، فأصبح الأبناء يغردون في اتجاه، و الآباء في اتجاه آخر، على ذات الوسائل التكنولوجية الحديثة، من أجهزة إلكترونية، جميعها ترتبط بتلك الشبكة العنكبوتية التي دعمت ذلك الانفتاح، مما نتج عنه بما يُعرف بظاهرة (التفكك الأسري).

حقوق الأبناء على الآباء

ينبغي على الآباء أولًا، معرفة حقوق أبنائهم التي أقرها الله عز و جل في كتابه الحكيم، و في سنة نبيه المطهرة، و هي كثيرة متباينة، سوف نذكرها إجمالًا، لأننا لسنا بصدد شرحها أو تفصيلها، فما نريد أن نضع عليه عين الترّكيز هو الإهمال في تلك الحقوق؛ و منها:

اختيار الأم المناسبة: و هو على رأس تلك الحقوق و أوجبها، إذ أنّه يترتب عليه الوفاء بما يليه من حقوق أو ضياعها، و لذا كانت نصيحة النبي -صلى الله عليه و سلّم- لنا أن نظفر بذات الدين، فبها الفوز و الفلاح.

اختيار اسم حسن لهم: مثل عبد الله و عبد الرحمن، كما رُوي عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ-: “إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ، وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ”، لئّلا تكون كالرجل الذي جاء يشكوا عقوق ابنه له إلى سيدنا عمر -رضي الله عنه-، فلمَّا خاطب عمر الأبن قائلًا: أم تخاف الله في عقوق والدك؟ أجابه الابن: أليس للابن حق على أباه؟! قال: بلى؛ فحقه أن يختار أمه، و يحسن اسمه، و يعلمه القرآن، قال: لم يفعل يا أمير المؤمنين، فقد اختار لي أمًا زنجية كانت لرجلٍ مجوسي، و سماني جعرانًا “أي: حشرة”، و لم يعلمني آية من كتاب الله، فالتفت سيدنا عمر للرجل و قال: لقد عققت ابنك قبل أن يعقك!

وجوب النفقة عليهم: لقوله تعالى: (وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، و أن يتقي الله فيهم فلا يطعمهم حرامًا، لقول رسول الله -صلى الله عليه و سلم- في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي: “لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ”.

حُسن تربيتهم و تنشئتهم دينيًا: و تعليمهم القرآن، و السنة، و غرس حب الله تعالى و حب نبيه في قلوبهم، و حب الصحابة و التابعين، و تعويدهم على العبادات و الطاعات، وع لى رأسها الصلاة، قال تعالى: (وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَ الْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)، و كذا فضائل الأعمال، و ترك الرذائل و المنكرات، و حسن التأدب مع الآخرين، و ما إلى ذلك مما هو من حسن التربية.

العدل بينهم: في المعاملة، و العطاء و العطّية، و العطف، و الحنان، فهذا ما تملكه، أما ما يملكه قلبك من حب فأن تعدل بينهم ما استطعت، قال رسول الله -صلى الله عليه و سلم-:

اتَّقوا اللهَ، و اعْدِلُوا بينَ أولادِكمْ، كما تحبونَ أن يَبَرُّوكُم.

النصح و التوجيه الحسن: بأن تكون لهم ناصحٌ أمين، موجهٌ برفق و لين، تنظر إلى أصحابهم فتعزز ممن هم على خُلق و دين، و تُنّفر ممن هم على سلوك مشين.

التغاضي عن زلاتهم و عثراتهم: فلا تقعد لهم كل مرصد، و لا تتشبث بأشياء كان من الممكن تجاوزها  و التغافل عنها، و لكن زن الأمور بموازينها الصحيحة، و قدر لكل موقف حجمه الطبيعي، الذي لا إفراط فيه أو تفريط.

تعليمهم، و تشجيعهم، و الثناء عليه: كما كان يفعل رسول الله -صلى الله عليه و سلّم- مع أطفال الصحابة فضلًا عن آبائهم، فلا تكن مُثبطًا لهممهم، مُقلّلًا من إنجازاتهم، و اهتم بتعليمهم كل ما ينفعهم من علوم، و كل ما من شأنه أن يرتقي بعقولهم، و يُصحح فكرهم، و كذا العناية بلياقتهم البدنية، و تعويدهم الرياضة منذ الصغر.

الرفق بهم و الإحسان إليهم: ففي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: أَن النبيَّ ﷺ قَالَ:

إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَ لا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ.

و قد رُوي عنها أيضًا: أنَّ أعرابيٌّ جاء إلى النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ و سلَّمَ- فقال: أتُقَبِّلونَ صِّبْيانَكُمْ فوَ اللهِ ما نُقَبِّلُهُمْ فقال النبِيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ و سلَّمَ-: “أَوَ أَمْلِكُ لكَ أنْ نزعَ اللهُ من قلبِكَ الرَّحْمَةَ؟!”

و قد كان هذا دأبه عليه الصلاة و السلام، فقد روى أبو هريرة: أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه و سلَّم- قبَّل الحسَنَ بنَ عليٍّ و الأقرعُ بنُ حابسٍ التَّميميُّ جالسٌ فقال الأقرعُ: إنَّ لي عشَرةً مِن الولدِ ما قبَّلْتُ منهم أحَدًا قطُّ فقال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه و سلَّم-: “مَن لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ”!

صور من عقوق الآباء للأبناء

إنعدام القدوة: فترى بعض الآباء يكذبون أمام أبنائهم، أو يهينون زوجاتهم أمامهم، و يأتون من الذنوب صغارها و كبارها، دون أن يبالون بذلك أو يستحون، فتنهدم منظومة القيم لدى الأبناء، و تتلاشي صورة المُثل العليا للآباء في أذهانهم، و إنَّ ذلك لمن أعق العقوق!

الرعاية دون التربية: و بينهما اختلاف كبير فالأولى منهما يقدر عليها الحيوان و يُقيمها، أمّا الثانية فلا تكون إلّا لذي عقل، فالكثير من الآباء لا يهتم بتربية أبنائهم بقدر ما يهتم بمأكلهم و مشربهم و ملبسهم و منامهم.

أمٌ مهملة أو مستهترة: فتراها لا تهتم إلا بنفسها، و زينتها، و جمالها، و تحصيل متطلباتها، دون اهتمام بتعليم أبنائها أو تقويم سلوكهم، أو مساعدتهم في حل مشكلاتهم، و تجاوز عقباتهم في تلك الحياة.

اختيار السيء من الأسماء: مما يجعل الابن يعاني طيلة حياته، و لا سيما إزاء التنمر الذي يلاقيه من بعض مرضى القلوب في المجتمع، حتى يكره اسمه و نفسه، و يكره أبويه، و يكره حياته برمتها!

البخل: و هو آفة من آفات القلوب، تُهلك صاحبها أولًا ثم تتجاوزه لإهلاك من حوله، و لا عجب أن يقول الله تعالى: (وَل اَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ) فإن كانت الآية قد نزلت في أصحاب الجاهلية الأولى، إلَّا أنَّ من آباء اليوم أشدّ جهلًا، فهو يقتل أولاده شُحًا  و بخلًا و تفتيرًا، ماديًا في المال و معنويًا في المشاعر و نحوها، و يجعلهم عُرضة للحاجة و الذلة و المسكنة، و الله يخبرنا (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا)!

المعاملة القاسية: و القسوة لا تُولد إلا قسوة، و الجفاء لا يُولد إلَّا جفاءً، و كذا البر و الرحمة واللين، لا يُولّد إلَّا برًا و رحمةً و لينًا، فتجد الكثير من الآباء فظ اللّسان، غليظ القول، لا يستطيع أبنائه الحديث في حضرته، أو التعبير عن مشاعرهم و التنفيس عن رغباتهم، فتكن النتيجة الحتمية أن ينفضوا من حوله، قال تعالى لنبيه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)، و من الآباء من يحسب جهلًا، أن تلك المعاملة هي أقوم للخلق، و أدعى للالتزام، و الاستقامة، و البر، و إنما هي على النقيض من ذلك كله، و لا تنتج لنا سوى أبناء عاقين بامتياز، عَجّت دور المسنين بآبائهم!

التسلط و الاستبداد: و له صور و أشكال شتى، منها: أن تفرض على أبنائك دخول كلّية بعينها، أو امتهان مهنة دون غيرها، أن تزوج ابنتك من لا ترغب به، أن تتخذ قرارات حياتهم و شؤونهم الخاصة بدلًا عنهم، تراقب حركاتهم و سكناتهم حتى لا تخرج عن الإطار الذي فرضته عليهم مسبقًا، تُشعرهم دائمًا بأنهم مخطئون، لا رأي في البيت بعد رأيك، و لا قرار أصوب من قرارك، و الأعجب من ذلك كله أن بعض الآباء من يظل يمارس ذلك على أبناءه الراشدين، الذين هم على مشارف الزواج و تكوين بيت و أسرة، أو متزوجون بالفعل و لديهم أبناء، ثم يتساءلون في بلاهة، لماذا يُعقنا أبنائنا؟!

التفرقة في المعاملة: و هو ما يولد بُغضًا من الأبناء تجاه آبائهم و حقدًا على إخوتهم محل العناية و الاهتمام الزائد، فبعض الآباء يتجاوز في حبه لبعض أبنائه ما لا يملك إلى ما يملك، فتراه يخص أحدهم بالسؤال و الاهتمام، و القبلات، و الأحضان، و الحديث، بل منهم من يخصه بعطية أو هبة دون غيره من اخوته، و قد نهى النبي -صلى الله عليه و سلم- عن ذلك فرفض أن يشهد على هبة والد لأحد أبنائه، و قال له: “فإنِّي لا أشهَدُ على هذا، هذا جَوْرٌ، أشهِدْ على هذا غيري، اعدِلوا بيْنَ أولادِكم في النُّحْلِ كما تُحِبُّون أنْ يعدِلوا بينَكم في البِرِّ و اللُّطْفِ”!

الإهانة و الإيذاء النفسي: مثل نعته بأوصاف مشينة، و ألفاظ سيئة نابية، أو اقتحام خصوصياتهم، أو معايرتهم بنقصٍ أو عجز، أو سلب حريتهم، و جرح كرامتهم، و تهميشهم، و الحطّ منهم، و غيره الكثير، و إنّه في كثير من الأحيان يكون ذلك أشدّ إيلامًا و قسوة من الإيذاء البدني، بل إن مداه يظل معهم طيلة العمر ما لم يسعوا جاهدين في التخلص من ندوبه و جراحاته، فأي ظلم بعد هذا ظلم للأبناء، و أيُ برٍ يطمحون لنيله بعد تلك العقوق؟!

الإيذاء البدني المبرح: الذي يترك آثاره على نفوس الأبناء قبل أجسادهم، و نحن نرى و نسمع اليوم قصصًا يشيب لها الولدان من جرائم و انتهاكات بشعة اُرتكبت من قِبل بعض الآباء في حق أبنائهم! هذا العنف الأسري، لا يُولّد لنا في المجتمع إلّا عنفًا و عدوانًا، و جرائم حمقاء يتضرر منها المجتمع بأسره، فضلًا عن التشويه النفسي لأولئك الأبناء.

إشكاليات متعلقة بحقوق الآباء و حقوق الأبناء

عقوق الآباء لا يُسوغ مبررًا لعقوق الأبناء

أيًا ما كانت مظلمتك مع أحد والديك، أو كلاهما، و أيًا ما كان ابتلائك في تفريطهم في جنبك، أو إيذاءك، أو معاداتك، فلا يُبرّر لك عقوقهما البتة، فكلٌ منكم محاسب يوم القيامة فردًا على ما فعل و اكتسب، و على ما أدّى أو فرط، و قدم أو أخر (وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)، و (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، و لو كان لك في ذلك شيء، لما أوجب عليك الله أن تصاحبهما بالمعروف و تحسن إليهما مع شركهما به سبحانه و تعالى: (وَ إِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَ صَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً).

طاعة الوالدين مقيدة و ليست مطلقة

إنَّ كثيرًا من الآباء ليتخذ الدين وسيلة للتسلط على الأبناء، فيبتز أبنائه بالنصوص القرآنية الموجبة لبرهم و طاعتهم، و الإحسان إليهم، و هم في ذلك قد ارتكبوا إثمين، إثم الظلم لأبنائهم تارة، و إثم الافتراء على الله تارةً أخرى (قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)، فطاعة الوالدين مقيدة بطاعة الله، و ما يقتضيه التشريع الحنيف من عدلٍ و إنصاف، و إعطاء كل ذي حقٍ حقه، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)، فلا تتخذ حق من حقوقك ذريعة للإفساد، و إرضاءً لهوى نفسك، فتتجاوز به حدك، و تتعامل و كأنك قد مَلكت ابنك!

التربية ليست وراثية، ول ا تنتقل بالعدوى!

من المفاهيم المغلوطة لدى بعض الآباء، أنّه بتربية الابن الأكبر تربية جيدة، فهذا كفيل بحسن تربية إخوته من بعده، وه ذا بالتأكيد غير منطقي، فابنك الأكبر لن يقوم بتربية إخوته الأصغر منه بدلًا عنك، أو أنَّ تربيته تنتقل لهم بالعدوى، نعم حُسن تربية الابن الأكبر يعزز من تربية أخيه الأصغر منه سنًا، و لكن هذا من باب القدوة و الاقتداء به في القول و الفعل.

كما أنَّ التربية لا تنتقل عبر الجينات، فيُولد الابن ذو تربية حسنة إن كان أبوه صالحًا، أو تربية سيئة إن كان أبوه فاسدًا، و إنما هي طريق طويل من الصبر و الجهد و البذل و العطاء.

أبناؤك ليسوا ملكًا لك!

من الأخطاء الشائعة لدى الكثير من الآباء في التربية، هو تعاملهم مع أبنائهم على أنّهم مِلْكٌ لهم يتصرفون فيهم كيفما شاءوا أو أرادوا، و هذا في الحقيقة تصور خاطئ يتأتى معه العديد من الأضرار في الأسرة و المجتمع، فنرى الآباء يمارسون التسلّط على أبنائهم بجميع أنواعه، ماديًا و معنويًا، مما ينتج عنه كراهية و بغض أولئك الأبناء لهم، مما يوقعهم في شباك العقوق لا غرو.

الضرب وسيلة عقاب لا تعذيب

نعم الضرب مشروع في الإسلام، و لكن له ضوابطه التي تضبطه، فهو ليس مطلقًا كيفما تريد أو يحلو لك، كما أنه يعتبر وسيلة عقاب استثنائية في حال فشل جميع الوسائل الأخرى في العقاب، و مع ذلك عليك أن تتذكر بأنك تعاقب ابنك من أجل إصلاحه و تقويمه، لا من أجل تعذيبه، أو الانتقام منه، أو الانتقام لشخصك، أو ما شابه من الدوافع غير المشروعة، و التي حتمًا تؤدي إلى المفسدة و العقوق.

التغيير سنة كونية، تجري على الأجيال كذلك!

لا يمكن لك بحال من الأحوال أن تطبق نفس الأساليب التربوية بحذافيرها، التي استخدمها والداك في تربية أبنائك، فالزمن غير الزمن، و المجتمع غير المجتمع، و الجيل غير الجيل، فرياح التغيير تجري تاركة آثارها في نفوسهم وحياتهم.

الحوار و الإقناع لا الإجبار والتسلط!

من الممكن أن تتخذ صيغة الأوامر غير القابلة للتنكيص أو الرجعة، في تربية أبنائك، و قد يفلح ذلك في الحصول على استجابة فورية منهم لتنفيذها، و لكن كن على يقين تام بأنَّ ما لم يتم حَله بالحوار و الإقناع فهو لم و لن يُحل غالبًا، و سوف يقبع بداخلهم يمزق روحهم و يشتت فكرهم، حتى يجدوا له حلًا مقنعًا و مرضيًا!

لا تكابر في الخطأ و تأخذك العزة بالإثم!

جميعنا بشر، و لقد اقترنت النقيصة و الخطأ بطبيعتنا البشرية، فمن المحتمل بكل تأكيد أن تقع في أخطاء أثناء تربيتك لأبنائك، لا تكابر و تأخذك العزة بالإثم، بل اجعل من الاعتراف بالخطأ و الاعتذار لصاحب الحق ديدنك، فحينها ستعزز مفهوم القدوة لدى أبنائك، و ستغرس فيهم ذلك الأمر، فيصبحون قائمين بالعدل منصفين و لو من أنفسهم.

و ختامًا فاعلموا أيها الآباء أنكم راعٍ، و أنكم مسؤولون أمام الله عن رعيتكم (وقفوهم إنهم مسؤولون)، و إنما العقوق لا تُولد إلّا عقوقًا، و البر لا يُولّد إلّا برًا، و هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان، أقيموا منهج الله في تربية أبنائكم، و وفوا حقوقهم، فلا تضيعوها لئلّا تأثموا، مصداقًا لقول النبي -صلى الله عليه و سلم-:

كَفَى بالمرءِ إثمًا أنْ يُضَيِّعَ مَن يَقُوتُ.

و استعينوا بالصبر و الصلاة، و المثابرة، و الدعاء لهم في كل وقتٍ و آن.

الرابط : https://tipyan.com/between-the-disobedience-of-parents-and-children

 

قراءة 918 مرات آخر تعديل على الإثنين, 21 أيلول/سبتمبر 2020 07:47

أضف تعليق


كود امني
تحديث