من المعلوم أن الإسلام بما جاء به من قرآن و حديث يحقق الهدف الذي نص عليه في عدة مواضع، و هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور و هدايتهم إلى الصراط المستقيم و هذه الهداية شاملة لكل الأنشطة التي تحقق السعادة في الدارين، و كاملة لا تحتاج إلى إضافات لأصولها التي تتحقق بها صلاحيتها لكل زمان و مكان. و لبيان منهج الإسلام في رعاية الشباب لا بد من معرفة أن الشباب – سواء أكان هذا اللفظ جمعًا لمفرد هو شاب، أم مصدر الفعل شب – يتصل بمرحلة من عُمر الإنسان هي الحد المتوسط بين الطفولة الضعيفة الساذَجة و الشيخوخة المتميزة بخصائصها التي تُشبه إلى حد كبير مرحلة الطفولة عند الكثيرين.
و مرحلة الشباب تتميَّز بالتفتح الذهني و القوة البدنية و خِصب العاطفة، و الأمل الواسع و الحرص الشديد على الأخذ من كُل ألوان الحياة بأكبر نصيب. و الشباب بهذه الميْزات قوة لا تعد لها قوة في إخصاب الحياة و نموها إذا أُحسن استغلاله، و الشبان في كل العصور و البيئات موضع الفخر و الاعتزاز للأفراد و الجماعات.
و من هنا كان من أوجب الواجبات أن يُستغل استغلالًا طيبًا، فتنبه العقلاء إلى ذلك و جاءت الأديان مُشجعة على الإفادة من هذه القوة الكبيرة، و كان للإسلام القدح المُعلى في هذا الميدان، و وُضِعت كتب في التربية من أجل ذلك.
يهمنا أن نُبين القواعد الأساسية لهذه التربية و نلخصها في النقاط التالية :
1- شمولية التربية : لا بد أن تكون تربية الشباب أو رعايتهم شاملة للجسم و العقل و الخُلق و الروح، فهي كلها متضامنة في تحديد معالم الشخصية للشباب و توجيه السلوك. و في الحديث “إنَّ لربِّك عليك حقًّا و لبدنك عليك حقًّا” و الذِي يَرجع إلى موضوع الرِّياضة في الإسلام يتبيَّن له ذلك بوضوح، و خير نموذج لتكامل الرعاية وصية لقمان لابنه التي سجَّلها القرآن الكريم، فهي شاملة للعقيدة التي لا تُشْرِك مع الله شَيئًا، و بِر الوالدين كرمْز لشكر المُنعم، و رقابة الله الذي يعلم السر و أخفى، و توثيق العلاقة بالله عن طريق الصلاة، و كذلك العلاقة بين الناس بنشر العلم، مع التذرُّع بالصبر في مجال الكفاح، و المعاملة بالتواضع و لين الجانب و الأدب و الحياء و السكينة و الوقار (سورة لقمان:13-19).
2- الاهتمام بالرعاية العقلية و الخُلُقية و الروحية : يجب أن تحظى الرعاية العقلية و الخُلُقية و الروحية بقدر كبير من العناية؛ لأنها ستجر إلى الرعاية البدنية، و هي صمام أمْنٍ يقي الشباب المخاطر، و نورٌ كاشف يضيء له الطريق، و في الحديث الذي رواه الترمذي “ما نحل والد ولده من نحل أفضل من أدب حَسَن” و الشاب المستقيم في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، كما في حديث البخاري و مسلم. و لذلك كانت استقامة السلوك للأولاد هي موضع طلب الأنبياء من الله عندما سألوه الذرية، كما قال إبراهيم (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)(سورة الصافات:100) و كما قال زكريا (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) (سورة آل عمران:38).
3- ضرورة التبكير بالتربية : يجب أن تبدأ الرعاية من وقت مبكر ليتعودها الطفل و يشِبَّ عليها، فمن أدَّب ولده صغيرًا سُر به كبيرًا كما قال ابن عباس.
4- أهمية التعاون في تربية الشباب: و التعاون على هذه الرعاية واجب، فهي عِبء ثقيل ينوء به فرد واحد أو جهة خاصة، و ألوانها الكثيرة تحتاج إلى تخصصات و درايات كاملة، و هي كلها متظافرة في التأثير على السلوك، فالبيت و المدرسة و النوادي و الساحات و المُنظمات و دور اللهو و الصحافة و المناهج و النظم و خط السير الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي كل هؤلاء لا بد من تعاونهم على هذه المهمة، و التقصير في بعضها سيؤثر حتمًا على النتيجة المرجوة، و لا بد من أمرين هامين في هذه المهمة الجماعية: أولهما إخلاص كل جِهة في تنفيذ ما يخصها، و ثانيهما : الشعور بالروح الجماعية و انعدام الأنانية و اللامبالاة.
هذه هي الخطوط الأساسية لرعاية الشباب على ضوء الإسلام، فهل يسير على نهجها كل من يتشوَّف أو يسارع إلى الاشتراك في هذه المهمة الجليلة؟