قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 30 آذار/مارس 2016 07:43

هي والقمر!

كتبه  د. حنان لاشين أم البنين
قيم الموضوع
(0 أصوات)

أكادُ أراها و هي تسير بوهَن بجوار زوجها الحنون على الرمال الساخنة، يدها في يده، و يُظلِّل على جسدها الضئيل بقامته الطويلة.

يتبادلان الركوب على الدابتين فيسيران بجوارهما - أحيانًا - رفقًا بهما، و صغيرها يتوسَّد صدرها، باكيًا بعد أن قرصه الجوع.

كيف ستحتويه و ترضعه و حالها كحاله؟!

من أين ستُمطر السحابة و قد هجرها ماء المطر؟!

كفُّه الحانية تمتد فجأة لتربِّت على كتفها لتنفض الظنون عن رأسها المتعب، يخدّرها عطفه و حنانه عليهما فتنسى كل شيء و تأنس بجواره.

أيُّ جفاف هذا؟!... سنةٌ قاحلة مجدِبة أيبست الزرع، و أهلكت الضرع، البطون جاعت، و النفوس تيبَّست، و ها هي علاماتُ اليأس و الألم قد كستْ وجهَها و وجه زوجها.

على دابتين هزيلتين مسنَّتين لا ترشحان بقطرة من لبن، ركِبا يطلبان ما يطلب غيرهما، و للكل نفسُ الهدف.

ما زال الصغير يبكي؛ فقرصةُ الجوع مُوجعة، و ما زال يحنو عليهما، و يربت على ظهر صغيره و كتفه.


ضجرَ منهما الرفاق؛ فهما أبطأ مَن يسير بهاتين الدابتين الهالكتين، فشق عليهما الأمر، نظرات الضجر، تأفُّـف النساء، حركات الرؤوس و هي تتعجب من الصغير الذي لا يتوقف ليلَ نهارَ عن البكاء! و نظرات التعجب من الرجال لزوجها؛ لماذا يحبُّها على فقرها؟!

و نظرات الفضول من النساء إليها؛ لماذا تحبُّه على فقره و بساطةِ حاله؟!

حتى عيناها جفَّتا فلم تستطيعا البكاء، لكن رؤية زوجها الحبيب يعاونها رطَّبتهما؛ فأغمضت عينيها للحظات و تصبَّرت و ارتوت.

وصلت أخيرًا، فهرولت تتنقل بين البيوت؛ عسى أن تسبق رفيقاتها لباب دار أحد أثرياء مكة؛ فتفوز بغلام فترضعه، و تُسعد أهلها و ولدها، و يعمَّ الخير.

لم تجد إلا يتيمًا زهدت فيه بعد أن همست لزوجها: "ما عسى أن تنفعنا أمُّ صبي لا أبَ له!"

تركاه و انصرفا.

ظفرت كل امرأة بصبي، فكلُّ منهن تجيد الكلام، و العرض، و الطلب، و الابتسام، و أما هي فحالمة و"حليمة"، سبقتها خطواتهن،و غلبتها مهارتهن، و بقيت تحتضن رضيعها و ترتجفُ و تتلفت يمينًا و يسارًا، تقبض على ثيابه و هي حائرة، تتساءل في نفسها و هي تراقبهن... لماذا لستُ مثلهن؟!

أوشكا على الرحيل، فحانت الـتفاتـة من زوجها الذي كانت تسير بحياء خلفه - و هي تشد ثيابها متسترة بها - و الذي احتضن وجهها بمقلتيه، و قال بصوت رحيم: "لا بأس عليك! خذيه؛ فعسى أن يجعل الله فيه خيرًا".

نعم، يتيم لا أب له، و لكن ما ذنبه؟ و هل الرزق من جدِّه أم من ربِّه؟!

و هل الحبُّ و الرحمة صارا حصرًا على الأغنياء فقط؟ سبحان الرزاق!

فعادت على استحياءٍ، و احتوته بين يديها، و وضعته في حَجرها، حتى لا ترجع خالية الوفاض، فتشمت بها النساء، و تعود مكسورة الخاطر... فإذا بالقمر بين يديها!

تعلَّقت مقلتاها بوجهه المشرِق؛ فنسيت كلَّ ألمٍ ألمَّ بها، و كستها هيبة لا تعرف من أين أتتها، و كأنه على صِغر ذراعيه و كفَّيه احتضنها و احتواها، حتى اطمأنَّت و سكنت... هي و القمر!

لاحت ابتسامة خفيفة على شفتيه الطاهرتين ببراءةٍ فملكت فؤادها! و سكن صغيرها الذي مزَّقه البكاءُ أيضًا بجوارها.

أوَّاه! يا حبيبي يا رسول الله، أيُّ طُهرٍ و جمال و نقاء و نور خُلِقت منه؟!

اشتقنا يا رسولَ الله!

رزقٌ وفير، و لبن طيِّب مطيَّب، رُزِقه الحبيب، فرضع عليه السلام حتى ارتوى، و نامت عيناه الشريفتان، بعد أن لامس وجهها بكفِّه الصغيرة، و رضع صغيرها الذي توقف الآن فقط عن قرصةِ الجوع! فنام كلاهما، و اضَّجعت و زوجها بجوارهما، و هما في ذهول!

أليس جميلاً؟

بلى، هو جميل.

انظر ابتسامته؟

ما أحلاها!

هل شمَمْت رائحته؟

نعم، كالمسك!

مسحت بكفِّها على وجهه و يا له من شرف! و وضعت إصبعها في كفِّه الصغيرة فقبض عليها بحنان، قرَّبت وجهها من وجهه، و لامست أنفَه بأنفِها، و تنفَّست الطُهرَ بعد أن جال بصدره، و يا له من شرف و يا لها من بركة!... رائحته حلوة كحلاوة روحه و نفَسِه صلى الله عليه و سلم - و هو رضيع.

ثم حانت من زوجها التفاتة إلى ناقتهما المُسنَّة العجْفاء، فإذا ضرعاها حافلان ممتلئان باللبن!

حليمة، أتريْن ما أراه؟!

فقام إليها دَهِشًا! و هو لا يصدّق عينيه!

حلب لبنها و شرب، و حلب لحبيبته "حليمة" فشربت معه حتى امتلأ كلاهما رضًا و ريًّا و شِبَعًا، و باتا في خيرِ ليلة.

فلما أصبحَا و أشرق وجهُ الحبيبِ صلى الله عليه و سلم عليهما، تأمّلا نورَ وجهه الشريف و هو يطالعهما ببراءة، و على شفتيه الطاهرتين ابتسامة حانية! مال زوجُها عليها، و همس بحبٍّ قائلاً:

أتدرين يا "حليمة"، أنك ظفرتِ بطفل مبارك؟

فقالت - و ما زالت مقلتاها لا تفارق وجه الحبيب صلى الله عليه و سلم:"إنه لكذلك، و إني لأرجو منه خيرًا كثيرًا".

ثم خرجا من مكة على دابتيهما الهزيلتين، و حملت "حليمةُ" الحبيبَ، و احتوته بيديها، و قد بدأت تتعلَّق به - و كأنه قطعة منها - و إذا بالدابَّة تُسرع و تتقدَّم كلَّ الدوابِّ الأخرى، و كلُّ من معهما يتعجَّب! و هي تضحك، و زوجها يضحك!

يا الله! أيُّ كرمٍ هذا! و أيُّ بركة حلَّت بنا!

و كيف لا تقع البركة على من يرحم يتيمًا لا أبَ له؟!

عادت لمنازلها في بلاد بني "سعد" - أشدُّ البلاد قحطًا، و جدبًا، و فقرًا - لكنها عادت بالحبيب!

كانت غنماتُها تغدو كلَّ صباح فترعى، ثم تعود في المساء فيحلبون منها، و يشربون، و يشبعون، و ما يحلب غيرهم قطرة! حتى إنَّ بني قومها كانوا يصرخون، و ينصحون رُعيانهم، أن يتْبعوا بالأغنام غنماتها؛ ليسرحوا حيث تسرح، يأكلون من حيث تأكل.

و مرَّ عامان، حلَّت فيهما السعادة و البركة على زوجةٍ صالحة؛ لأنها رحِمت يتيمًا مباركًا؛ فاحتضنته، و أرضعته، و أحسنت إليه بعد أن شجَّعها زوجها  و نصحها؛ فرحماه معًا، فرحِمهما الله.

و هكذا ستحلُّ السعادة و البركة عليكِ، إن رحمتِ يومًا يتيمًا في بيتك، تطعمينه مما يَطعَم صغارك، و تلبسينه مما يلبسون، و تضحكينه كما يضحكون.

أو ربَّما أنتِ من هؤلاء اللاتي لم يكتب الله لهنَّ  برحمته و حكمته - الإنجاب، و هو ابتلاء عظيم لن ندركَ حكمتَه؛ لأنَّنا لا نرى بأعيننا "لطف الله الخفي" حيث لا نملك أن نرى ما يراه سبحانه، لكنك تملكين احتواءَ يتيم أو يتيمة، فكما أن الأمومةَ عطاء من الأم، فهي حلوة و لها لذَّة أخرى عند احتواء يتيم، لذَّة عطاء ورقّة قلب، ذاقتْها حليمة في قلبها عندما كانت... هي و القمر.

كوني مثلها، كوني مثل "حليمة"، كوني صحابية!

قراءة 1884 مرات آخر تعديل على الجمعة, 01 نيسان/أبريل 2016 05:53
المزيد في هذه الفئة : « كلنا رضوانٌ هذه أمتكم »

أضف تعليق


كود امني
تحديث