في زمن ما بعد العولمة، أصبحت المرأة لها عقل الرجل و عضلاته و مشيته و إصراره علي طلب الرزق في أكثر الأعمال خطورة...
في زمن ما قبل العولمة، شاهدت فيلما لمخرج أمريكي أثار معضلة دقيقة جدا و هي :
"هل بإمكان المرأة أن تستغني عن سواعد الرجل و حمايته لها و حضوره العقلي الفكري و العاطفي في حياتها ؟"
و هكذا أجاب عبر سيناريو أحد أفضل الأفلام التي تابعتها في تسعينيات القرن الماضي :
خطب رجل أمن أمريكي شابة موظفة في الخزينة الفيدرالية الأمريكية، سعدت بخطوبتها و رغب في تعريفها بأبيه، فدعاها لوجبة عشاء في بيته بحضور والده.
لبت الشابة الدعوة و عند وصولها إستقبلها أب خطيبها :
-أين هو مايكل سيدي ؟ سألته.
-تغيب إبني بشكل مفاجيء هذا علي إثر إتصال هاتفي من عمله. علي ما يبدو يحتاجونه و لا أدري متي سيعود لكنه وعدني بأنه سيبذل جهده ليكون معنا في وجبة العشاء هذه. رد عليها والد الخطيب.
فنظرت الخطيبة بحزم إلي الرجل المسن.
-عذرا، لا أستطيع تناول معك العشاء في غياب إبنك، بلغه عن عدم رضاي للأمر و مع السلامة.
و لم تستمع لأعذار الأب و غادرت الشابة شقة خطيبها.
عند عودته، سارع الخطيب في الإتصال هاتفيا بالخطيبة، سدي لم تجبه.
في الغد ذهبت لعملها الشابة نانسي و هناك وقعت مصيبة بحيث إستولت عصابة علي مبني الخزينة الفيدرالية. كل الموظفين نجوا إلا هي، فقد أصبحت رهينة في يد العصابة دون علمهم لأنهم تأكدوا من خلاء المبني و لم يتفطنوا لوجودها في إحدي المكاتب الصغيرة في الطابق الخامس و العشرين....
أخذ علم خطيبها بالخبر كونه رجل أمن من مكتب التحقيقات الفيدرالي و أول ما فكر في خطيبته، فإتصل بها مرة اخري، هذه المرة، كسابقاتها لم تجب.
جن الرجل، فقرر أن يقتحم لوحده المبني بحثا عنها قبل أن يقع الهجوم علي العصابة و هكذا بدأت حكاية عناد إمرأة في الإستغناء عن عون الرجل...
نجح في التسلل إلي داخل البناية الضخمة... أنظروا قراءنا الكرام ماذا تفعل إمرأة برجل ؟ تجعله ينجز المستحيل....
و من طابق إلي آخر، توجه إلي مكتبها بحذر شديد بينما هي كانت خرجت للإنتقال إلي مكتب زميلة لها، فلاحظت خلاء المكان من أي من زملاءها أو زميلاتها و لأول مرة إنتبهت إلي الضوء الأحمر الذي كان يضيء في آخر الرواق مخبرا إياها بوقوع حدث غير طبيعي و حتما غير سار...
فعادت بسرعة إلي مكتبها لتجد خطيبها الذي بدون مقدمات أمرها بأن تتبعه شارحا لها الوضع...
عوض أن تطيع خطيبها الرجل الأمن المحنك، تصوروا ماذا فعلت الشابة نانسي ؟
نزعت خاتم الخطوبة و سلمته خطيبها معلنة :
-من الآن لست خطيبتك و لا أريد رؤيتك و أرفض مساعدتك.
نظر إليها الخطيب مفزوعا :
-و هل هذا وقت الخصومة نانسي ؟ قال لها بصوت منخفض مخافة ان يسمع احد رجال العصابة أصواتهم.
-طبعا و ماذا تعتقد نفسك ؟ نزلت علي من السماء لتثبت لي بطولتك. لا شكرا أريد الزواج من رجل طبيعي عادي و لا يتركني لوحدي مع أباه عند وجبة العشاء...ردت عليه نانسي.
إبتسم الرجل رغما عنه. لكن التوقيت كان جد حرج و كان يعرف عناد خطيبته السابقة، فحاول أن يقنعها بأن تتبعه :
-لا، يعني لا. هل فهمت ؟
-طيب ماذا ستفعلين ؟
-سأغادر المبني بطريقتي لكن لوحدي و ليس معك. قالت له متحدية.
فهم الرجل أنها جادة و لا مجال لثنيها عن قرارها. فقال :
-علي راحتك نانسي أنسحب بعد ربع ساعة سنقوم بالهجوم، فلديك ربع ساعة للخروج، مع السلامة.
لم ترد عليه و خرج من مكتبها، كان غاضبا حانقا علي نفسه و عليها.
بينما هي بدأت تبحث عن السبيل للهروب و غادرت مكتبها و نزلت طابقين لتلتقي بشكل مفاجيء بأحد رجال العصابة إلا انها تنجح في الهروب منه كونها تعرف جيدا أروقة المبني و ردهاته و حالما دخلت مكتب فتحت نافذته التي تطل من علو 20 طابق. خرجت علي حافة النافذة لتتقدم خطوة خطوة كي تنتقل بهذا الشكل إلي مكتب آخر بعد المرور بغرفتين فارغتين و قد لمحتها قوات الأمن، فأخبروا خطيبها الذي تحرك بسرعة جنونية للحاق بها و كادت في لحظة سهو ان تسقط لولا ذراعي خطيبها الذي سحباها إلي داخل غرفة بمثابة مكان يخزن فيه الأرشيف. لم تصدق نفسها أنها نجت بفضل خطيبها :
-هل يعقل أن تفعلي ما فعلتيه ؟ كنت علي وشك السقوط لتعانقي موت محقق ؟ عنفها.
مرة اخري أبدت عنادها نانسي :
-ماذا تفعل هنا ؟ لم استنجد بك سيدي.
-إنني لست سيدك إنني خطيبك و من جهتي لن افسخ الخطوبة و أنت من سأتزوج. كفي بربك من العناد و اتبعيني.
-عجيب لماذا تصر علي علاقتنا و أنا من 6 أشهر مدة خطوبتنا لم أراك إلا خمسة مرات لأنك طوال الوقت مشغول بعملك الجهنمي؟ ردت عليه الشابة.
تمالك أعصابه، قائلا :
-نانسي هل هذا وقت المحاسبة ؟ نحن في خطر الموت هل أنت واعية بذلك ؟
-منذ عرفتك و الموت تحوم حولي. في كل مرة تذهب فيها إلي عملك أتساءل كيف سأحتمل ذلك و انا زوجتك ؟ فعودتك حيا غير مضمونة هل أنت واع بذلك ؟ أجابته ساخطة.
شعر بتأنيب الضمير فهو أبدا لم يضع نفسه مكانها، كان دائما ما يقول لها " عليك بالتعود، فعملي خطر إدعي الرب أن أنجو و كفي، لا شيء آخر بإمكاننا فعله."
-بلي لدي شيء آخر افعله و هو فسخ الخطوبة و الزواج من آخر سيأتي في أوانه، بربك إنني إنسانة، إمرأة/ أحتاج إلي وجود رجل بصفة دائمة إلي جنبي و ليس إلي شبح... قالت له نانسي و كأنها قرأت ما كان يجول في باله.
لم تترك العصابة فرصة للخطيب أن يجيب بوصولها إلي طابقهم.
فهربا معا و كان في كل مرة الخطيب يحمي نانسي بجسده و يدفعها بعيدا عن الرصاص المنطلق من فوهات الرشاشات، في اللحظة التي اصيب بها في ذراعه، نست نانسي كل شيء و أعانته علي إيجاد مخرج من جحيم العصابة المهاجمة و هكاذ نجو و في سيارة الإسعاف أعطيت له الإسعافات الأولية و الحمد لله الرصاصة إخترقت الذراع من طرف إلي الطرف الآخر. لهذا سمح للخطيب رجل الأمن بالعودة إلي بيته في سيارة رباعية الدفع.
أكمل الحديث بين الخطيب و الخطيبة :
-طيب نانسي تصرفت بالكثير من اللامبالاة لمخاوفك و مشاعرك و انت محقة. إعطيني فرصة اخري من فضلك؟
ساد صمت طويل بينهما.
و أخيرا ردت نانسي بهدوء :
-هل لي خيار ؟ فأنت اثبت لي اليوم بأنني أساوي الشيء الكثير لك، لهذا نعم أقبل بأن امنحك فرصة أخري و الأخيرة.
-وعد مني أنني سأصلح علاقتنا... قال لها.
نظرت إليه مليا ثم أشاحت بوجهها عنه قائلة :
- سنري ذلك و أهتم بصحتك. قل للسائق ان يتوقف علي بالعودة إلي بيتي الآن.
إنتهي