شدني في كتاب الخبير الإقتصادي الأمريكي السيد جيريمي ريفكين المعنون ب" الثورة الصناعية الثالثة" فصل خصصه للإدماج في مناهج التعليم للدول المتطورة من امريكا إلي أوروبا مادة جديدة تربط الطالب مباشرة بمحيطه عبر عمل يقوم به متطوعا و يقربه هكذا من مجال عمله المستقبلي و يفتح له آفاق ما كان بإمكانه إستشرافها لولا خوضه لها في مرحلة الدراسة. فكما أشار الخبير الإقتصادي الأمريكي نحن مقبلون علي عصر قائم علي مباديء و قيم التضامن و التعاون و إندثار الوازع المادي الذي يضبط حاليا إيقاع الحياة لدي الأفراد و الجماعات.
بناءا علي هذه الرؤية الإيجابية لم ستكون عليه المجتمعات الإنسانية في الغد القريب، علينا بإعمال الفكر في بعض المسائل التي تؤرقنا كمسلمين نطمح للخروج من دائرة التخلف الحضاري لنصبح فاعلين علي المسرح الداخلي و الدولي.
و بالإستناد إلي ما تفضل بذكره في مقالته القيمة الدكتور باباعمي بعنوان "بين أفول الغرب و حيرة الشرق : من أين المخرج ؟"* :" و لا ريب أنَّ الإنسان حين يضيع في ملفات "التربية" و"السكن" و"البطالة"، و حين يفكر في "العملة الصعبة"، و في "الانتقال إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط"، و في تحقيق الحد الأدنى من كرامته بين أهله...
الإنسان حين تلهيه هذه الملفات، لن يكون إنسانا عالميا، و لن يفكر أبعد من أنفه، و لن يكون صانعا للتاريخ، بل سيكون هامشا في التاريخ..."
علينا بفهم جيدا معضلة تخلفنا عن صنع الفرد المعتد بهويته و القائم برسالته الدينية و الفاعل حضاريا. أخفقت المناهج التعليمية في طول و عرض عالمنا العربي في النهوض بأفرادها و شعوبها بإعتبار أنها نتاج نظام التجزئة و الإستبداد. فتردي الأوضاع الإجتماعية تمخض عنه فقدان البوصلة لدي الفرد و الجماعة في آن.
نحن حتي في تعبيرنا عن سخطنا عن الأداء السياسي للنخب الحاكمة، نحاسبها إنطلاقا من عجزها عن توفير لنا مستوي معيشي مادي مريح، و أما أن تكون مطالبنا مرآة إستياءنا العميق لإنهيار القيم و سيطرة النموذج المادي الإنتهازي فهذا لا نعيره أي إهتمام. ففئات الشعب المتذمرة و النخب الثقافية و السياسية تعكس بشكل أو بآخر إفلاس المنظومة الفكرية و الأخلاقية للمجتمع.
نحن لا نعمل من أجل الحصول علي فرد فاعل بقيمه و هويته و إنتماءه الحضاري، بل نسعي لتخريج جيل كل همه أن يحقق نفسه ماديا ليس إلا. بل ما نعانيه تكريس التعليم النخبوي الجامعي لأجواء التنافر و اللاتسامح والإنغلاق علي الذات بعيدا كل البعد عن إعتماد لغة التوافق علي الثوابت و تحفيز الذكاء و تشجيعه و إتاحة له فرصة خدمة إحتياجات مجتمعه للتقدم حضاريا.
فالفرد عندنا يعيش بلا إنتماء و يستثقل الإلتزام بقيمه الروحية و لا يكره شيء مثل ان يكون فاعلا مؤثرا في واقعه، فلا نراه يغير ما بنفسه من مساويء و لا يجد في عمله و لا يتقنه و لا يسعي لأخلقة محيطه، فمن كان ضميره ميتا، من أين له تفعيل وجوده ؟
نحن مطالبين بإعادة النظر في الكثير من المسلمات التي بنينا عليها سلوكات ثقافية و إجتماعية أضرت بوجودنا الرسالي و جمدت لدينا فاعلية الفكر و فاعلية الفعل و العمل، بدون ذلك نحن لن نبرح مكاننا أي سنظل خارج التاريخ...
*http://www.natharatmouchrika.net/index.php/articles/kadaya-hadaria/item/4255-2020-03-01-17-35-20