إقتنيت كتاب آذر نفيسي "أن تقرأ لوليتا في طهران" في معرض الكتاب لعام 2012، لم يسبق لي أن قرأت للكاتبة الإيرانية اليسارية و لم أعلم بلجوءها إلي أمريكا إلا في النصف الثاني من كتابها...

الحديث عن إيران و مجتمعها، من ثوار و سياسيين و بنات و نساء و سلطات يأخذنا إلي منحي فريد من نوعه...كانت الكاتبة جزء من الثورة في مرحلة ما ثم سرعان ما إلتزمت مسافة بينها و بين الأحداث التي رافقت الثورة و ما جاء بعد الإستفتاء الشعبي لقيام جمهورية إسلامية...

تدور الرواية حول ذكريات، أمال، طموحات و أحلام تهشمت علي عتبات دولة سلطوية بحسب توصيف نفيسي...و راحت الفصائل و التيارات تحارب بعضها البعض و أما الشعب الإيراني بأطيافه من طلبة الجامعات إلي الأسر البسيطة يشهد تحولات كبيرة وضعت علي المحك ولاءه للسلطات الجديدة...

الحكايات التي رسمتها المخلية الواقعية للكاتبة كان لها أثر عميق في فهمي، فإرتسمت ملامح الشابات اللواتي كن تجتمعن في بيت آذر لإحياء سير كتاب كبار عبر كتبهم و قصصهم من جين أوستن إلي فلادمير نوبوكف، تلك الحلقات التي تفرح فيه الفتيات لمدة قصيرة بدخول عالم منفصل عن يوميات تحكمها الصرامة.

دائما ما توحي سيرة كاتب بفسحة حرية لا مجال للعثور عليها في شريط الحياة اليومية. و قد إستعملت الكاتبة الإيرانية اسلوب أخاذ بمزج بين الديكور و الحالات النفسية و الأحداث مع إستحضار أجزاء من الماضي في لوحة معبرة بألوان تتأرجح بين الفاقعة و الهادثة و الثائرة...

عدد صفحات الكتاب تناهز 500 صفحة لكن الغوص فيه ينسيك الزمن و المكان و الملل، هذا و التعرف علي مختلف أوجه الحياة في بدايات الجمهورية الإسلامية مشوق، إخفاء الهوائي المقعر الممنوع و أمسيات قراءة القصص بعد توافد الصديقات و كيف ان الواحدة منهن تتحسر علي إجبارية وضع الحجاب بينما في الماضي القريب و في العهد الشاهنشاهي كن تسعدن ايما سعادة بإخفاء أنفسهن تحت عباءة التشادور كفعل إرادي متحديات شرطة الشاه...

هي أيام و أسابيع و شهور و اعوام من عمر الواحدة منهن تمتلأ تارة بالألم و تارة بالحنين، كيف إنقلبت رغبتهن في التغيير إلي بحث عن الطمأنينية و السكون في تفاصيل و إنعطاف الساعات. إستحضار الكاتبة لهنري جيمس في أواخر عمره و فزعه من فظائع الحرب العالمية الأولي مع سرد درامي لكل الفتيات ممن إختفين ذات صباح لتتفاجأ بموت بعضهن و هروب أخريات...

من الصعب أن نفهم تعقيدات واقع استاذة جامعية يسارية مثل آذر نفيسي لولا قلمها الذي يسعفنا بين فصل و فصل لمتابعة درب طويل أفضي بها في النهاية إلي الرحيل و المنفي الإختياري و إن كان خروجها من إيران يمثل رمزيا موت ما...هكذا أولت الأمر...لا معني لوجود خارج دائرة المقاومة... بعد الثورة و بدايات الحرب العراقية الإيرانية لم يكن في وسع أحد التكهن بالآت ...إمتد الشعور بعدم الرضي إلي كل شيء حول البطلات و إنحسرت اللقاءات لتنتهي بإغلاق ابواب بيت لطالما كان واحة في بحر الإضطرابات.

طبعا ترقرقت ذاتية الكاتبة عبر السطور و الصفحات و ألوان الضوء في إيران البرد و الثلج و الحرارة الخانقة و ما يتبقي للقاريء المسافر صور و رؤي لوجهة نظر قدمتها بأمانة آذر نفيسي وفاءا لنهجها في الحياة و كل أحد سيستفيد من كم المعلومات و المشاهد و المحطات التاريخية و مغامرة المحاكاة لحياة تحت عين المراقب...

"أن تقرأ لوليتا في طهران" آذر نفيسي، ترجمة : ريم قيس كبة، منشورات الجمل، بغداد-بيروت، 2011