إستقبل معظمنا دعوة هاتفية للرد عن إستبيان خاص بمشروع الإستراتيجية الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته، فرأيت مناسبا إنتهاز الفرصة للحديث عن الفساد الأخلاقي الذي إنجر عنه منطقيا فساد الذمم و فساد مالي ضخم.
أعتقد أننا بحاجة إلي أخلقة المجتمع للحد من ظاهرة فساد الضمائر و إنجرارها حول الربح السهل و الإنقضاض علي ثروات البلاد....تحويل أجزاء كبيرة من الميزانيات إلي الحسابات الخاصة في غياب مراقبة و متابعة شبه تامة شجع السراق من كل نوع علي النهب و تحرير قوانين في صالحهم.
نحن نعاني من أزمة قيم عميقة جدا، لا تنفع معها دروس في الأخلاق أو معسكرات إعادة تأهيل، هذا و النشأ تعلم الحيلة في البيت و الكسل و النصب بكل أشكاله، فماذا يا تري نتوقع من جيل إعتاد الغش و التحايل علي القوانين السماوية و الوضعية ؟
نعيش توقيت مأزوم و ليس في وسعنا الإنتظار أكثر و ليست إستجابة سريعة و مرتجلة من ستضع حدا للإنهيار. فلنعيد النظر في كل المنظومة الفكرية و الأخلاقية للمجتمع و نبدأ بالمرجعية الروحية للبلاد، يتعرف الطفل علي الصفات الحميدة أولا في البيت بين والديه، ثم المدرسة القرآنية و التحضيري و قبل كل ذلك في الروضة. إلا ان اللبنة الأولي توضع في الأسرة، و هنا للأسف نقولها بمرارة لدينا عدد معتبر من الآباء من يلقنون أبناءهم أرذل الصفات علي أنها رخصة المرور لفترة البلوغ و النضج بأقصي المكاسب. فارق كبير بين أن ننمي في الطفل الشجاعة في مواجهة المشاكل مناقشتها و إتخاذ قرار إزاءها و بين أن نطلب منه التصرف وفق المواقف السيئة للكبار...
لهذا تبدو مهمة المعنيين من علماء دين و إجتماع و سياسة غاية في الدقة و الصعوبة. كيف نتعامل مع راشدين عاثوا فسادا في الخلق، هل نجعلهم عبرة لمن يعتبر ؟ و من سيحفظ الدرس و جموع من الجماهير لا تفقه سوي لغة النصب و التحايل و الدوس علي كل ما هو نظام و قانون ؟ لزمن عولنا علي الخسائر الفادحة الناتجة عن فساد مستشري لكن بين التمني و الواقع بون شاسع. و ما نحن بصدده فرز الغث من السمين و إعطاء فرصة لعامل التربية و المتابعة القضائية الصارمة لعل يؤوتون اكلهما و بعيدا عن لغة التشاؤم نريد إيصال هذه الرسالة إلي اصحاب الشأن :
"من الضروري إيجاد إطار قانوني يقنن العلاقات و يضبط إيقاع الحياة داخل و خارج المؤسسات الحكومية و الخاصة لنتمكن من تجاوز المحنة الحالية و من دون تطبيق صارم لقواعد التعامل و السلوك الفردي و الجماعي سنراوح مكاننا و هذا إخفاق لا تحتمله بلادنا."
ليس بإمكاننا التسامح أو التساهل في حين يتهدد وجودنا الإفلاس الأخلاقي و التلويح بالعقوبات و الأحكام القضائية غير كاف، مجتمعنا علي حافة الهاوية و موكولة إلي أولي الأمر إتخاذ تدابير و إجراءات تفيد الخروج من عنق الزجاجة و لو علي مراحل، المهم و الأهم أن نضع السكة و نسير عليها دون تخاذل.