كنت أستمع بإهتمام حتي فجأة قالت "لا مفر من البحث عن العمل، أشعر أنني أضيع وقتي في البيت..."
سألتها :
-أي بيت ؟
-طبعا بيتنا العائلي، علي مدار الساعة اعاني الفراغ بينما معي شهادة، لماذا لا اخرج للعمل أنفع الغير ؟
بقيت شاردة للحظات ثم قلت :
-عجيب و هل تعيشي لوحدك في البيت؟ إنفعي أولا محيطك العائلي.
-دوري طبيعي في إطار الأسرة و ما اريده كسر دائرة الفراغ و الرتابة.
لم أفهم ماذا كانت تقصد بالفراغ ثم لماذا التوجه إلي الشارع لإثبات الذات ؟ فقد اصبحت لا أفهم نساءنا فما بين 20 و 50 سنة... باتت الجزائرية لا ترضي بدورها الفطري خاصة أن الكثيرات تنظرن للزواج نظرة مختلفة و مستجدة. تتحجج البعض منهن بأنه يجدر بها ان تبني لنفسها مستقبل... فالزوج لا يمثل ضمان خاصة إذا ما تأخر الزواج أو لم يحصل.
و لماذا النظر إلي القضية من الزاوية المادية البحتة ؟ فأرباب العمل إستغلوا شر الإستغلال لهفة النساء خلف الإستقلال و لماذا نسينا محاسن وجود الفتاة في البيت ؟ و هل دورها ينحصر في اشغال البيت ؟ طبعا لا. نحن دائما نولي إهتمامنا بجوانب هامشية في مسيرة الواحدة منا. من يشرف علي راحة الوالدين و من يمتن العلاقات الإنسانية و الإجتماعية و من يتذكر صلة الرحم و من يعمل علي تلطيف أجواء البيت من يتابع أحوال الإخوة و الأخوات و كيف تنمي مهاراتها و كيف تعتني بصحتها و تمارس الرياضة ؟ و مازالت القائمة طويلة و ماذا كسبت من الشارع و العمل في مصنع أو إدارة سوي توتر الأعصاب و تحذيرات عن تأخرها أحيانا و مكائد الزملاء و سوء تقدير لإمكاناتها. ليس في العمل عيب، ما نريد تفاديه فراغ بيوتنا و برودة العلاقات بين أعضاء الأسرة الواحدة و من المضحك المبكي أن يعرف الأولياء مشاكل زملاءهم في العمل و ليس لديهم أدني فكرة عن مشاكل أبناءهم !!!
زجت بنا المفاهيم العصرية للمساواة في دهاليز مظلمة، نفتقد فيها بسمة الزوجة و الأخت و الأم و جمال البيت و نظافته و ترتيبه الأنيق و غابت فيه خصال حميدة كانت بمثابة أعمدة البيت المسلم كالصبر و الحنان و الرقة و المحبة و الدعم ...فما خسرناه عام بعد عام لم نسترجعه أبدا. في نفس الوقت طالعت الفتاة وجهها في المرآة لتفزع أمام شحوب الملامح و إرهاقها و ذلك الشعور القاتل بالتشوه، كيف لا و قد ضحت بأغلي ما وهبها الله أنوثتها و امومتها لأختم ببوح أم تعسة "لم أراهم يكبرون، كان علي الكد و الكد لأجد ورقة الطلاق عند مدخل باب بيتنا و عند زواجهم إلتقيت بأناس لا أعرفهم قدموهم لي كأصدقاء الطفولة و الشباب، صادقوا و تزوجوا و رحلوا و هكذا هي الحياة."