قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الخميس, 20 آب/أغسطس 2015 09:15

مدرسة بلا جدران

كتبه  عفاف عنيبة

في الأسبوع الأول من إقامتي في واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية في 18 شوال 1427 الموافق ل 11 نوفمبر 2006 علمت بأنني سأزور  مدرسة من الطور الثاني في إحدي ضواحي واشنطن. يومين قبل الزيارة، إستضافتنا مؤسسة أمريكية   مركز ميرديان المنظمة لبرنامج حوار الديانات و من بين المواضيع التي تطرقنا إليها زيارتنا المقبلة لهذه المدرسة الخاصة و التي  تعتمد برنامج نوعي  يحث و يعلم تلاميذها قبول الآخر و التحاور معه. عندما حان موعد الغداء غادرنا جناح المكاتب لنعبر حديقة مزدانة بألوان الخريف الدافيء متوجهين نحو الطابق السفلي من المؤسسة حيث المطعم. أخذنا دورنا في الطابور و كل واحد منا إختار طبق أو إثنين ليجلس غير بعيد عن ميغ ك. و المتربصات الشابات. فدار الحديث فورا علي "المدرسة بلا جدران" هذا هو إسمها. كنت أستمع و أخمن في طبيعة الأسئلة التي سيتولي طرحها علينا التلاميذ الأمريكيين. للأطفال أسئلتهم و لنا نحن البالغين أسئلتنا. تري هؤلاء المراهقين هل سيحصرون أسئلتهم في موضوع معين ؟

 فهم حتما يمثلون فسيفساء الكنائس و الديانات في الولايات المتحدة الأمريكية. هذه أول مرة سأواجه مراهقين أمريكيين و لدقائق طويلة إستغرقتني أفكاري حتي إنتبهت الي صوت يتوجه لي بالنصيحة :

- من الأفضل أن تدوني إنطباعاتك، و أعلمي من الآن أن أسئلة فئة المراهقين هنا غير متوقعة علي الإطلاق.                                                                                          

إبتسمت لمحدثتي، هذا فعلا ما لامسته فيما بعد مع التلاميذ. غير أن أي لقاء مع فئة 10-15 سنة أعده إختبار لذكائي و سعة صبري و مقدرتي علي الإقناع. إنشغل بالي بمواعيد ما بعد الظهيرة. عند وصولي الي إقامتي في المساء، عرضت علي الزميلة العربية في الوفد كانت من ضمن  المدعويين الي المدرسة فكرة تناول العشاء في الخارج. لا أحبذ خروج المرأة المسلمة ليلا  ثم إن الأمريكيين عادة لا يرون حرجا في التأخر خارج البيت و هذا لم يكن يناسبني. كنت متعبة و  أرغب في تسجيل محتوي لقاءاتنا لذلك اليوم. بعد أداء الصلاة و الإستراحة لنصف ساعة، قمت بكتابة صفحتين بخط دقيق. و بعدما تلقيت مكالمة هاتفية من أخي قررت تحضير وجبة سريعة من الجبن و البيض المسلوق و خبز شامي و كأس عصير مع تفاحة حمراء. في الغد إلتقيت ثانية بالزميلة فطلبت منها إن كانت لديها فكرة مسبقة حول مضمون أسئلة الغد.                                     

- لا أظن أنهم سيطرحون أسئلة محرجة أو أنهم سيفاجؤننا. فهنا ينظرون للعالم الخارجي بلامبالاة كبيرة. لاحظت لي الأخت الكريمة.                                                                                      

- ماذا تعنين بالأسئلة المحرجة ؟                                                                                  

- لا أدري، لكنني علي قناعة بأننا سنلهو كثيرا معهم.                                                       

أومأت برأسي، طبعا هم مراهقين و جرعة من الضحك و المزاح لازمة معهم غير أنني لم أكن مطمئنة تماما. علمتني التجارب أن أتوقع المفاجآت السارة و السيئة علي السواء من الأطفال.                                    

في صبيحة الغد  أي 20 شوال 1427 14-11-06 تحسن الجو و أطلت الشمس بإحتشام. بعد فطور صباح سريع، جاءنا السائق العربي و أنطلقنا الي موعدنا. قبل أن نصل بقليل إلي مكان الموعد إنتبهت الي نسياني لآلة التصوير. لا بأس، أحدنا له كاميرا، لن يرفض طلبي بتزويدي ببعض الصور. علي الرصيف و عند نزولنا إستقبلتنا الشابتين المتربصيتن في مركز ميرديان تيريزا.ش و إليزابيث.ك، التلاميذ كانوا عند البوابة، فهذا داخل و هذا خارج. و كما تصورهم أفلام هوليوود فهم يمثلون باتشورك كبير من الألوان و الأجناس و الملابس. و عند إجتيازنا للبوابة الرئيسية طالعنا بهو كبير مضيء. وجدت صعوبة في التفريق بين موظفي الإدارة و بين التلاميذ !

 فالمظهر مشكلة حقيقية في المدارس في أيامنا هذه،  و الفوضي التي سادت المدرسة تخللها ظهور قصير لموظفين رحبوا بنا و دلونا علي الطابق حيث كان بإنتظارنا أستاذ جزائري الأصل. علي الفور تفاهمنا مع الرجل. عند دخولي إلي قاعة الدرس لاحظت نظام المقاعد و الجدران. المقاعد موضوعة بشكل نصف دائري، تغطي ملصقات من صنع التلاميذ الفضاء الفارغ للجدران، الوجوه فضولية و مبتسمة، و قد كانوا يتبادلون بين بعضهم البعض أطراف الحديث. أما أنا فكنت صامتة  و أراقب، أخذت مكاني و إلي جنبي الأخت المترجمة. إستمعنا إلي عرض الأستاذ، موضحا لنا طريقة عمله مع التلاميذ و كيف هيأوا أنفسهم و أسئلتهم بحيث دونوا كتابيا بعض الأسئلة و الأخري سيتولون طرحها مباشرة علينا. و قد طالبنا أستاذهم نحن الضيوف أن نقدم أنفسنا لهم، رحبنا بذلك.  تداولنا الواحد تلو الآخر علي الكلمة. عندما جاء دوري عرفت بنفسي في بضعة كلمات وإكتفيت بإعطاء لمحة قصيرة عن الجزائر، ذاكرة تاريخ واحد و هو عام إستقلال الجزائر ثم إختصرت مراحل الإستقلال في جملتين. لم يكن يسمح الوقت بالإستفاضة. عدت لمقعدي و أخذت من الأستاذ ورقة أسئلة التلاميذ، حمدت الله علي فهمي اللغة الإنجليزية. إطلعت  علي الأسئلة، بدت لي دقيقة و ترمي إلي هدف واضح : معرفة من نحن و ما هي قيم ديننا. كان الأستاذ قد إستدار الي التلاميذ و أتفق معهم علي أنه  مسموح فقط بسؤال واحد لمنح بقية التلاميذ فرصة طرح سؤال بدورهم. فأرتفعت ستة أيدي، إختار الأستاذ مراهق في الرابعة عشر من العمر. نهض من مكانه، حيانا ثم سألنا بصوت هاديء:

- متي سيعم السلام الأرض المقدسة؟                                                                                                           

عند سماعي لهذا السؤال شعرت بالإمتنان ناحية هذا المراهق الأمريكي من ضواحي العاصمة الفيدرالية واشنطن. لم يسبق لي من قبل أن طرح علي الأطفال و المراهقين الذين تعاملت معهم طوال هذه السنين مثل هذا السؤال الهام و الجوهري في آن ! فأطفالنا في العالم العربي الإسلامي مسكونين بهواجس  أخري ثم إنهم إعتادوا الصراع الإسرائيلي العربي الإسلامي علي أنه قدر محتوم  بالرغم من أن عددا كبيرا منهم اليوم صار لا يعرف ما معني فلسطين و هذه من نتائج التطبيع الذي سعت و تسعي له بكل ما أوتيت من دهاء و خبث  الإدارة الأمريكية و كيان العدو  و القيادة الفلسطينية!                                                                     

كان لا بد من إجابة، فوضنا أستاذ جامعي عربي  في الدراسات الإسلامية ليتولي تقديم ردا  وافيا و مختصرا.                                                                                                            

كنت أنظر إلي التلاميذ، فمعظمهم كانوا يتابعون كلام المترجمة، التي نقلت بأمانة عرض الأستاذ. كنت أريد أن أقرأ شيء ما في هذه الوجوه المراهقة. في داخلي كنت سعيدة جدا، هذا هو الجيل الذي سيحكم غدا الولايات المتحدة الأمريكية و ها أننا نراه منشغل بقضية تؤرقنا جميعا منذ ما يناهز ستة عقود. من خلال هذا السؤال، أدركت أن رون، فهم ما لم نلتفت إليه. أن التسامح و السلام الحقيقيين يبدآن من الأرض المقدسة، فمن هناك  شاعت مفاهيم السلام و الأخوة و التسامح و التعايش و لا بد لنا من حل نهائي لإعادة الأوضاع إلي نصابها. و الحل النهائي لا يكون إلا بإحقاق الحق و سيادته. كانت الملامح منتبهة، تبدو عليها علامات الإهتمام. كان العرض قيما، مفيدا و مفحما. وقد إستعمل الدكتور أسلوبا مبسطا، أعطي رؤية الإسلام للسلام و طبيعة العدوان الإسرائيلي الذي وقع بإعلان قيام ما يسمي بدولة إسرائيل في 16 ماي 1948 :

- هذا هو بالمختصر المفيد طبيعة الصراع القائم في فلسطين، فلا نطلب من المظلومين أن يتنازلوا عن حقوقهم و لا ينبغي أن نتهم الإسلام و المسلمين بظلمهم لليهود، فالمعتدي معروف و المعتدي عليه معلوم أيضا.                                                                                                                           

سكتت المترجمة. في حركة جماعية، نهض التلاميذ و صفقوا جميعا تصفيقا حارا علي الرد. إعترانا جميعا إحساس عميق بأن المستقبل لهؤلاء المراهقين و أنهم قادرين علي تغيير مسير السياسة الخارجية الأمريكية، شرط أن يحضروا لها كل الأسباب.

الذي كان يحزنني أن مراهقينا في عالمنا العربي الإسلامي أقل وعيا و أقل إستعدادا لنصرة قضاياهم، فهم مراهقنا  مداعبة سيجارة "كيف" و اللعب بآخر طراز من النقالات!  فأجيالنا الصاعدة لا تملك أسباب الحصانة الروحية و العلمية. كشف لي الكثير هذا اللقاء مع تلاميذ أمريكيين، أمامنا عمل ضخم و علينا التعويل علي الأجيال الصاعدة في كل مكان. فأن تتاح لنا فرصة مخاطبة مشاريع مواطنين، هذا أمر جيد. فأنا ممن تحبذ التواصل المباشر، و حينما جاء دوري للرد علي سؤال مهم جدا لتلميذ آخر:

- أين يتلقي أطفال بلدك تعاليم الدين؟ فكرت بين نفسي : " في حالة ما كان يتلقي أبناء بلدي أصلا تعاليم دينهم لا أظن أننا كنا سنمر علي عقد و نصف من الإجرام الأعمي."                  

- يتعرف أطفالنا علي الوصايا الأخلاقية و قيم دينهم في البيت و المدرسة و المسجد و في الجمعيات ذات الطابع التربوي. هكذا أجبته.                                                                                             

هل حقا ما قلته صحيح ؟ نسبيا، فالأسرة الجزائرية صارت ترعي ماديا أبناءها و  لا تقوم بدورها التربوي و أما المدرسة و تحت ضغوط التيار التغريبي باتت تهمل دورها الأول التربية و الإرشاد ثم عليها أن لا تتدخل في الحريات الفردية كما أوصي بذلك الوزير السابق نفسه. و أما المسجد فدوره لم يكتمل بعد و لا يوجد تنسيق بينه و بين الروضة و المدرسة. أحيانا تضطلع أطراف إجتماعية أخري بدور المرشد التربوي و لكن بشكل متقطع و غير منهجي.

و يبقي الشارع هو الموجه للكثير من أطفالنا و النتيجة ندفعها من دمنا و أعصابنا و عافيتنا. نحن لا زلنا نجهل أبجديات التعامل مع الواقع المفروض علينا فرضا  و نفتقد إلي خطة عمل تتوفر فيها عوامل الثبات و التنوع و التنسيق و المرونة. نتناسي تماما أن التعامل مع الطفل هو التعامل أولا و أخيرا مع خامة قيد التكوين. و مرة أخري لمسنا تأثير الإعلام في صنع الرأي العام، فهؤلاء التلاميذ في "مدرسة بلا جدران" إستاقوا معلوماتهم من القنوات التلفزيونية و الإنترنت ليبنوا آراءهم حول ما يجري في الأرض المقدسة. و تخلف الإعلام عندنا و تركيزه علي دور الترفيه الرخيص، أفرغ محتواه من المضامين الصحية اللازمة لتوجيه و إخبار الملايين.

ثم جاء دورنا نحن لنسئل التلاميذ، ردت علينا إبنة كاثولكي و يهودية أمريكيين ب:

- لم أختار بعد أي دين و أي مذهب سأتبع عندما أكبر. بين والدي و الماما هناك إختلافات فماما لا تؤمن بيسوع و السيدة العذراء و الوالد يؤمن بكل ما أتي به التلمود مع تحفظات علي نقاط معينة. بينهما أحاول أن أمزج بين هذا و هذا.

إعترف طفل آخر ب:

-  والدي ملحد و أمي الإنجيلية لم تيأس بعد من تحويل أبي إلي ديانتها، لا أملك حرارة ماما في التعبد و لا أصلي بعد، أكتفي فقط بطلب الشيء من الرب مرات و كفي.                                                                                                     

-                                                                                                   - ماذا تطلب من الرب ؟ سألته عندئذ.                              

 - أن ننتقل إلي حي أقل خطورة من الذي نعبش فيه.

كثيرا ما تكون الضواحي الكبري للمدن الأمريكية مسرحا عنيفا لعصابات الشباب و المراهقين المنحرفة و كان توم يقطن بحي تسمع فيه طلقات الرصاص من حين لآخر. أكثر شهادة أثرت في تلك التي عبر عنها مراهق أمريكي من جذور إفريقية:

  - يقال أن الدين مجلبة للمشاكل و العنف و لكنني أعتقد بأن أكبر نعمة أهدانا إياها الرب هي الدين. فلولا الرب لما صبرنا و لما تقدمنا ثم ها أن التنوع الديني لا يمنعنا من التعارف و التحادث و تبادل الآراء، أليس كذلك ؟

 أومأنا جميعا برؤوسنا. بعد هذا اللقاء المفعم بالأمل  تبادلنا أطراف الحديث مع الأستاذ الجزائري الأصل و قد إنتبهت إلي ملاحظة أبداها  :

 - لا يعرف الأطفال العنصرية إلا في حالة واحدة و هي التلقين، فالآباء هم من يعلمونهم التمييز هذا أسود و هذا عربي و هذا لاتيني و هكذا.

و أنا أستمع إليه، إلتفت إلي جوانا إبنة زوجين كاثوليكي و يهودية كانت تتابعنا بنظراتها، وقفت لبرهة من الزمن قريبة منا ثم همت بالمغادرة و قبل أن تختفي خلف البوابة الكبيرة إبتسمت لنا إبتسامة كبيرة ملوحة بيدها:

" وداعا".                                                                                     

قراءة 2416 مرات آخر تعديل على الخميس, 27 آب/أغسطس 2020 05:50

أضف تعليق


كود امني
تحديث