قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 10 أيلول/سبتمبر 2014 12:12

الأمن في السنة النبوية

كتبه  الدكتور عصام البشير
قيم الموضوع
(0 أصوات)

إن الإسلام رفع راية السلام منذ اللحظة الأولى لميلاده، و لم يعلن حربًا إلا إذا كان قد دُفع إليها دفعًا. و لقد ظل ثلاث عشرة سنة بين ربوع مكة محاولاً نشر دعوته في ظل السلام فما استطاع، و اضطهد أتباعه اضطهادًا لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية، و لكنه -مع هذا- كان يأمر أتباعه بالجنوح إلى السلم و الأخذ بالعفو و الإعراض عن الجاهلين. فليس هناك دين دعا إلى السلام كما دعا إليه الإسلام، ول ا مذهب من المذاهب القديمة أو الحديثة أسهم في تدعيم أسس السلام كما أسهم الإسلام. فالسلام في الأرض هو هدفه و دعوته، و أنشودة رسالته، و لم تكن حروبه في الواقع إلا وسيلة لإقرار هذا السلام في الأرض.

الأمن منظومة متكاملة

إن الأمن معنى شامل في حياة الإنسان، و لا يتوفر الأمن للإنسان بمجرد ضمان أمنه على حياته فحسب، فهو كذلك يحتاج إلى الأمن على عقيدته التي يؤمن بها، و على هويته الفكرية و الثقافية، و على موارد حياته المادية.

و الشعوب و الدول تحتاج -فضلاً عن الحفاظ على أمنها الخارجي- إلى ضمان أمنها السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و دون أن يتحقق لها ذلك لا تتمكن من النهوض و التطلع إلى المستقبل، بل يظل الخوف مُهيمنًا على خطواتها و مقيِّدًا لتطلعاتها.

و لذلك، فإن تكامل عناصر الأمن في مجتمع معين، هو البداية الحقيقية للمستقبل الأفضل... و توفير عناصر الأمن الديني و الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي و بقاؤه في المجتمع، ضمان له لاستعادة أمنه الخارجي حتى لو فقده بصفة مؤقتة أو عارضة.

و يمثل التزام الإسلام عقيدةً و شريعة و قيمًا و أصولاً اجتماعية، أهم عناصر الأمن في المجتمعات الإسلامية. يقول الكاتب الأمريكي برنارد لويس: إن الدولة الإسلامية قد تسقط أو تزول كدولة بالغزو العسكري، و لكن المجتمع يظل في حياته محكومًا بقوانينه الإسلامية في معاملاته و علاقاته -ربما عشرات السنين- حتى تقوم الدولة من جديد، و هي تجربة مرت بها الدول الإسلامية التي خضعت للاستعمار عشرات السنين.

الأمن في خبرة الدولة النبوية

كيف كان الأمن للناس جميعًا في دولة الإسلام منذ ظهرت إلى الوجود في المدينة المنورة؟

لقد كان الأمن بمفهومه الشامل، هو أول أهداف الدولة منذ قيامها. فقد آخى النبي  -صلى الله عليه و سلّم- بين المهاجرين و الأنصار، إذ كان الأولون قد تركوا ديارهم و أموالهم ليكونوا من رعايا و مواطني أول دولة إسلامية، و كانت المدينة بالنسبة لهم دار غربة في أول الأمر، و كان موقف انصار رسول الله  -صلى الله عليه و سلّم- بالنسبة لإخوانهم في الدين، معبرًا عن أخوة الإيمان و الإسلام، و عن النفوس الزكية بخلق الإسلام.

فتح مكة مثالٌ ساطعٌ على مركزية الأمن

نجد مثالاً ساطعًا في السنة المطهرة لقيمة الأمن في الإسلام. فقد أقام الرسول  -صلى الله عليه و سلّم- الدولة الإسلامية الأولى في المدينة، و لم تَسْلَم هذه الدولة الناشئة من مكايد المشركين و اليهود، حيث دارت المعارك سجالاً بين دولة الحق و شراذم الباطل و أعوانهم، و كتب الله النصر للمسلمين في هذه المعارك. و ظل السِّلْم بين دولة الإسلام الأولى و بين مشركي مكة محكومًا بهدنة الحديبية التي عقدها الرسول  -صلى الله عليه و سلّم- مع المشركين في مكة، حتى نقضوا عهدها و انتهكوا شروطها بإعانتهم حلفاءهم على حلفاء النبي  -صلى الله عليه و سلّم- من بني خزاعة، فاستنصر بنو خزاعة رسول الله  -صلى الله عليه و سلّم- فنصرهم وفاءً بالعهد. و قبل أن يدخل الرسول  -صلى الله عليه و سلّم- إلى مكة، جاءه نفر من وجهاء قريش فأعلنوا إسلامهم و كان منهم بعض أعداء الإسلام كأبي سفيان بن حرب، و عبد الله بن أمية، و لما أسلموا كانت لهم مواقف و مشاهد تكفِّر عنهم ماضيهم في الجاهلية.

و عند فتح مكة على أيدي من آذتهم قريش و مشركوها أشد الأذى، قال سعد بن عبادة  -رضي الله عنه- حامل راية الأنصار في جيش المسلمين: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، فقال الرسول  -صلى الله عليه و سلّم-: "كذب سعد... ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة" (رواه البخاري)، و أخذ الراية منه و دفعها إلى ابنه قيس (و قِيل: دفعها إلى الزبير بن العوام). و دخل الرسول صلى الله عليه و على آله و سلم مكة خاشعًا شاكرًا لله. و لم ترق دماء كثيرة في فتح مكة، فقد أعطى الرسول  -صلى الله عليه و سلّم- الأمان لأهل مكة: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، و من أغلق عليه داره فهو آمن، و من دخل المسجد فهو آمن" (رواه أبو داود). و هكذا كان الأمان شاملاً لمن لم يقاتل أو لزم داره، أو دخل دار أبي سفيان، أو البيت الحرام الذي جعله الله مثابة للناس و أمنًا.

و حين تم النصر و الفتح، عفا الرسول  -صلى الله عليه و سلّم- عن أهل مكة عندما اجتمعوا إليه قرب الكعبة ينتظرون حكمه فيهم، فقال الرسول  -صلى الله عليه و سلّم-: "ما تظنون أني فاعل بكم؟" فقالوا: خيرًا، أخ كريم و ابن أخ كريم، فقال الرسول  -صلى الله عليه و سلّم-: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". و ذكّر الرسول  -صلى الله عليه و سلّم- المسلمين المنتصرين بحرمة مكة، و حرَّم القتل و السبي فيها، و أبقى على الناس أموالهم، و حفظ حقوقهم، حتى أدى مفاتيح البيت الحرام إلى من تحملوا شرف الحفاظ عليها.

و هكذا كان الأمان للجميع، و كان الأمن الشامل للناس في عهد النبوة، سواء في دولة الإسلام في المدينة، أم في مكة التي دخل أهلها بعد الفتح في دين الله أفواجًا، و أصبحت أقدس مدينة في تاريخ الإسلام و الحرم الأول للمسلمين، الذي جعله الله مثابةً للناس و أمنًا.

الأمن حق لغير المسلمين أيضًا في الدولة النبوية

إن الإسلام يتميز في خصوص التعامل مع غير المسلمين بأمرين مهمين:

الأول: أن له نظامًا يعدّ جزءًا لا يتجزأ من شريعته المتكاملة، و هو نظام للمسلمين يعملون به دائمًا و يلزمهم بحكم عقيدتهم. و لم يترك الإسلام العلاقة مع غير المسلمين لتقلبات المصالح و الأهواء، و لنزعات التعصب العرقي أو اللوني، أو الديني. و لم يتغافل الإسلام عن وجود "الآخر" و أهمية التعامل معه، فوضع القواعد التي تضمن حق المسلمين في المجتمع، و حق الآخرين الذين يعايشونهم دائمًا أو بصفة مؤقتة، و لم يكن ذلك معهودًا في الممالك و الإمبراطوريات القديمة قبل الإسلام.

الثاني: أن القواعد التيث وضعها الإسلام لتنظيم العلاقة بين المسلمين و غيرهم في المجتمع المسلم، تتميز بالسماحة و اليسر، و حفظ الحقوق، و تجنب الظلم لمجرد الاختلاف في الدين. فهناك حد أدنى يجب الحفاظ عليه حتى في حالة العداء أو القتال، و هو الكرامة التي وهبها الله لبني آدم، كما قال تعالى: (وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَ فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)(الإسراء:70).

و لذا، لم تقتصر الشريعة الإسلامية على حماية من يعيش في مجتمع المسلمين في حياته الدائمة و المستقرة بين أسرته، و في مقر عمله الذي يتكسب منه -و هي حالة الذميين- و إنما تجاوزت ذلك إلى حماية المخالف في الدين، الذي يحضر إلى بلاد المسلمين للعمل أو التجارة أو لشأن من الشؤون المباحة، بإذنٍ من ولي الأمر فيها، و يكون حضوره مؤقتًا بانتهاء العمل أو قضاء المصلحة التي يبتغيها. لقد وفرت الشريعة الإسلامية حماية للمستأمن الذي يفد إلى بلاد الإسلام لشأن من الشؤون المباحة، و يدخل إلى ديارنا بإذن منّا، و معرفتنا بحقيقة أمره، و اطمئناننا إلى مقاصده المباحة... إذ يجوز للإمام أو نائبه أن يعطي الأمان لغير المسلمين على أنفسهم و أموالهم لمصلحة تعود على المسلمين و هو أمر واقع في العصر الحديث.

و إذا وقع الأمان بشروطه، وجب على المسلمين جميعًا الوفاء به للمؤمَّنين، فلا يجوز أسرهم و لا أخذ شيء من مالهم إلا بإذن شرعي، و لا أذيتهم بغير وجه شرعي. و إذا مات المؤمَّن في دار الإسلام فماله لوارثه إن كان معه، و إذا لم يكن وارثه معه أُرسل إليه المال. و عقد الأمان في الشريعة الإسلامية يمثل التسامح الإسلامي على حقيقته، في التعامل مع غير المسلمين من خلال علاقات متنوعة مع الناس جميعًا. و في الوقت الحاضر، يتم إعطاء الأجنبي إذنًا بالدخول و الإقامة بحسب الأنظمة المتبعة في الدول الإسلامية لدخول الأجانب.

و متى منح الإمام الأمانَ لغير المسلم، وجب على المسلمين جميعًا احترامه و عدم انتهاكه، لأن الإمام أو نائبه، صاحب الحق في ذلك، فيثبت الأمن للمستأمَن على حياته و ماله و عرضه، و يحرم على المسلم التعرض له في نفسه و ماله و ولده، و يسري الأمان إلى الزوجة. فتجب لهم العصمة في دار الإسلام، و تجري على المستأمنين أحكام الإسلام في أثناء إقامتهم -في حدود ما خوطب به المسلمون من أحكام الشريعة- و إن كان ذلك لا يجعلهم من أهل دار الإسلام، لأنهم يقضون حاجة مؤقتة ثم يرجعون إلى ديارهم.

وثيقة المدينة دستور النبي لدولته

إذن لم يقتصر الأمن على المسلمين، بل إن غير المسلمين كان لهم نصيبهم من الأمن على أنفسهم و أعراضهم و أموالهم، و قد تم ذلك بـ"الصحيفة" التي كانت أول وثيقة تنظِّم أمور المجتمع المسلم و علاقات أفراده من المسلمين بغيرهم من أهل الكتاب.

و من أهم مبادئ تلك الصحيفة أو الوثيقة، أن ذمة الله واحدة، يجير على المسلمين أدناهم، و المسلمون بعضهم موَالي بعض من دون الناس، و أن من تبع المؤمنين من يهود، فإن لهم النصرة و الأسوة غير مظلومين و لا متناصرين عليهم. و نظمت الوثيقة النبوية التعاون بين المسلمين و غيرهم، فينفق اليهود مع المؤمنين ما داموا محاربين، مع أن على اليهود نفقتهم و على المسلمين نفقتهم. و أوردت الوثيقة أنه لا يخرج أحد من يهود المدينة إلا بإذن الرسول  -صلى الله عليه و سلّم-. و أن بين أهلها من اليهود و المسلمين النصر على من دَاهم يثرب، و معنى ذلك التعاون في رد العدوان عن الجميع. و ثمة نص واضح و صريح في الوثيقة يتعلق بالأمن، و هو من بين بنودها العامة: "من خرج؛ آمن، و من قعد بالمدينة؛ آمن.. إلا من ظلم و أثم، و أن الله جار لمن بر و اتقى، و محمد رسول الله". و بمقتضى هذا الشرط في العهد النبوي، يتحقق الأمن لجميع المسلمين و غير المسلمين، في خروجهم و بقائهم من غير ظلم و لا إثم. كان هذا هو أمن المدينة عند قيام الدولة الإسلامية فيها، و قد أمن المسلمون على دينهم، و على أنفسهم و أعراضهم و أموالهم. و كان هذا الأمن حقًّا أيضًا لغير المسلمين من أهل الكتاب على دينهم و دنياهم، ما داموا مسالمين، و كانت أنفسهم و أعراضهم و أموالهم مصونة بذمة الإسلام، حتى ظهر الإثم و الغدر بالعهود منهم، و هددوا أمن المسلمين في المدينة بمعاونة العدو، و نشروا الأكاذيب عن المسلمين، و لم يكن بد من حفظ أمن المجتمع المسلم بطردهم، و إنفاذ حكم الله فيهم طائفة بعد أخرى.

الحفاظ على الأمن من الضرورات الخمس

يحتاج الفرد في حياته إلى الأمن على نفسه و دينه و عرضه و ماله، و قد جعلت الشريعة الإسلامية الحفاظ على هذه الضروريات من أهم مقاصدها. إن الأمن الفردي -أي أمن الإنسان على نفسه و ماله و عرضه- ضد أي اعتداء يقع عليه من غيره، مكفول عن طريق تطبيق الأحكام الشرعية التي تحمي الأنفس و الأعراض و الأموال.

فالعدوان كما يقع من فرد على آخر داخل المجتمع المسلم، قد يقع على المجتمع المسلم جُمْلةً من مجتمع آخر، و قد تتعدد صور هذا العدوان الذي يهدد الدولة الإسلامية و المجتمع المسلم.

و من واجب ولي الأمر أن ينهض بحماية المسلمين و مصالحهم و مجتمعهم من كل صور التهديد و العدوان، حتى يتحقق للمجتمع المسلم أمنه في جميع مجالات حياته. و في التنظيم الدولي الحديث، حيث يكون المجتمع في رعاية دولة لها حدودها و لها سيادتها على إقليمها، يكون الأمن الوطني من أول مهام ولي أمر المسلمين في الدولة الإسلامية. و تكفل المواثيق الدولية -و منها ميثاق الأمم المتحدة- لكل دولة الحق في العيش آمنة داخل حدودها، و الحقَّ في رد العدوان عنها إذا وقع من دولة أخرى أو جماعة مسلحة، ول ا يَسمح ميثاقُ الأمم المتحدة بالعدوان و لا بالاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، و لا بالأعمال العدوانية الموجهة ضد أي دولة، و يعطي الحقَّ في رد العدوان عن الدولة المعتدى عليها بكل الوسائل، بما في ذلك تعاون الدول الأخرى عسكريًّا في التصدي للعدوان الذي يقع على دولة عضو في الأمم المتحدة طبقًا للفصل السابع من الميثاق. و لكن المواثيق الدولية وحدها لا تكفي من وجهة النظر الإسلامية، فلابد أن يهيئ وليُّ الأمر أسباب القوة التي تحمي الدولة الإسلامية و أفرادها، و تمنع انتهاك حدودها أو الإضرار بمصالحها، و هذا ما أوجبه الله تعالى على الدولة المسلمة و المجتمع المسلم بقوله: (وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَ عَدُوَّكُمْ وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَ مَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)(الأنفال:60). فالأمن الوطني مسؤولية إسلامية.

و هذه الأهمية البالغة للأمن في المجتمع المسلم، و كون توافره العامل المهم في سعي المجتمع إلى النمو و الارتقاء في جميع المجالات، هي التي جعلت الإخلال بالأمن محاربة لله و رسوله، و كانت عقوبته من أشد الحدود صرامة و حسمًا في الإسلام، إذ إن عقوبة هذا الإخلال الخطير، تتراوح بين القتل و الصلب، و بين قطع الأطراف و النفي، و كلها عقوبات جسمية جعلها الشارع للزجر عن ارتكاب الجريمة، و للردع عند ارتكابها، فهي لشدتها تؤدي إلى الوقاية قبل ارتكابها، و إلى العقاب العادل عند وقوعها.

الأمن الاجتماعي عافية بنيان المجتمع

و يحتاج المجتمع المسلم إلى الأمن الاجتماعي و هو تعبير حديث، لكنه يعبر عن معنى إسلامي أصيل، و هو أن يكون المجتمع المسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا. و نجد هذا المعنى واضحًا أشد الوضوح في الحديث الشريف: "مَثَل المسلمين في توادّهم و تراحمهم كمَثَل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر و الحمّى" (متفق عليه).

و قد أمر الله المؤمنين بالتعاون على البر و التقوى، و نهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان، يقول الله تعالى: (وَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى وَ لاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ)(المائدة:2)، و يقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(الحجرات:10). و هذه الأخوة التي جعلها الله بين المؤمنين قرينة الولاية المتبادلة بينهم: (وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(التوبة:71)، و قد تضمن تشريع الإسلام ما يكفل قيام الأخوة و الولاية المتبادلة.

الأمن الاجتماعي على سُلَّم أولويات الدعوة و السعي

إن الأمن مطلب للإنسان الذي كرمه الله، و هو نعمة تعمّ الناس جميعًا في المجتمع المسلم. فأحكام الإسلام  المنزلة من الله تعالى، و المبينة بسنة رسوله  -صلى الله عليه و سلّم-، تدل على أن أمن غير المسلم -الذي يعيش في المجتمع المسلم- على نفسه و ماله و عرضه، مضمون ما دام ملتزمًا بما تقضي به الأحكام، لا يُمس إلا بحق. و هي أحكام واضحة أوجبها الإسلام، و لم توجبها المصالح المتبادلة بين المسلمين و غير المسلمين، و لم تلزمنا بها قواعد القانون الدولي أو المعاهدات بين الدول الإسلامية و غيرها؛ لأن هذه الأحكام جانب مهم من شريعة الإسلام الكاملة، يجب على الدولة الإسلامية تطبيقه و العمل به، فهو واجب ديني قبل أن يكون مصلحة سياسية أو التزامًا دوليًّا.

إن الإسلام يقيم مجتمعًا إنسانيًّا راقيًا تحكمه شريعة إلهية، و هو لذلك يقيم العلاقة بين الناس جميعًا على أسس وطيدة من العدل و البر و الرحمة. و نجد -كما سبق معنا- في القرآن الكريم آيات عديدة، و في السنة النبوية أحاديث كثيرة، تؤسس كلها لكرامة الإنسان من حيث كونه إنسانًا، و تقرر كلها حق البشر -على اختلاف الأجناس و الألوان و المذاهب و العقائد- في حياة آمنة مستقرة. فلنجعلْ هذا المنزعَ الإنساني النبيل في صدارة خطابنا الإسلامي في هذا الزمان، و لنجعله على رأس أولويات دعوتنا و سعينا لإصلاح مجتمعاتنا... و الله المستعان، و لا حول و لا قوة إلا به جل و علا.

(*) رئيس مجمع الفقه الإسلامي / السودان.

الرابط:

http://www.hiramagazine.com/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%88%D9%8A%D8%A9

قراءة 3851 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 07 تموز/يوليو 2015 21:25

أضف تعليق


كود امني
تحديث