قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) صحيح البخاري و مسلم، قاله صلى الله عليه و سلم للأنصار منذ ألف و أربعمائة سنة، هذا الحديث العظيم يبني المسلم بناءا متينا، و يجعل رجاءه أبعد من واقعه، و هو أيضا يصنع له غاية أسمى من الأكل و الشرب، و الزواج و الذرية، و كل ما يتعلق بالحياة الدنيا، الغاية هي لقاء الحبيب صلى الله عليه و سلم على الحوض، كما أنّ الحديث من معجزاته صلى الله عليه و سلم.
لقد واجه العالم الإسلامي فعلا أزمات اقتصادية عصيبة في فترات عديدة، و قد عدّد " المقريزي" رحمه الله في كتابه ( إغاثة الأمة بكشف الغمة مجموعة من الأزمات الاقتصادية التي وقعت بمصر خلال حكم الدولة الإخشيدية، و ذلك في الأعوام التالية 341/343/352 هجرية، و قد قاسى منها الناس، و انعدمت أقواتها، و اشتدت هذه الأزمات في عهد الدولة الأيوبية، ثم دولة المماليك، بما يرافقها من انعدام الخبز، و معظم الأقوات و ارتفاع في الأسعار، و اعتبر " المقريزي" رحمه الله تعالى أنّ من بين الأسباب المسببة لهذه الأزمات استئثار معظم السلاطين، و الأمراء باحتكار غلات المحاصيل الزراعية، و المتاجرة فيها، و اليوم و إن استأثر بعض ذوي النفوذ في بعض البلدان، و قاموا بتقسيم الثروات بطريقة نرى فيها الأثرة و التمييز، بحيث تعيش الأغلبية بالتقسيط، و تراكم الديون، بينما تعاني الأقلية من التخمة، بعدما سكنت القصور، و ركبت السيارات الفخمة، و تنعموا في الدنيا أكبر تنعّم، و الناس سواهم في بؤس و جوع، أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصبر، و كل ما يؤدّي إليه من وسائل، من نصح، و عدم الضجر، أو إثارة المشاعر، لأن كل ذلك أدّى بنا نحن الجزائريين إلى طريق الهاوية التي عشناها، و ما تزال آثارها باقية.
ثم لفت النظر لهذه الأمور يجعلنا نتأخر أكثر مما نتقدم، و بعض مروجي الفتنة يعجبهم ذلك.
أن تشعل شمعة خير من لعن الظلام :
لماذا لا نعالج التدهور الاقتصادي بوسائل ناجعة، و يقدر عليها الجميع، أعظمها الاستقامة على الحق و كثرة الاستغفار، و التوبة، و إصلاح العمل، قال تعالى: ( و لو أنّ أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض) الأعراف 96، ثم نقف أمام التجارب الناجحة موقف التلميذ، كما استوقفني ذلك المعنى الصادق الذي صادفته في هذه العبارة" وقف الياباني من الحضارة الغربية موقف التلميذ من استاذه و وقف العربي موقف الزبون من البائع".
شعوبنا العربية المسلمة مع الأسف، شعوب مستهلكة شرهة، قلّما تفكر في الإنتاج، و لو تعلمنا كيفية تسيير الميزانية داخل بيوتنا، و كوّنا أسر منتجة أكثر منها مستهلكة، لقفزنا قفزة نحو الرقي. نحن نمتلك أعظم نظرية في الاقتصاد، و الحضارة الغربية ليس لديها معشار ما يملكه المسلمون من فن و حضارة في تسيير الاقتصاد، فقط علينا أن نعود إلى ذلك النبع الزلال.