قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
السبت, 24 تموز/يوليو 2021 09:32

الرجولة

كتبه  الشيخ عبد الله بن محمد البصري
قيم الموضوع
(0 أصوات)

أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَ نَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَ جَلَّ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]. أَيُّهَا المُسلِمُونَ: يُروَى عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّهُ قَالَ لأَصحابِهِ يَومًا: تَمَنَّوا، فَتَمَنَّوا مِلءَ البَيتِ الَّذِي كَانُوا فِيهِ مَالاً وَ جَوَاهِرَ يُنفِقُونَهَا في سَبيلِ اللهِ، فَقالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ -: لكِنِّي أَتَمَنَّى رجالاً مِثلَ أبي عُبَيدَةَ و مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ و حُذَيفَةَ بنِ اليَمانِ، فأستَعمِلُهُم في طاعَةِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ.

رَضِيَ اللهُ عَن عُمَرَ، ما كانَ أصوَبَ رَأيَهُ و أَدَقَّ فَهمَهُ! فلقد تَمَنَّى حِينَ تَمَنَّى و بَلَغَ الغايَةَ في ذَلِكَ، و لمَ لا و هُوَ المُلهَمُ المُوَفَّقُ، الَّذي يَعلَمُ المُقَوِّمَاتِ الَّتي تَنهَضُ بها الدُّوَلُ و الحَضاراتُ، و الأُسُسَ التي تَحيَا بِوُجودِهَا الأُمَمُ و المُجتَمَعاتُ؟! إِذْ ما قِيمَةُ المَعَادِنِ وَ الثَّرَوَاتِ، و ما تُغني الأَموَالُ وَ التِّجَارَاتُ، مَا لم يَكُنْ ثَمَّةَ رِجَالٌ يَحفَظُونَها و يَرعَونَها، و يَستَثمِرُونَها الاستِثمارَ الصَّحِيحَ الأمثَلَ؟ مَا قِيمَتُها ما لم تَتَوَافَرْ عُقُولٌ زَاكِيَةٌ تُخَطِّطُ، و أَيدٍ عَامِلَةٌ تُنَفِّذُ؟!

إنَّ رَجُلاً وَاحِدًا تَتَحَقَّقُ فِيهِ الرُّجُولَةُ الحَقِيقِيَّةُ، لهُوَ أَعَزُّ مِن كُلِّ مَعدِنٍ نَفِيسٍ، و أَغلَى مِن كُلِّ جَوهَرٍ ثَمِينٍ، و إنَّ الرَّجُلَ الصَّالحَ التَّامَّ الرَّجُولَةِ، الَّذي يَعلَمُ ما علَيهِ فَيُؤَدِّيهِ، و ما لَهُ فَيَقِفُ عِندَهُ - لَهُوَ عِمَادُ الأُمَّةِ و رُوحُ نَهضَتِها، وَ مِحوَرُ التَّغيِيرِ فِيها، وَ مُنطَلَقُ إِصلاحِها.  

لا يَهُولَنَّكُم ما في البِلادِ مِن مَكَاتِبَ و إدَارَاتٍ وَ مُؤَسَّسَاتٍ، و لا يَغُرَّنَّكُم ما يُفتَتَحُ فِيها مِن مَراكِزَ و مَصَانِعَ و شَرِكَاتٍ، و لا مَا يُوَفَّرُ لها مِن أَجهِزَةٍ حَدِيثَةٍ وَ وَسَائِلَ و أدَوَاتٍ، و لا تَفرَحُوا بِكَثرَةِ التَّغيِيرِ في مَناهِجِ التَّعلِيمِ وَ التَّنوِيعِ في طُرُقِ التَّدرِيسِ، وَ لا بِمَا يُقامُ هُنَا و هُنَاكَ مِن دَورَاتٍ تَدرِيبِيَّةٍ، و لا ما يُوفَّرُ فِيها مِن وسَائِلِ تَوصِيلِ المَعلُومَةِ، فلن تَنفَعَ المنَاهِجُ و لا المُقَرَّراتُ و لا الدَّوراتُ، و لَن تُغنِِيَ الوَسائِلُ وَ لا الطُّرُقُ و لا الأَدوَاتُ، و لن تُنَفَّذَ خِطَطٌ و لن تُقامَ مَشرُوعاتٌ؛ إلاَّ على أيدِي رِجالٍ أشِدَّاءَ أَقوِيَاءَ، صَّادِقِينَ مُخلِصِينَ أُمَناءَ، تُستَخرَجُ على أيدِيهِم الكُنُوزُ، و تُفتَحُ بِسَبَبِهِمُ البَرَكَاتُ، و تَنمُو بِعُقُولِهِم البِلادُ، و تَقُومُ عَلَى سَواعِدِهِم الحَضَارَاتُ.  

أيُّها المُسلِمُونَ:   ما في الدُّنيَا مِن ذَكَرٍ إلاَّ و هُوَ يَدَّعِي الرُّجُولةَ، و ما ذُكِرَتِ الرُّجُولةُ في مَجلِسٍ إلاَّ اشرَأَبَّتِ الأعنَاقُ و اتَّسَعَتِ الأحداقُ، مُعَبِّرَةً عَنْ حَملِها و الاتِّصَافِ بها، غَيرَ أنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ العَظِيمَةَ و السِّمَةَ الكَرِيمَةَ - و إن حَاوَلَ كُلُّ فَردٍ أن يَنسِبَها إلى نَفسِهِ أو يَنسِبَ نَفسَهُ إليها - قَد ضَاعَت مَضامِينُها، و فُقِدَت أَركَانُها عِندَ فِئَامٍ مِنَ المُدَّعِينَ لها، فَصَارُوا أشباهَ رِجَالٍ وَ لا رِجالَ، ذَلِكَ أنَّ لِلرُّجُولةِ خَصَائِصَ وَ صِفَاتٍ، مَدَحَها الشَّرعُ و أثنى على أهلِها، و أشَادَ بذِكرِهِم، و رَفَعَ مَكانَتَهُم، و مَعَ هَذا أضَاعَها كَثِيرُونَ و افتَقَدُوا الحَدَّ الأَدنى مِنهَا. و إنَّ نَظرَةً في كِتَابِ اللهِ بِتَدَبُّرٍ وَ تَأَمُّلٍ لَتُثبِتُ قِلَّةَ الرِّجَالِ في هَذا الزَّمَانِ، و اقرَؤُوا إن شِئتُم قَولَهُ - تَعَالى -: {لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوَى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَ اللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108]، وَ قَولَهُ - عَزَّ وَ جَلَّ -: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرفَعَ وَ يُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَ الآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَ لا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللهِ وَ إِقَامِ الصَّلاةِ وَ إِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَومًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَ الأَبصَارُ * لِيَجزِيَهُمُ اللهُ أَحسَنَ مَا عَمِلُوا وَ يَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ وَ اللهُ يَرزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيرِ حِسَابٍ} [النور: 36 – 38]. ففي هَذِينِ المَوضِعَينِ نَجِدُ أنَّ مَكَانَ الرِّجالِ هُوَ المَساجِدُ، يَأتُونَ إلَيها طاهِرةً أعضاؤُهُم، صَافِيَةً قُلُوبُهُم، خاشِعَةً أَفئِدَتُهُم، ساكِنَةً جَوَارِحُهُم، خائِفِينَ وَجِلينَ مُخبِتِينَ، يَذكُرونَ اللهَ و يُسَبِّحونَهُ، و يُقَوُّونَ صِلَتَهُم به في كُلِّ وَقتٍ، فأينَ مِن هَذِهِ الصِّفَةِ مَن تَهاوَنُوا بِصَلاةِ الجَماعَةِ و تَشاغَلُوا؟!   أينَ مِنها مَن نَامُوا عنها و تَكاسَلُوا؟! هَل عَرَفَ أُولَئِكَ مَعنى الرُّجُولَةِ أو ذَاقُوا طَعمَها؟! هَل عَرَفَ الرُّجُولَةَ مَن شَغَلَهُ الفِراشُ الوَثِيرُ عَن صَلاةِ الفَجرِ؟! هَل عَرَفَ الرُّجُولَةَ مَن لا يَأتي الصَّلاةَ إلاَّ دُبُرًا؟! هَل عَرَفَ الرُّجُولَةَ مَن لا يُؤَدِّي نَافِلَةً وَ لا يَحرِصُ على التَّزَوُّدِ بِسُنَّةٍ؟!  

و أَينَ مِنَ الرُّجُولَةِ مَن لا يَسعَى إلى ذِكرِ اللهِ يَومَ الجُمُعَةِ، تَفوتُهُ الخُطبَةُ وَ لا يَكادُ يُدرِكُ الصَّلاةَ؟! إنَّ ممَّن يَتَسَمَّونَ بالرُّجُولَةِ اليَومَ أفرَادًا تَشغَلُهُم عَنِ الصَّلاةِ قَناةٌ مَاجِنَةٌ، و تُلهِيهم عَن المَساجِدِ مَسرَحِيَّةٌ فَاجِرَةٌ، و يُنسِيهِمُ الذِّكرَ مَجلِسُ لَعِبٍ و لَهوٍ، فَما أبعدَهُم عَن أُولَئِكَ الرِّجالِ المُتَطَهِّرِينَ الذَّاكِرينَ، الرَّاكِعينَ السَّاجِدينَ القَائِمينَ، الَّذينَ لا تَشغَلُهُم عَن صَلاتِهِم تِجارَةٌ، وَ لا يُلهِيهِم عَن طَاعَةِ رَبِّهِم بَيعٌ وَ لا شِرَاءٌ! و إنَّ مَن لم يَحرِصْ على مَا يَنفَعُهُ في آخِرتِهِ، وَ فَرَّطَ في سَبَبِ نَجاتِهِ و هِيَ الصَّلاةُ، و زَهِدَ في مَواضِعِ إقامَتِها و هِيَ المَساجِدُ - لهُوَ لما سِواها مِن أمرِ دِينِهِ و دُنياهُ أضيَعُ، و لهُوَ في أماكِنِ العَمَلِ و الإِنتاجِ أزهَدُ، و كَيفَ يُؤتَمَنُ تارِكُ صَلاةٍ على أداءِ عَمَلٍ أو إنجازِ مُهِمَّةٍ، فَضلاً عَن أَن يَكُونَ صَاحِبَ قَضِيَّةٍ أو حَامِلَ رِسالَةٍ؟!   إِنَّ تَارِكَ الصَّلاةِ المُتَهاوِنَ في أَدائِهَا مَعَ الجَماعَةِ لم يُفلِحْ في قِيَادَةِ نَفسِهِ، فَيَحمِلَهَا على مَا يُنجِيها، فَكَيفَ يَقُودُ مُجتَمَعًا أو تَسِيرُ وَراءَهُ أُمَّةٌ؟! كَيفَ يُدِيرُ مَصنَعًا أو شَرِكَةً أو مَركَزًا؟! كَيفَ يُوصِلُ رِسالَةَ مَدرَسَةٍ أَو مَعهَدٍ أو جَمعِيَّةٍ؟! بَلْ كَيفَ يَرعَى زَوجَةً وَ يُكَوِّنُ أُسرَةً، أَو يُرَبِّي أَبنَاءًَ وَ يَحفَظُ إخوَةً، أو يَكُونُ قُدوَةً لِطُلاَّبٍ و أُسوَةً لِمُوَظَّفِينَ؟!

إنَّ شَيئًا مِن ذَلِكَ لا يَكُونُ وَ لَن يَكُونَ.  و مِن صِفَاتِ الرِّجالِ المَذكُورَةِ في القُرآنِ:   صِدقُ العَهدِ، و الثَّبَاتُ على المَنهَجِ، و عَدَمُ المُراوَغَةِ و التَّقَلُّبِ و النُّكُوصِ؛ قالَ - عَزَّ و جلَّ - مَادِحًا صِنفًا عَزِيزًا مِنَ الرِّجَالِ: {مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ وَ مِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً} [الأحزاب: 23]، لم يُبَدِّلوا و لم يُغَيِّروا، و لم يَنحَرِفُوا أو يَمِيلُوا، بَلِ استَقاموا على المَنهَجِ، و ثَبَتوا على الصِّراطِ، فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ و هُوَ على عَهدِهِ، و مِنهُم مَن هُوَ سائِرٌ على أَمرِ رَبِّهِ لا يَلتَفِتُ على شَيءٍ إلاَّ على ما يُرضِيهِ، يَنتَظِرُ أن يَتَوَفَّاهُ رَبُّهُ و هُوَ على ذَلِكَ.

إنَّهُ الثَّبَاتُ على المَنهَجِ الَّذِي افتَقَدَهُ كَثِيرٌ مِنَ المُسلِمِينَ اليَومَ، حَتى ممَّنِ اشتَغَلوا بِالعَمَلِ للإسلامِ، فنَشَأَ عِندَهُم قُصُورٌ في التَّصَوُّرِ، و انحِرَافٌ في السُّلُوكِ، و بُلُوا بِكَثرَةِ التَّغَيُّراتِ، وَ تَعَدُّدِ الاتِّجَاهَاتِ، و مالُوا عَن مَنهَجِ اللهِ في عَدَدٍ مِنَ القَضايَا إلى مَناهِجَ مُستَورَدَةٍ أو آرَاءٍ مُلَفَّقَةٍ، و أضَاعوا أهدافَهُمُ السَّامِيةَ و غاياتِهِمُ النَّبِيلةَ، في خِضَمِّ طَلَبِهِم أهدافًا قَرِيبَةً و ابتِغائِهِم مَتاعًا زَائِلاً، ألا فَما أجمَلَهُ بِالمُسلِمِ إِذْ عَرَفَ أَن يَلزَمَ! مَا أجمَلَهُ بِهِ إذْ آمَنَ أن يَستَقِيمَ! و ما أحرَاهُ وَ قَد عَمِلَ أن يُدِيمَ العَمَلَ! قَالَ - عليهِ الصَّلاةُ و السَّلامُ - لمنِ استَوصَاهُ: «قُلْ آمَنتُ بِاللهِ ثم استَقِمْ»، و قالَ - عليهِ الصَّلاةُ و السَّلامُ -: «أَحَبُّ العَمَلِ إِلى اللهِ أَدوَمُهُ و إِنْ قَلَّ»، و كانَ مِن أَخلاقِهِ - عليهِ الصَّلاةُ و السَّلامُ - إذَا عَمِلَ عَمَلاً أن يُثبتَهُ، و قَد دَلَّتِ الدَّلائِلُ و أَثبَتَتِ التَّجَارِبُ في مَناحِي الحَيَاةِ المُختَلِفَةِ: أنَّهُ لا يُنتِجُ إِنتاجًا نَافِعًا إلاَّ الثَّابِتُونَ في طَريقِهِم، فلم تَكُنْ كَثرَةُ العَمَلِ يَومًا بِمُغنِيَةٍ عَمَّنِ انقَطَعَ، و لم تَكُنْ قِلَّتُهُ بِضارَّةٍ مَن ثَبَتَ وَ داوَمَ، وَ لَكَم يُحسِنُ إلى نَفسِهِ و مُجتَمَعِهِ و أُمَّتِهِ مَن لَزِمَ طَرِيقًا مِن طُرُقِ الخَيرِ، و بابًا مِن أبوابِ البِرِّ، فَفَرَّغَ لَهُ مِن نَفسِهِ وَ وَقتِهِ و جُهدِهِ جُزءًا، و ثَبَتَ فِيهِ و صَبَّ عَلَيهِ جُلَّ اهتِمَامِهِ، إمَّا في جَمعِيَّةِ بِرٍّ أو جَمعِيَّةِ تَحفِيظٍ، أو في مَكتَبِ دَعوَةٍ أو شُعبَةِ تَوعِيَةٍ، أو إمَامَةٍ أو خَطابَةٍ، أو في غَيرِهَا ممَّا يَنفَعُ في دِينٍ أو دُنيا، أمَّا المُتَرَدِّدُونَ المُتَلَوِّنُونَ المُتَذَوِّقُونَ، الَّذِينَ يُشرِّقونَ و يُغرِّبونَ، فإنَّهُم لا وَقتًا حَفِظُوا، و لا بِفَائِدَةٍ خَرَجُوا، وَ لا جِيلاً رَبَّوا، فَمَا أَحرَاهُم أَن يَندَمُوا إذَا رَأَوا مَا وَصَلَ إِلَيهِ غَيرُهُم ممَّن هُدُوا و استَقَامُوا وَ ثَبَتُوا وَ دَامُوا. وَ مِن صِفَاتِ الرِّجَالِ في القُرآنِ مَا وَرَدَ في قَولِهِ - تَعالى -: {وَ جَاءَ مِن أَقصَى المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسعَى قَالَ يَا قَومِ اتَّبِعُوا المُرسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لا يَسأَلُكُم أَجرًا وَ هُم مُهتَدُونَ} [يس: 20، 21]، فَهُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌ لم يُعرَفِ اسمُهُ، تَكَبَّدَ عَناءَ المَجِيءِ من أقصَى المَدينَةِ، و سارَعَ إلى مَقصودِهِ و لم يَتَباطَأْ، فَعَلَ ذَلِكَ لِتَأييدِ الرُّسُلِ و نَصيحَةِ قَومِهِ لِيَتَّبِعوهُم، ألا فما أكبَرَ الفَرقَ بَينَهُ و بَينَ كَثيرٍ مِنَ المَفتونينَ اليَومَ، ممَّن دَرَسُوا في الغَربِ أو أُعجِبوا بِأهلِهِ، أو رَضعُوا مِن ثُديِّ شُبُهاتِهِ، و تَشَرَّبُوا سُمومَ شَهواتِهِ، فَصارُوا لا يَتَحَمَّلونَ عِبادَةً وَ لا يَستَقِيمُونَ في طاعَةٍ، و لا يَثبُتُونَ على فَضِيلَةٍ، وَ لا يَصبِرُونَ عَن شَهَوَةٍ، ثم لم يَكتَفوا بِضَلالِهم في أنفُسِهِم حَتى عَمِلوا على إضلالِ الآخَرِينَ، و إنَّكَ لَتَجِدُ هَؤُلاءِ - لا كثَّرَهُم اللهُ - كُتَّابًا في الصُّحُفِ، أو مُتَحدِّثينَ على القَنَواتِ، أو مَسؤولينَ يَستَغِلُّونَ مَناصِبَهُم لِبَثِّ سُمُومِهِم، يَفعَلُونَ كُلَّ ذَلِكَ طَلَبًا لِلشُّهرَةِ و الشَّهوَةِ، فأينَ هُوَ الرَّجُلُ التَّقيُّ الخَفيُّ، الَّذِي يُدافِعُ عَنِ الحَقِّ و يُنافِحُ، و يَأمُرُ بِالمَعرُوفِ و يَنهَى عَنِ المُنكَرِ؟ أينَ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَتحَرَّكُ سَرِيعًا لِنَصرِ الخَيرِ و بَذلِ النَّصِيحَةِ لأَهلِهِ و لَو كَانَ وَحدَهُ، فَيَكُونَ كَمُؤمِنِ آلِ فِرعَونَ الَّذِي قَالَ اللهُ عَنهُ: {وَ قَالَ رَجُلٌ مُؤمِنٌ مِن آلِ فِرعَونَ يَكتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ} [غافر: 28]، أَو كذَلِكَ الَّذِي قَالَ اللهُ عَنهُ: {وَ جَاءَ رَجُلٌ مِن أَقصَى المَدِينَةِ يَسعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ المَلأَ يَأتَمِرُونَ بِكَ لِيَقتُلُوكَ فَاخرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص: 20]. و مِن صِفَاتِ الرِّجَالِ في القُرآنِ:   القِيامُ على مَن وَلاَّهُمُ اللهُ أمرَهُ مِنَ النِّساءِ و البَنِينَ، وَ حُسنُ تَوجِيهِهم، و الاجتِهَادُ في تَربِيَتِهِم؛ قَالَ - سُبحَانَهُ -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَ بِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم} [النساء: 34] و إنَّ اطِّلاعًا على حَالِ بَعضِ البُيُوتِ، و جَولَةً في كَثيرٍ مِنَ الأَسوَاقِ، لَتُرِيكَ كَم تُقتَلُ الرُّجولَةُ وَ تُذبَحُ، على أَيدِي أُناسٍ أسلَمُوا لِنِسائِهِمُ القِيادَ، و تَرَكُوا لَهُنَّ الحَبلَ على الغارِبِ، يَطُفنَ في الأَسواقِ كَالهَمَلِ، يَلبَسنَ مَلابِسَ الفِتنَةِ، و يَظهَرنَ بِمَظاهِرِ التَّبَرُّجِ، لا يَترُكنَ دُكَّانًا إلاَّ دَخَلنَهُ، وَ لا بَائِعًا إلاَّ فَتَنَّهُ، و تَرَى الشَّبابَ وراءَهُنَّ يُلينُونَ لَهُنَّ الكَلامَ و يَرمُونَ عَلَيهِنَّ الأَرقَامَ، و ذَلِكَ الأبُ أوِ الزَّوجُ في سَيَّارَتِهِ يُقَلِّبُ جَوَّالَهُ، أو في سُوقِهِ يُمارِسُ أعمَالَهُ، و قَد يَكُونُ أرسَلَ أُولَئِكَ النِّسَاءَ مَعَ السَّائِقِ أو مَعَ طِفلٍ أَو مُرَاهِقٍ، وَ في صُورةٍ أُخرى مِن فُقدَانِ الرُّجُولَةِ و مَوتِ الغَيرَةِ، تَرَى مَن لا يَستَنكُِر دُخولَ العُمَّالِ و السَّائِقِينَ في بَيتِهِ، بَل تَرَى بَعضَ أُولَئِكَ العُمَّالِ وَ السَّائِقِينَ و كَأَنَّهُ وَاحِدٌ مِن أهلِ البَيتِ، يَأمُرُ فِيهِ و يَنهَى، و يُضاحِكُ النِّسَاءَ و يُمازِحُهُنَّ، و يَنظُرُ مِنهُنَّ إلى مَا لا يَحِلُّ، فَلا حَولَ و لا قُوَّةَ إلاَّ بِاللهِ، يَكثُرُ الذُّكُور و يَقِلُّ الرِّجالُ، فَتُذبَحُ الفَضِيلَةُ و تُقتَلُ الرُّجُولَةُ، و تُغتالُ المَبادِئُ و تُطعَنُ القِيَمُ، و تُهتَكُ الأَعرَاضُ و يُعتَدَى عَلَى الشَّرَفِ.

أَيُّها المُسلِمُونَ: لَقَد جَعَلَت بَعضُ المُجتَمَعَاتِ لِلرُّجُولَةِ مَقَايِيسَ كَاذِبَةً وَ مَعَايِيرَ فَاسِدَةً، ثم قَاسَتِ النَّاسَ عليْها أو خَدَعَتهُم بها، فتَرَاهُم يَعُدُّونَ في الرِّجالِ كُلَّ مَن طَالَ شَارِبُهُ أو وَفَرَت لِحيَتُهُ، أو مَن تَقَدَّمَت سِنُّهُ و شَابَ عَارِضاهُ، أو مَن بُسِطَ لَهُ في جِسمِهِ و طالَت قَامَتُهُ، أو مَن فُتِلَت عَضَلاتُهُ و قَوِيَت بنيَتُهُ، أو مَن بَرَعَ في جَمعِ المَالِ و عَدَّدَهُ، و لَعَمرُ اللهِ، لَو كانَتِ الرُّجُولَةُ بِهَذِهِ المَقايِيسِ وَحدَها، لامتَلأَت بِالرِّجالِ المَيَادِينُ وَ لَضاقَت بِهِمُ البُيُوتُ، وَ لَكِنَّ الرُّجُولَةَ أعلَى مِن تِلكَ الصِّفاتِ و أسمَى، فَكَم مِن شابٍّ في سِنِّ الثَّلاثِينَ أو كَهلٍ في سِنِّ الأَربَعِينَ، أو شَيخٍ في سِنِّ السَّبعِينَ، فإذا فَتَّشتَ قُلوبَهُم وَجَدتَ قُلُوبَ أطفالٍ و أفئِدَةَ مُراهِقينَ، تَفرَحُ بِالتَّوَافِهِ و تَبكي على الحَقِيرِ، و تَتَطَلَّعُ إلى ما لَيسَ لها و تَشِحُّ بما في أَيدِيهَا، وَ كَم مِن غُلامٍ في مُقتَبَلِ العُمُرِ دُونَ العِشرِينَ، و لَكِنَّكَ تَرَى فِيهِ لِلرُّجُولَةِ عَلامَاتٍ و تَلمَحُ مِنها أمَارَاتٍ، تَلمَسُها في قَولِهِ الرَّصينِ، و تَراها في عَمَلِهِ المَتينِ، وَ تَجِدُها في تَفكِيرِهِ الرَّزينِ، وَ يُصَدِّقُها خُلُقُهُ العالي و تَعامُلُهُ النَّاضِجُ. ألا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - و اعلَمُوا أنَّ الرُّجولَةَ لَن تَنمُوَ و لَن تَتَرَعرَعَ، و لَن تَطُولَ شَجَرَتُها وَ لَن تَتَفَرَّعَ، و لَن يَتَرَبى الرِّجالُ الصَّالِحُونَ المُصلِحُونَ، إلاَّ في ظِلِّ عَقَائِدَ راسِخَةٍ، تَقُومُ على أُصولٍ ثَابِتَةٍ، و تَحفَظُها مَبادِئُ مُتَمَكِّنَةٌ، أسَاسُها التَّوحِيدُ الخالِصُ، و بِناؤُها العَمَلُ الصَّالِحُ، و تَضبِطُها القِيَمُ و تَرعاها الفَضَائِلُ، أَمَّا في ظَلامِ الشَّكِّ المُزَعزِعِ لِلقُلُوبِ، و الإِلحَادِ المُحَيِّرِ لِلعُقُولِ، و مَهاوِي الشُّبُهَاتِ المُضِلَّةِ، أمَّا في مُستَنقَعاتِ الرَّذِيلَةِ و الانحِلالِ و السُّفُورِ، الَّتي تَحفِرُهَا وَسائِلُ الإِعلامِ وَ القَنَواتُ و الفَضائِيَّاتُ، و تُغَذِّيها الجَرَائِدُ و تُؤَيِّدُها المَجَلاَّتُ، وَ تَنقلُ عَفَنَها الجَوَّالاتُ وَ الشَّبَكاتُ، فَلَن يَتَخَرَّجَ لِلأُمَّةِ رِجَالٌ. و إنَّ الدُّنيَا لم تَرَ الرُّجولَةَ في أجلَى صُوَرِها و أكمَلِ مَعَانِيهَا كَما رَأَتها في تِلكَ النَّمَاذِجِ الكَرِيمَةِ، الَّتي صَنَعَها الإِسلامُ على يَدِ رَسولِهِ العَظِيمِ، مِن رِجالٍ يَكثُرُونَ عِندَ الفَزَعِ، و يقِلُّونَ عِندَ الطَّمَعِ، لا يُغريهِمُ الوَعدُ و لا يُلينُهُم الوَعيدُ، وَ لا يَغُرُّهُمُ النَّصرُ و لا تُحَطِّمُهُمُ الهَزِيمَةُ، و لَن تَستَعِيدَ الدُّنيا الرُّجولةَ إلاَّ بإحيَاءِ تِلكَ النَّمَاذِجِ العَظِيمَةِ في الوَاقِعِ، و عَرضِ سِيَرِهِم على النَّاشِئَةِ.

فاتَّقُوا اللهَ - أُمَّةَ الإسلامِ - و سِيرُوا سِيرَةَ مُحَمَّدِ بنِ عَبد اللهِ و تَرَسَّموا خُطاهُ، و أحيُوا سُنَّتَهُ و اهتَدُوا بِهَديِهِ، تَفُوزوا و تُفلِحوا.

أيُّها المُسلِمُونَ: لَقَد قَالَ - تَعالى - عَن المُنافِقينَ: {وَ إِذَا رَأَيتَهُم تُعجِبُكَ أَجسَامُهُم وَ إِنْ يَقُولُوا تَسمَعْ لِقَولِهِمْ} [المنافقون: 4]، و مع هذا فـ {كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحسَبُونَ كُلَّ صَيحَةٍ عَلَيهِم}، و في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إنَّهُ لَيَأتي الرَّجلُ العَظيمُ السَّمينُ يَومَ القِيامَةِ، فلا يَزِنُ عِندَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ»، و اقرَؤوا إنْ شِئتُم قَولَهُ - تَعَالى-: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُم يَومَ القِيَامَةِ وَزنًا} [الكهف: 105]. و كانَ عبداللهِ بنُ مَسعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - نَحيفًا دَقِيقَ السَّاقين، انكَشَفَت سَاقاهُ يَومًا فَضَحِكَ بَعضُ الصَّحابَةِ؛ فقالَ - صلَّى اللهُ عليهِ و سلَّم -: «و الَّذي نَفسي بِيَدِهِ لهُما أَثقَلُ في الميزَانِ مِن أُحُدٍ». و عَن سَهلِ بنِ سَعدٍ - رضي اللهُ عَنهُ - قالَ: مَرَّ رَجلٌ على النَّبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ و سلَّم - فقالَ لِرَجُلٍ عِندَهُ جَالِسٍ: «ما رَأيُكَ في هذا؟» قَالَ: رَجُلٌ من أشرافِ النَّاسِ، هذا - و اللهِ - حَرِيٌّ إن خَطَبَ أن يُنكَحَ، و إن شَفَعَ أَن يُشَفَّعَ، فسَكَتَ رَسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ و سلَّم - ثم مَرَّ رَجُلٌ، فقال رَسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ و سلَّم -: «مَا رَأيُكَ في هذا؟» فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، هذا رَجُلٌ مِن فُقَراءِ المُسلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إن خَطَبَ ألاَّ يُنكَحَ، و إن شَفَعَ ألاَّ يُشَفَّعَ، و إن قَالَ ألاَّ يُسمَعَ لِقَولِهِ، فقالَ رَسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ و سلَّم -: «هذا خَيرٌ مِن مِلءِ الأَرضِ مِن مِثلِ هذا»  (رواهُ البُخَارِيُّ ومُسلِمٌ). و فيهما أَنَّهُ - عليهِ السَّلامُ - قالَ: «لَيسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إنَّمَا الشَّديدُ الَّذِي يَملِكُ نَفسَهُ عِندَ الغَضَبِ»، إنَّها صُوَرٌ لما قَد يَسِيرُ عليهِ النَّاسُ في قيَاسِ الرُّجولةِ، و تَوجيهٌ لَهُم إلى مَا يَجِبُ أن يَكونوا عليهِ و يَعتَبِروهُ في ذَلِكَ، فلَيسَت صُورَةُ اللَّحمِ و الدَّمِ هِيَ المِقياسَ، و ما كَانَ المِقيَاسُ الجَمالَ أو حُسنَ الشَّارةِ و الهَيئَةِ، و ما هُوَ في القُوَّةِ و لا الفُتُوَّةِ، و لا في كِبَرِ البُطونِ و لا طولِ الأجسَامِ، و إنَّما هُوَ في الإيمانِ و العَمَلِ الصَّالِحِ. فاتَّقوا اللهَ - عِباد اللهِ - و اعمَلُوا على التَّحلِّي بأخلاقِ الرِّجالِ المَذكورةِ في كِتابِ اللهِ، أو المُجمَعِ على حُسنِهَا عِندَ عِبادِ اللهِ.


الرابط : https://ar.islamway.net/article/83835/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AC%D9%88%D9%84%D8%A9

قراءة 829 مرات آخر تعديل على الأحد, 01 آب/أغسطس 2021 11:17

أضف تعليق


كود امني
تحديث