قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 20 نيسان/أبريل 2016 20:24

بين عقل القرية و عقل الإمبراطورية

كتبه  الدكتور محمد الأحمري
قيم الموضوع
(0 أصوات)

حدّث أحدهم عن والده و هو من سكان قرى الحجاز، قال إن والده في نهاية كل أسبوع ينزل مع عدد من أصدقائه قادة القرية إلى تهامة حيث الدفء و الهدوء، و يشوون تيساً، ثم يتحدثون في السياسة الدولية، و ينتهون إلى أن سكان قريتهم هم خير سكان الحجاز.

و لكن الخاتمة الأهم أنهم ليسوا خير رجال الجزيرة العربية فحسب، بل هم خيرة العالم فهماً و ديناً و دهاءً. و ينتهي اللقاء إلى لقاء آخر غالبا ما تكون نتيجته هي نفسها ! ما دمنا في بلداننا لم نمر بمرحلة دولة حديثة، و لا دولة ديمقراطية تتبادل الاحترام بين أفرادها، إذ المحكوم و الحاكم يصنع كل منهم الآخر، و يتبادلون الأدوار، و أسوأ من هذا أننا لا نناقش الرأي و لا نتبادل الرؤية و المصير و لا نتحدث بحرية في الأمور، و لو كما كان سكان القرى يفعلون.

ما دمنا كذلك، فسيظل كل منا يكتم رأيه صوابا أو خطأ، و قد يأخذ حريته أيضا في الحديث لبعض المقربين جدا أو الموثوقين جدا ليعبر عما في باله، و قد يستطيع شرح خصوصياته الشخصية بلا خطر، و لكن الخطر الأعظم على نفسه و مستقبله و أسرته و ربما عشيرته أن يتحدث في الشأن العام، الذي هو شأنه أولا و شأن مجتمعه.

و لأن حرية الرأي في الدكتاتوريات أخطر من أي سلاح أو مخدر، و كل القرارات المهمة ضده، و العقوبات الأكبر تنال من يفكر أو يعارض برأي، و بما أن الرأي جريمة؛ فقد أصبح رأي الحاكم و المحكوم ضعيفا و مترددا و خجلا و مكسورا حتى قبل أن يعمل.

أما إذا عرض قوله أو رأيه في الخارج، فإنه يبعث على الضحك و السخرية، لأنه لم يسمح له بالنمو، و لا بالمواجهة الحرة، و لهذا تجدنا ننكب على الكتب المترجمة و المقالات المترجمة و الإعلام الأجنبي، و نهتم بقول السياسي الأجنبي، لأنه رأي مصدره إنسان حرّ و حكومة حرّة، مع هذا فإن ما يجعل "الحق يهمس بيننا و يقام للبهتان منبر" أن الباطل يصرخ في كل زاوية من حياتنا و من سياسات "حكومات"، لأننا لم نحاول حتى الهمس، و لا اقتحام عقبة قول الحق، فجريمة الصمت حاقت بنا نتائجها و شرّ الصمت يحيط بواقعنا و مستقبلنا.

لا أدعو إلى أن يدخل بقية نخبة مجتمع و مصلحيه و رجال الرأي فيه للسجون كما هي الدورة المعتادة عقوبة على كلمة الحق. و لكن على كل منا أن يمارس و يقول الحق و لو سراً، و لو في مجتمعه الصغير، و أن ينفي عن أسرته و زملائه و أصدقائه خبث و جراثيم التأييد الأعمى، فهو سرطان يفتك بالعقل و الخلق و السياسة و كل شيء، و يورث تسلطا أعمى، أدى في بعض المجتمعات إلى أن يتجسس الأطفال على والديهم و يكتبوا عنهم تقارير للسلطات.

أستحي من نفسي و أنا أكتب لكم هذا القول، و أقول "مارسوا قول الحق سرا في بيوتكم و بين أصدقائكم الموثوقين". لكن عقل القرية و داء الدكتاتورية العمياء الذي خسف بأمتنا في العصور الأخيرة و أخرجها من التاريخ، لتكون شراذم خائفة و ممتهنة و مهاجرة و هاربة و سجينة، أدى بنا لمطالب صغيرة جدا. فكيف نواجه سرطان الاستبداد الماحق إلا بكل وسيلة و منها كلمة الحق سرا، فقد تُبقي على بعض عقولنا و على شيئ من إراداتنا.

إن سوء الحال الذي نعانيه و المستقبل الأكثر قلقا يجعل الصراحة لا بد أن تتسلل لمقالاتنا و لِما نكتبه و نتحدث به. ليس هناك من مستبد يقبل سماع حقيقة أن الدكتاتورية و رأي شيخ القرية المتفرد بالسلطة هو ما أوصلنا لما نحن فيه من حال سيء و مستقبل مخيف.

كل شيء يحيط بنا يتقدم و يتطور فيما عدا العقل القرويّ الذي يسيّر حياتنا و يتحكم في مستقبلنا. و حتى لا أظلم القرى، فإنها كانت أسعد حالا من مدن الحكومات العربية، و ذلك لوجود صيغ مشورة "ديمقراطية" فيها و تصويت حقيقي للوصول للصالح العام. و لكن لما فوجئ العقل القروي فوجد نفسه يحكم شعبا، فإن الهيلمان ربما تغير، و لكن العقل لم يتغير، و استمرت عقليته التي لا تثق إلا بسكان قريته، و العباقرة أقاربه.

تلك هي الحقيقة، فالقرار يتم على عشاء بين الأقارب، و ربما كُسرت العادة بأجنبي مقرّب. لكن المناقشة هي هي و النتائج نفسها. و لم يحدث أن عمّرت بلدان الاستبداد مناقشة جادّة لمصيرها، لا سرية و لا مفتوحة، كما يناقش العدو الصهيوني -طبعا عدو الشعوب و ليس عدو الحكام- قضاياه في مؤتمر هرتزيليا، و لا يُطمح مع عقلية القرية أن يحدث نقاش نافع عام بأي صيغة برلمانية كما يتم في برلمانات العالم الناجح.

إن أي حكومة لا تصل لمواقفها و لمستقبلها من خلال مؤسسات و أشخاص و نخب ترسم مواقفها، و تجد نفسها بسبب تعدد مراكز التأثير مجبرة على سلوك سياسي تكرهه قيادتها أحيانا، ليست حكومة حديثة، بل هي عقول مظلمة بظلمات الاستبداد.

ذلك أن عقل القرية صغير و مستبد يدمر ما حوله لينجو بنفسه أو بأقاربه، و هذا واضح جدا في تشكيل الحكومات القروية، فإن القرى الأخرى، التي خاصمت أجداد القروي قد حكم عليها بالحرمان من المشاركة في الغنيمة حتى و إن غزت معه و صنعت له نصرا، فقد حكم على عقولها بالطرد، و حكم على مستقبلها بالهامشية، و يجند سكان قريته لقراره، و يحذر أطفاله من مشاركة القرية الفلانية لأنهم قد يضمرون لنا عداء، و ذلك أنه و هو يحكم يستخدم عقلا قرويا صغيرا وصله الدور في مسلسل تخلفي طويل يهيمن على المصائر في مشرقنا الجريح.

مأساة العقل القروي و دكتاتوريته التي منحته الظروف أنه يمنع نفسه من النمو و يحول دون تطوره بنفسه، و يمنع مجتمعه من صياغة أي حل للمآسي التي يصنعها، و لا يقدر على التراجع عن أخطائه، لأن الضعيف يتخذ قرارا ضعيفا، و يتورط فيه و لا يملك الشجاعة للخلاص منه، و لأن قراراته -كما روج لها مروّجوه- تاريخية و موفقة، و سيجد من إمام القرية المستضعف تأييدا، لأن إمام القرية و معلم الغلمان عادة ما يجمع له سكان القرية معيشته من شيوخها و أغنيائها، و يعطي بكل سهولة مبررا دينيا لقول من يمنحه.

تلك بعض الحقائق الواقعية في حال مجتمعاتنا حين نفترض و نطلب مواجهة العقل القروي للعقل الإمبراطوري، فلم يعد السياسيون المتبصرون يناقشون هذه الحقائق الملمة بنا، فالقرى و عقولها المحافظة لا تستطيع فهم و لا مواجهة العقول الإمبراطورية، و ليس لديها تأسيس و لا مؤسسات و لا تسمح بالأفكار المنقذة أن تتدخل و لو كانت ستكون فعالة إلا في اللحظة الأخيرة للانهيار، و مع ذلك فهي تضمر و تستعد للغدر بالناصحين لأنهم أحرجوها يوما ما، و شرحوا لها و للعالم سوء حالها.

العقل القرويّ صغير و ينتقم انتقاما صغيرا لأشياء صغيرة و مواقف مثلها، يجيد الكيد و لا يجيد الإستراتيجية. و الشعوب المقهورة بهذا العقل لا تملك و لا تنفذ و لا تخطط لإستراتيجية لأنها تعاني من أثر العقل القروي الذي جعل من تكوينه ثقافة عامة.

العقل القروي يعاند و يكابر جدا، و لكنه يستسلم للخارج، و يتعالى على الداخل، و يكيد لسكان القرى المجاورة، و لمن يخالفه من جيرانه، فهو ضيق الأفق، و صغير الهدف، و لو ناطح الكبار.

 و الكبار يعرفون تماما أنه و لو خالفهم فسيتبع، لأن ليس وراءه من شعب له رأي، بل رعاع و ضاربو طبول، و فداوية لشخصه لا للبلاد و لا للقضايا الكبيرة. و يعلم الخارج أن خصومه هم جيرانه سكان قريته و القرى الأصغر، و أنه يفكر في نهب قرية مجاورة أو كسر جار، بينما أهل مشروع الإمبراطورية يفكرون في العالم، يفكرون في هيمنة على المحيطات و ما وراءها من عوالم، فليس العقلان طرفي مواجهة، و شتان بين عقلين تباعد بينهما الغايات و التكوين و إن قاربت بينهما الجغرافيا.

حمى الله القرية -و الكل قرى- من تعدد في الرأي يسبب خلافا قد يذهب بمتعة الرحلة و لذة الشواء.

الرابط: http://alasr.me/articles/view/17215


قراءة 1643 مرات آخر تعديل على الجمعة, 22 نيسان/أبريل 2016 07:21

أضف تعليق


كود امني
تحديث