قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 02 أيلول/سبتمبر 2020 06:22

إما أن نغير و إما أن نغيَر

كتبه  الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله
قيم الموضوع
(0 أصوات)

قبيل رحيله بفترة وجيزة، استقبل مالك بن نبي ثلة من المثقفين السعوديين جاءوا لزيارته في بيته بالعاصمة الجزائر. حدَثهم المفكر حول وضع المسلمين و كيف يرى مستقبل الصراع العالمي و موقعهم منه. ويحس القارئ من نبرات و عبارات المرحوم بن نبي و كأنه يستشعر دنو الأجل و اقتراب الرحيل.
(ن.خ)

افترقنا الآن مع الإخوة السعوديين و كانت الكلمة الأخيرة معهم أننا في فترة خطيرة تقتضي تغيرات ثورية: فإما أن نقوم نحن المسلمين بالتغيير في مجتمعاتنا و إما طبيعة العصر تفرض علينا تغييرات من الخارج - كما هو حاصل باليمن و ظفار و غيرهما -، لأن هذه هي روح العصر، فالذي يجب أن نؤكد عليه أولا و أن تتذكروه دائما: إننا إذ لم نقم نحن بثورتنا فإن التغيير سوف يأتي من الخارج و يفرض علينا فرضا. أعيد هذا لأنه أمر أساسي.

ما معنى الثورة؟
إن التعاريف كثيرة و أحسب أن أفضلها ما كان موضحا للجانب العلمي فنقول: الثورة محاولة تغيير أوضاع معينة بطريقة مستعجلة.
غير أن قولنا: إن الثورة تغيير و إنها مستعجلة غير كاف فيجب أن نقول: إنها عملية هادفة، و يجب أن نحدد أهدافها.
فالثورة تعني ما هي الأشياء التي يجب أن تتغير، و تعني تحديد وسائل التغيير، ثم تحديد أهداف التغيير.
لا ندخل في التفاصيل و لكن نتساءل: ماذا يواجهنا كمسلمين في هذه المرحلة بالذات... في الثلث الأخير من هذا القرن العشرين؟ تواجهنا: حالة عالمية معينة، إلى جانب أوضاعنا الاجتماعية التي يمكن أن نعبر عنها باختصار بكلمة " التخلف" و كل يدرك ما وراء الكلمة من أبعاد ثقافية و اجتماعية و سياسية.

الوضع العالمي:
إنه وضع خطير .... خطري لأمرين اثنين:
1- خطير في حد ذاته لأنه ربما يحمل في طياته مفاجآت و تغيرات عالمية جذرية و بطريقة لم تعرفها الإنسانية في شتى مراحل تاريخها.
2- خطير لكوننا لا نعلم هل نحن مهيأون لمواجهة هذه التغيرات أم لا؟ ما معنى مهيأون؟
الشرط الأول: الاستعداد لمواجهة شيء هو معرفة الشيء ذاته. و في هذا وجب علينا القول: إن التيارات الفكرية غير مستعدة، أما القيادات السياسية فبعيدة عن هذا الميدان، لأنها مشتغلة بأشياء تعتقد أنها سياسية. و إني لا أريد أن أدخل في نقاش معهم، و إنما نحن نحاول توضيح حقائق متعلقة بي و بهم و بالإنسانية قاطبة.

الجواب عن السؤال:
إننا غير مهيئين لا سياسيا، و لا فكريا لمواجهة المشكلات التي تعترضنا في هذه المرحلة، و في هذه الفترة من هذا القرن.

لماذا نبحث عن استعدادنا لمواجهة مشاكل العالم؟
الأمر بسيط و هو أن العالم الإسلامي شاء أم كره يعيش هذه المشكلات العالمية. لأن من طبيعة المشكلات العالمية أنها تنعكس على الأجزاء مهما استقلت هذه الأجزاء بذاتها و انكمشت على نفسها: فالأحداث العالمية و المشكلات العالمية يصلنا صداها و تؤثر في حياتنا، و تقدر أقواتنا، فلا بد إذن أن نتجنب سلوك " النعامة" لأن من يتعمد تجاهل الخطر المحدق به يكون واحدا من اثنين: مستهتر أو مجنون.
بعد هذا التعريف الوجيز لظاهرة ( الوضع العالمي) نرجع إلى أوضاعنا الاجتماعية التي أوجزناها في كلمة التخلف لنتوسع في هذا المفهوم لتسهل علينا فيما بعد المقارنة بين المشاكل التي يعاني منها العالم الإسلامي و المشاكل التي يعاني منها العالم الغربي.
في هذه المرحلة من الحديث، يمكن أن نتساءل: ما هو التخلف؟ إنه مجموعة مشكلا تنا، و هي ذات طابع اجتماعي سياسي و اقتصادي و نفسي إلى حد ما. أما ما يواجه العالم فهي بالأخص مشكلات نفسية.
لاشك أننا إذا تعمقنا في تحليل مشكلاتنا وجدنا فيها نصيبا هاما ذا طابع نفسي، غير أن الغالب عليها هو الطابع الاقتصادي، السياسي و الاجتماعي.

مطالب ماركس تحققت أكثر في البلاد الرأسمالية:
المشكلات العالمية ليست ذات طابع اقتصادي و ليست ذات طابع سياسي إلى حد كبير و لا ذات طابع اجتماعي، لأن المشكلات التي عالجها الفكر الماركسي في متوسط القرن التاسع عشر حلت الآن في كلامنا تناقضا فيجب علينا زيادة الشرح.
لنترك الجانب الفلسفي في الماركسية و نمسك الجانب الاجتماعي، إننا لا نخطئ في الترتيب التاريخي إذا قلنا: إن الماركسية واجهت في منتصف القرن الـ 19 مشكلات اقتصادية و اجتماعية، و قد نتج عن ذلك مطالب تجسدت في شعارات ( يا عمال العالم اتحدوا)، اتحدوا طبعا ضد الرأسمالية، يا عمال العالم طالبوا بحقوقكم..
و تجسدت أيضا في توصيات مطالبة الرأسمالية بإعطاء حقوق العمال، في الأرض، و التجمع، و الضمانات الاجتماعية، و عطلة شهر مع المرتب. هذه هي المطالب، و لكن هذه المطالب تحققت أكثر مما كان يتصور ماركس و ينتظر.. فقد أصبح الإنسان في العالم الغربي الرأسمالي يتمتع بكل الضمانات الاجتماعية مع شيء من الترف: ضمانات + ترف، و هكذا نرى في هذه الحقبة من القرن الـ 20أن مطالب ماركس ( القرن الـ19 ) قد تحققت في البلاد الرأسمالية بأكثر مما تحققت في البلاد الشيوعية، التي هي بدورها في طريق تحقيقها.. مما جعل حدة المشكلات التي واجهتها الماركسية في القرن الـ19 تزول إلى حد بعيد.

ليس في الأمر تناقضا:
حين نقول: إن المشكلات التي واجهها ماركس في منتصف القرن الماضي حلت في البلاد الرأسمالية، فإن هذا يثير عند الماركسيين ثورة و زوبعة و سخطا. أما بالنسبة لغير الماركسيين الذين ليست لهم خبرة بالموضوع فيرون ذلك تناقضا، غير أنه لا وجود في رأينا للتناقض، يجب فقط أن نحدد المصطلحات أمام هذه القضية. ننطلق أولا من مفهوم " الحضارة".
« هي مجموعة الشروط المعنوية المادية التي تتيح لمجتمع ما أن يوفر جميع الضمانات الاجتماعية لكل فرد يعيش فيه. و هذا ليس تفسير " توينبي" و من شابهه. و العرب يعانون من عقدة إزاء بعض الغربيين، فيتبعون تعاريف " توينبي" .... يجب أن ندرس مشاكلنا بأنفسنا لأننا نحن فقط نلمسها لمسا، أما " توينبي: و غيرهم فهم يدرسون و يفكرون فيها و يتصورونها.. أما نحن فنلمسها.
أنا عشت و أعيش هذه المشاكل، فتحديدي للحضارة ليس تحديد " توينبي" و لا يمكن أن يكون تحديده، كما أنهى لا يمكن أن يكون تحديدي للثقافة كتحديد " ليفي ستراوس"لأننا نعيش المشكلات و الآخرون يفكرون فيها.. فهناك فرق كبير جدا.
و بناء على تحديد مصطلح الحضارة في جانبين:
أ‌- الجانب المعنوي: " الشروط المعنوية"
ب‌- الجانب المادي" " الشروط المادية".
" نجمع هذه الشروط المعنوية بما تدركون لماذا" في كلمة نسميها: الإرادة الحضارية. و نجمع الشروط المادية في كلمة نسميها: الإمكان الحضاري، و إذا تحقق أحد هذين الأمرين فقط في مجتمع فإن هذا المجتمع لا يستطيع أن يحقق الضمانات الاجتماعية لكل أفراده، فلا بد من توفر الشرطين. و نتساءل أين تحققت بوضوح الشروط المادية للإمكان الحضاري، هل تحققت في موسكو أم في نيويورك؟
في نيويورك طبعا... الإمكان الحضاري في نيويورك و  باريس.. أكثر منه في موسكو، و هذا أكثر بالأخص ظاهرة انتقال الاتحاد السوفياتي من مجتمع متخلف إلى مجتمع متقدم، و هذا يؤكد أنه كان من الأيسر نظرا لتوفر الجانب المادي حل المشكلات التي واجهها ماركس في خصوص الرأسمالية.
و من ذلك كله نلاحظ بكل وضوح لا وجود لأي تناقض حققت مطالب ماركس.. و من يداوي لها أمراضها.
العالم تعدى المرحلة الاتي كان يواجهها ماركس... و لكن نلاحظ شيئا في هذه الرقعة التي تحقق فيها فعلا الإمكان الحضاري و حلت فيها فعلا المشاكل الاجتماعية التي قامت على أسسها الدعوة الماركسية: في هذه الرقعة ظهرت أمراض اجتماعية اجتاحت المجتمع بعد أن حلت القضايا التي طرحها ماركس.
و هذه المشكلة ليست من نوع اقتصادي و لكن من نوع نفسي، و لقد كنت في أول حديثي سحبت عمدا كلمة نفسي لما كنا نتحدث عن الأمراض التي في العالم الإسلامي، حتى تظهر بكل حدتها في الرقعة المتقدمة، ففي العالم المتخلف تكدست المشاكل الاجتماعية الاقتصادية، و لكن في العالم المتقدم انبثقت مشاكل من نوع جديد: مشكلات نفسية. فما هي هذه المشكلات؟
هي بإجمال: حيرة في النفوس، و شعور بعدم الاستقرار. و هذه مشاعر الإنسان المتمتع بجميع الضمانات الاجتماعية.
فإحصائيات الانتحار في العالم أخذت رقمها القياسي في أكثر البلاد تقدما من حيث الضمانات الاجتماعية، فالانتحار يوصف بكونه كارثة وطنية.
نضيف إلى هذه الظاهرة «الهيبي» و المخدرات...فالمخدرات ليست إلا محاولة خروج اصطناعي من المألوف. هو هروب من الواقع، غير أن البلاد التي حققت هذه الضمانات الاجتماعية تعاني مشكلات نفسية، و نريد أن نعرف نتيجة هذا كله.
نتيجة هذا ظهرت منذ أيام في تصريح خطير لنكسون: " يخطر ببالي الآن مصير اليونان و روما في طور أفولهما. إن الولايات المتحدة سوف تكون أكبر دولة في السنوات العشر المقبلة، و لكنها هل ستكون الأكثر سلامة من الناحية الاجتماعية و النفسية".
و حذر نكسون من اللامبالاة و الاستقالة من التاريخ.
هذه صيغة المسألة كما يصوغها الواقع، حتى أن نكسون و هو إنسان يواجه مسؤوليات على المستوى العالمي اضطر و فرض عليه الوضع المتدهور: التحذير و التنبيه، و شحذ الهمم.
لنا الحق إذا عندما نقرر أن مجتمعنا الإسلامي يواجه مشكلات اقتصادية اجتماعية حادة جدا مقابل مجتمع متقدم مصنع يواجه مشكلات نفسية حادة جدا أيضا. أما مشكلاتنا فهي نتائج لظروف و ليست جوهرية جدا لكن مشكلاتهم أساسية و جوهرية جدا، هذه هي المقارنة.

ماذا تكون أو كيف تكون نهاية هذا القرن؟
إن الغيب بيد الله....إننا نقدر من الأمور أبسطها.
لا شك أن التطورات تنبع من هذا و ذاك، من التخلف و التقدم الحاصل لمرض الروح و النفس. و كل الأحداث التي سوف يعرفها عالمنا في الثلاثين سنة المقبلة ستكون نتيجة التفاعل بين التخلف المادي ( العالم الإسلامي) و التخلف الروحي ( العالم المصنع).
هذه الصورة المشكلة العالمية بوجهيه: الصنف الاجتماعي و الاقتصادي. ( و نتائجه في المجال النفسي) و الصنف الروحي ( و جوهر مشاكله روحية)، هذه هي الخريطة العالمية التي سيحدث إن شاء الله في نطاقها التفاعل بيننا و بين الآخرين و بينهم و بيننا نحن. نضيف شيئا من ناحية أخرى و هو توضيح لمرحلة تهمنا نحن المسلمين.
«ليظهره على الدَين كله و لو كره المشركون».
كل واحد منا يعرف الآية: « هو الذي ارسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون». فهل تحقق؟
هذا الوعد قد تحقق، و في القرن بالذات و قد يبدو في الأمر غرابة أو عدم وضوح.
عندما نزل القرآن هل كان يتحقق وعد الله في انتصار الإسلام على المسيحية و اليهودية و البراهمانية و البوذية و المجوسية، أي كل الأديان الموجودة آنذاك؟ ذلك هو معنى الآية الكريمة على الأقل، نأتي الآن لهذا القرن، و ننظر إلى خريطة الأديان و الإيديولوجيات في العالم.
أذكر أرقاما قرأتها في الجغرافيا الإنسانية في صغري، أتذكر أن الديان كانت على النحو التالي:
مسيحية 600 مليون
بوذية 570 مليون
براهمانية 450 مليون
مجوسية: انتهت
اليهودية: 14 مليون
الإسلام 400 مليون
و الشيوعية –عندها– مازالت لم تظهر بعد كدين.
أما اليوم، ماذا لو نظرنا إلى خريطة العالم؟ نجد أن الأديان التي نزلت في حقها الآية زالت كلها: المسيحية مسخها التاريخ، و في هذا المجال نذكر أننا قرأنا تحقيقا هاما أصدرته إحدى الصحف الفرنسية عنوان هذا التحقيق: ( ألفا سنة... يكفي..) و المقال يحتوي أرقاما و أحداثا عما حصل بأمريكا اللاتينية، فرنسا، إنكلترا، إيطاليا، و ألمانيا.
منذ سبعة أشهر حصل ما بين ما حصل ( فضيحة كرالا) و هي مقاطعة هندية سافر عليها أحد القساوسة الطليان، قس يهتم بأمر دينه و متعلق بمسيحيته أراد أن يوجد رهبانا لديره.
و مشكلة الأديرة تشكل أعوص قضية عند القيادة المسيحية لندرة المستعدين لتحمل المسؤولية. حصل أن هذا القس لم يجد لتجنب غلق أبواب ديره إلا شراء بنات فقيرات من هذه المقاطعة الهندية لتلبيسهن القدوس، فكانت الفضيحة التي نشرتها صحيفة إنكليزية و تناقلتها الصحافة العالمية.
المهم أنه لم يبق من المسيحية إلا الهيكل الإداري ( الفاتيكان). أما القاعدة الجماهيرية فقد انتهت، حتى أن الدير لم يجد في أغلب البلاد متطوعين. أما البوذية فقد مسحها ماوتسي تونغ مسحا.
و البراهمانية من علامات محوها فشلها الفظيع في أخطر القضايا المعاصرة التي جابهتها: قضية المنبوذين. وهي القضية التي عرضها غاندي على الضمير الهندي و سطرها في الدستور. غير أنها لم تحل، و لقد أثبت ذلك عجز البراهمانية على مواجهة مشكلة ذات طابع اجتماعي.
أما اليهودية فهي لا تعد دينا بأتم معنى الكلمة. هي سياسة ..أو دين.. أو.. هي دين عنصري لا يطلب من أحد الدخول فيه و لا يبشر.

و هذا الدين الجديد: الماركسية؟
غير أننا نلاحظ شيئا و هو أن دينا جديدا بدأ يلقي لونه الأحمر على الخريطة، خريطة الأفكار، و هو الشيوعية. و قد اكتسح لونها رقعة كبيرة من الأرض: الصين، و شرق أوروبا، و الاتحاد السوفياتي.
إذا لم يبق حقا على الخريطة كعقيدة إلا الإسلام و الشيوعية، فهما فقط يحركان الجماهير، و هنا يجب أن نلفت النظر لبعض الظواهر: ظاهرة عدم استقرار العقيدة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي.
إنها متصاعدة، و الدليل على ذلك نأخذه من أفواههم: في المؤتمر الـ 21 للحزب الشيوعي السوفياتي في سنة 1956، و هو تاريخ مبكر، صرح خروتشوف بقول غريب ترتبت عليه الأزمة بين الصين و الاتحاد السوفياتي من الناحية النظرية السياسية.
قال خروتشوف: «إن واجبنا تدعيم الطاقة العاملة بالمنبه المادي »، و هذا لم يقله لينين ولا ستالين، و لو سمعا أحدا يقول هذا أو مثله لأعدم في الحين.
و لو سمع ماتسي تونغ بذلك، و هو الوفي لفلسفة لينين تزعزع من حوله الكون و قال لهم: «إنكم كفرتم بالماركسية، لقد خرجتم عن الطريق السوي». ثم كان من المشاكل ما نعرف جميعا..
أخيرا منذ سنة تقريبا وقع تحقيق في الاتحاد السوفياتي تحت إشراف أكاديمية العلوم التي يشرف عليها عالم الرياضيات، عالم الاجتماع، مؤرخ، و كلهم من العظماء كانت نتيجة تقريرهم الذي قدم للثالوث القائد: بودغورني، بريجنيف، كوسيغين: «إن الطاقة المنشئة و قوى الابتكار قد هبطت في كل الميادين»، معنى هذا أن الاتحاد السوفياتي لم يبق في مرحلة الصعود في الدورة الحضارية، فقد أصبحوا يبحثون عن الأكلة الطيبة و القصور و المتع (شبه ما حصل عندنا في فترة معاوية).
أما الصين فهي لا تزال في المنطلق. فهي تحافظ على حدتها، و إن ظهر بعض التخفيف فيها يمكن لنا القول إن المجتمع الماركسي السوفياتي قد خرج من المرحلة الحضارية الأولى و سار شوطا في المرحلة الثانية، و بذلك ابتعد كثيرا عن منابع العقيدة و عن منبع الطاقة الدافعة. و لقد سافرت إلى الاتحاد السوفياتي و تجولت في بعض المدن:موسكو، لينغراد، سمرقند...  و شاهدت وضعية الشباب هناك، وضعية لا تقارن بوضعية الشباب في الغرب من حيث الانحلال. و لكن عندي ملاحظات و ذكريات خاصة أكدت لي وجود شيء من الفتور. لمست ذلك في بنت و شاب.
البنت كانت خصصت لنا مترجمة. الكلمة الأولى بعد أن تعارفنا و لاحظت منا عطفا و تلطفا، و لم يبق عندها شك أو ريبة في إنسانيتنا، الكلمة الأولى التي انطلقت بها هي: إني أرغب في المجيء عندكم لأعمل. و أظن أنها كانت تحت المراقبة. و في يوم ما كنا عائدين من زيارة في السيارة، و كانت معنا فطلبت منا أن تنزل لمنزلها لمدة قصيرة فأذنا لها. و عادت و معها بعض الثمار قطفتها من حديقتها و تكرمت عليَ و على الأخ الذي كان يرافقني، و قد لاحظ السائق هذا التصرف.. و لم نرها بعد ذلك اليوم. لوكنا في وقت ظهور الإسلام لقيل فيها بمصطلحات أهل الشرك حين يظهر على الإنسان ملامح الإسلام لقد صبأ !
ثم عوضها بشاب مال إلينا و ملنا إليه و لم نغير سلوكنا، فلما اطمأن إلينا بدأ يقدم وساطته في تحويل العملة في السوق السوداء. و لا شك أن هذا خروج و انحراف عن خطة الصعود في الدورة الحضارية، ذلك الخط الذي لا يتصور مثل هذا التصرف.
ثم وقع حديث مع هذا الشاب و نحن نتناول الطعام، و كنا نلاحظ عليه الشغف بالحياة الناعمة و كأنه يأسف أنه ليس في الغرب.
هذه هي الأوضاع الموجودة في العالم: إن الغرب انتهى بشيوعيته و مسيحيته.. إن الأزمة النفسية طغت على العالم المسيحي و بدأت تنهش هيكل العالم الاشتراكي، إذن في نظرة بعيدة المدى للتطور في الثلاثين سنة القادمة - إن شاء الله- سوف تكون المعركة بين الإسلام و الشيوعية.

رأس ثالث في الصراع!
إن الرقعة التي زال فيها الاستقرار النفسي تقع تحت السيطرة المباشرة للصهيونية، يعني هذا أن كل إمكانياتها الحضارية فريسة للصهيونية.
حدثنا منذ أيام السيد بنوا شملان المؤرخ الفرنسي عن لقاء له مع شخصية كبيرة في وزارة الخارجية الأمريكية قال: قلت له إنكم ( الولايات المتحدة) تساندون ( إسرائيل)، فعقَب عليه المسؤول الامريكي و صحَح: « نحن تابعون لـ إسرائيل و لسنا نساندها».
هذا هو الواقع الأمريكي، فالمساندة تأتي عادة من القوي للضعيف غير أن الحال عكس هذا.
وهكذا يصبح الصراع بين ثلاثة عناصر: الإسلام و الشيوعية و هما العنصران الفعالان و عنصرا التفاعل النفسي و الأخلاقي في العالم. و هو صراع صامت الآن و لعله لن يبقى كذلك. أما العنصر الثالث فهو الصهيونية.

و لكن كيف يتدخل هذا العنصر الأخير؟
الصهيونية من عادتها، و من 2000 سنة تقريبا، أن لا تتدخل في قضية ما سافرة الوجه، بل تتدخل مقنعة بقناع الديموقراطية، و الإنسانية و العدالة، و في المستقبل نرى أنها سوف تتدخل بقناع المسيحية. لكن لماذا بقناع المسيحية؟ المسيحية أمام قوتين متصارعتين إحداهما توحد الله و الأخرى تنفي وجوده و منطقيا وجب على المسيحية أن تؤيد الإسلام. لكنها على عكس ذلك تريد الانتصار للشيوعية على الإسلام. شيء يجب على الشباب المسلم أن يدركه جيدا: إن المسيحية تدرك أن الشيوعية غير مستقرة... و أنها لا تنشء و لا ( تخلق) و لا تدعي ذلك لأنها تنفي هذا الجانب، حالة الاستقرار النفسي، فماركس قال املأوا البطون و انتهى كل شيء!!
فالقيادة المسيحية ترى انها خسرت القضية حاليا و لكنها سوف تكسب المعركة إن اكتسحت الشيوعية العالم و انتصبت عليه و ذلك لإدراكهم أن الشيوعية لا تهيء حالة الاستقرار النفسي الذي تطمح إليه كل نفس.
أما إذا انتصر الإسلام فإن التاريخ ينتهي و تأتي نقطة النهاية بالنسبة للمسيحية و يتحقق بذلك وعد الآية الكريمة ليس فقط بالنسبة للأديان المعاصرة لظهور الإسلام بل حتى بالنسبة للأفكار التي أصبحت عقيدة و دينا: كالشيوعية.
نفهم من هذا أن الثلاثين سنة القادمة إن شاء الله ستعرف المعركة الطاحنة، المعركة العقائدية بين الشيوعية و الإسلام ( بين الكفر و الإيمان). و لكن تتدخل المسيحية بجانب الشيوعية تدخلا محكما. و لا يعني هذا أن المسيحية لا تقوم مباشرة ببعض الأعمال منها تكسير هوامش دار الإسلام.
فالإسلام مثل القارة الوسيطة ولهذه القارة هوامش فكما لأروبا هوامش مثل إنكلترا و إيرلندا و مالطة و صقلية، لدار الإسلام هوامش مثل الفلبين و إندونيسيا و إفريقيا الوسطى و المسلمين السود في الولايات المتحدة، هذه هي هوامش الإسلام.
و من الملاحظ أن المسيحية تبذل مجهودات كبرى و بالأخص بعد سفر ( بولس السادس) للشرق الأقصى، فبمجرد ما رجع بدأت المذابح في سيلان و إندونيسيا ( أنظر كتاب غارة تبشيرية على إندونيسيا)، فالعملية التي تقوم بها المسيحية مزدوجة، عملية توجيه للمعركة و قطع الهوامش حتى لا تزيد دار الإسلام في الامتداد. الفكرة القومية العربية لا تحل القضية.. و بقدر نجاحنا في الداخل يكون نجاحنا في الخارج. نعود الآن للمسألة الثانية، نقر بأن الثلاثين سنة المقبلة حاسمة ستكون أخطر مرحلة في تاريخ الإنسانية لأنها سوف تتجمع فيها السلطة الروحية حول منبع واحد إما شيوعية أو إسلاما، و لا فائدة في التذكير بالدور الذي تلعبه المسيحية أي الصهيونية المقنعة.
و ينبغي على العالم الإسلامي أن يعرف و يعي معنى هذه المرحلة الخطيرة في العالم و بمقتضى معنى هذه المرحلة يتجه لمشكلاته الحقيقية التي يعيشها في عقر داره، و أن نجاحنا في المعركة العالمية سوف يكون بقدر نجاحنا في معركتنا الداخلية.
و حل هذه المشكلات لا يمكن إلا على أساس حضاري، أما الحل السياسي فلا يمكن، و كل الحلول الأخرى غير مقبولة، فكرة القومية العربية لا تحل القضية أبدا و لقد بدأت تتكون عندنا بعض الخبرة على النطاق الوطني.
إن حل المشاكل لا يمكن أن يكون في مجال قطري، فلو أردنا لتشبه ببلجيكا لما استطعنا لأننا لو فصلنا بلجيكا عن أوروبا لانهارت و سقطت.
إن مشاكلنا لا يمكن أن تحل في نطاق قطري، ولقد أراد بعضهم أن يعوض القطر بحدود القومية فظهر أن القومية وضعت حدودا أخرى و بدَدت طاقات أخرى في القطر الواحد كانت متجمعة قبل ذلك. هذا أصبح بعثيا و ذلك ناصريا...
لم يبق إلا شيء واحد وأظن أن الفكر الإسلامي بدأ ينضج عند الشباب و غير الشباب هو أن القضية بالنسبة لأي مجتمع قضية حضارية أساسا ثم تصير و تتجزأ إلى قضايا قطرية و جهوية. نحن إذن نطالب بمواجهة المعركة الكبرى التي ستؤول نتيجتها إلى تلوين الخريطة بلون عقيدة واحدة، إما الإسلام أو الشيوعية و من ورائها المسيحية. و عندما نقدر شروط انتصارنا في هذه المعركة نراها موقوفة على معركة داخلية لحل قضية التخلف على أساس حضاري، و عندها يهيأ الظرف الملائم كي يستطيع العالم الإسلامي دخول المعركة العالمية مصفى من عقده النفسية.

كلمة أخيرة:
هذه هي الوصية التي نتواصى بها، و أشعر و أنا أتحدث إليكم بأني أوصيكم بشيء خطير لأننا لا نراه بل نحن مشغولون بمشكلات أخرى. و القيادات الثقافية لا ترتفع لهذا المستوى، فهي لا تزال في محيط ضيق و إن ارتفعت أصبحت وحدوية تنادي بالوحدة العربية. نتواصى بهذه الحقيقة و نعمل بمقتضاها و على كل واحد أن يصحح ما سمعه مني و يكمل ما نقص في حديثي لأني اختصرت و لم أدخل في التفاصيل...
و لقد كنت وصيت الشباب المسلم في كثير من البلدان بهذه الوصية... و الله يؤيدكم و السلام عليكم.

قراءة 736 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 02 أيلول/سبتمبر 2020 06:51

أضف تعليق


كود امني
تحديث