إن لجوء الجزائري في حسم خلافهِ مع الغير، إلى السلاح الناري أو السلاح الأبيض، يستدعي التوقف عنده و التأمل فيه.
ذلك أن هذا الأسلوب يعبر عن ضيق العطن، و محدودية الأفق، بحيث يقصر عقل الفرد عن تصور حلول أخرى بديلة، لما يعترض طريقه من مواقف حرجة، بحيث لا يرى إلا الحلول القسرية الإقصائية.
دلالة هذا الأسلوب و أثره...
و هذا النمط من التفكير، هو المسئول عن تبني الحل الاستئصالي عند طرفي الأزمة في الجزائر،
فما مصدر هذه النظرة الاستبعادية، و هذا الموقف الإقصائيالإستئصالي؟
يبدو لي أن المسئول عن ذلك هو الخطاب السياسي و الثقافي ، الذي اعتمد مباشرة بعد الاستقلال، و الذي غذاه الفكر القومي، و النزعة اليسارية المتطرفة، فهما الاثنان كانا نتاج غلبة النظم العسكرية على الحياة السياسية، فالجزائري نشأ منذ الاستقلال، و هو يسمع في الإذاعة و التلفزيون، و يقرأ في الجريدة و الكتاب، أن الجزائر حققت استقلالها، بفضل القوة المسلحة وحدها، و الخطاب القومي كان ينص، على أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".
و النزعة اليسارية كانت تنادى بأن الحياة الاجتماعية هي صراع بين الطبقات، و إذن فقد نشأ الفرد في محيط يؤمن بالعنف ، و يدعو إلى العنف، و يحرض عليه، في خطبه السياسية ، و في مضامينه الثقافية ، فمن الطبيعي أن نجد أنفسنا، أمام جيل لا يرى الحل لمشاكله إلا في القوة، و لو أدّى استعمالها إلى قتل الآخر، فإذا كنا نجد التلميذ يقتل أستاذه، و الأب يقتل ابنه، و الشرطي يرتد على أسرته ذاتها، فيقتلها فردا فردا، و رجل الدفاع الذاتي، يطلق النار عشوائيا على المارة و الجيران، و المناضل السياسي، يقتل زميله في الحزب الواحد، لمجرد اختلاف في الرأي، فإن ذلك نتاج طبيعي، للثقافة التي عملنا على إشاعتها بين أبنائنا، و سيزداد الأمر سوءا لا محالة، بدليل تفجيرات 11 أبريل 2007، فإن الأمة التي يظهر فيها من لا يتورع عن قتل نفسه و غيره، أمة تواجه خطرا داهما، و أمتنا اليوم هي كذلك، فما الحل و كيف يكون الخروج من هذا المأزق.؟
استبدال هذا الأسلوب و تغييره..
حتى يتسنى استبدال هذا الأسلوب و تغيره علينا أن نتخلى عن مواجهة العنف بالعنف، لأن ذلك يدخلنا في دور مغلق، فالعنف حتما يستدعي عنفا مضادا، تماما مثلما نصت على ذلك القوانين الفيزيائية، التي تقول : لكل فعل رد فعل ، يساويه في القوة و يضاده في الاتجاه، و من ثمة فإن مواجهة هذه الموجة من الانحراف السلوكي لا ينبغي أن تكون بالعنف، لأن ذلك لا يزيدها إلا استشراءً و انتشارا، و إنما يستدعي البحث عن حلول أبقى و أدوم، و أنفع و أنجع، و لا أرى ذلك إلا فيما قاله الله تعالى في الآية 34 من سورة فصلت :(ادفع بالتي هي أحسن.....)
و ذلك لأن الثقافة التي راجت بعد الاستقلال، و التي أعلت من شأن القوة المادية، و مجدتها، هي المسئولة عن هذا الداء، فالعلاج لن يكون إذن إلا بإشاعة ثقافة مغايرة لها، ثقافة ذات مضامين إنسانية، ثقافة مشبعة بالقيم الأخلاقية و الروحية السامية ، التي تعلي من شأن الروح الإنساني، و تحض على الدفاع عنه، و حمايته من الأذى، و أن نُروج لها عن طريق مناهجنا التربوية، و مؤسساتنا الدينية، و أجهزتنا الإعلامية، حتى نتوصل إلى جيل يعرف كيف يعايش غيره، و يحترمه، و يقدره، و يتمسك به، و يحنو عليه، و بذلك نتحرَّر من الثقافة التي رسخت فينا الأنانية، و حب الذات، و احتقار الآخر، و النظر إليه باعتباره عائقا يحول بيننا و بين أهدافنا، ثقافة تحملنا على النظر إلى الآخر باعتباره سند و قوة لنا، لعلنا إن فعلنا ذلك، ننقذ هذه الأمة و هذا الوطن...!