بعض الطيبين في هذه الدنيا خلقت بداخلهم طاقات عجيبة و إشعاعات مميزة جعلتهم مميزين
في مجالاتهم أو مجالات متعددة، ترى في عيونهم بريق يرمق طموحاتهم و أحلامهم في كل
حين حتى لا تضيع منهم أو تضيع أعمارهم دون أن يحققوا شيئا منها، يعملون بكد و جد لا
يتكاسلون و لا يملون و لا يكلون .. أيامهم و شهورهم و سنواتهم .. تحسهم خزان عطاء لا ينضب
و قصة كفاح لا تنتهي.
مثل هؤلاء رسالتهم في الحياة واضحة و هدفهم في دنياهم محدد يسيرون إليه بخطوات ثابتة لا
تحيد و لا تتناقص سرعاتها، يلفحهم حر الشمس فيحرق وجوههم النضرة و يتصبب العرق من جسدهم
المنهك كأنه المسك في أنوفهم لأنه من ما نزل في باطل و لا في تفاهة و لا في عبث .. و تبرق
الفرحة في عيونهم مع كل عمل و مع كل جهد و مع كل تعب و مع كل إنجاز .. لا يحسب العمر عندهم
بالأيام و لا بالسنوات بل بما قدموه و بما أنجزوه ..
مثل هؤلاء لا تستهويهم مناصب و لا تأسرهم رفاهية دنيا و لا تستعبدهم أموال و لا تملكهم
شهوات و لا تسيرهم أهواء و لا تستوقفهم ملذات، و بالمقابل لا تحطمهم عواصف و لا تقتلهم نائبات و
لا تسقطهم عثرات و لا تحبطهم عقبات و لا تكسرهم مثبطات ..
مثل هؤلاء عطاؤهم صادق و حبهم صادق و كفاحهم صادق و عملهم صادق و كلامهم صادق
و إنجازهم صادق و غضبهم صادق و فرحهم صادق و حزنهم صادق و كل ما فيهم و منهم صادق ..
مثل هؤلاء لصدقهم يلاقون ما يلاقون في حياتهم .. كره من أناس بلا سبب و حسد من آخرين بلا
مبرر و تجريح من بعض بلا رحمة و نقد لاذع من بعض بلا موضوعية، و زرع للشوك في الطريق من
أناس و قلة عون ممن يرجى عونهم و سب و شتم و إهانة وووووو و ما يندى له جبين القلم
فيستحيي أن يكتبه و يبقى مكتوما في صدور هؤلاء ليروي قصص الصبر لديهم في سبيل
رسالتهم.
مثل هؤلاء تحس أن غيرهم تأتيهم الدنيا على طبق من ذهب، و هم ينحتون الصخر بأظافرهم
ليصنعوا تاريخا لهم و لرسالتهم يكتب بماء من ذهب ..
مثل هؤلاء إذا حزنوا كان حزنهم عميقا، و إذا جرحوا كان جرهم غائرا، و إذا أهينوا كان لإهانتهم
وقع لا تمحوه الأيام، و إذا بكوا كانت دموعهم عزيزة تحرق أوصال القلب قبل الوجنتين.
مثل هؤلاء أكبر شيء يكسر قلوبهم و يحز في نفوسهم أن يعطوا بلا حدود و يخلصوا العطاء بلا
من و لا كلل، ثم يجحد عطاءهم و ينسب لغيرهم ممن لا يستحقونه .. فيجلسون قريبا من
إنجازهم الذي وقّع باسم غيرهم و في القلب ألم لا يعلمه إلا الله و في النفس حسرة لا يحسها
أحد غيرهم.
طبعا سيكون عزاؤهم دوما أن العطاء سجل من ذهب و أن الأجر كتب عند من لا يضيع عنده أجر
المحسنين .. و إن بقت غصة في الحلق لا تفارقه فإن القلب المجروح سيفرح بصمت بعيدا عن
ضجيج الجاحدين و ضجيج السارقين لكل إنجاز ليس لهم.
فطوبى لمثل هؤلاء بكل هذه الميزات و طوبى لهم بإنجازاتهم الموقعة بجهدهم و عرقهم و تعبهم
و إخلاصهم و تفانيهم و صدق عطائهم و جميل صبرهم و المكتوبة في ميزانهم في عليين بإذن
الله.