يبدو أن الأحداث الأليمة التي توالت على بلادنا العربية، قد أنستنا فلسطين أرضنا السليبة، تلك الأرض المباركة، التي أسري بالرسول صلى الله عليه وسلم إليها، وعرج به منها إلى السماوات العلى، إلى البيت المعمور، حتى كان قاب قوسين أو أدنى، تلك الأرض التي أُعلن من على أديمها هيمنة الإسلام على سائر الأديان السماوية يوم أمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، سائر الأنبياء والمرسلين في المسجد الأقصى أولى القبلتين وثاني الحرمين، تلك الأرض التي أُعلن من على أديمها انتقال مسؤولية تأمين الناس على أنفسهم وأديانهم وأموالهم إلى المسلمين، تلك الأرض التي وارت في ثراها الطيب الطاهر، الكثير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضوان الله عليهم أجمعين، وفي مقدمتهم أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح دفين مدينة الكرامة، تلك الأرض التي تكالب عليها الأعداء ولايزالون إلى اليوم ينحدرون إليها من كل حدب وصوب، لعلمهم بأنها مركز ثقل في العالم العربي والإسلامي، ولذى أوصى نابوليون بونابارت بضرورة احتلالها وإنشاء كيان دخيل فيها يتولى مهمة منع العرب من التلاقي والاتحاد، تلك الأرض التي امتزجت فيها دماء الأمة من عرب ومسلمين حيث تقاطر إليها المجاهدون من كل فج عميق لينضحوا عنها المعتدين تاتارا كانوا أو صليبيين، لقد كانت تلك الأرض المباركة، سببا لنبذ خلافاتهم، وجمع كلمتهم، وتوحيد صفهم، بل كانت أكثر من ذلك و قد كان فضلها عليهم كبيرا، حيث أن حرصهم على الدفاع عنها وحمايتها ممن يتربصون بها حملهم على تقوية جيوشهم الأمر الذي حال دون اختلال بلدانهم في وقت مبكر، فصلاح الدين الذي حرر القدس و طهر فلسطين لم يحم فلسطين وحدها من الصليبيين، بل حمى في الوقت نفسه كل البلاد المشرقية من وصول المد الصليبي إليها وانتشاره فيها وهيمنته عليها، وهذا ما يجعلنا نقول: أن هناك من يريد لنا اليوم أن ننسى فلسطين، وأن تتحول عندنا من قضية مركزية إلى مجرد قضية هامشية لا أهمية لها، قياسا إلى القضايا الأخرى التي نواجهها، وهذا ما يجعلنا نقول أنه ليس من باب الصدفة أن يتم الكيد للأنظمة التي تتعاطف في المنطقة مع القضية الفلسطينية كالنظام العراقي حتى تم القضاء عليه، وليس من باب الصدفة أيضا، أن تشتعل البلاد المجاورة لفلسطين بالذات حروبا طاحنة وفتنا حالقة، لأن المراد أن يشتغل حكام وشعوب المنطقة بما نابهم وينسون فلسطين تماما ويغضون الطرف عن العدو الحقيقي والفعلي لهم ولبلادهم، وهذا ما نبه إليه الإمام الشيخ محمد البشير الإبراهيمي عليه رحمة الله يوم قال موجها النصح لزعماء العرب: " واجب زعماء العرب أن يتفقوا في الرأي ولا يختلفوا وأن يتوقَّوا عيوب الزعامة ونقائصها من تطلع لرياسة عاجلة، أو تشوف لرئاسة آجلة، وأن يوجهوا بنفوذهم جميع قوى العرب الروحية والمادية إلى جهة واحدة هي فلسطين، وأن لا يفتنوا بما يفتحه عليهم من ثُغُر... ليشغلهم بالجزئيات عن الكليات وليجعل بأسهم بينهم،..." وهكذا تتضح الصورة أن ما يجري في العراق وسوريا ولبنان ومصر واليمن ماهي إلا حروبا مفتعلة وفتنا مصطنعة هدفها وغايتها أن ننشغل عن فلسطين وننساها تماما، لإن التفاتنا إليها وتفكيرنا فيها يجبرنا على الاتحاد ويعطينا هدفا نحيا له ونعمل من أجله، وهذا معناه أن وجودنا ذاته مرتبط بتفكيرنا بفلسطين وهذا ما يفرض علينا عدم نسيان فلسطين مهما كانت الظروف فاذكروا فلسطين ولا تنسوها أبدا... أبدا ...أبدا...