في هذه المقالة نتابع تحليل و تقويم هذا الأسلوب التربوي السائد بشكل كبير في ممارسة الآباء و الأمّهات و بعض المربّين.
لماذا يلجأ الآباء للضرب؟!
الطفل ينمو بسرعة كبيرة و ينمو معه العديد من السلوكيات التي تقتضيها مراحل النمو التي تبدو مزعجة للأسرة من مثل العناد وكثرة الحركة. و هي سلوكيات لو نظرنا إليها من منظور علمي لوجدناها صفات إيجابية تدل على نمو الطفل السليم و على كونها بوادر و مقدمات لسلوكيات إيجابية تتشكل في بناء شخصية الطفل النامية.
و لذلك نتساءل حقاً: هل السلوك يحتاج إلى تدخل عنيف و عقاب بالضرب؟! هل وصل السلوك حداً يقتضي فعلاً أن نتدخل بالضرب؟! هل السلوك ضار للطفل و لخلقه و دينه؟ أم هو مزعج لراحتنا و هدوئنا؟!..
ضربوني و ها أنذا أضرب!!
كثيرون يرددون باستمرار: لقد كان والداي يضربانني و ها أنذا سليم معافى! و هنا نقف وقفات حول هذا التبرير:
1 - هل فعلاً نحن معافون؟
ما هي مقاييس التعافي و السلامة عندنا؟! أليست كل الاضطرابات و اختلالات التوازن في الشخصية منتشرة؟..
- الانطوائيون ممن لا يقدرون على مواجهة الناس كثيرون.. و ممن لا يتفاعلون مع المجتمع أكثر.
- المترددون في اتخاذ أي قرار في حياتهم في ازدياد.
- المبدعون لا يكادون يذكرون..
- ما نسجّله كأمّة من براءة اختراع في سنة و نحن نعد بالملايين، تسجله بعض الدول المرتزقة ذات الأربعة أو الخمسة ملايين في أسبوع.
- الطموح و علو الهمة تكاد تكون عملة نادرة في حياتنا.
- الإتقان و الإحسان صفتان نادرتان.
- احترام الوقت و المواعيد و الوفاء بالعهود أصبحت سمات للغرب، فأصبح الواحد منا يقول – لا شعورياً – لصاحبه: ( موعد غربي، و ليس عربي!!)
-أبناؤنا يقلدون كل من هبّ و دبّ، و انتقلت لنا كل أمراض الأمم و نحن من فتح الباب على مصراعيه داخل أسرنا، لهذا فنحن المسؤولون و تربيتنا الأولى مسؤولة إلى حد كبير.
2 - هل ننقل اضطهادنا الطفولي لأبنائنا؟!
هناك نسبة قليلة ممن عانت اضطهاداً طفولياً و تحاول بشكل أو بآخر نقل هذا الاضطهاد لأبنائها بوعيٍ منها أو دون وعي. فلنحذر أن تكون التربية السلبية التي عادة ما يكون البعض قد خضع لها و تأثر بها دافعاً لممارسة و ارتكاب الأخطاء نفسها مع الأبناء.
3-كيف كان شعورك يومها؟!
لقد تعرّض البعض للضرب المبرح و هو طفل صغير، و هو الآن يردد ذلك و يبرر به لجوءه للأسلوب نفسه مع أبنائه. و نتساءل معاً:
ماذا كان شعورك يومها و أنت طفل تضرب؟ ماذا كان تصورك تجاه من يضربك يومها؟!
سوف نفاجأ بالإجابات التي تؤكد كل معاني الكره و الشعور بانعدام المحبة، و نفاجأ كذلك بإجابات المنحرفين و بعض المدمنين بأن أحد أسباب انحرافهم قساوة الآباء، و المبالغة في العقاب و الضرب.
انتبه! الحذر خير من الندامة!
دماغ الأطفال سريع التأثر بالتعامل العنيف
كشفت دراسة طبيّة أن عدد الأطفال و الرضّع الذين تلحق بهم إصابات بسبب الأبوين يزيد على ما كان معتقداً.
و تعتقد الدراسة أن هذا الشكل من إساءة التعامل مع الأطفال ترتفع نسبته باستمرار، ربما بسبب تدني قدرة الآباء والأمهات على تربية الأطفال.
و تشير إلى أن الأعراض التي يطلق عليها أعراض الإصابات الناتجة من هز الأطفال بعنف ناتجة غالباً من نقص الخبرة في التعامل معهم برفق، و عادة ما يضع الأطباء البريطانيون العاملون في أقسام الطوارئ بالبال أن الأطفال الذين يأتون لتلك الأقسام بنزيف في الدماغ ربما تعرضوا لتعامل عنيف.
- إصابات خطيرة:
و يشير الإحصاء الوارد في الدراسة إلى أن أربعة و عشرين طفلاً من كل مئة ألف يعانون من مثل تلك الإصابات.
و صرّح الدكتور روبرت مينز الذي قاد فريق البحث بأن الإصابات المقصودة إصابات في منتهى الخطورة تلحق بالدماغ, و أعرب عن خشيته من زيادة تلك الإصابات بمرور الزمن و قال: إن الأسباب في ذلك قد تعود إلى أن الآباء يفتقرون حالياً لخبرات معينة منها معرفة كيفية التعامل مع طفل يبكي باستمرار.
و يضيف الدكتور روبرت: إن توفير مثل تلك المعلومات إلى الأزواج الذين ينتظرون ولادة طفلهم كفيل بالحد من تلك الإصابات. و تعتقد جمعية مكافحة القسوة ضد الأطفال في بريطانية أن هذا البحث يظهر الحاجة الملحة لتعزيز أشكال المساعدة للآباء و الأمهات قبل ولادة الأطفال و بعدها.
و ترى أن الأبوين يتعرضان إلى إجهاد لا يحتمل بسبب قلة النوم و بكاء طفلهما المستمر، لكن عليهما إدراك خطورة الهز العنيف للطفل الذي لا تزال أعضاؤه هشّة و ضعيفة.
راجع أحكامك!... قبل أن ترفع العصا
هل تعرف في وجه من ينبغي رفعها؟ و هل تدرك الأسباب و النتائج؟
كثير من الوالدين يتذمّرون.. ابني كثير الصراخ! ابنتي تكذب! ولدي يتنمّر في وجه أصدقائه! ابنتي لا تتحلى بالحياء و كثيرة هي المشكلات و الآهات من الأبوين. و لكن لنقف وقفة صريحة مع النفس، نعم وقفة صادقة.
اترك ما يفعلون و أجب عن سؤالي: من أين تعلم الأبناء؟ و من أين يكتسبون هذه الصفات؟
تقول الطبيبة منى البصيلي:
إن الطفل عجينة طيّعة في أيدينا تتشكّل و تتلوّن حسب الطريقة التي نعامله بها، بل إنه كالمرآة التي تعكس بأمانة ما يجري أمامه؛ فالطفل العصبي تعلّم العصبية من أبويه، و الطفلة التي يعلو صراخها اعتادت أذنيها على صراخ الأم، و الطفل الذي يكذب تعلّم الكذب من أبيه أو أمه، و الطفل الهادئ لا يسمع لوالديه صوتاً.
و هكذا علينا دائماً مراجعة أنفسنا و سلوكنا قبل أن نلقي اللوم على أبنائنا.
هل تذكر؟!
كيف كان شعورك يومها و أنت طفل تتعرض لغضب أحد والديك؟! لا شك أنك تتذكر أنك أحسست يومها بمزيج من المشاعر: خوف و رهبة، عناد و معارضة، مع شعورك بأنك مظلوم و لم يفهمك أحد.
قد تكون في هذه اللحظة التي تنتابك فيها مشاعر الخوف و الشعور بالظلم قد تعرضت للعقاب بالضرب. صفعة على الوجه أو ضرب على عضو من أعضاء جسمك.
نضرب أم لا نضرب!!
صفع الطفل و العنف في معاملته كان و ما يزال يثير حساسية الكثير من الناس. و ترفضه الأديان و المبادئ. فسيرة نبينا صلى الله عليه و سلم المليئة بالرحمة و مبادئ الحب و الاهتمام بالطفل ابناً كان أم حفيداً. و أحاديثه الدالة على الرفق في معاملته ما هي إلا نوع من تقليص دور الشدة و العنف في علاقتنا مع الأطفال، ليحصرها الإسلام في حيز ضيق لمعالجة الحالات الشاذة و بشروط دقيقة تبدأ بأداء الدور التربوي و التعليمي باعتباره واجباً و مسؤولية على عاتق الآباء و الأمهات يحاسبون عليه في الدنيا قبل الآخرة.
لماذا تعاقب بالضرب ؟
هل فعلاً حين يلجأ المربي للضرب يعتقد أنه يفعل هذا بدافع التأديب و الحرص على مصلحة الطفل و استقامته؟
أم إن اللجوء إلى الضرب هو في الحقيقة نوع من إفراز التوتر لدى الكبار حين يعجزون عن إفرازه بشكل سليم و نافع؟... أم هو نوع من الانتقام من طفل خرج عن المألوف و المطلوب منه و حاد عن طريق رسمناه له؟
-ابحث عن الدافع الحقيقي للضرب:
مهم جداً أن يكون الدافع الحقيقي لعقاب الطفل واضحاً. لأنه بشكل أو بآخر يتحكم في النتائج المرجوة من ورائه.
و لذلك سأضع لائحة من السلوكيات المزعجة لأطفالنا لنختبر دوافعنا:
-الطفل كثير الحركة بالبيت و لا يهدأ. - طفلك يقف أمام جهاز التلفاز و يحول بينك و بين متابعة برنامجك المفضّل
- يسحب نظارتك ليتلمسها و يحاول تقليدك بارتدائها - الطفل يقفز من ركن لركن و من سرير نومه للأرض
- طفلك يسكب حبراً على ثوبك...
يمكن أن أضيف لائحة بمئات من السلوكيات اليومية التي يلجأ إليها الأطفال بتلقائيتهم المعتادة. و أعتقد أن كل أب و أم بإمكانهما أن يضيفا لائحة طويلة من سجل ذكرياتهما الطفولية.
إن التربية الإيجابية تقتضي أن ندع جانباً أسلوب العقاب بالضرب لإصلاح مثل هذه السلوكيات المزعجة أو تعديلها بحثاً عن أساليب ناجحة و أكثر تأثيراً على سلوك الطفل. و تقتضي كذلك التجرد من الاستجابة لإثارة الطفل و التجاوب السلبي مع وسائله المزعجة.
عندما يحين وقت إنزال العقاب:
بماذا تشعر حقيقة أثناء بدئك إتزال العقاب على ابنك! بم تفكر و أنت تقرر اللجوء إلى الضرب بدل أسلوب الحوار الهادئ؟
لا شك أن هنالك العديد من المشاعر و الأحاسيس و الأفكار تنتابك و أنت مقبل على ممارسة العقاب بالضرب. فلننظر معاً ماذا ينطبق من هذه اللائحة على شخصيتك:
أ- الإحساس الخارجي:
1- تزداد ضربات قلبك. 2- تزداد سرعة إيقاع تنفسك. 3- تدفق كمية أكبر من الدم إلى الرأس.
4- تعرّق و حكة براحة اليد وأسفل القدم. 5- شدّ بالفكّ. 6- شدّ عضلي بالمعدة. 7- شدّ عضلي عام.
8- حكة بالعينين. 9- انغلاق الشفتين و أحياناً تعرف ارتعاشاً..
10- صفير بالأذنين، طنين متواصل بالرأس، تصاعد إفراز الأدرينالين.
11- الوقت كأنه متوقف أو يمر بسرعة غير عادية تفقد التحكم والسيطرة.
12 -عدم إدراك ما يحيط بنا، و تركيز كلّ الانتباه على الطفل (المزعج).
13- الإحساس بضربات النبض، و سرعة التهيج و الانفعال و استجابة سريعة للاستفزاز و الإثارة.
ب- الأفكار:
1- لا أتحمل فوق هذا. 2- سأنفجر أو أجنّ! 3- لن ينقذك أحد مني اليوم! 4- يا له من شيطان، شقيّ!
5- أتمنى أن أتخلص منك و من سلوكك.. 6- الآن انتهى الصبر و نفد! لقد تجاوزت الحدود كلها..
ج- المشاعر الداخلية:
1- عدم القدرة على التحمل. 2- العجز عن مواجهة الأحداث و فقد القدرة على التحكم و السيطرة.
4- الانتقام و الرغبة في المعاقبة. 5- غضب و توتّر 6- ضغوط نفسيّة 7 – تجهّم و عبوس 8- يأس و تشاؤم
9- اهتياج 10 ذعرٌ من فقد السلطة و اندفاعٌ لاثباتها.
بماذا تشعر و قد انتهيت من عملية العقاب بالضرب ؟!
بعد هذا التفاعل الحسي و العاطفي و سلسلة الأفكار المرافقة. ماذا يحدث؟! الانفجار بلا شك هو نتيجة حتمية لهذا التفاعل حيث تقرر أن تلجأ للضرب بدل الحوار. الانفجار ينقلب ضرباً و صفعات و رمياً بالأشياء...
ثم ماذا بعد الانفجار؟!
الحالة النفسية بعد الانتهاء من العقاب يمكن أن تكون بشكل أو بآخر على النحو التالي:
أ- على المستوى الحسي:
1- الانتهاء من إفراز التوتر و تراجع إفراز الأدرينالين. 2- هدوء في ضربات القلب و النبض و انتهاء حالة التعرق.
3- استرجاع الانتباه بشكل أكبر للمحيط. 4- ارتخاء عضلي و استرخاء.
ب- على مستوى الأفكار:
1- يا رب! يا ليتني لم أفعل. 2- هذا يفيده مستقبلاً. 3- أتمنى أن لا يكون قد رآني أحد و أنا في هذه الحالة.
4- لا يهم، و لو رأوني! 5- يمكن أن يكون قد تعرض لإصابة ما؟ هل سيبقى أثر الضرب واضحاً؟..
6- أي (أب) كان سيلجأ للسلوك نفسه..
ج- على مستوى المشاعر:
1- ارتياح. 2- خجل أو شعور بالذنب 3- يأس و تشاؤم 4- حبّ متجدّد 5- انتقام متأجّج
لماذا هذه اللوائح الطويلة ؟
هل تنطبق عليك هذه اللوائح ؟ لا شك في أن بعضها على الأقل ينطبق على كل من يلجأ إلى ضرب أبنائه طمعاً في تعديل سلوكهم و إكسابهم السلوك السوي. لا شك أنك في كثير من الأحيان لا تكادُ تعرف نفسك في حالة الاهتياج و الغضب، و لكن تحاول تهدئتها و أنت توحي لنفسك أنك لست وحدك من يفعل هذا، و أنك رأيت و تعرّضت للحالة نفسها و أنت طفل، و أنّ هناك أقوالاً مأثورة تحث على استعمال العصا (متناسياً أحياناً وضع هذه الأقوال في سياقها السليم)