ثلج صدري، و أطاب نفسي خمسة مشاهد تتكرر مع كل إشراقة صباح جديد.
المشهد الأول:
طفل الخمسة أعوام يودع أباه عند باب الروضة فيقبل رأسه ثم يلوح له بيده.. و عيناه تقولان له شكراً لك يا والدي على تربيتك لي، شكراً على جهدك و تعبك، و أسأل الله أن يجعلني الولد البار بك دائماً.
أما المشهد الثاني:
يدخل علينا الشاب ذو العشرة أعوام نحن جلوس في المسجد ليدعو أباه للحضور إلى البيت لحاجة، فيبدأ بالسلام، ثم يصافح الجميع، و يقبل رؤوسنا واحداً تلو الآخر قبل أن يتحدث إلى والده بأدب و احترام، إنه قرة عين لوالده، و زينة الحياة الدنيا، فهنيئاً للوالد و هنيئاً للولد، و نعمت التربية.. و حسنت الحياة الصالحة.
أما المشهد الثالث:
فهو ذاك الشاب ذو الأربعة عشرة ربيعاً، يلتقي بأستاذه كل يوم فيقبل رأسه قبلتين، تحملان معهما كل معاني الوفاء و العرفان.. و ترفلان بمعاني الشكر و الثناء، و ترسلان للأستاذ أجمل رسائل الاحترام و التقدير.
أما المشهد الرابع:
فهو لشاب في العشرين من عمره، جلس قبالة معلمه قائلاً: أنا رهن إشارتك وقتي كله لك، فجد علي بالعلم و المعرفة و زودني بكل نافع لي في دنياي و آخرتي.. فرأيت في هذا الشاب خير مثال لصحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم في حبهم للعلم و العلماء.. ثم يقبل الشاب رأس معلمه و ينصرف.
أما المشهد الخامس:
لداعية مسلم أصاب الثلاثين من عمره دخل على شيخه، فلما رآه سارع و قبّل رأسه، و تابع القبلة بعبارات الحب و التوقير و الشكر و الثناء على الشيخ فمهما طال عمر الإنسان يحفظ المعروف لأهله و يشكر الشيخ على إحسانه.
فأمسك الشيخ بيد الفتى و قال له ألا يزال أبواك على قيد الحياة فأومأ الفتى بالإيجاب! فأكبّ الشيخ على يدي الفتى فقبلهما! و قال له: اذهب بهذه القبلة إلى والديك فقبلهما عني، فقد أحسنا و الله تربيتك.
و حاول الفتى رد قبلة الشيخ و لكن الشيخ قال له اذهب إلى والديك فقبل يديهما.
هكذا يكون الإحسان و هكذا فلتكن التربية.. و بعدها ننعم- نحن الآباء- بأولاد بررة، و قرة للعيون.. و جيل صالح.. و بعد أفليست هذه زينة الحياة الدنيا و كنزها الثمين؟!
مجلة ولدي ـ العدد (31) يونيو 2001 ـ ص: 6