ماذا لو طرق الرسول (صلى الله عليه و سلم) باب قلبك؟ طرقه الآن، و ليس بعد لحظة، ماذا سيجد في هذا القلب؟ و هل سينظر إليك قرير العين مغتبطًا؟ أم سيدير وجهه الكريم عنك و علامات الغضب تكسو ملامحه الوضيئة؟!
و هل ستفتح باب قلبك مزهوًا بحاله، مطمئنًا إلى ما يحويه من قيم و مبادئ و أخلاق، أم سترتبك، و تتصبب عرقًا، و يغرقك الخجل، لأن قلبك غير مستعد لاستقبال سيد الخلق؟
لنتخيل جميعًا هذا الموقف، و نسأل أنفسنا: ماذا سيكون رد فعلنا؟ هل سنرحب بالزيارة الكريمة، أم سنتعلل ليبقى الباب موصدًا يخفي عورات القلب، و ما ران عليه من سواد و ظلمة!
لنتخيل، و لتكن ذكرى ميلاد النبي (صلى الله عليه و سلم) فرحتنا الذهبية السانحة لمراجعة أحوال قلوبنا و جميع جوارحنا، و التحقق من مدى اتفاقها مع مراد الإسلام و هوى الحبيب المصطفى (عليه الصلاة و السلام).
و لنسأل أنفسنا كل لحظة، بل كل هنيهة: هل تحقق فينا هدف نبوة محمد (صلى الله عليه و سلم)؟ و هل تجسدت فينا غاية بعثته التي حددها في قوله الجامع الموجز البليغ «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»؟
إن الإجابة الصادقة - عن هذا السؤال - مهما كانت صادمة هي خير احتفاء بهذه الذكرى الطيبة.
إذا كانت تلك الإجابة بداية و مقدمة للإصلاح و التغيير، و استحضار البعد الأخلاقي للإسلام في جميع تعاملاتنا مع النفس و الآخرين، و في كل حركاتنا و سكناتنا ليكون هذا الاستحضار استدعاءً أيضًا لأيامنا الزاهرة، حيث ساد الإسلام بأخلاق أهله، و انتشر في آفاق الدنيا بقيمهم التي تربوا عليها في رحاب عقيدتهم، و التي جذَّرها و ثبتها الإسلام في نفوسهم، فكانوا خيار الناس في ظلاله، كما كانوا في الجاهلية.
و تنفرد الأخلاق الإسلامية - دون غيرها من القيم و المبادئ التي تنتمي إلى عقائد و مذاهب وضعية أخرى - بثباتها و مبدئيتها، و في الوقت نفسه مرونتها و قدرتها على التكيف مع متغيرات الواقع دون المساس بالمبدأ، فالصدق صدق، و لكن هناك التورية، و التعريض، و الكذب للإصلاح، و الخدعة في الحروب، و الإخلاص إخلاص، و لكن هناك الجهر بالعمل الصالح، و إظهاره لضرب المثل، و استنفار طاقات العطاء و الخير في النفوس، و الشجاعة شجاعة، و لكن هناك النهي عن تمني لقاء العدو، و التحذير من إلقاء الأيدي إلى التهلكة، و التنفير من إظهار القوة لإرهاب المؤمنين و ترويعهم!
و يعبر الأديب الكبير الراحل مصطفى صادق الرافعي عن هذه الحقيقة في وحي القلم قائلاً: "لو أنني سئلت أن أجمل فلسفة الدين الإسلامي كلها في لفظين، لقلت: إنها ثبات الأخلاق، و لو سئل أكبر فلاسفة الدنيا أن يوجز علاج الإنسانية كله في حرفين لما زاد على القول: إنه ثبات الأخلاق".
نعم هي الأخلاق، سر سعادة الفرد، و تماسك المجتمع، و نهضة الأمة، و سر تفرد العقيدة الإسلامية التي تمتد ظلال جوانبها العبادية أيضًا إلى مجال الأخلاق، و لهذا حرص الإسلام شَرْطَي الدين و الخلق في اختيار الزوج حتى تنبني الأسرة - و من ثم المجتمع، ثم الدولة الشاهدة - على أسس أخلاقية راسخة.
إنها الأخلاق، سلعتنا الرائجة في أسواق غيرنا، و بضاعتنا الثمينة على رفوف الآخرين، و حكمتنا التي وجد فيها سوانا ضالتهم، و إرثنا الذي لم نحسن استثماره و الحفاظ عليه، و ثروتنا الثمينة التي لم ندرك قيمتها حق الإدراك.
فهل نبدأ الآن، و فورًا دون إبطاء في بذل كل الوسع و الجهد للترويج لسلعتنا، و استرداد بضاعتنا، و التشبث بحكمتنا، و الحفاظ على إرثنا و تنمية ثرواتنا، أم سنظل نفتت و نهدم في بنيان عقيدتنا حجرًا حجرًا حتى نصل إلى الأساس.. إلى الأخلاق؟!