كنت بعد في التاسعة من عمري و في يوم ما لاحظت لي والدتي الكريمة هذه الملاحظة "لا شيء يسعدك مثل تخيلك لقصة و روايتها." بالفعل و لهذا باكرا جدا تكونت لدي فكرة عما سيكون مستقبلي، كنت واثقة من نفسي، أعرف ما أرنو إليه و مستعدة لبذل كل ما في وسعي في سبيل ذلك.
عند إرتيادي لمقاعد الدراسة في متوسطة شكيب أرسلان ببن عكنون، كنت قد إخترت لنفسي ثلاث مسارات إما القانون و إما العلوم السياسية و إما كتابة القصة و الرواية و إفراد وقت كبير للتفكير في مخارج لأزمات الأمة الإسلامية المتداخلة.
كانت الرؤية واضحة و لم أقلق والدي الكريمين و لم أعاني كثيرا في مشواري الدراسي الرسمي القصير. ما دمت حددت هدفي لم القلق و لم التوجس ؟ كنت أشعر أنني محظوظة لأنني لم أتحمل حينها هموم جل شبابنا اليوم، لم أفكر في الإسترزاق بل فقط في كيفية نفع الآخرين. لم أفكر ماذا سيكون مصيري و لم أرسم معالم مستقبل وردي مائة في المائة، و لحظة ما حسمت أمري لم أندم أبدا و إن عاودت الكرة سأختار نفس النهج الذي سرت عليه.
سرعان ما صرفت نظري عن القانون، لأنه وضعي و لم أشأ توريط نفسي في التنظير و الإجتهاد وفق عقل الإنسان القاصر.
في العلوم السياسية، كنت لا أطيق التوجيه الأكاديمي، لا شيء أكرهه مثل تقييد حرية البحث و العلوم السياسية بحر لا ضفاف له و كنت أرغب في التوغل فيه إلي أبعد ما يمكنني ذلك. و الحمد لله مزجي بين الخيال و العلوم السياسية و التاريخ و قيم ديننا الطاهرة دفعني دفع نحو هذا الدرب الذي أسير فيه منذ عودتي النهائية إلي أرض الوطن في 1987.
أحمد الله حمدا كثيرا، كثيرة هي العقبات التي تجاوزتها بفضل الله و بفضل تصميمي و كثيرة هي المحفزات و افضل من شجعوني في هذا المنحي كانا والدي الكريمين.
أذكر كيف ان مختار عنيبة رحمه الله كان يقرأ مقالاتي في بدايات نشرها في الصحافة الوطنية و كيف سعد بعمودي المستمر إلي يومنا هذا عبر ركن نظرات مشرقة، كان يقرأ لي رحمه الله و يناقشني و يصحح لي أحيانا و أحيانا أخري ينصحني و ينبهني لأمور غابت عني.
إعمال العقل فيما يفيد الدين و نهضة المسلمين، هذا ديدني و اللهم يتقبل مني الله عز و جل و يغفر لي و يرحمني برحمته الواسعة.