أكبر عائق في قراءتنا للتاريخ، الشهادة الغير الأمينة لأبطال هذا التاريخ.
كنت دوما حذرة في تعاملي مع المادة التاريخية، خاصة تلك التي تتعلق بالعصر الحديث، فثورة 1 نوفمبر 1954، لم يمضي عليها 100 سنة و من عاشوها، سردهم لوقائعها و معاركها و مسيرتها تشوبها لامحالة مسحة من الذاتية.
فكل مشارك في ثورة 1954 له رؤيته الخاصة به و المرتبطة بتصوراته، أماله و خلفيته التربوية و العلمية و النضالية و النفسية و عند سرده لسهمه أو كيف رأي واقعة معينة كأحد الشهود القريبين أو البعيدين، فحتما ستتأثر روايته تلك بأراءه و إنطباعاته و أحيانا بحكمه و تقديره للأشخاص و المواقف.
عند الإدلاء بالشهادة، من الصعب التجرد و نهج حيادية كاملة ناحية الأشخاص و الأحداث. كم من مرة قرأت فيها سرد تاريخي لمعارك و خطط توضع و لهجة النقد التي تتبع ذلك تظهر مرة أخري ذاتية ما. فأي كان الظرف الذي يعيشه المناضل و المقاتل و المجاهد، فهو لصيق بيئة و إبن ثقافة و له فهمه لمجري الأحداث، لهذا اؤيد التوجه القائل بإعادة قراءة حدث ما من زوايا عدة و مختلفة و لا بد من مقارنة بين الأقوال و كيف عايش عدة أشخاص نفس الحدث، لعلنا نلتقط في ذلك السرد الفردي لكل واحد منهم خيط جامع و تتضح لنا امور ما كان بإمكاننا التفكير فيها لولا جلسات إستماع و غربلة و تدقيق و تدوين.
و لا ينبغي نسيان أن التأويل الشخصي كثيرا ما يضر بالسرد التاريخي، فتدخل الأحكام الذاتية يشوه مسيرة و تسلسل الأحداث، بالإضافة إلي كل ذلك علينا بأخذ بعين الإعتبار الشهود الغير المباشرين و الوقائع المادية علي الأرض و كيف أن عامل التقادم يؤثر بشكل ما علي الذاكرة.
كل موقف له تبعاته و أسبابه الظاهرة و الباطنة و لا أحد يطلع علي النوايا سوي الله عز و جل، و التعاطي مع التاريخ خاصة ثورة 1 نوفمبر 1954 يتطلب قدر كبير جدا من الحياد، فنحن في حاجة إلي إنصاف تاريخ مليء بما قيل و ما سكت عنه.