قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 19 أيلول/سبتمبر 2018 08:14

متى سنكتشف محمد شعبان صوان؟ تقديم لأهم أعماله " سلسلة أمريكا الإسرائيلية وفلسطين الهندية الحمراء

كتبه  الأستاذ أنس سلامة من فلسطين الشقيقة
قيم الموضوع
(1 تصويت)

في بداية عام 2017م وفي التاسع عشر من شهر آذار أكرمني الله ـــ تعالى! ـــ بالتعرّف على الأستاذ الفلسطيني ابن مدينة غزة، الأستاذ محمد شعبان صوان، و بعد سنة و نيف من هذه المعرفة الجليلة أقفمحيي الأستاذ الصوان، بهذا الكم الهائل من المعلومات التي أمدني بها خلال هذه المدة القصيرة؛ إذ لم يألُ الأستاذ جهداً في بذل معارفه و اعتزازه بتاريخه العربي الإسلامي، سيّما العثماني منه لتخصصه به، و إنني لأتقدم اليوم باسمي و باسم كلّ مَنْ يقرأ أعماله بتحية إكبار و احترام و محبة؛ لدقته و إنصافه و بثه لقيم العلم و التعلم ــــــ التي لطالما كان منارةً فيها ــــــ و مهما قلنا في حقه فلن تتسع مِداد الحروف للحديث عن مدى تقديري لشخصه الكريم، فهو إنسان لا يُرهبه الموت؛ إذ شغل نفسه طوال حياته بقضية، وضع حياته ثمناً لها، و هذا بدوره قد خلق في نفسه قوة و عزيمة لا تنثنيان، فكان باحثاً عن الحق في جميع أعماله المعرفية.

و الأستاذ شعبان صوان معلم مكافح، مثابر عصامي، بنى نفسه بنفسه، و ممن يعد الآن خاتمة الموسوعيين المنفتحين على آفاق مختلفة، ممن لا يعرفون التقوقع أو الانغلاق أو الانكفاء على موضوع واحد، و نحن نعتقد كذلك، و إنّ أشد كتاباته المعرفية التي شكلت عصارة حياته الفكرية و ذروة إنتاجه هي" سلسلة أمريكا الإسرائيلية و فلسطين الهندية الحمراء "فلقد أتحفني الأستاذ القدير بنسخة من كتابه قبل طبعه مكنني فيها على غير عادتي من قراءة الكتاب فكانت هي الفرصة التي لا غنى عنها في فهم تاريخ التجربتين الأمريكية و الصهيونية و التي يقصد المؤلف منها إلى تشابه فصول الإبادة بمختلف أشكالها مع مسألة القضية الفلسطينية.

فإذا كان هناك مفكرون فلسطينيون، قد أحدثوا ثورة حقيقة في ميدان أعمالهم و ربما كانت غير مسبوقة من قبلُ، فإن الأستاذ صوان ليس بأقل أهمية من أي مؤرخ فلسطيني و عربي، فما أحدثه من ثورة في ميدان التاريخ؛ يعدُّ مفصلاً تاريخياً يجب الوقوف عليه و تدقيقُه؛ لما فيه من فوائد مستقبلية لتشخيص الأزمات التي نمرُّ بها في عالمنا العربي و الفلسطيني.

ثم لماذا محمد شعبان صوان اليوم ؟

بالإطلاع العام على المواضيع التي يطرحها الأستاذ شعبان و كتاباته في المجال( التاريخ العثماني و الإستعمار الغربي و تاريخ التجربة الأمريكية-الصهيونية) فإننا نخرج بخلاصة بأن منهج شعبان صوان و فكره هو المنهاج الأمثل مع مناهج مشابهة للخروج من الأزمة التي يتعرض لها كلٌّ من عالمنا الإسلامي و العربي، فحديثي ها هنا لا يقرر تأليه الأستاذ شعبان، و إنما هو للفت الانتباه إلى المجهود البشري المبذول، الذي لم يحظَ بوافر الإهتمام بدور النّشر العربية كإهتمامها بثانويات الأمور التي لا ترقى إلى همّ الأمّة العربية و قضاياها الراهنة، و إنني أهتبلُ الفرصة بأن أتقدّم بالشكر الجزيللكلاٍ من (دار الروافد ــــ و ابن النديم) و القائم عليهما الأستاذ خالد الشاطر على مجهوده الكبير في ضخِّ مصطلح " القضية الفلسطينية " و استحضاره و استقطاب الكُتَّاب المبدعين أمثال الأستاذ شعبان؛ لإعادة تجديد الحياة بالأطروحات المتعلقة " بالقضية الفلسطينية " و علاقة فلسطين بكل من تاريخها العربي الإسلامي و هويتها العثمانية الفريدة.

   ثم إنّ المطلع على التاريخ يعلم بأنه من النادر أن يحصلَ تغيير على يد الحكام و السياسيين؛ إذ أزمة التخلف في العالم العربي تكمنُ في أنّ كُتَّابهم مُحْبَطُونَ و فاقدون للثقة، و أكثر ما يكتبونه هو تقليد و إعجاب بحضارة القوة منذ القرن السابع عشر و إنني أرى أنّه ليس ثمّة إبداع و إنتاج في التقليد الأعمى، بل قد يؤول ذلك إلى سير تقهقريٍّ مذموم.

ففي زمن يعيد فيه المستعمِرون الاعتبار لتاريخهم الاستعماري زاعمين أنه تاريخ إيجابي حتى لمن كان ضحيتَه.

أليس من الأوْلى أن يكف فيه الضحايا عن تشريح ذواتهم و لوم تاريخهم الحديث، الذي لم يدَّخر وسعاً للدفاع عن وجودهم و بقائهم، ضد قوى عظمى قضى الله أن تكون في مرحلة الفتوة التي تجاوزناها منذ أمدٍ بعيد، فكان لها بذلك ميزة علينا في حلبة المنافسة و لم يكن بإمكاننا وقتها إعادةُ عقارب الساعة إلى الوراء بلمح البصر أو إنجاز القفزة المطلوبة في لحظات في وقت اقتضى إنجازها قروناً عند أصحابها، بعيداً عن القوى الخارجية المعرقلة التي حفل بها تاريخنا الحديث، و من الأجدى اليوم الانشغال بهموم اللحظة الحاضرة بدلاً من استمرار البكاء على ما فات و الانشغال بتشويه مراحل تاريخية اتسمت بإنجازات كبرى عجزت عنها المراحل التالية بصمود عز نظيره آنذاك بين الأمم.

كما لا يمكن لنا الانطلاق بثقة لبناء المستقبل مادامت لدينا قناعات سلبية عن ماضينا الذي يستحق منا تقديراً أكبر، يدعم قدراتنا التي يشلُّها اليومَ انعدامُ الثقة بالذات، المؤدي للإنبهار بما عند الأعداء و مِنْ ثَمَّ الوقوع في فخ الاستلاب، في الوقت الذي تؤكد فيه الدراسات التاريخية الأجنبية المحايدة أكثر من العربية ــــــ مع الأسف ـــــ وجوب فخرنا بهذا التاريخ الذي طالما استقيناه كله من مصادر معادية، و هذه خلاصة أعمال الأستاذ شعبان صوان و التي يؤكد صاحبُها على أنه لم يفتح وثائق جديدة و لا مخطوطات دفينة.

و بناءً على ما تقدّم ذكره؛ يأتي الجواب على العنوان المذكور أعلاه لماذا شعبان صوان ؟ و التي يجيب عليها برسالته " يسرني نشاط قرائي و تفوقهم عليّ حيث إن هذا هو دليل نجاحي بتكوين أساس متين ينطلقون منه إلى مستويات عليا لم أصلها.

و هذا الذي تقدّم؛ فتح باب المقارنة بين الأستاذ محمد شعبان صوان باعتباره مؤخراً و باقي المؤرخين الفلسطينيين، فما يميز الأستاذ شعبان عن الأساتذة المؤرخين الفلسطينيين كالدكتور وليد الخالدي و سليم تماري و سميح حمودة و رشيد الخالدي و عادل مناع و ماهر الشريف و يزيد صايغ و غيرهم من الأساتذة الكبار.

فالأستاذ شعبان مؤرخ كبير لا يقل أهميةً عن هذه الأسماء لا بل موقعه منفرد متمايز بينهم، كونه مؤرخاً فلسطينياً معاصراً شقَّ طريقه بجهده الخاص، و كلهم أعلام و لديهم مساهماتهم المهمة التي لا نقلل من شأنها، إلاّ أنّ الأستاذ شعبان كبير بين الكبار و يتميز عليهم في أنه أعاد الاعتبار للتاريخ العثماني المتأخر الذي شوهته تياراتُ المؤرخين المتأثرين بالفكر القومي العربي و هذا التمايز، بإعادة الاعتبار لمرحلة مشوهة و مهملة، جعله يتفوّق على أقرانه في فهم تاريخنا القريب، و تظهر كل من براعة و تمكن و بحث الأستاذ شعبان الموضوعي في كتابه الموسوعي " السلطان و التاريخ لماذا نقرأ التاريخ العثماني " فقد شق الأستاذ في مؤلفاته منهجاً جديداً في كتابة التاريخ. و تعبر كتاباته عن كثير من الصبر و السعة و الهدوء و الرصانة في التعامل حتى مع سلبيات التاريخ العثماني، و هو في هذا لا يفتح الباب بمنهجه المتفرد باستخدام السلبيات ليعممها و يسحبها على واقعنا، و لا يسمح بوضع هذه السلبيات شماعة لواقعنا المأساوي اليوم، لا بل و يضع هذه الخلافات في إطارها، و يحاول فَهْمَهَا فهماً دقيقاً دون الخروج عن نطاق و ظروف ذلك العصر، و تلمِسُ بكتاباته حرصَه الفريدَ على الوحدة و التقريب، و هذا كله جعلت الأستاذ يتفوق على أقرانه من المؤرخين الفلسطينيين إذا ما شئنا المقارنة بينهم، و هو ما يبرز الأستاذ كمؤرخ و باحث قدير متمكن.

و مع اقتراب اكتمال سلسلة أمريكا الإسرائيلية و فلسطين الهندية الحمراء بجزئها الرابع و الأخير المعنون بالخط العريض تحت عنوان " مظالم التنوير" تأتي هذه المقالة المتواضعة في محاولة تقديمٍ لهذا العنوان، مشيراً إشارةًسريعةً للأجزاء الثلاثة الأولى، و بإسهاب عن الجزء الرابع الذي هو آخر ما صدر للأستاذ صوان.

في أمريكا الإسرائيلية و فلسطين الهندية الحمراء : تاريخ السوابق الأمريكية للجرائم الإسرائيلية دراسة مقارنة ( من كولمبس إلى لنكولن):-

تعمّق الباحث الفلسطيني محمد شعبان صوان في هذه المقارنة الفريدة حتى نشرها في سلسلة مكونة من أربعة أجزاء تم عنونتها بعنوانها الشهير "أمريكا الإسرائيلية و فلسطين الهندية الحمراء"، و هو ثمرة لبحث أنجزه في خريف عام 1985 لمادة تاريخ أمريكا في قسم التاريخ بجامعة الكويت و نال درجة الامتياز الوحيدة من بين الدرجات الممنوحة لطلبة المادة نفسها و قد كان قد أقترح الدكتور منصور بوخمسين على الأستاذ بالنشر فوراً و عدم المماطلة، و لكن السلسلة لم تبدأ بالنشر إلا في عام 2015 حين نضجت الفكرة في ذهن الكاتب كما يقول بنفسه في الجزء الثاني من السلسلة في المقدمة.

و تأتي هذه الأجزاء مرتّبة كالآتي :-

1- الجزء الأول "أمريكا الإسرائيلية و فلسطين الهندية الحمراء" يغطي التاريخ الأمريكي منذ وصول كولومبس إلى زمن أبراهام لنكولن الذي وصف بكونه محرر العبيد، الكتاب الضخم (768 صفحة من القطع الكبير) هو دارسة تاريخية موسّعة، مليئة بالأحداث و المقارنات و الوثائق و مستندة إلى مئات المراجع، و متضمنة لصور تاريخية و خرائط، فيعتبر كتاباً مليئاً بدروس التاريخ التي لا بد من إعادة قراءتها لفهم أعمق لواقع فلسطين اليوم.

2- الجزء الثاني "الحروب و المفاوضات على المقدسات" يغطي التاريخ الأمريكي منذ ما بعد الحرب الأهلية إلى سنة القضاء على المقاومة الهندية و من ثم إغلاق منطقة التخوم (1890) و من ثم تحول السكان الأصليّون إلى المقاومة القانونية في الزمن المعاصر، و ما هي نتائج المفاوضات على المقدسات و ما هي قيمة الرأي العام و التوجهات الإنسانية التي ما زلنا نعول عليها في نضالنا.

3- الجزء الثالث "القضايا المعاصرة" يغطي تاريخ الهنود الحمر في الزمن المعاصر كما سجلته الصحف الناطقة باللغة العربية منذ صعود القوة الهندية في الستينيات إلى اليوم، حيث اهتمت بالتطابق بين القضية الفلسطينية و قضية سكان أمريكا الأصليين.

" مظالم التنوير" : في أمريكا الإسرائيلية و فلسطين الهندية الحمراء :-

و هي الدراسة التي نُشرت في كتاب يحمل هذا العنوان عن دار "الروافد الثقافية" (بيروت) و"ابن النديم" (الجزائر) تأتي في عدة أقسام؛ حيث وزّع الكاتب بهذه الدراسة فصول بحثه و قسّمها تحت عناوين مختلفة تشمل المقدمة و عناوين الدراسة الرئيسة المتنوعة و الملاحق ثم الخلاصة و الاستنتاجات و المراجع.

و في هذا الجزء ـــ الأخيرــــ من سلسلة أمريكا الإسرائيلية و فلسطين الهندية الحمراء يأخذنا شعبان صوان إلى استعراض خلاصة سرد تاريخ السكان الأصليين في أمريكا، و ذلك بتوضيح مكان " الآخر " في مشروع التنوير الغربي، و علاقة قيم هذا التنوير الأوروبي بما ارتكبه أبناؤه من جرائم ضد السكان الأصليين، ذلك أن الصورة الوردية التي يحملها كثير من الناس عن التنوير تتناقض مع ما وقع على الأرض و تكاد تنحصر في الكتب الأكاديمية و المثاليات الفكرية، و من يجرؤ على الربط بين التنوير و الجرائم التي ارتكبها أبناؤه ينحو لجعلها انحرافات طارئة عن مضمونه الخير الحر الديمقراطي الإنساني العلماني العقلاني العلمي، و هذا ما يحاول الكتاب بيان زيفه من واقع الأحداث التاريخية التي كانت سلسلة من النتائج المترابطة لما سنه التنوير و العقل الأوروبي في نهضته الحديثة.

و من هنا فلا مكان للقول إن جرائم الأوروبيين التي افتتحت في أمريكا كانت مجرد انحرافات طارئة و إنها تزول مع تطور القيم نحو الأفضل، ذلك أن مضمون الحديث في الكتاب أن جرائم القرن التاسع عشر و ما سبقه ليست غريبة عن القرن العشرين و ما بعده، و بهذا يرد المؤرخ شعبان صوان على المؤرخين الذين حاولوا بمحاولات يائسة تبيض صفحات تاريخ أمريكا بالقول أنه يجب ألا نحاسب الماضي بقيم الحاضر، فتأتي هذه الدراسة للرد بأن الزمن لم يتقدم كثيراً منذ ذلك الماضي، و التطور الضخم الذي يتخيله هؤلاء لم يحدث، و ما هو مرفوض اليوم كان مرفوضاً آنذاك و كل ما في الأمر أن دواعي تلك الجريمة انتهت بموت الضحية و الاستيلاء على أملاكها فلا معنى لاستمرارها، و لكن يؤكد الأستاذ شعبان صوان بأنه لو تجددت الحاجة لنفس الممارسة في زمننا المعاصر فإن المجرم لن يتردد في ارتكاب الجريمة مرة أخرى، و يدعم كلامه بالحديث عن الجرائم الكبرى التي حدثت و لا زالت تحدث في القرن الحادي و العشرين، مؤكداً على أن المجرم لم يقلع مرة واحدة عن إجرامه، و هذا ما يحاول الكاتب الجواب عنه في سلسلة من النتائج المترابطة و المنطقية لما سنه التنوير و العقل الأوروبي في نهضته بوقوع أحداث تاريخية دموية، أدت إلى تراجع الغرب عن مثالياته العامة التي فرضت عليه المصالح و المنفعة، مساراً خاصاً من الإبادة و الاستعمار و الرق و الاستغلال و النهب، بدلاً من الحرية و الإخاء و المساواة و العدالة التي أصبح لها معان خاصة بالأوروبيين، و تتناقض كثيراً مع المعاني اللغوية العامة التي تبهر أنصار التغريب اليوم، و لعل ميزة التاريخ الهندي في أمريكا أنه يوضح أثر التغيرات التي صاحبت انتقال أوروبا من العصور الوسطى التي وصفت بالظلام إلى أنوار العصر الحديث، على معاملة الآخرين، ليتبين كما وضح المؤرخ شعبان أن العلمانية و الإنسانية و العقلانية و الديمقراطية و الحرية و غيرها من شعارات " التنوير " لم تقم بمحو آثار التعصب الديني في العصور الوسطى، بل وضعت له أساساً أكثر رسوخاً و ضماناً للحفاظ على المصالح الأوروبية العدوانية، بعدما سار الإيمان بالكتب المقدسة في طريق التلاشي، و هذا التجديد هو الذي حدد مكانة الآخرين السلبية في مشروع الحضارة الغربية بما يتناقض مع سعيهم المستمر للانضمام إلى جنتها الحصرية دون أن تنجح الغالبية العظمة منهم في ذلك حتى يومنا هذا لأنهم لم يدركوا حدود رغبتها النظرية و العملية في ضم الغرباء إلى دائرتها التي انطبقت عليها الشعارات الإيجابية و لكنها بالتأكيد لم تنطبق على خارجها.

إن تجدد مظالم أمريكا الإسرائيلية في فلسطين الهندية الحمراء ينفي كون القيم المتخلفة في القرن التاسع عشر هي التي أدت إلى المظالم الهندية و يؤكد أن ما حصل في ذلك القرن تجدد في القرن العشرين و يمكن أن يتجدد في أي وقت متى ما دعت المصلحة المادية إلى ذلك، و مهما علت أصوات الضمير بحد تعبير المؤرخ شعبان فإنّ ما نسمعه من أصوات كانت أيضاً موجودة في القرون الماضية و لكن تأثيرها كان معدوماً بسبب وقوفها في وجه القيمة العليا لحضارة المجتمع الغربي و هي المنفعة، و هي بذات الوقت اليوم تأثيرها معدوم في الجرائم الكبرى المعاصرة، و بهذا بغض النظر عن القيم السائدة التي كانت تعارض ذلك في القرن التاسع عشر كما عارضت في القرن العشرين، فإن المظالم وقعت لا محالة و عادت لتتجدد في مظالم أخرى كلما اقتضت المصلحة ذلك، و ربما الفرق بين القرنين هو عدم توفر مزيد من الأراضي " الخالية " في القرن العشرين لممارسة نفس الجريمة السابقة عليها، و من المؤكد أنه لو توفرت هذه الأرض الواسعة، كما حدث في فلسطين على نطاق أضيق في وسط القرن العشرين، لتكررت عليها مأساة إبادة الشعب الأحمر، و إذا كان المؤرخون يدعون أن كل أهوال الإبادة الهندية اقتصرت على مليون واحد من الضحايا و هو عدد الهنود زمن وصول كولمبس كما يزعمون، فإن حصار العراق وحده قد قتل أكثر من هذا العدد بكثير في مدة أقصر بكثير وسط تبريراتهم و تأييدهم الحماسي، هذا إن نسينا ملايين الضاحيا في فيتنام و الجزائر و غيرها من الجرائم التي تتنافس دول الغرب فيما بينها على كسبها، و بهذا تكون النتيجة واضحة بأن قيم الغرب لطالما كانت في تدهور و ليست في صعود.

و بهذا يأخذنا الكاتب إلى تحليلات واسعة و جلية و أسئلة لا بد من الإجابة عليها تنطوي في ثنايا الكتاب فإذا كان الغرب القوي الناضج قد تفوق على غيره فلماذا قام هذا الغرب بالاعتداء على القاصرين و استغلالهم و نهبهم و قتلهم ؟! أليس هو ذاته الغرب الذي علمنا و تباهى بأنه علم القانون للبشرية ؟ و هل تقبل جنة الغرب الحصرية باستيعاب الآخر ؟ و ما الدور الديني الذي لعبه دوماً في عدوانه رغم أنه تباهى بأنه فصل الدين عن الدولة ؟ و لماذا يعد أنصارُ التغريب الضعفَ عيباً ؟ و أنه بهذا الاختلاف بين المستويات الحضارية مبرر للغرب القوي باستغلاله ؟ و كيف تنقلب المعادلة لتصبح بأن يجوز للكبير استغلال ضعف الصغير و تجاوز حقوقه ؟ و لماذا يوضع الذنب على الصغير الذي " سمح " ضعفه للكبير باغتصابه لكون ترك نفسه ضعيفاً ؟ و نسوا هؤلاء بأن هذه هي سنة الحياة ! و أن القانون الذي يدعي الغرب أنه علمه للبشرية لا يرضى بهذا المنطق ! إلا أنه عاد و خالف مثالياته بما شهدانه بتعامله مع العالم الثالث، ثم وجدنا بأن اللوم تم توجيهه للضحية و ليس للمجرم, و من ثَمَّ التصفيق للمجرم على جرائمه و على بكائه بعد بكاء المجرم ضحيته، فيا للعجب!

و في ثنايا هذه الأسئلة يكمل المؤرخ شعبان تساؤله قائلاً: لماذا على أنصار التغريب الانبهار دوماً بالتقارير الغربية و اعتبارها جزءً من تصحيح الغرب لأخطائه ؟ و يأخذنا بعرضه للكتاب إلى البحث عن خطأ واحد تم تصحيحه قبل فوات الأوان، و يتسائل عن دور البكائيات و المصححين و ما هو مكانتهم في المجتمع الغربي ؟ و ما هو دورهم عندما كان الخطأ ضرورياً ؟ و ماذا حققت هذه المعارضة على طول تاريخ الحضارة الغربية في مواجهة كل من الجرائم الكبرى : الإبادات و الاسترقاق و العنصرية و الاستعمار و النهب و الاحتكار و فرض التخلف و الاستبداد على الآخرين ؟ و هل تغير شيء بناء على معارضتها ؟ و ما هو الأفق المتوقع لإنجازاتها و هل سيكون المستقبل أفضل مما مضى ؟ و لماذا يكون الشر دائماً في موقع القرار في الغرب أما الخير ففي موقع الاعتراض غير المجدي ؟ و كم نسبة هذه المعارضة على طول تاريخ امتداد الحضارة الغربية و حتى يومنا هذا ؟ و لماذا لم تؤثر في واقع كان مستمراً في جريمته بلا مبالاة ؟ و هل يكفي أن يكون الضمير مستنكفاً بعد فوات الأوان ؟ و ما هو الأثر بهذا لهؤلاء و أمثالهم فيما يعرف " بآلية التصحيح الذاتي للأخطاء " ؟ و هل تم التوبة عن جريمة واحدة أثناء الحاجة إليها ؟ و ما هي فائدة الاعتذار حتى لو وقعت الجريمة بعد فوات الأوان و ما الذي تغير الآن ؟

و بهذا يقودنا شعبان صوان بعد هذه الرحلة الطويلة لاستنتاج الجزء الرابع و الأخير من سلسلة أمريكا الإسرائيلية و فلسطين الهندية الحمراء بعنوانها مظالم التنوير هو أن الإبادات الجماعية التي تمت في القرون الحديثة الماضية في القارات الأمريكية و الأسترالية لم تتم لقصور في قيم الغرب أو لعدم إدراك أن ما يحصل هو جريمة بكل معنى الكلمة، بل كانوا يعرفون ذلك و يدركونه جيداً و لكن مصالحهم كانت تقتضي دوماً ارتكاب هذه الجرائم التي تكررت كثيراً في القرن العشرين و ما بعده في وقت الذي يزعم فيه أن هذا القرن وصل قمة القيم، و لو حدث أن اكتشفوا قارة بحجم أمريكا في زماننا و فيها من البشر ما كان في أمريكا فإن الغرب لن يتردد بارتكاب نفس الإبادة الجماعية في ظل أرقى القيم و المثل دون أي رادع منها، فمَن يعتقد أن الضمير وحده قد يقف أمام أطماع البشر ؟

فالفكرة هي المنفعة و في ظلها ارتكبوا و يرتكبون و سيرتكبون أبشع الجرائم و هم يعلمون ذلك و هذه هي خلاصة أمريكا الإسرائيلية و فلسطين الهندية الحمراء، و أن المعلومات واضحة أمامهم تماماً و أمام الجميع و مع ذلك يتم ارتكاب الجريمة اليوم و الأمس و غداً لا بسبب قصور القيم و المفاهيم بل بسبب الأطماع التي تزين الجريمة للمجرم، كما يبرر اللص أفعاله بالظروف و الشيطان و المظالم التي يتعرض لها، و المشكلة أن المجرمين الكبار لا يلومون الشيطان الشاطر لأنهم بهذا سيدينون أفعالهم " بالشيطانية " بل يصمون ضحاياهم بهذه الصفة ليصبحوا هم المَدَنِيُّون المحضرون حملة لواء العلم و الإنسانية و العقل.

و بهذا فإن صوت العقل تحجبه المنافع، و كما قال الدكتور المسيري ــ رحمه الله ــــ إن اكتشاف الحقيقة لا يعني بالضرورة التراجع عن الخطأ، لأن البشر غير موحدين في استجاباتهم للمثيرات، و من هنا كان من الصعب صياغة الظاهرة الإنسانية في علم بقوانين ثابتة، فالموقف كما يقول المسيري ليس محصوراً في صقور و حمائم بل هناك أيضاً الدجاج و النعام و طيور أخرى يتوزع عليها ردود الأفعال البشرية المتنوعة و غير المتوقعة، و لهذا نرى كثيراً أن اكتشاف الحقيقة قد يؤدي إلى التشدد في الباطل، و ليس التراجع عنه و هذا هو حال الحضارة الغربية.

تعريف عام بسلسلة "أمريكا الإسرائيلية و فلسطين الهندية الحمراء " :-

هي سلسلة ترصد التشابهات بين تاريخ القضية الفلسطينية و قضية السكان الأصليين في أمريكا، و ذلك لتقديم العبرة و الإفادة من تجارب قضايا أمم سبقتنا في مواجهة نفس العدو الذي نواجهه اليوم و كانت لها نفس ردود الأفعال على نفس السياسات التي تتبع ضدنا، بحيث يرى الباحث شعبان صوان بأن النموذجيين التاريخيين الأميركي و الصهيوني متقاربان إلى أقصى حد،فمن خلال النظر و استكشاف التاريخ الأميركي مع الهنود الحمر أو السكان الأصليين للقارة ثم مقارنة هذا التاريخ بما مورس من قبل الصهاينة ضد الفلسطينيين ستجد تشابهاً و تبايناً كبيراً للسياسات الصهيونية و التي سبقه بها نظيره الأمريكي و طبقها على حق شعب مسالم كان يعيش أوج ازدهاره فجاء و قطع الطريق عليه و أباده.

و لأن الروابط الدينية و الثقافية و الحضارية التي تميز العلاقات الأمريكية الصهيونية لم تعد من القضايا المخفية عن القارئ العربي؛ إذإن التشابه بين ما حصل في بلاد الهنود الحمر من قبل المستوطنين أعمق مما نتخيل و يمتد للسياسات التفصيلية جاء هذا التسليط الضوء على قضية الهنود الحمر، فلو أننا علمنا آليات عمل الكيانات الاستعمارية الاستيطانية لوفرنا على أنفسنا كثيراً من طرق المعاناة و الخسائر التي دفعنا ثمنها، و تجارب سياسية فاشلة كان غيرنا قد سبقنا إليها فأحبطته أيما إحباط.

قراءة 3728 مرات آخر تعديل على الخميس, 20 أيلول/سبتمبر 2018 17:36

أضف تعليق


كود امني
تحديث