قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأربعاء, 03 أيلول/سبتمبر 2014 08:12

في ذكرى هزيمة أمريكية نكراء في العيد المئوي للاستقلال الأمريكي: مآل المفاوضات على المقدسات

كتبه  الأستاذ محمد شعبان صوان
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الملخص: في 25 يونيو/ حزيران/ جوان من سنة 1876 تلقى الجيش الأمريكي هزيمة نكراء على أيدي السكان الأصليين الذين كانوا يدافعون عن آخر معاقلهم في شمال السهول الوسطى بالولايات المتحدة (داكوتا) ضد تمدد الاستيطان الطامع بالذهب المكتشف حديثاً في أراضيهم المقدسة في التلال السوداء، و تلقى الأمريكيون أنباء الهزيمة بعد وقوعها بعشرة أيام وهم في غمرة أفراحهم بالذكرى المئوية للاستقلال، فأعاد الجيش الكرة على الهنود حاملاً حقد قرون من العداء و التوسع مما أدى إلى فرض شروط الهزيمة عليهم و استيلاء الحكومة الأمريكية بمعاهدات ملفقة على أرضهم المقدسة و الغنية التي كانوا يقاتلون للدفاع عنها بكل قواهم، و لما تعرضوا للاكتساح و الإبادة و غمرتهم أمواج الاستيطان الجارفة و فقدوا كل الآمال بالانتصار العسكري لجئوا إلى المفاوضات و القانون و عدالة أعدائهم التي حكمت بعد قرن من عملية السرقة و نصف قرن من الجري في أروقة المحاكم بتعويضهم بمبلغ إذا وزع اليوم عليهم سيحصل كل فرد من القبيلة المعنية على أكثر من 10 آلاف دولار، و لكنهم مازالوا يرفضون و يطالبون بعودة الأرض المقدسة نفسها وسط رفض قاطع من السلطة و الشعب في أمريكا بسبب أهمية مواردها السياحية و المعدنية و الزراعية، فماذا يقدم هذا العرض من عبر لقضيتنا؟




* تمهيد: علاقة السابقة الأمريكية بالجريمة الصهيونية




قبل الدخول في الموضوع الرئيس تحسن الإشارة إلى أن كثيراً من الدراسات تفيد بوجود علاقة وثيقة بين السابقة الأمريكية ضد الهنود الحمر و الجرائم الاستعمارية و الصهيونية في المشرق العربي الإسلامي، فقد كان اكتشاف أمريكا ابتداء جزءاً من محاولة الالتفاف على المشرق العثماني لإيجاد طريق آخر إلى الشرق الأقصى،[1] بالإضافة إلى البحث عن ثروات تمول غزو الأراضي المقدسة في فلسطين لانتزاعها ثانية من أيدي المسلمين،[2] ثم كانت معاملة الأوروبيين لسكان أمريكا الأصليين تطبيقاً للرؤى الدينية المستقاة من الكتب المقدسة عن سكان فلسطين القدماء،[3] كما عاملوهم أيضاً وفق الرؤى التي تكونت لدى الفرنجة عن المسلمين أثناء الحروب الصليبية،[4] ثم أعاد الأوروبيون و الأمريكيون الكرة ثانية لينظروا إلى العالم عموماً[5] و المسلمين عامة و العرب خاصة[6] و أهل فلسطين بشكل أكثر خصوصية بطريقة تطابق نظرتهم إلى الهنود الحمر،[7] بالإضافة إلى تشبيه المستوطنين الصهاينة بالمستوطنين الأمريكيين الأوائل[8] و الذين جمعهم الرئيس الأمريكي جيمي كارتر (1977- 1981) جميعاً في سلة واحدة تحت وصف رواد أمتين تتقاسمان ميراث التوراة، و ذلك في خطاب تملق أمام الكنيست الصهيوني سنة 1979،[9] و قد كررت الغزوة الصهيونية في فلسطين ما صنعه التوسع الأمريكي في الغرب بشكل مطابق.[10]




* قصة التلال السوداء




في عام 1866 شنت قبيلة ’’سو’’ Sioux حرباً على الجيش الأمريكي الذي اقتحم أراضيها في شمال السهول العظمى حيث ولايات داكوتا و مونتانا و وايومنج اليوم ليحمي طريق المستوطنين و المنقبين الذين جذبتهم حمى الذهب بعيداً في مونتانا، و استمرت الحرب سنتين إلى أن أذعنت الولايات المتحدة لشروط الزعيم ’’الغيمة الحمراء’’ Red Cloud و أخلت المنطقة من الدخلاء و دمرت ما بنته من حصون على الطريق المؤدي للمناجم و منحت القبيلة محمية كبرى تتضمن أراضيها المقدسة في التلال السوداء Black Hills و أراضي صيدها و سكناها، و كانت المرة الوحيدة التي حققت فيها قبيلة هندية انتصاراً سياسياً تبع الانتصار العسكري، و وقع الطرفان على ذلك في معاهدة حصن لارامي 1868،


و لكن...


اكتشف الذهب ثانية ولكن هذه المرة في عقر التلال السوداء نفسها سنة 1874 بعد رحلة استكشافية قام بها الجيش الأمريكي متخللاً المنطقة فأطلق الهنود على الطريق الذي اجتازه اسم درب اللصوص، و اجتاح المنقبون و المتطفلون البيض تلك التلال، و رغم أن القانون كان إلى جانب السكان الأصليين فإن ذلك لم يفدهم شيئاً، و فضلت الحكومة الأمريكية الوقوف ضدهم على الوقوف ضد رعاياها و إجلائهم،[11] فرفض الهنود التخلي عن أراضيهم، بسبب وفرة مواردها في زمن تقلصت فيه سبل عيشهم أمام زحف الاستيطان، و بسبب قدسيتها أيضاً،[12] و تصاعد التوتر إلى أن وقعت معركة كبرى عند الفرع الأصغر لنهر القرن الكبير Little Big Horn حيث هزم فيها تحالف القبائل الهندية الجيش الأمريكي بقيادة أصغر جنرالات الحرب الأهلية سناً جورج كاستر، الذي حارب الرق الجنوبي ثم أراد سلب حرية الهنود في عمليتين يؤكد تلازمهما لصالح الطبقة الصناعية الشمالية انتفاء الدوافع الإنسانية في عملية تحرير الرقيق، و كان هدف كاستر من السعي لهزيمة الهنود أن يصل بهذا ’’المجد’’ لمنصب رئاسة الجمهورية ظاناً طبقاً لرؤيته الاستعمارية الاستئصالية المناظرة للاستشراق في بلادنا أن جميع الهنود ’’الجبناء’’ سيلوذون بالفرار أمامه، و لكنه اصطدم بواقع مغاير لاستشراقه، كعادة الرؤى الاستعمارية التي تحط من قدر السكان الأصليين دائماً، و أوصلته الحقيقة المرة إلى حتفه بأيدي مقاتلي الهنود الشجعان الذين رمى نفسه و جيشه بين رماحهم و كان شعارهم أن اليوم يوم مناسب للموت، و أباد الهنود الجنود الأمريكيين و قائدهم الذين اندفعوا إلى أراضيهم لإخضاعهم، و كان ذلك في 25 يونيو/ حزيران/ جوان من سنة 1876، مما أدى إلى غضب أمريكي عارم نتيجة إحباط الأمة الأمريكية بعد تلقي خبر الهزيمة الماحقة في اليوم التالي للذكرى المئوية الأولى للاستقلال (5 يوليو/ تموز/ جويلية 1876) حين كانت الأمة في ذروة نشوتها و احتفالاتها بالانتصارات التي حققتها فيما مضى و مازالت تتوسع في الآفاق و هي تعتقد ’’بالقدر الجلي’’ الذي كُتب لتمددها.[13]


و قد أدى الحقد المتولد عن هذه النكسة إلى اجتياح الأراضي الهندية بسيول من الجنود و هزيمة معاكسة للسكان الأصليين الذين تم حصرهم بالقوة و الاستيلاء ظلماً على أراضيهم المقدسة في التلال السوداء بطريقة غير شرعية، تخالف ما نصت عليه معاهدة لارامي السابقة التي اشترطت موافقة ثلاثة أرباع رجال القبيلة على أي تنازل مستقبلي عن الأرض بعد سنة 1868، و قد تم التوصل إلى ’’موافقة’’ عُشر رجال القبيلة بوسائل ملتوية كالرشوة ببضعة دولارات أو ببعض الخمر بالإضافة إلى تهديد الهنود بقطع المساعدات و من ثم الموت جوعاً إن لم يتنازلوا عن أرضهم(sign, or die) [14] و خداعهم بإفهامهم أنهم سيتلقون الدعم المادي إلى أن يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم في كسب العيش حسب طريقة الرجل الأبيض، و كان الهنود يعتقدون أن كلمة الرجل الشفوية كالمكتوبة في قيمتها،[15] و هو ما سيتكشف عدم دقته فيما يتعلق بالأمريكيين الذين لم يتعبوا أنفسهم بكتابة وعودهم أو حتى بالالتزام بما وقعوا عليه، و سيغرق الهنود في الفقر و الحرمان و الجوع الذي هربوا منه ابتداء عندما تنازلوا عن الأرض، و ستستمر محاولات نزع أراضيهم بوفود متعددة للمفاوضات تقوم بنفس الممارسات السابقة في محاولات انتزاع الموافقة على مزيد من التنازلات بعد صدور قانون دوز لتحصيص الأراضي (1887) و الذي شبهت’’عظمته’’ و’’أهميته’’ للسكان الأصليين المقبلين على’’الحضارة’’ بإعلان الاستقلال و كذلك تحرير الرقيق و الماجنا كارتا (أي 3 في 1!)[16] و أفضى إلى توزيع مساحات محددة لكل أسرة هندية لتتعلم الحياة المستقرة و’’المتحضرة’’، دون النظر لحاجات الأجيال القادمة، و’’بالصدفة’’ يؤدي ذلك إلى استيلاء الأمريكيين على بقية أراضي القبيلة الشاسعة و’’الفائضة’’ عن حاجتها(!)، و هو ما يناظر التقسيم في تاريخنا الفلسطيني، و في سبيل تمرير هذا القانون على الهنود ستقوم الإدارة الأمريكية بواسطة مندوبيها بتحطيم مكانة الزعماء المقاومين و المناهضين للتخلي عن الأراضي القبلية و صناعة زعماء مطواعين بدلاً منهم و لكنهم فاسدين و مرتشين و مخمورين، و من الأفضل أحياناً إفساد زعماء لهم باع في تاريخ المقاومة، و سيغرق الهنود في حالة البؤس بعد تفكيك مجتمعاتهم:


(1) بإبادة مصدر رزقهم الرئيس المتمثل في ثور البيسون.


(2) و بالغزو الفكري بالتبشير و التعليم والذي لم يستهدف صناعة مجتمع تقدمي مكان المجتمع ’’المتخلف’’: أ- و كان ما أداه التبشير هو صناعة العملاء المرتبطين بمجتمع الرجل الأبيض و تحقيق غاياته، و تقسيم المجتمع الهندي بين ’’تقدميين’’ و’’تقليديين’’، تقدميون هم في الحقيقة عملاء لم يجنوا شيئاً لشعبهم سوى تسهيل الهيمنة البيضاء عليه و تجريده من أرضه و موارده كما أثبتت الحوادث إلى اليوم، و تقليديون كان بعضهم يلمسون الآثار السلبية للاحتكاك بالأمريكيين و يحاولون الحفاظ على تماسك المجتمع الأصلي بنبذ رذائل البيض و لكن دون جدوى في مواجهة القوة الماحقة، ب- و كان إنجاز التعليم هو الإبادة الفعلية لأجيال من التلاميذ الهنود الذين وقعوا تحت تصرف المعاملة المتوحشة في المدارس و من نجى منهم من الموت نتيجة ذلك خرج مغترباً عن شعبه و عن الشعب الأمريكي لا هو كالبيض و لا هو كالهنود.[17]


(3) و من أدوات التفكيك أيضاً نشر البيض الرذائل و الأمراض الاجتماعية التي نتجت عن الاحتكاك ’’الحضاري’’ بالرجل الأبيض كالغش التجاري و شرب الخمر الذي كان له تأثيرات أخلاقية و مادية مدمرة على تلك المجتمعات، و كل ما سبق خلافاً لرؤية كارل ماركس الذي رأى في عملية الاستعمار دفعاً تقدمياً يستبدل مجتمعاً متقدماً مكان آخر زائل.


و لما حانت لحظة تقرير ’’الوضع النهائي’’ لم يكن مجتمع السكان الأصليين قادراً على مواجهة الموجة الأمريكية الكاسحة لأنه فقد أدوات المقاومة المستقلة و أصبح مرتبطاً بل معتمداً على حكومة أعدائه مما أدى إلى الموافقة على التنازل عن أراض واسعة تحت ضغط التهديد بالتجويع بقطع المساعدات، و في نفس الوقت إغداق الوعود بإنجازات تنموية، و هو ما سيؤدي إلى انقسامات اجتماعية بين مؤيد مصدق و معارض مكذب، و لن يلبث الجميع أن يواجهوا لحظة الحقيقة حين يثبت كذب الوعود الأمريكية و يواجه المجتمع الهندي المرض الناتج عن الفقر، و الجوع الناتج عن الجفاف الناتج بدوره عن دورات الطقس التي يحسن البيض استيعابها بتقنيتهم المتطورة و لكنهم لا ينقلون خبرتهم وإمكاناتهم للسكان الأصليين، بالإضافة إلى يباب الأرض التي حُشر فيها الهنود بعدما أخذ البيض أفضل الأراضي الزراعية ثم لم يأبهوا بتزويد الهنود بما يلزم للزراعة أو بتعليمهم الحياة الأمريكية التي وعدوهم بها قبل قيامهم بالتنازل عن أراضيهم، و ستقلص الحكومة مساعداتها في مواجهة كل ذلك و هو ما سيؤدي إلى الكارثة، و سيلجأ الهنود في النهاية إلى التعلق بآمال غيبية تنصرهم بالمعجزات و تقضي على الرجل الأبيض تماماً بل و تعيد أمواتهم إلى الحياة الدنيا و ازدهارهم في بلادهم، مما سيؤدي إلى مواجهات دموية تقضي نهائياً على مقاومتهم المسلحة و زعامتها بأيدي العملاء من الشرطة الهندية الذين كان الحاكم الاستعماري و وكيل الحكومة الأمريكية في المحمية هو الذي يحركهم ضد قومهم، و قام الجيش الأمريكي بإسدال الستار على 400 سنة من الصراع بين السكان الأصليين و الاستيطان الأبيض بارتكاب مجزرة الركبة الجريحة Wounded Knee التي راح ضحيتها مئات من قبيلة السو في ديسمبر/ كانون الأول 1890، و كان كل ذلك طمعاً من الأمريكيين آنذاك فيما تحويه التلال السوداء من ذهب أصفر أدى اكتشافه إلى الطمع بسداد الدين القومي بعد الأزمة الاقتصادية الكبرى التي بدأت في سنة 1873[18] و التي استمرت إلى سنة 1879 و عُدت أطول فترات الركود في التاريخ الأمريكي و الذي شهد الركود في الواقع في نصف سنوات الربع الأخير من القرن التاسع عشر.[19]


و كان العدوان واضحاً في تلك الأيام حتى للمعتدين أنفسهم، فقد تساءل المعاون الشخصي للجنرال جورج كروك أحد كبار المشاركين في الحرب ضد الهنود سنة 1875 قبل الاستيلاء على التلال السوداء: ’’لماذا كلما أصبحت أرض الهندي المحمية تساوي أي شيء فإن عليه مغادرتها و منحها للرجل الأبيض’’ فهذا صعب شرحه للهندي نفسه، و استنتج المعاون نفسه أن ’’سياسة الشعب الأمريكي (أي ليس الحكومة فقط و هنا معضلة الظلم الديمقراطي) كانت دائما تشريد الهندي و خنق أي طموح لديه لتحسين وضعه، فلماذا لا يسمح للهنود بامتلاك أي أرض فيها معادن أو أي نوع آخر من الأراضي’’؟[20]


أما الإنسانية الأمريكية فقد شاركت في المظالم بصورة فعالة مرة تحت شعار أو تبرير أن تخلي الهنود عن أرضهم سيعوضهم بالحضارة المسيحية حتى لو كان ذلك بنقض الوعود المقطوعة لهم، و كانت الإنسانية في هذا الموقف ’’رأس حربة’’ في الجهود الحكومية للاستيلاء على أراضي الهنود[21] و مرة أخرى تحت تبرير أن الاستيلاء على أرضهم هو الطريقة الوحيدة لتفادي إبادتهم، أي أنه أهون الشرين.[22]


و بعد الهزيمة النهائية التي لحقت بالمقاومة الهندية المسلحة (1890) أمام طوفان الاستيطان الأمريكي، قامت قبيلة سو في عشرينيات القرن العشرين باللجوء إلى المفاوضات في ظل عدم تكافؤ القوى و استنجدت بعدالة الخصم و بالقانون الذي أقر نظرياً في السبعينيات بعدم شرعية استيلاء الحكومة الأمريكية على التلال السوداء المقدسة، و بعد أكثر من قرن من السرقة و أكثر من نصف قرن من السعي في دهاليز المحاكم حكمت المحكمة الأمريكية العليا في سنة 1980 بتعويض الهنود بمبلغ 106 ملايين دولار عن الاستيلاء على أرضهم بغير حق، و لكن الهنود رفضوا تسلم المبلغ منذ ذلك الحين و ما زالوا رافضين رغم أنه تراكم مع الفوائد إلى ما يزيد عن مليار دولار اليوم مما يجعل نصيب الفرد الواحد أكثر من 10 آلاف دولار[23] في منطقة تعد من الأكثر فقراً و بؤساً في الولايات المتحدة،[24] و مع أنه بإمكان الهنود قبض المبلغ و مواصلة نضالهم، لاسيما في ضوء مطالبتهم بالعودة و التعويض بالمليارات معاً، فأنهم يرون قبول المبلغ الآن موافقة ضمنية على البيع مما يتناقض مع قيمهم.[25]


لقد أنتجت التلال السوداء ذهباً تقدر قيمته بمئات الملايين من الدولارات و تعد أكثر مناطق نصف الكرة الغربي غنى بالمعدن الأصفر،[26] بالإضافة إلى موارد زراعية و خشبية، و مع ذلك فإن أهميتها السياحية تفوق أهمية مواردها الأخرى[27] إذ يزورها الملايين سنوياً للحج إلى ’’مزار الديمقراطية’’ الذي يحوي تماثيل أربعة رؤساء أمريكيين مميزين ديمقراطياً هم واشنطن و جيفرسون و لنكولن و روزفلت، و هم جميعاً من أشد أنصار التوسع و الاستيطان، و قد أطلق أحد الزعماء الهنود على النصب اسم ’’نكتة أو خدعة الديمقراطية’’،[28] و هو ما يؤكد أن الديمقراطية الأمريكية، التي نحتت رموزها في منطقة مسروقة، تأسست على النهب و الظلم و الاضطهاد، هذا بالإضافة إلى النشاطات الرياضية و السياحية الأخرى التي تجذب مئات الآلاف.




* موقعنا اليوم و فائدتنا من الحدث التاريخي




و اليوم تقف قضية فلسطين في موقف مشابه مع الفارق، فسكان أمريكا الأصليون لجئوا إلى القانون و التفاوض بعدما تمت إبادة غالبيتهم العظمى و لم يكن من المتصور أن تؤدي أية مقاومة مسلحة لأية نتيجة بعد إغلاق التخوم و نهاية وجود أراض هندية مستقلة (1890)، و الذي تم بعد القضاء على مقاومة الهنود و ألّف علامة فارقة في التاريخ الأمريكي،[29] و سيطرة الاستيطان الأمريكي الغامرة على القارة كلها بأعداد هائلة لم يعد من المجدي العمل على صدها بأية وسيلة، أي أنهم لم يلجئوا إلى الخيار السلمي التفاوضي إلا بعد زوال الأمة التي يمكنها أن تقاوم، و مع ذلك قاموا منذ نهاية ستينيات القرن العشرين ببعض الفورات المسلحة (1969 و1972 و1973) لإثبات وجودهم و أعلنوا نشوء ’’القوة الحمراء’’ للمطالبة بحقوق الهنود الحمر على غرار ’’القوة السوداء’’ التي تطالب بحقوق ذوي الأصول الإفريقية في أمريكا، أما قيادة فلسطين اليوم فتحصر خيارها بالتفاوض و القانون و هي جزء من أمة كبرى لم تعد عملية إفنائها من الممكنات، و ليس من المتصور أن يغمرها مد استيطاني لأمة صغيرة و معادية أصبحت تستجدي منابع الهجرة لملء مساحة فلسطين الصغيرة.




* و الخلاصة المهمة لنا هي التالي: إن الولايات المتحدة مع ضخامة حجمها و اقتصادها ترفض بعد قرن من المفاوضات و التحكيم التخلي عن زاوية بعيدة في إحدى ولاياتها القصية بسبب أهميتها السياحية رغم اعترافها بعدم شرعية الاستيلاء عليها و وقوف منظمة الأمم المتحدة إلى جانب إعادتها[30] (كما تقف إلى جانب حقوقنا!)، و قد رأينا في تفاصيل الاستيلاء على الأوطان أنها نفسها تتكرر (من جانب المعتدين) كوعود التمدين الكاذبة في البداية ثم العدوان المسلح و التمدد الاستيطاني في أفضل الأراضي و ترك البقية القاحلة التي لا يرغب فيها أحد للسكان الهنود، و الطمع في الموارد الغنية و الخداع و التهديد و الرشوة في العلاقات السياسية و القضاء على زعامات المقاومة و صناعة زعماء عملاء مطواعين في عقد المعاهدات، بل في فرضها بالقوة من جانب المعتدي ثم نقضها فيما بعد، و اللعب على وتر انقسام المجتمعات الأصلية و إثارة الخلافات بينها و بذر التفتيت بالفكر السطحي الوافد و الوعود الخلابة الكاذبة و محاولة إفساد هذه المجتمعات بأدوات ’’حضارية’’ أحياناً و غير أخلاقية أحياناً أخرى لطمس ثقافتها المقاومة و التفافها حول زعمائها الذين يمثلون مصالحها الحقيقية، و ذلك ليصل الأمريكيون إلى ’’التقسيم’’ الذي هو في الحقيقة استيلاء كامل على الأرض و ترك الفتات فقط لأصحابها، و القيام بمحاولة ضبط السكان المحليين بشرطة هندية محلية من العملاء عقب تفكيك المجتمع الهندي و إفساده و القضاء على مصادر رزقه المستقل و تحويل أفراده إلى عالة على كوبونات المساعدة الحكومية و التي تستخدم للضغط السياسي للحصول على تنازلات عن الحقوق الوطنية، و مشاركة فعالة في كل ذلك (من جانب الاتجاه الإنساني) خوفاً من بطش الأمريكي بالهنود حيناً و طمعاً في عروضه المسيحية و الحضارية لهم حيناً آخر، و مقاومة مستمرة أحياناً و سلسلة من التنازلات أيضاً أحياناً أخرى (من جانب الضحية) ما يناظر ما حدث و يحدث في قضيتنا بفلسطين إلى اليوم...


* و السؤال الآن لكل أنصار الحلول السلمية و القانونية و التفاوضية: إذا كانت الولايات المتحدة ترفض التخلي عن أرض قصية لمجرد أهميتها السياحية، فهل ستقتنع الصهيونية ربيبة الولايات المتحدة بالتخلي عن ’’عاصمتها’’ السياسية، ذات الأهمية الدينية و التاريخية و السياحية أيضاً، بالمفاوضات و التحكيم؟ و كم من الوقت سيستغرق هذا الأمر؟ و هل سيكون ذلك قبل أو بعد تخلي الولايات المتحدة عن عاصمتها واشنطن أو على الأقل اقتسامها مع السكان الأصليين لإعادتها إلى القبيلة التي نشأت على أنقاضها؟![31] أليس في هذا الحدث مؤشر على عدم جدوى القانون الذي نفرح دائماً بوقوفه إلى جانبنا كما كان يقف إلى جانب الهنود الحمر أيضاً دون أية نتيجة عملية؟ أم أننا على استعداد لقبض قيمة أي تعويض كبر حجمه أم صغر خلافاً لصمود الهنود الذين يرفضون ذلك رغم شدة ضعف قواهم و انعدام آمالهم بتغير موازين القوى و شدة فقرهم و ارتفاع بعض الأصوات القليلة التي مازالت ترفض الإفصاح عن هويتها خجلاً لأنها تنادي بقبول المبالغ المغرية؟[32]






******


الهوامش




[1] Morris Jastrow، The War and the Bagdad Railway: The Story of Asia Minor and it (s) (R) elation to the Present Conflict، BibloLife، Breinigsville، PA، 2010، pp. 11، 27- 28، 74- 75.


[2] تزفيتان تودوروف، فتح أمريكا: مسألة الآخر، سينا للنشر، القاهرة، 1992، ترجمة: بشير السباعي، ص 17.


- منير العكش، تلمود العم سام: الأساطير العبرية التي تأسست عليها أميركا، رياض الريس للكتب و النشر، بيروت، 2004، ص 9.


[3] ريجينا الشريف، الصهيونية غير اليهودية: جذورها في التاريخ الغربي، سلسلة عالم المعرفة (96)، المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الآداب، الكويت، ديسمبر 1985، ترجمة: أحمد عبد الله عبد العزيز، ص 183- 184.


- رجاء جارودي، فلسطين أرض الرسالات الإلهية، دار التراث، القاهرة، 1986، ترجمة: دكتور عبد الصبور شاهين، ص 227.


- فؤاد شعبان، من أجل صهيون: التراث اليهودي- المسيحي في الثقافة الأمريكية، دار الفكر، دمشق، 2003، ص 91.


- حمدان حمدان، على أعتاب الألفية الثالثة: الجذور المذهبية لحضانة الغرب و أمريكا لإسرائيل، بيسان للنشر و التوزيع والإعلام، بيروت، 2000، ص 48.


- رضا هلال، المسيح اليهودي و نهاية العالم: المسيحية السياسية و الأصولية في أمريكا، مكتبة الشروق، القاهرة، 2001، ص 79.


- جورجي كنعان، الأصولية المسيحية في نصف الكرة الغربي (الجزء الأول: الدعوة والدعاة)، بيسان للنشر و التوزيع، بيروت، 1995، ص 59- 60.


- نبيل مطر، الأتراك و الإنكليز و المغاربة في عصر الاستكشاف، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2012، ترجمة: د. محمد عصفور، ص 260- 261.


- منير العكش، أميركا و الإبادات الجماعية: حق التضحية بالآخر، رياض الريس للكتب و النشر، بيروت، 2002، ص 10.


- منير العكش، 2004.


[4] Jack Utter، American Indians: Answers to Today’s Questions، University of Oklahoma Press، Norman، 2001، pp. 14- 18.


- Robert A. Williams، The American Indian in Western Legal Thought: The Discourses of Conquest، Oxford University Press، 1990، pp. 13- 58.


- نبيل مطر، ص 186- 187 و254 وما بعدها.


- ضياء الدين سردار وميريل وين ديفيز، لماذا يكره العالم أمريكا؟، مكتبة العبيكان، الرياض، 2005، ترجمة: معين الإمام، ص 313- 314.


[5] نفس المرجع، ص 391.


[6] منير العكش، 2004، ص 23 و33- 34.


- مايكل أورين، القوة والإيمان والخيال: أمريكا في الشرق الأوسط منذ عام 1776 حتى اليوم، كلمات عربية، القاهرة، وكلمة، أبو ظبي، 2008، ترجمة: آسر حطيبة، ص 178 و 237.


[7] ميخائيل سليمان (تحرير)، فلسطين والسياسة الأمريكية من ويلسون إلى كلينتون، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1996، ص 27 و76- 77.


- رجاء جارودي، ص 330 و529.


- كميل منصور، الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل: العروة الأوثق، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1996، ترجمة: نصير مروة، ص 78.


- الدكتور يوسف الحسن، البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي- الصهيوني: دراسة في الحركة المسيحية الأصولية الأمريكية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1990، ص 29.


[8] مايكل أورين: 365 و420 و429- 430.


[9] رضا هلال، ص 117.


- الدكتور يوسف الحسن، ص 76.


[10] فلسطين الهندية الحمراء: قراءة في السوابق الأمريكية للسياسات الصهيونية - محمد شعبان صوان- التجديد العربي




- محمد شعبان صوان، السوابق الأمريكية للسياسات الصهيونية (1)،


http://www.noonptm.com/modules.php?name=News&file=article&sid=3382


- محمد شعبان صوان، السوابق الأمريكية للسياسات الصهيونية (2)،


http://www.noonptm.com/modules.php?name=News&file=article&sid=3418




- نبيل مطر، ص 212.


[11] Angie Debo، A History of the Indians of the United States، University of Oklahoma Press، Norman، 1983، p. 236.


- Paula Mitchell Marks، In A Barren Land: American Indian Dispossession and Survival، William Morrow and Company، Inc.، New York، 1998، p. 193.


[12] Angie Debo، p. 235.


[13] نفس المرجع، ص 239.


[14] Paula Mitchell Marks، p. 196.


- Edward Lazarus، Black Hills White Justice: The Sioux Nation versus the United States، 1775 to the Present، University of Nebraska Press، Lincoln، 1999، pp. 92، 436.


[15] Jeffrey Ostler، The Lakotas and the Black Hills: The Struggle for Sacred Ground، Viking، New York، 2010، p. 100.


[16] Robert M. Utley، The Indian Frontier of the American West 1846- 1890، University of New Mexico Press، Albuquerque، 2002، p. 215.


[17] Fiona Macdonald، Native Peoples of North America، Collins Educational، London، 1993، p. 57.


- الحوار الحضاري في التاريخ الأمريكي- محمد شعبان صوان- التجديد العربي




[18] David Nevin، The Soldiers (The Old West)، Time- Life Books، Alexandria، Virginia، 1981، p. 200.


[19] هاري ماجدوف، الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، 1981، ص 73.


[20] Paula Mitchell Marks، pp. 193- 194.


[21] Jeffrey Ostler، p. 99.


[22] Edward Lazarus، p. 90.


[23] http://www.pbs.org/newshour/bb/social_issues-july-dec11-blackhills_08- 24




[24] Edward Lazarus، p. 429.


[25] Jeffrey Ostler، p. 176.


[26] Edward Lazarus، p. 106.


- Paula Mitchell Marks، p. 205.


- New Standard Encyclopedia، Feerguson Publishing Company، Chicago، 1999، Vol. 16، p. S- 645.


[27] New Standard Encyclopedia، Vol. 3، p. B- 274b.


[28] Jeffrey Ostler، p. 168.


[29] David Reynolds، America، Empire of Liberty: A New History of the United States، Basic Books، New York، 2009، pp. 232، 268.


- ضياء الدين سردار وميريل وين ديفيز، الحلم الأمريكي كابوس العالم، مكتبة العبيكان، الرياض، 2006، ترجمة: فاضل جتكر، ص 288.


[30] http://en.wikipedia.org/wiki/Black_Hills_Land_Claim




[31] منير العكش، 2004، ص 19- 24.

الرابط:

http://wefaqdev.net/index.php?page=study&sub_page=view_one&ar_no=490&ty=1

قراءة 3774 مرات آخر تعديل على السبت, 11 تموز/يوليو 2015 09:43

أضف تعليق


كود امني
تحديث