قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الأحد, 24 أيار 2015 21:22

مستقبل العلاقة بين حماس و أنصار تنظيم الدولة

كتبه  د. عدنان أبو عامر
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مقدمـــــة

ألقى تشكيل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق و الشام (داعش)، بظلاله على دوائر صناعة القرار في عدد من دول الإقليم، بعد أن جاءت بصمات التنظيم واضحة على جملة من التطورات في قطاع غزة و سيناء المصرية، مما أفسح المجال لقراءة طبيعة هذه الظاهرة، جذورها التاريخية، عوامل صعودها، ارتباطاتها التحالفية و صداماتها القائمة، مآلاتها و تبعاتها المتوقعة، و الأهم؛ مستقبل علاقتها مع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة.

و يزداد الحديث أهمية عن مستقبل العلاقة بين حماس و داعش في ضوء التطورات الأخيرة في قطاع غزة، و التي أشارت إلى تزايد التوتر بينهما على خلفية تنفيذ أنصار التنظيم لبعض التفجيرات، و إشاعة أجواء من الفوضى الأمنية في منطقة تنعم نسبيًا بأوضاع أمنية داخلية مستقرة.

مدخل تاريخي

منذ اليوم الأول لفوز حماس في الانتخابات التشريعية في يناير كانون ثاني 2006، أشعلت محافل صنع القرار في العواصم المحيطة الأضواء الحمراء خشية أن يكون فوز حماس له ما بعده بإقامة ما أسمته "إمارة" إسلامية في الأراضي الفلسطينية. و سواء بني هذا التوقع على معطيات حقيقية، أم تقديرات تخمينية، أم تخوفات أمنية فحسب؛ فقد كان له أثره على مجريات تطبيق حماس لبرنامجها الانتخابي المعنون بـ"التغيير و الإصلاح"، و لم يقتصر على الأبعاد الدينية و الاجتماعية و السلوكية فحسب؛ بل شمل الأبعاد الإدارية و السلطوية و الاقتصادية.

و كشفت الأحداث اللاحقة أن حماس لم تشأ أن تعلن عن الإمارة الإسلامية أو تطبيق الشريعة لاعتبارات سياسية، محلية و إقليمية، و رغبة منها بعدم إثارة الأطراف المعادية لها، مما جلب عليها في ذات الوقت خصومة تيارات إسلامية "متشددة"، رأت منها تهاونًا فيما أسمته تحقيق "الفريضة" الغائبة، و هو تطبيق الشريعة، الأمر الذي أثار عليها بعض قواعدها التنظيمية التي تأثرت بالفكر السلفي القاعدي قبل ظهور تنظيم "داعش".

و يمكن الحديث عن العلاقة بين حماس و داعش ضمن جملة من المراحل و التطورات:

أولاً: أسلمة المجتمع

تمكنت حماس طوال سبعة و عشرين عامًا من تاريخها بصورة نسبية, من الجمع بين النزعتين الوطنية و الدينية, و المواءمة بين خطابيهما السياسي، و أدى التحول الإسلامي الجاري لظهور التيارات الدينية الساعية لتبني خطاب إسلامي يتجاوز خطاب حماس, و ذلك بالتركيز على الأبعاد الدينية الجهادية الإسلامية على حساب نظيرتها الوطنية السياسية الفلسطينية, وفقًا لمبررات تقول بأن جوهر الصراع الجاري يعود في القدم بين الإسلام و اليهودية.

و أعلنت حماس محددات فكرية جديدة تعبر عن انتقال حقيقي في توجهاتها الأيديولوجية على النحو التالي:

(1)اعتبار الفلسطينيين جميعًا متساوين أمام القانون، رغم اختلاف معتقداتهم و أفكارهم.

(2)الديمقراطية هي الخيار الوحيد، و بالتالي يلزم في الراهن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع.

(3)تعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، و ليست المصدر الوحيد.

(4)التدرج في سعيها نحو "أسلمة" المجتمع بـالأمر بالمعروف و ليس بالنهي عن المنكر.  

و أكدت حماس أكثر من مرة أنها لن تتصرف في السلطة على نحو يوحي بأنها تحمل مشروعًا "ثيوقراطيًا"، و لم تصدر قائمة المحظورات التقليدية:

(1)عدم منع الأحزاب العلمانية و اليسارية،

(2)لم تقم بتطبيق الشريعة الإسلامية،

(3)لم تفرض الحجاب بالقوة على الفلسطينيات،

(4)لم تغلق محلات الترفيه التي يؤمها غير المنتمين لفكرها الإسلامي.

و بدا أن هذه السلوكيات تتفق مع إعلان حماس أنها حركة معتدلة، و ذات منهج مختلف مع التنظيمات السلفية، و بدأت التقديرات تشير فور عشية أداء وزرائها للقسم الدستوري أنها أصبحت في حل من أي التزامات تجاه القوى السياسية الأخرى، و بإمكانها تطبيق برنامجها الاجتماعي الداعي ضمنًا لصناعة الفرد المسلم، و إقامة المجتمع المسلم، وصولاً إلى الدولة الإسلامية، دون أي إزعاج أو اعتراض.

لكن الناظر لحقيقة الأداء الميداني و السلوك الاجتماعي لحماس و حكومتها، بين عامي 2006-2014؛ يرى أنه خلا من أي إشارة للدولة الإسلامية، أو تطبيق للشريعة، و إن اكتفت بذكر عدد من البنود لإحداث التوازن في خطابها الخارجي و أدائها الداخلي و ذلك من خلال:

(1)جعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع في فلسطين.

(2)حماية الحريات العامة لكل المواطنين بلا استثناء.

(3)سن قانون جديد للأحوال الشخصية و المحاكم الشرعية، مستنبط من النصوص الشرعية و المذاهب الفقهية، و اختيار ما يتناسب مع تطور المجتمع الفلسطيني.

و ليس من حاجة لتأكيد ما هو مؤكد من أن هذا البرنامج تم صياغته، بعد مروره بعمليات حذف و إضافة، و تعديل و مراجعة، من قبل أعلى المؤسسات السياسية و الشرعية و التنظيمية للحركة، و هو ما يجعلها واعية لما تسميه "فقه الأولويات" الذي حكم أداءها الداخلي، اجتماعيًا و سلوكيًا، بعيدًا عن المطالبات المستعجلة لقواعد عريضة من عناصرها، و المطالبة بتطبيق الشريعة، و إقامة الدولة الإسلامية.

و هنا ينطبق على حماس ما ذهب إليه الداعية محمد أحمد الراشد، أحد أكبر المنظرين للفكر الإسلامي الحركي، حين طالبها بـ"الخروج من ضيق الاعتداد الصلب إلى سعة التقدير المصلحي"، و هو أمر صواب يحتاج للتدقيق، لأن التوسع ينبغي أن يكون وفق مفاد الفقه، و فقهاء حماس لديهم الجرأة النسبية بالقياس للحركات الإسلامية في الموازنات، و جولاتها عريضة في ميادين الإفتاء المصلحي.

ثانيًا: ظهور أنصار تنظيم الدولة

لم تسجل الأجهزة الأمنية الفلسطينية في قطاع غزة حالة واحدة لتنظيم داعش بصورة تنظيمية رسمية، و كل ما هو موجود مجموعات من "السلفية الجهادية"، أو "أنصار الدولة الإسلامية"، ممن لم يجدوا دعوات للجهاد العالمي ضد "الكفار" لدى حماس، التي اقتصرت مقاومتها ضد الاحتلال الإسرائيلي، و نظروا إليها كـ"حركة وطنية" تشارك في المجالس التشريعية، أكثر من كونها "حركة إسلامية" تحكم بالشريعة.

و بات المسوغ الأساسي لانطلاق المجموعات السلفية المنتسبة لتنظيم الدولة يتمثل بدعوتها للعودة لـ"منهج الجهاد"، و ترك المنابر السياسية و التشريعية، و الحكم بالشريعة، بدلاً من القوانين الوضعية، و أصبحت تركز على:

(1)عدم إقامة دولة فلسطين بالمعنى السياسي, بل "إمارة" إسلامية بالمعنى الشرعي،

(2)العمل ضمن منظومة الإمارات الإسلامية الأخرى, التي نجح "المجاهدون" في إقامتها، و هنا تتجلى نماذج طالبان في أفغانستان، و دولة العراق الإسلامية، و الدولة الإسلامية في الرقة، و ولاية سيناء، و شبه الدولة في الصومال،

(3)انتقادات السلفيين لحركة حماس, بأنها بعد سيطرتها على قطاع غزة, لم تعلن قيام الإمارة الإسلامية, ما يعتبر تقصيرًا في إكمال أداء الواجب الشرعي الذي كلف الله به المجاهدين.

و قد استند أنصار تنظيم الدولة الفلسطينيون في انتقادهم على النص الشرعي القائل: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَ لِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)، و هو النص الذي تستند عليه ثقافة الخطاب الإسلامي المتعلق بـ"فقه التمكين"، ما يعني أن الله مكن لحماس من قطاع غزة، لكنها "تقاعست" عن إعلان قيام الإمارة، المعنية شرعًا بأداء واجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و ساعد في انتشار الظاهرة السلفية الجهادية في قطاع غزة، عدد من الظروف:

(1)الظروف السياسية: أشاع السلفيون بعد دخول حماس العملية السياسية عام 2006 أن الانتخابات حرام، و هي بمثابة تحكيم لغير شرع الله، و رضا بـ"الديمقراطية الكافرة"، و المشاركة فيها دخول في برلمانات "شركية"،

(2)لعبت علاقة حركتي حماس و فتح في مراحل مختلفة كحكومة الوحدة، و الصراع الميداني، و اتفاق مكة؛ دور في استمرار الظاهرة السلفية بالتغلغل في أوساط عناصر حماس، حيث "قدح" السلفيون آنذاك في الحركة، و اتهموها بـ"فساد العقيدة، و موالاة العلمانيين، و التحاكم للقوانين الوضعية"، و هي من أكثر الفترات التي انتشر فيها الفكر السلفي بين أوساط شباب حماس،

(3)جاءت التهدئة مع إسرائيل حينًا، و تريث حماس عن القيام بالأعمال العسكرية حينًا آخر، لتوجد حالة من سوء تقدير الموقف لدى بعض عناصرها، و شعورهم بتخليها عن المقاومة، و تفكير بعضهم بالخروج منها مدعين أنها تركت المقاومة من أجل السياسة، معتبرين ذلك خللاً في العقيدة، و تراجعًا عن الثوابت، و فقدان الأمل في الإصلاح و التغيير الداخلي، مع أن هذه المجموعات السلفية لم تشارك بصورة ملموسة في حروب غزة الثلاثة: 2008، 2012، 2014.

(4)ساهم توالي خطابات قادة تنظيم الدولة بالانتقادات الموجهة لقادة حماس، و اتهامهم بالردة، و التحريض المستمر عليها من قبل السلفية الجهادية عبر مواقعهم الالكترونية كـ"الفالوجة، الحسبة، مداد السيوف، التوحيد و الجهاد، شبكة المجاهدين"، و تضخيم المآخذ على الحكومة و الحركة و قياداتها مثل: زيارات بعض الدول كإيران و روسيا، تهنئة المسيحيين بأعيادهم، و وصفهم بالأخوة، عدم تطبيق الحدود.

(5)الظروف الاقتصادية: بما في ذلك الحصار المفروض على غزة، و ما صاحبه من ضغط واقع على سكانه، و الفقر الذي تسبب في بعض الأحيان للانتماء لتلك المجموعات.

(6)الظروف التربوية: كضعف الجانب الدعوي في المجتمع الفلسطيني، و عدم اطلاع العناصر الشابة على الجوانب التخصصية كـ"فقه الموازنات و مقاصد الشريعة"، و غياب الخطاب الدعوي الجماهيري المُفنِّد للقضايا المثارة في منابر السلفية الجهادية و دروسهم و نشراتهم.

(7)الضبابية في المفاهيم لأبناء حماس، و المتعلقة بالديمقراطية و العلمانية، ما بين رفضها، و محاولة التكيف معها، و تضخيم بعض المآخذ على الحركة و قيادتها.

ثالثًا: مكونات الظاهرة السلفية

مقابل رسوخ أقدام حماس على مشهد الإسلام السياسي الفلسطيني، شهدت الساحة السياسية تحولاً نوعيًا جديدًا, باتجاه تزايد فعاليات الحركات السلفية "الجهادية", التي تعتبر تيارًا أيديولوجيًا تحمله جماعات حركية مناهضة لما هو قائم من أنظمة اجتماعية و سلطات سياسية و ثقافة سائدة و علاقات دولية، و تجند أفرادًا ينتمون لقطاعات مختلفة، القاسم المشترك بينها على اختلاف ملامحها و دوافعها، هو طبيعة الأيديولوجية السياسية الدينية التي تسوّغ لها أهدافها و أنشطتها.

و ظهرت العديد من المجموعات التي تدعي انتماءها للسلفية الجهادية، و تسمي نفسها في معظم الأحيان "أنصار تنظيم الدولة الإسلامية", و تدعو لإقامة الإمارة الإسلامية، و تشهد صعودًا متزايدًا لها, بصورة قد تقلق حماس، لأن هذه المجموعات هي الجزء الظاهر من "جبل الجليد السلفي", مع مزيد من التوقعات باحتمالات تزايدها:

(1)بسبب الانقسامات, التي تحدث في أوساطها,

(2)توالد المزيد على خلفية التحولات الدينية الجارية في المجتمع الفلسطيني.

و يتمثل الجانب الأخطر في هذه المجموعات بـ"الحالات العسكرية"، في ضوء أنها:

(1)تجميع لحاملي البنادق دون محيط تنظيمي يسندهم بشتى أنواع الدعم السياسي و المالي،

(2) ينجذب إليه صغار السن وبعض البسطاء رغبة في القتال، أكثر منه حبًا في المقاومة، التي لا مشاق و نصب و تعب لا يتحملها أمثالهم،

و قد لوحظ خلال العامين الأخيرين، ظاهرة تكوين مجموعات عشوائية تتألف من عناصر شابة انتمت في حينه، و ربما ما زالت تنتمي، إلى بعض الأجنحة العسكرية لقوى المقاومة الفلسطينية، و تنطوي العقيدة التي تُعد حجر الأساس لها على مقومات جهادية و سلفية، تتمحور حول العودة للتراث الإسلامي، و السعي لإنشاء دولة إسلامية بواسطة حرب "جهادية" جامحة.

و قد ضلعت هذه المجموعات بتفجير عدد من مقاهي الانترنت، لأنها تعتبرها "أوكارًا" لنشر الفساد و الرذيلة، و تشير الأوراق المتناثرة لهذه المجموعات إلى تأثرهم الشديد بمن أسموهم "المشايخ الكبار" المنادين بالجهاد العالمي في الشيشان، قبل أن ينتقلوا إلى أفغانستان و العراق، رغم أن البنية الأساسية لها درست المنهج التربوي الأساسي لجماعة الإخوان المسلمين، و تعترف هذه المجموعات بتحمل مسؤولية التفجيرات التي شهدتها أنحاء مختلفة من قطاع غزة.

و وفقًا لما جاء على لسان أحد مسئوليها: "قبل القيام بالتفجير يتم الحديث مع صاحب المكان الذي لديه "مفسدة"، و ينصح عبر كتاب أو بيان أو دعوة لإزالتها، و إن لم يزلها بعد عدة تحذيرات، يتم تفجير المحل بعد الحصول على "فتوى شرعية" بذلك، بحيث لا يتم إلحاق الأذى بالجيران و حياتهم، و نحرص على ألا يتم المساس بحياته، بل فقط في مكان "المفسدة".

ويسود اعتقاد بأن المجموعات السلفية الجهادية المقربة من تنظيم الدولة وجدت في غزة، كخلايا سرية راقدة، و بدأ عملها مستفيدة من العوامل التالية:

(1)زخمها و طابعها العسكري،

(2)تراجع سيطرة أجهزة أمن حماس على قطاع غزة بسبب استقالتها من الحكومة،

(3)انخراط عدد من كوادرها في إطلاق بعض الصواريخ على إسرائيل،

(4)التنافس و الصراعات الداخلية بين الفصائل.

و بدأت هذه المجموعات الموالية لتنظيم الدولة، و لم يثبت ارتباطها بصورة تنظيمية بعد به، تدعو بصوت مرتفع لإقامة الدولة الإسلامية، كثمرة منطقية للمناخ السياسي العام السائد في الأراضي الفلسطينية، بدءً باندلاع الانتفاضة، و غلبة الطابع العسكري عليها، و مرورًا بالانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة 2005، وصولاً إلى ضعف السلطة، و وهن قبضتها الأمنية، و انفلات عناصرها و كوادرها.

و إذا فسرت هذه الأسباب البيئة التي أسهمت في "استنبات و تفريخ" المجموعات الجهادية السلفية، فسيكون من اللازم البحث عن أسباب أخرى، تقوى على تقديم تفسير منطقي، أو تبرير عقلاني، لعلاقتها القائمة مع حماس، و أثرها على مستقبل إعلان مشروع الإمارة الإسلامية، لأن معظم هذه المجموعات لا تربطها أية صلة بالقاعدة عدا رؤيتها المعلَنة القائمة على تأسيس دولة إسلامية في فلسطين، تلتزم بالشريعة الإسلامية بحذافيرها.

و لذلك ركزت هذه المجموعات الأصغر حجمًا هجماتها على قضايا عالمية، في ردّها على الرسوم الكرتونية التي نُشرت في الدانمارك و فرنسا، و تعليقات "بابا الفاتيكان" التي اعتبرتها معادية للإسلام، و هذا النوع من الدوافع العالمية لشنّ هجمات محلية يعكس تحول هذه المجموعات من الأيديولوجيا الإسلامية القومية إلى الأيديولوجيا الأممية، و تربط بفاعلية قضيتها المحلية بالدفاع العالمي عن الإسلام ضمن التيار الإسلامي "العالمي المحلي".

رابعًا: معالجة حماس لـ"أنصار الدولة"

شهدت الأراضي الفلسطينية عمومًا، و قطاع غزة خصوصًا، عددًا من الحوادث الميدانية التي نفذتها مجموعات سلفية، ضد من أسمتهم "الكفرة و الصليبيين" المتواجدين على أرض فلسطين، كمقدمة طبيعية لإقامة الدولة الإسلامية بنظرها، و هي حوادث لاقت إدانة كبيرة و معلنة من حماس، قبل و بعد توليها السلطة، و إن رأت أن "أسلمة" المجتمع الفلسطيني، مسألة بحاجة للعمل على نار هادئة دون إثارة القوى المحلية و الإقليمية و الدولية.

و يمكن الرجوع إلى البدايات الأولى للخلاف الفكري و الفقهي بين حماس و السلفيين المرتبطين فكريًا بتنظيم الدولة، لاسيما في مسألة إقامة الدولة الإسلامية، و تطبيق الشريعة، وفق المراحل التاريخية التالية:

(1)بعد التوقيع على اتفاق مكة في شباط فبراير 2007، بين فتح و حماس، رفعت القيادات السلفية من لهجة انتقادها لقيادة حماس،

(2)يمكن الخروج بملخص لأبرز انتقادات السلفيين الجهاديين في فلسطين لسلوك حماس السياسي، و شكلت في فترة لاحقة الأسس الفكرية "للقطيعة" بينهما، و إطالة لأمد إقامة الدولة الإسلامية، على النحو التالي:

  • دخولهم العملية السياسية في ظل دستور "وضعي علماني"، و على أساس اتفاقيات أوسلو، التي "تخلت" عن أكثر من ثلاثة أرباع أرض فلسطين لليهود.
  • الاعتراف الضمني بإسرائيل، باعترافهم بشرعية السلطة الفلسطينية، و شرعية رئيسهم "العلماني المرتد، عميل اليهود المخلص".
  • تصريح قادة حماس باحترامهم القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، باعتبار أن مجرد اعترافهم بهذه المنظمة إقرارًا بقانونهم الوضعي، و بدولة إسرائيل العضو فيها.
  • دخولهم في حلف عجيب مع الأنظمة "المرتدة"، خاصة في مصر و سوريا، قبيل اندلاع الثورات الأخيرة، متنكرين لدماء إخوانهم في مجزرة حماة.
  • إعلان حماس أنها لا تسعى لأسلمة المجتمع الفلسطيني، و عدم مطالبتهم بأن تكون العملية السياسية وفق الشريعة، أو بتحكيمها لدى وجودهم في الحكومة، و لم يحكموها بعد سيطرتهم الكاملة على غزة، و عدم قناعة

هنا يبدو ضروريًا تقسيم العلاقة بين حماس و أنصار تنظيم الدولة، الذين باتوا يطالبون صباح مساء بإقامة الدولة الإسلامية، و تطبيق الشريعة، إلى ثلاث مراحل متمايزة:

1/ قبل فوز حماس بالانتخابات: حيث أقامت حماس علاقات مع الجماعات السلفية، نظرًا لحاجتها لترتيب تحالفات واسعة، مع القوى المناوئة لفتح و منظمة التحرير، و تتماثل و تتقاطع معها في وجهات النظر و الموقف من السلطة الفلسطينية، و نظمت اصطفافًا للتيارات الإسلامية في مواجهة الفصائل العلمانية، و سمحت علاقة حماس بهذه التنظيمات، بإيصال رسائل سياسية عن قدرتها على التحكم و السيطرة، سواء بالتشغيل أم بالإحباط، و التخفيف قدر الإمكان من الهجمات الإعلامية العنيفة التي استهدفت حماس مِنْ قِبَلِ قيادات تنظيم القاعدة، و حرصت على إبقاء مسافة مع الجماعات السلفية، لاعتبارات كثيرة.

2/ تشكيل الحكومة و السيطرة على غزة: حيث رحبت التنظيمات و الخلايا السلفية شبه السرية، التي تستلهم فكرها الجهادي، بسيطرة حماس على غزة أواسط 2007، فيما كافأتها حماس بتعاطف حنون، وصل حدود التسامح مع التدريب و التجنيد، عبر عنه بحلف "الجنتلمان" غير المكتوب بينهما، و بات واضحًا أن التناقضات الأيديولوجية بينهما تتركز في الخلاف حول مسألة تطبيق الشريعة، رغم اعتبار السلفيين لمشاركة حماس في الانتخابات انتهاكًا لمبدأ "الحاكمية الإلهية"، ما وجد طريقه في الحملات التكفيرية التي شنها بعض رموزهم ضدها.

3/ الاستقالة من الحكومة: بعد المصالحة أواسط 2014 بين فتح و حماس، حيث اعتبرت المجموعات السلفية أن الوضع ملائم لبث حالة من "الفلتان الأمني"، و بداية انهيار أجهزة الأمن في غزة، لمد نفوذها بين الفلسطينيين، لكن حماس حاولت استعادة المبادرة من الموالين لتنظيم الدولة، بتَوَجُّهَيْنِ اثنين:

أ-التوجه الأيديولوجي الفكري: حيث أرسلت شيوخها للمساجد لـ"توعية" الشباب الذين استقطبهم السلفيون، و استطاعت إعادة عدد منهم إلى "جادة الصواب"، و بدأت "معالجة فكرية" لهم عقب اعتقال بعضهم بعد إعلانهم، لكن التحدي الذي يواجه حماس فعليًا يتمثل بأن هؤلاء السلفيين ينطلقون من خطاب إسلامي ديني، يجد صداه و قبوله في أوساط عديدة من قواعدها التنظيمية، مما دفع بها لإقامة جلسات فكرية، و محاورات فقهية، و مناظرات دينية، مع مروجي الفكر السلفي، و استطاع بعض العلماء استقطاب عدد منهم عبر الأسلوب الإقناعي، و محاججة الفكرة بالفكرة.

و يتمثل أسلوب التأهيل الفكري، بأن تجلس مجموعة من المشايخ و العلماء مع الشباب صغار السن، يعلمونهم وسطية الإسلام، و أهميتها في الحياة، و يتم محاججتهم، و تقديم الأدلة لهم على خطأ ما يقومون به.

كما دأبت حماس على القيام بحملات توزيع تعميمات تنظيمية، و محاضرات داخلية تحت عنوان: "تطبيق الشريعة الإسلامية..ضوابط و أحكام"، تنبه قواعدها لخطورة الدعوة "المتعجلة" لتطبيق الشريعة مع عدم نضوج الظروف الميدانية، و دون التفهم الداخلي و الخارجي لها.

و أطلقت الحكومة في غزة سراح العشرات من هؤلاء بعد "تأهيلهم فكريًا"، و الحديث معهم بكثافة من قبل مختصين لترك التكفير، و الدخول في وسطية الإسلام، و أخذ تعهد منهم بعدم العودة لأي نشاطات من شأنها زعزعة الاستقرار، في ظل عدم استبعاد لعودة الظاهرة من جديد.

ب- المعالجة الأمنية الميدانية: ففي حين أخفق بعض المشايخ و العلماء في العلاج الأول، تحركت أجهزة أمن حماس، و شنت حملات ملاحقة و اعتقال، و استعادة المساجد التي نشرت التنظيمات السلفية أفكارها من خلالها.

و لذلك يمكن القول أن علاقة حماس مع السلفيين الموالين لتنظيم الدولة، لم تَسِرْ على وتيرة واحدة، بل شهدت فصولاً متعددة من الاحتقان و التوتر و المواجهة، بعد أن وصفت حماس بعض "الأمراء السلفيين" بأنهم مصابون بـ"لوثة عقلية، و منزلقات فكرية، و تكفيري"، محملة إياهم جرائم حدثت في غزة بين الحين و الأخر كتفجير مقاهي إنترنت، و استهداف مدارس مسيحية، و حفلات أفراح عامة، و اتهمتهم بالتبعية للعناصر الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

و هنا يمكن تفسير أن العلاقة بين حماس و أنصار الدولة الإسلامية شهدت حالة من الشد و الجذب، و عدم الاستقرار، بعد أن غلب عليها طابع المواجهة بينهما، رغم أن أواسط 2014 شهد بداية مصالحة بينهما، عبر وساطة قام بها علماء دين من الكويت و قطر، رافقوا الشيخ يوسف القرضاوي في زيارته لغزة في 2013 لحل خلافاتهما، في ضوء ما قامت به حماس من حملات لـ"قص الجذور"، و تضمن اتفاقهما: منح السلفيين حرية العمل السياسي و العسكري و الدعوي و الاجتماعي، و تنظيم الفعاليات المختلفة، و وقف كافة عمليات الاعتقال و الملاحقة، و تشكيل هيئة مشتركة مع حماس لمتابعة أي إشكاليات قد تقع، و تتسبب في إحداث أزمات جديدة.

إن المراجعة الميدانية لتعامل حماس مع أنصار الدولة في غزة، يشير لنجاحها في التعامل مع عدد من الحالات السلفية، بتشكيل لجنة مشتركة لحل أي مشكلة أو حادث يقع بينهما، بما فيها التنسيق الميداني للعمل المسلح على الأرض، و العمل على علاج أي إشكالات ميدانية، و نشر هذه الروح التصالحية الجديدة بين أنصارهما، و يعذران بعضهما بأي اجتهادات سياسية أو عملية، و استخدام وسائل الإعلام المتاحة لهما في حشد الفلسطينيين خلفهما.

الخاتمــــــــــــــــــــــة                                           

إن الخلاف القائم بين حركة حماس و المجموعات السلفية الموالية لتنظيم الدولة حول إقامة الدولة الإسلامية، و تطبيق الشريعة، و تنفيذ الحدود، في الأراضي الفلسطينية، ظاهرة جديرة بالنقاش و التفكر، و دراسة للأسباب و العوامل، و التأمل في طبيعة التعامل معها، في ضوء أن إقامة هذه الدولة باتت تحتل حيزًا هامًا من تفكير أبناء الجماعات الإسلامية الفلسطينية، رغم أنها لا تعدو عن كونها في كثير من الأحيان أحلامًا رومانسية و أماني عاطفية لا تستند لوقائع حقيقية تدعم هذا التوجه، و تمنحه أسباب البقاء و الدوام.

__________________________

(*) د. عدنان عبد الرحمن أبو عامر: أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة - غزة.

الرابط:

http://www.nama-center.com/ActivitieDatials.aspx?ID=30536

عن موقع الإسلام اليوم.نت

قراءة 1785 مرات آخر تعديل على الخميس, 03 أيلول/سبتمبر 2015 12:50

أضف تعليق


كود امني
تحديث