قال الله تعالى

 {  إِنَّ اللَّــهَ لا يُغَيِّــرُ مَـا بِقَــوْمٍ حَتَّــى يُـغَيِّـــرُوا مَــا بِــأَنْــفُسِــــهِـمْ  }

سورة  الرعد  .  الآيـة   :   11

ahlaa

" ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، و إنما المهم أن نرد إلي هذه العقيدة فاعليتها و قوتها الإيجابية و تأثيرها الإجتماعي و في كلمة واحدة : إن مشكلتنا ليست في أن نبرهن للمسلم علي وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده و نملأ به نفسه، بإعتباره مصدرا للطاقة. "
-  المفكر الجزائري المسلم الراحل الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله  -

image-home

لنكتب أحرفا من النور،quot لنستخرج كنوزا من المعرفة و الإبداع و العلم و الأفكار

الأديبــــة عفــــاف عنيبـــة

السيـــرة الذاتيـــةالسيـــرة الذاتيـــة

أخبـــار ونشـــاطـــاتأخبـــار ونشـــاطـــات 

اصــــدارات الكـــــاتبــةاصــــدارات الكـــــاتبــة

تـــواصـــل معنــــــاتـــواصـــل معنــــــا


تابعنا على شبـكات التواصـل الاجتماعيـة

 twitterlinkedinflickrfacebook   googleplus  


إبحـث في الموقـع ...

  1. أحدث التعليــقات
  2. الأكثــر تعليقا

ألبــــوم الصــــور

e12988e3c24d1d14f82d448fcde4aff2 

مواقــع مفيـــدة

rasoulallahbinbadisassalacerhso  wefaqdev iktab
الخميس, 06 تشرين2/نوفمبر 2014 13:16

العِبر من التاريخ الاستعماري في ليبيريا لقضايانا المعاصرة 1/2

كتبه  الأستاذ محمد شعبان صوان من فلسطين الشقيقة
قيم الموضوع
(0 أصوات)

●ملخص

تقدم لنا قراءة تاريخ الاستعمار في جمهورية ليبيريا الواقعة في غرب إفريقيا عبراً مهمة لمجموعة من قضايانا المعاصرة و هي:

1-      تغير الممارسات الاستعمارية لا ينفي جوهر الاستغلال: ذلك أن شعار الحرية قد يكون غطاء لممارسات استعمارية بشعة تنتقل من شكل اضطهاد قديم إلى شكل جديد تحت ذرائع انسانية تصور عملية الانتقال من الاسترقاق إلى الاستعمار بأنه تطور أخلاقي مشهود.

2-      زيف الذرائع الاستعمارية و لو كانت تحت اسم "العودة إلى أرض الآباء": فمهما كانت الصلة التاريخية للمستعمِرين بالأرض التي يغزونها باسم "العودة" إليها، فإن الراية الاستعمارية التي ينضوون تحتها تخرجهم من كونهم مجرد "عائدين" و تجعلهم كأي صنف من الغزاة المحتلين، و تحوّل الضحية إلى جلاد مجرم، و تخلق من المشاكل الدموية مع السكان الأصليين الذين استمر وجودهم منذ الأزل على هذه الأرض ما يبرر لهم مقاومة هؤلاء الغزاة مقاومة ستوقع في النهاية من الخسائر ما يمحو أثر النتائج السعيدة التي تذرع الاستعمار بها ابتداء لتبرير مشروع "العودة".

3-      الاستعمار لا يفيد إلا نفسه مستخدماً عملاءه ليمتص دماء ضحاياه: ذلك أن "التقدم" الذي تقدمه "التنمية" الاستعمارية يؤدي إلى خدمة أهداف المستعمِرين الذين قاموا بإنشاء البنية التحتية في المستعمرات، دون تحقيق أهداف الأهالي الأصليين، و قد يحول الاستعمار بلداً شديد الغنى بثروات ضخمة إلى أفقر بلد في العالم مع التبجح "بإنجازات" كبرى و لكن يعوزها الصلة بحياة الأهالي البائسين، مستخدماً في ذلك الاستغلال طبقة من المستفيدين من هذه العملية التي تقطع طريق التطور الذاتي في حياة الشعوب.

●مشروع "عودة" إلى إفريقيا لحل مشكلة العبيد المحررين يسبق مشروع "العودة" إلى فلسطين لحل المشكلة اليهودية في أوروبا

من القضايا التي واجهتها الثورة الأمريكية التي طرحت فكرة التحرر من الاستبداد، قضية الرق و مساوئه التي فرضت نفسها على الآباء المؤسسين و منهم توماس جيفرسون الذي كتب مسودة إعلان الاستقلال و ألصق فيها تهمة التجارة بالبشر بالملك البريطاني وحده، مع أنه برر استعمال الرقيق بكونه من متطلبات البقاء لسكان أمريكا و هو ما يتقدم على مبادئ العدالة، و كان جيفرسون يعتقد أن مآل العبودية إلى الزوال و لكن ذلك لن يؤدي إلى السلام و سيظل العنف الناتج عن تبعات الاسترقاق على السادة و العبيد و الفروق الطبيعية في رأيه بين البيض و السود يلقي بظلاله على المجتمع الأمريكي، و حل هذه المشكلة التي تتعلق بفائض سكاني فقد وظيفته في هذا المجتمع و أصبح عبئاً عليه، يتمثل في رأيه في الفصل بين الشعبين و"عودة" هذا العنصر البشري الفائض إلى موطنه الأصلي بمساعدة سادته السابقين و استعماره في بلد خاص يصبح ملكاً له ويضمن فيه سلامة العبيد و سعادتهم و يمنحهم الحماية و الرعاية و يمكن لأولئك السادة السابقين أن ينشئوا تحالفاً مع هذا الكيان الجديد، و كما كان صاحب فكرة هذا المشروع ضد اضطهاد العبيد في أمريكا فقد كان ضد العبيد أنفسهم و ساقه حرصه على الهوية إلى اقتراح ترحيلهم مرة أخرى إلى إفريقيا بعدما تم ترحيلهم من إفريقيا أول مرة، و كذلك كان الوزير البريطاني آرثر جيمس بلفور صاحب الوعد المشئوم معادياً لوجود اليهود في بريطانيا فسن أثناء رئاسته للوزراء (1902-1905) قانون الغرباء الذي يقيد هجرتهم إليها في نفس الوقت الذي كان فيه متعاطفاً مع فكرة ترحيلهم إلى فلسطين و منسجماً مع الأحلام الصهيونية إلى حد التبني كما هي صفة معظم الصهاينة غير اليهود الذين يكرهون اليهود و لهذا يتعاطفون مع الهدف الصهيوني و هو التخلص منهم في أوروبا و ترحيلهم إلى فلسطين.

و يلاحظ تشابه المسألة الإفريقية في أمريكا مع المسألة اليهودية في أوروبا، ففي الحالتين كان هناك فائض سكاني فقد عمله و أصبح عبئاً على مجتمع يرفض استيعابه، فكان الحل هو تصدير المشكلة إلى الخارج تحت ستار "العودة" بإنشاء كيان استعماري استيطاني يرعاه السادة السابقون، لهذا العنصر المرفوض و يتحالفون مع كيانه الجديد الذي سيصبح أداة في يد المصالح الجديدة لأولئك السادة في مكانه الجديد، و كما كان أعداء اليهود هم أنصار الحل الصهيوني الذي طالب بترحيل اليهود من أوروبا إلى فلسطين، فكذلك كان أنصار ترحيل العبيد المحررين هم أنفسهم أعداء بقائهم في أمريكا و كارهي عنصرهم الإفريقي، و كما ظلت الأفكار الصهيونية في عالم الأماني زمناً طويلاً فقد ظلت فكرة ترحيل العبيد السابقين حبيسة الفكر الجيفرسوني منذ نهاية الثورة الأمريكية لمدة أربعين عاماً بعد ذلك و ظل يدافع عنها إلى يوم وفاته في ذكرى إعلان الاستقلال سنة 1826، و كان سابقاً زمنه في اختراع هذا الحل على غرار السابقين في اختراع الحل الصهيوني.

و قد نتج عن هذا الحل الترحيلي في إفريقيا و الذي أدى إلى قيام دولة ليبيريا من المشاكل بل الكوارث الدموية بين السكان الأصليين و الوافدين الجدد ما يوازي النكبات التي حلت بالشعب الفلسطيني نتيجة الحل الصهيوني، رغم كون "العائدين" في الحالة الإفريقية ممن لا شك في أصولهم الإفريقية و هو ما يؤكد أن صلات النسب البعيد بالأرض ليست هي معيار الحقوق و أن عودة أي منفي بعد زمن طويل تحت راية أجنبية هدفها الطرد و الإبادة و الاستيطان سيواجهها أصحاب البلاد بنفس المقاومة التي يواجهون بها أي أجنبي محتل، خلافاً للترحيب باللاجئ طالب الأمان الذي يطلب المساعدة حتى لو كان غريباً، و أن اتخاذ الاستعمار أدوات تحت ذريعة العودة يختلف جذرياً عن العودة نفسها لأن العائد الحقيقي يحترم أصحاب الدار الذين ثبتوا في الأرض في الوقت الذي كان هو قد غادر فيه، و حتى لو كان مجرد لاجئ أجنبي و ليس عائداً فإن الأبواب تكون أكثر تفتحاً له من محاولة اقتحامها قسراً بالقوة، و قد استقبلت بلادنا كثيراً من اللاجئين من الشرق و الغرب (الأرمن و الشركس و الشيشان و البشناق) و استوعبتهم في نسيجها إلا أن الموجة الصهيونية لم تكن محاولة لجوء و إيجاد مأوى بل غزو استعماري استيطاني يستهدف الإبادة و الإحلال لأجل قيام كيان مرتبط بالخارج الغربي و من هنا كان رفض السكان الأصليين له و لم يكن رفضهم إفساح مجال لمجموعة هاربين من الاضطهاد كما يصور الصهاينة أنفسهم، و كذلك كانت ليبيريا كياناً مرتبطاً بالراية الأمريكية استبعد السكان الأصليين و اضطهدهم و لذلك رفضوه و حاربوه بغض النظر عن أصول المستعمِرين الإفريقية، و الخلاصة أن حجة العودة مرفوضة عندما يستخدمها كيان استعماري يعمل على استبعاد الأهالي، سواء كانت الأصول صحيحة كالحالة الإفريقية أو مشبوهة كالحالة الصهيونية أم مختلقة كالجذور الأوروبية التي حاول جيفرسون اختراعها في أمريكا الشمالية، و هذا الحل يؤدي دائماً إلى مشاكل متتالية بحجة إيجاد مأوى مع أن المأوى لا يتطلب الطرد و الإبادة.

●نشأة ليبيريا وتاريخها

عندما بدأ الرق بالاضمحلال، ارتفعت الأصوات في الغرب الأوروبي الأمريكي لإعادة الرقيق المحررين إلى موطن أسلافهم في إفريقيا لعدة دوافع متباينة، فبينما أراد البعض التخلص من العنصر الملون لأنهم لا يريدون التعايش معه، رأى البعض الآخر أن وجود عبيد تم تحريرهم على مقربة ممن ظلوا في أغلال الرق يؤلف خطراً على الاستقرار، كما رأى غيرهم أن العبيد السابقين سيكونون أكثر حرية و ازدهاراً في موطن آبائهم، و أن إبعاد الأفارقة عن أمريكا سيجعل عتقهم مقبولاً، و هو اعتراف بعنصرية المجتمع الأمريكي آنذاك و الذي لا يقبل ملوناً حراً بين جنباته، و لم يغب دافع التنافس الاستعماري عن هذا المشهد فقد رأت السياسة إمكان استخدام هذا العنصر المنبوذ في حماية المصالح السياسية الغربية في منطقة غرب إفريقيا و بهذا يتم تحقيق هدفين بحركة واحدة هما التخلص من هذا العنصر و استخدامه في نفس الوقت بعيداً، و هذا ما حصل في المشروع الصهيوني في فلسطين تماماً، إذ تخلصت أوروبا من اليهود و استخدمتهم في نفس الوقت لحماية مصالحها بصفتهم "طليعة الحضارة" في الشرق البربري المعادي.

لقد كان القضاء على العبودية و تجارة الرقيق هو ذريعة الاستعمار الأوروبي للتكالب على إفريقيا، و يمكننا أن نضع إنشاء ليبيريا و سيراليون ضمن هذا البند، فبحجة تحرير الرقيق أقيم هذان الكيانان الاستعماريان لاستيعاب العبيد المحررين، و في موضوعنا عن ليبيريا نتج عن شعارات الحرية هذه استعمار قامت به الأقلية الأمريكية و اضطهدت به السكان الأصليين في ليبيريا، و إن الممارسات البشعة التي قام بها الاستعمار الأوروبي عموماً في إفريقيا بدعوى محاربة الرق تؤكد أن تطور أشكال الاستغلال لا تعني أي تطور أخلاقي عند المستغِلين.

تقول المراجع إنه في أواخر القرن الثامن عشر، و مع نمو حركة المطالبة بتحرير العبيد، ظهرت في الولايات المتحدة فكرة عودة الأفارقة إلى بلاد أجدادهم التي انتزعوا منها قسراً، لاسيما إفريقيا الغربية، و بذلك يصبح العبيد المحررون أسياد مصيرهم، و قد قامت أمريكا باستخدام هذه الفكرة لوقف محاولات التغلغل البريطانية و الفرنسية في تلك البلاد التي كانت حتى ذلك الوقت غير منظمة في إطار حقوقي و مؤسسي.

و قد تأسست جمعية الاستعمار الأمريكية سنة 1816 برئاسة باشرود واشنطن شقيق الرئيس جورج واشنطن لتشجيع عودة العبيد المحررين إلى إفريقيا، و تم اختيار مرفأ لإنزالهم أصبح فيما بعد العاصمة مونروفيا نسبة إلى الرئيس الأمريكي المؤيد للفكرة جيمس مونرو، و صار من مهمة الجمعية الحصول على موافقة السكان الأصليين لإعطاء أراض لأنسبائهم الوافدين، و أصبحت الجزيرة التي نزل أوائل "العائدين" عليها هي مكان ولادة ليبيريا، أي أرض الحرية، و أطلق على تلك الجزيرة اسم جزيرة العناية الإلهية و أصبحت مزاراً رسمياً منذ سنة 1963.

فشلت في البداية مهمة المبعوثين الأمريكيين الرسميين إلى جانب مبعوثي جمعية الاستعمار في تأسيس مستوطنات إلا بعد الاتفاق مع الزعماء المحليين على منح أرض للمشروع، و مع تزايد الوافدين الجدد واجهوا من صعوبات التأقلم كالمناخ و عداوة السكان الأصليين الذين أدركوا فيما بعد حقيقة هذا المشروع الذي سيقوم بإخضاعهم سياسياً و اقتصادياً فقاوموه و تمكن "العائدون" من فرض وجودهم بالقوة بمساعدة المدافع النارية التي تسلحوا بها ضد السكان الأكثر عدداً منهم "و قد ألقت الانتفاضات التي تعاقبت، و القمع الذي كانت تواجه به بثقلها على تاريخ ليبيريا الحديث" كما تقول موسوعة السياسة، و بسبب الاستيلاء على أراضي السكان الأصليين، لم تتحدد حدود ليبيريا إلا بنشوب المشاكل معهم.

في البداية حكم الأمريكيون البيض ليبيريا التي كانت محصورة في مدينة مونروفيا ، و يعد جيهودي آشمون هو المؤسس الحقيقي للمستعمرة التي حكمها فيما بعد توماس بوكانان شقيق الرئيس الأمريكي الخامس عشر جيمس بوكانان، و نشأت فيها عدة مستوطنات على التتابع حمل بعضها أسماء أمريكية واضحة مثل ماريلاند و جرينفيل، و ظلت تتحرر ببطء من السيطرة الأمريكية المباشرة، إلى أن أعلنت جمعية الاستعمار الأمريكية التي أشرفت على إنشاء ليبيريا أن على المستعمرة ألا تظل معتمدة على الجمعية، فأعلن الحاكم الأمريكي استقلالها و حصل الليبيريون على موافقة السلطات الأمريكية و تشجيعها لتحويل البلد إلى دولة حرة و مستقلة سنة 1847 ، و أصبحت جمهورية مستقلة و تم انتخاب أول رئيس من الوافدين بعد 25 عاماً من حكم البيض، و اتخذت الدولة الجديدة علماً كعلم الولايات المتحدة و دستوراً شديد الشبه بالدستور الأمريكي، بالإضافة إلى رموز و شعارات ذات معنى للقادمين من أمريكا، و قد استمر تدخل جمعية الاستعمار في السياسة الليبيرية بعد الاستقلال، و لم يكن عدد الوافدين آنذاك (أقل من 3 آلاف) بكاف لاستمرارية المشروع الاستيطاني، و حاول الرئيس الليبيري الجديد الحصول على اعتراف دولي، فسافر إلى الولايات المتحدة في السنة التالية لانتخابه (1848) و لكن الأمريكيين في ذلك الوقت لم يقبلوا بوجود مبعوث دبلوماسي غير أبيض و لم يعترفوا بالدولة الجديدة إلا في سنة 1862 بعد اندلاع الحرب الأهلية بين الشمال و الجنوب، و حاولت كل من بريطانيا و فرنسا انتهاز الفرصة بالاعتراف بليبيريا بعد العزوف الأمريكي و أرسلتا بواخر حربية إلى سواحلها في محاولة لربطها بهما عسكرياً و"مساعدتها على حماية نفسها" وفقاً لموسوعة السياسة، و لا ننسى أن مناطق النفوذ البريطاني و الفرنسي كانت محاذية لليبيريا.

و كان السكان الأصليون في عمق البلاد يجهلون وصول الوافدين الجدد، و عندما قامت الدولة لم تكن إجراءاتها تعنيهم بشيء، و في الفترة الواقعة بين تأسيس المستعمرة و نهاية الحرب الأهلية الأمريكية هاجر معظم الوافدين إلى ليبيريا، و كانت أهم المشاكل التي واجهت رؤساء ليبيريا الأوائل مشكلة التوتر بين الوافدين من أمريكا و السكان الأصليين، و المشاكل مع القبائل المحلية في عمق البلاد حيث كانت الدولة تحاول مد سيطرتها، و قد اندلعت حالات عصيان عديدة استمرت إلى سنة 1930، و ظل السكان الأصليون مستبعدين من المواطنة الليبيرية إلى سنة 1904 حين بدأ الرئيس آرثر باركلي سياسة التعاون مع القبائل الأصلية، كما ألقت مشكلة الحدود مع الدول المجاورة التي تسيطر عليها بريطانيا و فرنسا بظلالها على أحوال ليبيريا و ظلت مستمرة إلى ما بعد الحرب الكبرى الثانية، و كانت سلطة الدولة محصورة لمدة طويلة في المنطقة الساحلية التي تمتد عشرين ميلاً فقط إلى الداخل و ظل الانقسام الاقتصادي بين الساحل و الريف الداخلي شديداً.

لم يكن الاستعمار الاستيطاني براقاً لأفارقة الولايات المتحدة الذين أصروا على هويتهم الأمريكية و كانوا ضد فكرة "العودة إلى أرض الآباء"، و رأوا أن هذه "العودة" ترسخ فكرة الرق و تدعمها، و ذلك كما عارض كثير من اليهود نشأة الصهيونية المنادية "بعودة" اليهود إلى فلسطين و عدوها مثيرة لمعاداة اليهود و استقرارهم في المجتمعات التي يعيشون فيها، و رغم الاهتمام الذي حظيت به فكرة الاستعمار الاستيطاني فقد تخلى عنها كثير من أنصار إلغاء الرق لما فيها من عدوانية ضد الملونين (في إفريقيا أم في أمريكا؟) و قال بعضهم إن جمعية الاستعمار بديل خبيث للعبودية، و إلى سنة 1865 كان عدد المستوطنين في ليبيريا خمسة آلاف فقط، و من ضمن الأربعة ملايين عبد تم تحريرهم في الحرب الأهلية الأمريكية، لم يهاجر إلى ليبيريا سوى عدد قليل رجع بعضهم إلى أمريكا فيما بعد، و كان الذي جدد الاهتمام بفكرة الهجرة هو سوء الأحوال التي عاشها العبيد المحررون بعد الحرب الأهلية، و كانت عنصرية الشمال تجبرهم على البقاء في الجنوب و منهم من فضلوا أن يقطنوا في الغرب للحفاظ على حريتهم رغم سوء الأحوال هناك، و منهم من فضل العودة إلى الجنوب، و قد انقسموا في ذلك الزمن بين المطالبة بولاية زنجية خاصة في نبراسكا أو كانساس و معارضة ذلك، و قد حظيت فكرة الولاية باهتمام واسع بين العبيد المحررين الذين استلهموا مثال خروج بني إسرائيل من مصر هرباً من اضطهاد فرعون، كما كانت نفس الفكرة السياسية عند السكان الهنود في نفس الفترة، و لكن عارضها قادة مشهورون من السود كفريدريك دوغلاس لأنها ستلغي حقوقهم خارج الولاية المقترحة، و هي معارضة شبيهة بالمعارضة اليهودية ضد الصهيونية، و استلهم بعضهم فكرة إعلان الاستقلال الأمريكي و طالبوا بالانضمام إلى مقاييس البيض لأنفسهم و هي كلها مطالب لم تتحقق إلى اليوم سواء لذوي الأصول الإفريقية أم للسكان الأصليين في أمريكا.

و على الجانب الآخر ايد قادة قوميون من ذوي الأصول الإفريقية في امريكا حل الهجرة و الفصل بين الأجناس مثل المصلح مارتن ديلاني (1812-1885) الذي أيد الهجرة إلى ليبيريا لتحل مشكلة التمييز العنصري و عقد مؤتمراً في أمريكا في سنوات 1854 و 1856 و 1858 لهذه الغاية كما عقد معاهدات مع زعماء أفارقة في حوض النيجر لإغراء ذوي الأصول الإفريقية في أمريكا بالهجرة و الاستقرار في إفريقيا، و مثل المصلح القومي ماركوس جارفي (1887-1940) و الذي كان معجباً بقوة و تنظيم الأمم الغربية و لكنه قال إنها تركت الجماهير العالمية مستاءة و ساخطة، و في سبيل تنمية حضارة جديدة تزاوج بين التقدم العلمي و إشاعة الحرية لا بد من إيجاد أمم سوداء مستقلة و هذا لا يتم إلا باستعمار إفريقيا دون التخلي عن الكفاح داخل أمريكا من أجل العدالة و لكن دون اللهاث للحصول على قبول البيض كما تفعل البورجوازية السوداء، و قد جوبهت جهوده التي أثمرت أكبر جمعية للأمريكيين الأفارقة في التاريخ الأمريكي (جمعية تقدم الزنوج العالمية) بمعارضة امتدادها إلى إفريقيا من جانب أوروبا و قادة في إفريقيا.

الفرق بين المشروعين الاستيطانيين في ليبيريا و فلسطين أن الأول لم يحظ بالتأييد الحكومي الواسع رغم الاهتمام الذي أثارته الفكرة، فقد دفعت الحكومة لجمعية الاستعمار الأمريكية 100 ألف دولار عند تأسيسها بالإضافة إلى تبرعات فردية، و هي مبالغ لم تكن كافية لدعم مشروع ضخم كهذا و ذلك رغم التأييد الذي حصلت عليه فكرة الاستعمار الاستيطاني عند شخصيات سياسية بارزة كالرئيسين جيمس ماديسون و جيمس مونرو و السياسي البارز هنري كلاي، و قد أعاد الاضطهاد الأبيض بعد الحرب الأهلية الأمريكية الاهتمام بفكرة "العودة" التي ظلت متداولة إلى عشرينيات القرن العشرين.

و لا يغيب عن الأذهان في هذه المناسبة أن فكرة ترحيل العبيد المحررين إلى ليبيريا تزامنت مع فكرة ترحيل الهنود الحمر من شرق الولايات المتحدة إلى الغرب، و كان ذلك في عشرينيات و ثلاثينيات القرن التاسع عشر أيضاً، مما يدل على اتجاه تصدير المشاكل في الحضارة الغربية على حساب الآخرين، و هو ما مارسه الغربيون بتوسع في القرن التاسع عشر بهجرة عشرات الملايين من فائضهم السكاني إلى الخارج، كما تدل فكرة الترحيل على الجوهر العنصري الذي تتسم به هذه الحضارة التي لا تتحمل المخالفة و الاختلاف و لا تقبل باستيعاب الآخرين في جنتها، و لكن ترحيل السكان الأصليين كان أكثر إلحاحاً في ذلك الزمن بسبب الطمع الشديد بالاستيلاء على أراضيهم في الوقت الذي لم يكن للعبيد المحررين ثروات يُطمع بها لو رحلوا، و من هنا كانت الولايات المتحدة على استعداد للإنفاق على ترحيل قبيلة هندية واحدة خمسة ملايين دولار، و هو أكثر مما رصدته لترحيل جميع القبائل، و أكثر بالطبع مما أنفق على مشروع ليبيريا في نفس الوقت.

و قد ألف الوافدون من أمريكا إلى ليبيريا في سنة 1869 حزباً سياسياً اسمه حزب المحافظين الحقيقي The True Whig Party الذي كان يمثل السود في مواجهة المهجنين من الوافدين، و لم يكن يثق بأوروبا و لكنه انتهج سياسة اقتصادية ابتدأت بالاقتراض من بريطانيا (1871 و 1907) كما تنازل لمستعمرات بريطانيا و فرنسا عن أراض ضخمة، و كانت معظم التجارة الليبيرية مع أوروبا لاسيما بريطانيا و ألمانيا و هولندا، ثم تحولت ليبيريا إلى النفوذ الاقتصادي الأمريكي بداية من سنة 1926 بالاقتراض من الولايات المتحدة في الوقت الذي كانت الامتيازات الضخمة تمنح لشركاتها خلافاً لبقية الدول الإفريقية بعد استقلالها،

قراءة 2611 مرات آخر تعديل على السبت, 11 تموز/يوليو 2015 09:54

أضف تعليق


كود امني
تحديث