توجهت إلي هناك و بدأ نظري يجول بين أحجام مختلفة للكتب و أغلفة متنوعة لحكايات و قصص و روايات، فجأة إخترت كتابا أكبر من سني. فقد كان مخصص لفئة المراهقين 11 ، 15 سنة، إلا أنني أخذت القصة بين يدي و هي ضمن سلسلة المكتبة الخضراء الفرنسية و ليس المصرية لكي لا يقع خلط في ذهن القاريء الكريم و طالعت العنوان "أليس و الشبح" قرأت بسرعة ملخص القصة علي الغلاف الرابع، بدي لي أنها قصة مغامرات و كنت حريصة علي قراءة هذا اللون من أدب الأطفال لأنه كان يثري مخيلتي التي كانت غنية جدا علي صغر سني.

عند عودتنا إلي البيت مزودة بكم من الكتب الممتعة و المفيدة لي، أول ما شرعت في قراءته كانت قصة أليس و الشبح و منذ اللحظة الأولي التي فتحت فيها الكتاب و طويت الصفحة الأولي فيه شعرت أنني تغيرت و للأبد و أن عفاف قبل أليس و الشبح و عفاف ما بعد أليس و الشبح ليستا نفس الطفلة علي الإطلاق.

عندما كبرت و بلغت سن الكهولة، وصفت والدتي حفظها الله و أطال الله لنا في عمرها التحول الجذري الذي عرفته شخصيتي بمجرد ما فتحت كتاب "أليس و الشبح" و الوصف الذي قدمته بإخلاص شديد هو الأصدق و سأرده إليكم كما جاء علي لسانها:

"هل تعرفي عفاف أنني عندما إشتريت لك أول كتاب من سلسلة أليس لم أكن أتصور قط أن هذا الكتاب هو الذي سيرسم قدرك و سيضعك في طريق كل الآباء و الأمهات يخشون علي أبناءهم منه.

-كيف أمي؟ سألتها.

-قصدت بالطريق نهج الحق و الإنتصار للحق و للمظلومين من أبناء عقيدتك و غير عقيدتك. يشهد الله يا عفاف ذلك الكتاب من الأدب الأمريكي للأطفال المترجم إلي اللغة الفرنسية قلب حياتك رأسا علي عقب!! بعد قراءتك له دفعة واحدة، تصوري إبنتي العزيزة قرأت أكثر من 150 صفحة من الحجم المتوسط في بضعة ساعات، و بمجرد ما أغلقت الكتاب، أتيت إلي و كنت أحضر جلسة الحليب و القهوة ما بعد صلاة العصر، فإذا بك تنظرين إلي و تقولين لي بجدية كاملة:

-ماما أريد أن أحكي لك قصة أليس التي أنهيت قراءتها للتو و لأبدأ بتعريفك بها، لأنك تجهلينها حتما.

-طيب إبنتي، أنا كلي أذان صاغية، تفضلي إحكي لي من هي أليس و ما هي قصتها ؟

بصوت هاديء قصصت علي قصة أليس من ألف إلي ياء، كنت أستمع إليك مشدوهة، لأن شيء ما لفت إنتباهي بقوة في سردك. كنت مأخوذة بشخصية تلك الفتاة الأمريكية إبنة محامي أمريكي كبير و شهير بمواقفه الإنسانية و المنتصرة للحق ضد الظلم و كيف أن إبنته ورثت عنه ذلك الجانب النبيل و غدت محققة لامعة. في نهاية السرد، نظرت إلي مطولا ثم أعلنت بجدية تامة: "سأكون مثل أليس روي ماما، مسلمة منتصرة للحق في كل شيء حتي و إن أدي الأمر إلي موتي."

تصوري عفاف هذا كان كلامك و أنت بعد لم تتجاوزي التاسعة من عمرك بعد مطالعتك لكتاب أليس و الشبح و منذ ذلك التاريخ البعيد عنا الآن أصبح والدك رحمه الله يتبع تقليد حرص عليه لعقود من الزمن، عندما يشتري لك قصص أبطال العرب و الإسلام و قصص القرآن الكريم كان يرفقهم دائما بكتاب عن قصة جديدة لبطلتك الأمريكية المفضلة أليس روي!"

و بالمناسبة، أذكر موقف لوالدي رحمه الله، عندما ذهب ليجري عملية جراحية له في سويسرا في بدايات الثمانينات. أعطيته عناوين لقصص أليس، قائلة له:

" عليك أن تأتيني بابا بكتاب واحد علي الأقل. أعرف أنني سأتعبك خاصة أنك ستجري عملية إلا أنني من فضلك لا تنسي شراء لي قصة من قصص أليس.

و عند عودته سالما معافي من عمليته الجراحية أتي لي بهدايا و بقصتين جديديتين لأليس!!! كم كانت فرحتي عظيمة فهو رغم المرض و التعب و الجراحة لم ينساني و لم ينسي أليس و في مرة أخري كنت أنا و هو عائدين إلي فندقنا غير بعيد عن جادة الشان إليزي في باريس فمررنا بمكتبة و كنت آنذاك مراهقة، فقلت له :

-بابا ما رأيك إن دخلنا هذه المكتبة ؟ أريد أن أشتري بعض الكتب.

فأبتسم و قال لي :

-و طبعا ستبحثين عن عنوان مغامرة جديدة لأليس ؟ لا بأس لندخل،  يا إبنتي.

فدخلنا و أخترت رزمة من كتب أليس و عدت بها إلي غرفتي في الفندق و أنا أكاد أطير بالفرحة.

مجموعة الكتاب الأمريكيين الرجال الذين إتفقوا علي تحرير تحت إسم مستعار كارولين كوين مغامرات أليس روي في سلسلة كاملة، أنا ممتنة لهم من الأعماق!

لأن تلك الشخصية الخيالية علمتني الإصرار علي الحق بشكل عملي و بوسائل قريبة مني لأنها مأخوذة من القرن العشرين الذي عشت الجزء الأخير منه.

ثم إن الأسلوب الذي سلكه المترجم الفرنسي للنسخة الأمريكية و الذي كان يتغير من مترجم إلي آخر جعلني أكثر معرفة بجودة الترجمة، فقد كانت هناك ترجمات آسرة و زادت في تعلقي ببطلتي أليس.

لم أتعرض إلي الأسلوب لأنه لم يتاح لي أبدا قراءة قصص أليس بلغتها الأصلية الإنجليزية غير أنني تحدثت عن مدي التأثير المعنوي الذي أحدثته قصص أليس و صديقاتها الوفيات ماريون و بس.

إرتباطي بأليس ساهم بقدر كبير فيما بعد في تسهيل معرفتي بالنهج الذي كان علي إتباعه في التحقيق في مقتل الرئيس جون كنيدي. فالذي ربط مصيري بأمريكا، كانت البطلة أليس و ليس الرئيس كنيدي، أليس كانت أول أمريكية أتعرف عليها و كانت أول خطوة في الطريق الطويل الذي سلكته لمعرفة كل شيء عن القوة الأولي في العالم آنذاك.