هم فعلا يريدون الخروج من الدروب المعهودة و يبحثون عن أدوات تعبر بحق عن آمالهم و ذكاءهم و لكن في كل مرة يصطدموا بالذهنية الإدارية المحبطة للغاية.
لازلنا متخلفين عن الركب فيما يتعلق بمعاملة التلاميذ، النظام الذي دشنه عصر النهضة العربية الأولي لم تليه فترة مراجعة و إستخلاص الدروس، فالتلميذ اليوم ليس هو ذلك الذي كان يقطع المسافات علي الأقدام أو علي ظهر دابة ليصل إلي مكان المدرسة.
و العملية التعليمية في حد ذاتها طرأت عليها تغييرات جمة، أهمها : كيف نكون تلميذ لمرحلة النضج العلمي و نحضره للتكيف مع معايير سوق العمل ؟
أحيانا تنتابني حالة حيرة و أنا أنظر إلي وجوه غضة، مترقبة لا تدري من أين تنطلق و إلي أين هي ذاهبة ؟ فأي تطور حزنا عليه و أبناءنا لا يفقهون بعد أبجديات التدرج و المثابرة. هل سنستمر علي هذا النهج و العالم من حولنا تحول إلي المهن المنزلية ؟ و هل طلب العلم أصبح من التعقيد ما جعلنا ننصب أنفسنا أوصياء علي هؤلاء الصغار ؟
أذكر أنه من عامين، تحصلت علي كشف نقاط لتلميذ في السنة الأولي بالمدرسة الكندية العمومية، فأنتبهت إلي ملاحظات المعلمة فيما يخص السيرة الأخلاقية للتلميذ و طباعه، فهم يضعون الطفل تحت المجهر، هدوءه، نسبة تركيزه، إنضباطه، حرصه علي النظافة، روح التعاون لديه هل هو صاحب مبادرة ؟ كيف يتفاعل مع الرياضة، هذا و الكشف كان خاليا من النقاط، كأن الصفات الأخلاقية للطفل مفصلية بالنسبة لمسيرته العلمية و بالفعل، هذه الرؤية صائبة.
بينما نحن نتعامل مع أطفالنا من منظار مختلف تماما، كيف نخضعهم لمنهج تعليمي يسفه ذواتهم الصغيرة ؟
كيف نحصل علي نتائج مرضية و نحن نعامل الطفل علي أنه مشروع مواطن قاصر!!!
أحيانا كثيرة مثل هذه السياسات تسد المنافذ أمام أبناءنا، فيكون الملل و الكسل و اللامبالاة و النتائج الهزيلة، لا أدري و لكن أن يشعر الطفل أنه ذاهب إلي سجن و ليس إلي مدرسة، هذا أمر مقلق للغاية. متي نفهم أن أطفالنا هم تلاميذ زمانهم و ليس زماننا ؟ و أن عجلة التطور تمشي إلي الأمام و ليس إلي الخلف و إستراتيجية التعليم بإغفالها للعامل البشري و هو المعني التلميذ، فلا خير كبير يرتجي منها.
ماذا نريد من التعليم نفسه ؟ تخريج جيل من المتواكلين أو صنف من الأذكياء المقدامين، فالنهضة فعل إرادي مدروس و هي حركة تلتقي فيها كافة الإيرادات و التطلعات و الجهود، فكيف بنا نعلم التلميذ مراكمة المعلومات دون التفاعل معها و إستخلاص العبر منها ؟ و كيف نعين هذا الطفل في مسيرته العلمية و نحن نكدس المواد و الواجبات علي كاهله ؟
نحن نحاسب التلميذ علي أداءه من خلال إختبارات آخر السنة، و لا نلاحظ أن الضغط الذي مورس عليه طوال العام أحيانا ينتج عنه فشل ذريع في آخر خطوة ! نحن نضع الخطوط الحمراء و نحن أول من ينتهكها ! هذا و الحوار غائب بين الإدارة و التلاميذ و اما الأولياء فكل همهم النقاط و النجاح !
أتفهم تماما، ضجر التلاميذ و مللهم، هم يدركون أنهم خارج حسابات المسيريين لقطاع التعليم، و حركة الإحتجاج التي تنامت بين صفوف أبناءنا أصبحت تؤرق القائمين علي شؤونهم و في ذات الوقت نصر علي إبقاءهم خارج دائرة الحوار. و الحديث يكون مع الأولياء أو نقابات عمال التربية و المعلمين ! أليست هذه مفارقة ؟
كيف نجدد في ميدان حساس و خطير جدا مثل التعليم و نحن نتجاهل مطالب المعنيين بفعل طلب العلم أولا و أخيرا ؟
و إلي متي و نحن نسوف علي أنفسنا ؟ متي نفهم فعل التعلم من الأهمية بمكان، فلا نغالط و لا نتمادي في ذلك و نستمع للطرح المسؤول للتلاميذ ؟ فعليهم تقع مسؤولية النهوض حضاريا و هم الأدري بإمكاناتهم و طاقاتهم و رغباتهم مشروعة ما دامت تصب في مصلحة الجميع.
و الغائب الآخر الذي تهمله الإدارات و السياسات المعلم و الأستاذ، و قد أفرد مقالة لدوره المغيب عمدا، فأهم متعاملين في العملية التربوية التلميذ و المعلم وقع تحييدهما إن لم نقل قمعهما، نعم القمع، فقد وصل بنا الوضع أننا صرنا نواجه التلميذ و المعلم بالغازات المسيلة للدموع، فأي معالجة هذه ؟
هل الربيع العربي سيمس بهذا القطاع الهام جدا بحيث نشهد تحولا جديا في الإتجاه الصحيح ؟ هذا ما نترقبه و نرجوه و يبقي العمل الحثيث أفضل رافد للعملية التعليمية.